مسار التحديث ومساءلة التجريب في تجربة الشاعر المغربي محمد بنطلحة
إذا كانت قصيدة التفعيلة قد انطلقت عند الرواد متكئة على منجزها العروضي الجديد، فإنها بعد أقل من عقدين طورت باقي جمالياتها المتمثلة في البناء الرمزي لغة ومتخيلاً، وفي الرؤية الجديدة للعالم، بل إن العرَوُض نفسه تخلى عن كثرة القوافي والوقفات القصيرة باعتماد التدوير والجمل الطويلة. هذا المنجز الجمالي التفعيلي الجديد هو الذي سيكتب من خلاله الشاعر المغربي محمد بنطلحة أعماله التي طبعها في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي (نشيد البجع سنة 1989م وسدوم 1990م وغيمة أو حجر 1992م) قبل أن يركب موجة التجريب نحو قصيدة النثر.
ومحمد بنطلحة من أهم شعراء القصيدة المغربية المعاصرة، حاز على عدة جوائز شعرية أبرزها جائزة الأركانة العالمية للشعر سنة 2016م، وجائزة ميهاي إيمينيسكو العالمية للشعر سنة 2022م.
لكن قبل أن يصل الشاعر إلى هذا التجويد الجمالي كان ديوانه الأول «رؤى في موسم العوسج» الصادر سنة 1970م ترديدًا لصدى القصيدة التفعيلية عند الرواد في المشرق. فحين نقرأ هذا المقطع من قصيدة «مذكرات عاشق»:
عيناك يا حبيبتي، وصحوة الحنين والجراحْ
معاذيَ الذي انتهى به الرحيلْ
إليهِ،
والجزيرة التي شربت من أنهارها - على القذى -
سبع ليال كاملاتٍ
ثم جئتها لأستجير بارتخاءة الظلال أو ندى الصباحْ
نلحظ اللغة الرومانسية التي سادت عند رواد النص التفعيلي بداية من «هل كان حبًا» للسياب في رقتها، وميلها الخفيف نحو المجاز والرمز الواضحي الدلالة، وصيغة «عيناك يا حبيبتي» التي تأثر فيها الشعراء بسحر عبارة «عيناك غابتا نخيل» في مستهل قصيدة أنشودة المطر.
كما نلاحظ حضور وزن شعري كان أثيرًا عند الرواد هو بحر الرجز بوقفاته الساكنة عروضية وتامة، ففي ستة أسطر لا نجد إلا اثنين مدورين هما الثالث والخامس، وتسكين كلمة الرحيلْ لجعلها وقفة عروضية مع العودة للسطر اقتداء بتقنية كتابة السطر لدى الرواد، مع الحرص على تقفية السطر الأول والأخير (الجراح، الصباح).
لغة المقطع بسيطة واضحة تستمد شعريتها من مجازاتها الواضحة (صحوة الحنين والجراح، أستجير بارتخاءة الظلال) ورمزية الجزيرة والعدد سبعة.
هذا البناء الشعري التفعيلي البسيط لغة ومتخيلاً وإيقاعًا يستمر في الديوان من خلال قصائد أخرى ولو كانت مختلفة في مضمونها.
أما في ديوانه الثاني «نشيد البجع» الذي كتبت قصائده بين 1974م و1984م فستتطور كتابة محمد بنطلحة، وتصبح أكثر احتفاء ببناء اللغة والصورة، ولجْم الصخب العروضي باعتماد التدوير والجمل الطويلة، وإهمال القوافي إلا نادرًا.
في هذا الديوان نقرأ مقطعًا من قصيدة
«آه يا بيروت»:
معا رحل البحر فينا، وقلمت الريح أظفارها، كنتِ تفاحتي المشتهاةَ.
فهل كنتُ آدمَ؟ منكِ يجيء المخاضُ. ومني يجيء الهوى الصعبُ.
ثدياكِ مرتهنانِ. ومَهركِ خلخال نارٍ؛ فعَرّي جبينكِ لي حيث تلغو القوافلُ.
إني تناولتُ وجهكِ من سلة المهملاتِ؛ وفي صفحات القطار تأملتُ أتعابهُ.
قلتُ: ما للأميرة تكتب باللّاتِنِيَّةِ أشعارَها؟ وامتنعتُ عن الشربِ.
سيدتي كيف أصبحتِ؟ أمس طلبتك بالتليفون؛ فلم يأتني الردُّ.
هل كنتِ بين الحديقةِ والبئر تستقبلين ضيوفك؟ أم كنتِ في البنكِ؟
إني تصفحت وجهكِ في شاشةِ التلفزيون جزءاً فجزءاً.
وإني رأيتكِ في سفن الصيد: كنتِ تَحُلّينَ أزرارَ ثوبكِ للرومِ والغرباءِ؛
كأنكِ نجرانُ باحتْ بأسرارها للغبار؛ وأهدتْ ملابسها للسرايا المغيرةِ.
عروضيًا تخلى البناء عن الأسطر القصيرة، والوقفات التامة والوزنية، وضرورة التسكين لإنهاء السطر وزنًا لا دلالة وتركيبًا كما رأينا في المقطع السابق. فتفاعيل بحر المتقارب كلها مدورة باستثناء السطر الثامن (جزءًا فجزءًا) إذ جاءت الوقفة تامة ومنسجمة مع السياق دون تعسف أو ضرورة، والتدوير وغياب القافية لَجَمَا سطوة العروض على حجم الجملة بإقفالها سريعًا، وفسحا المجال لاسترسالها، وبناء المعنى كما يريده الشاعر، أما تركيبًا فقد جاءت جملة الاستهلال (معًا رحل البحر فينا) بتقديم الحال على الفعل وفاعله بديعًا ودالاً على المشاركة التي هي بؤرة النص، كذلك المجازات ومجاوراتها تجاوزت أحادية التأويل ومحدوديته نحو آفاق تأويلية وجمالية ومتخيلة أرحب في عبارات مثل: (قلمت الريح أظفارها، عرِّي جبينك لي حيث تلغو القوافل، نجران باحت بأسرارها للغبار). وهذا المستوى المجازي تتخلله رموز بديعة في البناء كرمز آدم الذي استحضره الشاعر من خلال ما هو معروف (آدم والتفاحة المشتهاة) لكنه رفع مستوى التعبير الرمزي بهذه المشاركة التعبيرية الرائعة التي استدعت حواء: (منك يجيء المخاض ومني يجيء الهوى الصعب). وتتخلله كنايات عن ضياع بيروت ومعاناتها متلبسة بالمجاز (نهداك مرتهنان ومهرك خلخال نار، تحلين أزرار ثوبك للروم والغرباء، أهدت ملابسها للسرايا المغيرة). واليومي والعادي كذلك وُظف بمنسوب شعري مرتفع إما بالمجاز: (إني تناولت وجهك من سلة المهملات وفي صفحات القطار تأملت أتعابه)، أو بتلاحق الجمل الاستفهامية والجوابية بين الشاعر وذاته.
المقطع بناء فني قوي متطور عروضيًا وبلاغيًا (مجازًا وكناية ورمزًا)، ومُهجَّن بتوليفات فنية بين اللغة الرمزية في «آدم والتفاحة المشتهاة»، ولغة اليومي في «التليفون والبنك والتلفزيون» واللغة البدوية في «تلغو القوافل والسرايا المغيرة».
وقوي ببنائه التركيبي الذي فجر من أحادية صوت الشاعر ثنائية حوارية درامية تنطلق من عبارة «معًا يرحل البحر فينا»، وتستمر مع رمزية آدم وحواء بضميري الأنا والأنتِ «مني ومنك»، ثم الجمل الاستفهامية والجوابية التي تُلوّن وتنوع صوت الشاعر، وقوي برؤية الشاعر التي تستحضر بالمتخيل الثرّ واقع بيروت من خلال الروم ونجران وسفن الصيد والبنوك والسرايا المغيرة دون خطابية صارخة ضاجة.
هذا المستوى القوي يستمر في ديوانه اللاحق «غيمة أو حجر» الذي كتبت قصائده بين 1984م و1986م ومنه نقرأ هذا المقطع من قصيدة:
«منازل من ورق»
للمدى أن يُغالط عينَ المسافر؛
ثم يغالطَ عيني.
وللطمي أن يتلعثم في أوج قيلولة الماءِ
يا شجر السرو! شِبْتَ على كتفيَّ؛
فهلا ترجّلت عني؟
ويا صاحبي!
لا توفر إلى مهبط الليل سكرتكَ البكرَ؛
واصدع بها الآنَ.
دع جمرة الصمت بين الأصابع.
وادن من الجُرف تبد لك الروحُ نخلاً كثيفًا؛
وتبدُ المنازلُ أوسعَ مما تكون الخطى.
هكذا يرحل البدوُ:
نجمٌ بعيد، وذئبٌ يشمُّ الخطى.
غير أنك يا سعفَ النخل دانٍ
دنو المنازل مني.
في المقطع تختفي كذلك سطوة العروض (بحر المتدارك) من خلال غياب الوقفات الوزنية، وغياب القافية، وامتداد التدوير ليشمل الأسطر العشرة الأولى برمتها، ما يجعل الجمل مسترسلة خاضعة للمعنى والتركيب والصورة. غير أن الإيقاع في إطار المناوبة الجمالية سيبرز في الأسطر الخمسة الأخيرة في قافية «الخطى» التي لا أعتبرها إيطاء (من عيوب القافية) بقدر ما هي تكرار مندغم مع الدلالة وبنائها التصويري: (أوسع مما تكون الخطى، ذئب يشم الخطى)، وهذه القافية تشكل كذلك الوقفتين التامتين الوحيدتين في المقطع. كما يبرز الإيقاع في جناس الاشتقاق بين «دانٍ ودنوّ». وهي صنعات إيقاعية هامسة غير صاخبة جاءت كما قلت في سياق المناوبة الجمالية.
أما شعرية المقطع فتكمن في صوره وتناصاته وتلويناته الأسلوبية، الاستعارات قوية بالمجاورات اللغوية الجديدة (المدى يغالط عين المسافر ويغالط الشاعر، الطمي يتلعثم في قيلولة الماء، شجر السرو شاب على كتف الشاعر، جمرة الصمت بين الأصابع)، والكنايات معبرة عن روح البادية العربية: (هكذا يرحل البدو: نجم بعيد وذئب يشم الخطى)، والتشابيه مثلهما في الجدة وقوة التعبير (تبدو لك الروح نخلاً كثيفاً، تبدو المنازل أوسع من الخطى، سعف النخل دان كدنو المنازل). وحينما يستدعي الشاعر ذاكرته فإنه يقارن بين مجد الماضي وانكساره. فإذا كان المتنبي منتشيًا يقول:
ولا تحسبن المجد زقاً وقينةً
فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
فمحمد بنطلحة في زمن الانكسار يقول بلغة لا تقل عن فخامة لغة المتنبي: لا توفر إلى مهبط الليل سكرتك البكر واصدع بها الآن».
المقطع تجاوز غنائيته الأسيانة بخلق دراميته وخطابيته من خلال تناوب الخبر والإنشاء. فإذا كان الشاعر في الأسطر الثلاثة الأولى يخبر عن واقع السفر، فإنه بعد ذلك يستدعي مخاطبه شجر السرو بصيغتي النداء والاستفهام المستلزم لمعنى الأمر، ويستدعي صاحبه بصيغ النداء والنهي والأمر قبل أن يختم المقطع بالخبر في تلوين أسلوبيٍّ مُدرِك لمواضع التوطين الجيد، حيث تتضافر الصيغ مع قوة المفردة ورمزيتها، ودهشة الصورة وجدتها، ولطف استدعاء التناص، وسلاسة الإيقاع، وعمق الرؤيا في ورقية المنازل التي هي ذاكرة الشاعر وثقافته التي يسافر إليها ويستظل بها ويرحل عنها. هذه التوليفات جعلت من هذا المقطع القصير تحفة شعرية أتقن بنطلحة إخراجها.
وعلى غرار هذا المقطع في قوته وتناغم مكوناته الشعرية نقرأ مقطعًا آخر من مجموعة «سدوم» التي كتبت قصائدها بين 1988م و1992م وهو من قصيدة «هدايا ملوك» يقول فيه:
مَحَضْتُكَ يا نديمي!
نَخْبَ ما في صنعة التكرار
من وسواس كُمّثرى
محضتُك اِسم كمثرى
وأكثرَ.
هاكَ (في) بيتين مكسورين،
برجًا مائلاً، غزَلاً أشوريًا،
وموسيقى فراغٍ هندسيٍّ هائلٍ.
خذ؛ يا نديمي ثروة الأزتيكِ
أو خذ حكمة الأنكا
ودع لي نوطةً تستغفل الصولفيجَ.
دع لي كمْأَةً مأهولة الحجراتِ
- حتى النصفِ - بالحيتانِ.
دع لي يا نديمي جوربَ الدِّفلى؛
وشِسْعَ الأُرْغُنِ الحجريِّ.
أو عرِّج على آثار ضرب الخط في سبإٍ.
فإن سريرةَ الممحاة معراجي؛
وإن دمي غريمي.
في هذا المقطع تبدو تفعيلة الوافر حاضرة في الأذن بفعل المناوبة بين الأسطر المدورة وعددها عشرة، وبين الأسطر التامة التفعيلة وعددها ثمانية، وهي تفاعيل تامة لم تدركها علة القطف إلا في السطر الأخير إشارةً إلى تمام المقطع عروضًا وتركيبًا ودلالة. حضور الإيقاع عروضا تعضده في بداية المقطع تقفية السطرين الثالث والرابع بكلمة كمثرى التي لا أعتبرها إيطاء بقدر ما هي تكرار جميل موطن جيدًا، ومنسجم مع تكرار محضتك، وحرفي السين والميم في «وسواس واسم» وذلك المجاز المدهش في عبارة وسواس كمثرى، المقطع قطعة نغمية بعروضه وتكراره، وطبعًا شعري بمجازاته الجميلة التي ترتقي إلى الفلتات: (وسواس كمثرى، ونوطة تستغفل الصولفيج)، وشعري بالغرائبي: (كمأة مأهولة الحجرات حتى النصف بالحيتان، جورب الدفلى، شسع الأرغن الحجري)، وشعري بالتوليفات المموسقة والموطَّنة في سياقها بين حضارات كونية: (برجًا مائلاً، غزلاً أشوريًا، ثروة الأزتيك، حكمة الأنكا، ضرب الخط في سبأ)، وبين كتابة الشعر (صنعة التكرار، بيتين مكسورين)، وبين الموسيقى: (نوطة، الصولفيج، الأرغن). وشعري بالمشهد الملوكي الذي يصنعه العنوان: «هدايا ملوك» مع استحضار النديم (محضتك يا نديمي نخب...) ومعه الهِبة الملوكية: (خذ يا نديمي ثروة الأزتيك أو خذ حكمة الأنكا). لكنها ليست هبة ملك وإنما هبة شاعر مفتون بالفن والمغامرة: (دع لي نوطة تستغفل الصولفيج، أو كمأة مأهولة الحجرات بالحيتان). شاعر لا يكتب على خطى الأسلاف وإنما يكتب من وحي تجاربه (فإن سريرة الممحاة معراجي). هو شاعر في صراع مع أصوله ليبني ذاته: (وإن دمي غريمي). المقطع شعري بكل هذه العناصر وبلغته القوية السبك التي لا تَـرهُّـلَ فيها ولا حشو والتي تشع رمزًا، وتُآلف بين المفردة البدوية «سبأ» والمفردة العصرية «النوطة والصولفيج» دون نُبُوٍّ وتَمَحُّل.
قصائد محمد بنطلحة التفعيلية في «نشيد البجع» و «غيمة أو حجر» و«سدوم» تجاوزت مرحلة ديوانه الأول «رؤى في موسم العوسج» نحو بناء عميق الرمز، مدهش وجديد الصورة تشبيهًا واستعارة، ونحو لغة شديدة الأسر تآلف بين التراثي والمتداول اليومي دون سقوط في الغريب المُقحم أو المبتذل الفج، لغة لا يمكنك أن تتصرف فيها بالإضافة أو الحذف وإلا أفسدت جمالها وبناءها ورؤيتها، لأن كل كلمة موضوعةٌ بعناية وحذق في مكانها. قصائد بنطلحة في هذه الدواوين أشبه بلغة المجاطي في الفروسية بمتانة سبكها ورقيها الشعري. والشاعران متقاربان في تناول القصيدة وفي الوعي بجمالياتها الراقية وإن كانت لكل منهما بصمته وموهبته.
بعد ديوان «سدوم» أصدر محمد بنطلحة ديوانه الخامس «تحت أي سلّم عبَرْت»، وهذا الديوان تجربة مختلفة في شكل الكتابة، إذ إن قسمه الأول تفعيلي وعنوانه «على أهبة ما».
وقسمه الثاني نثري وعنوانه «أحذية لا مرافئ» وأول قصيدة نثرية كتبها فيه مؤرخة بسنة 1992م. وسنوات التسعين وما قبلها بقليل هي التي عُرف شعراؤها في المغرب بجيل الشباب الذي انتصر لقصيدة النثر ورفض العروض مكونًا إيقاعيًا في القصيدة، طبعًا على خطى ما كان سائدًا في المشرق العربي.
محمد بنطلحة الذي كتب القصيدة التفعيلية بصنعة قوية وفق أحدث طرق كتابتها وأقواها عربيًا ومغربيًا سيراهن على تجريب قصيدة النثر وسط أصوات جديدة في المشهد الشعري المغربي تجرب وتندفع، وفي أحيان كثيرة تستسهل كتابة الشعر وتخوض فيه خوض الغمْر الذي لا زاد له.
في هذا النص من ديوان «أخسر السماء وأربح الأرض» الصادر سنة 2014م نقرأ:
في بحيرة مِلْحٍ.
لا هواتفَ ذكية. ولا قطارَ إضافيٌّ
فقط، حانة من ورق.
أباجورةٌ.
أريكةٌ لاثنين.
براميل متفجرة في العينين.
أيقونة تدندن. وكل من في سني يهز كأسه.
ويقول: آه...
تتوالى مشاهد الحانة بمؤثثات عادية للمكان: الأباجورة والأريكة والبراميل والأيقونة المدندنة (ربما تكون مغنية الملاهي) وآهات السكارى وهم يهزون كؤوسهم. والجمل ابتداءً من السطر الرابع على عادة شعراء قصيدة النثر لا تلتحم بالروابط النحوية. والرؤية للعالم متقوقعة على الذات، عدمية الاستشراف. والأهم هو ذلك التميز العصي على المجاراة الذي فقده الشاعر حتى إننا نقرأ هذه القصيدة دون أن نرى فيها إضافة أو مكابدة فنية أو بصمة تميز الشاعر في أسلوبه ورؤيته عمن وعما يَكتب ويُكتب اليوم.
من حق الشاعر أن يجرب وأن ينوع طرق القول، ولكن التجريب عند شاعر كبير مرتبط بالتميز والإضافة والنقلة والبصمة الخاصة وهو ما لا نجده في قصائد بنطلحة الجديدة.
فهل وجد بنطلحة في العروض عائقًا أمام اللغة الجديدة؟ وأن القصيدة التفعيلية فقدت راهنيتها فراهن على ركوب موجة التحديث كما فهمها شعراء قصيدة النثر كي لا يتخلف عن مشهدها ويحصد جوائزها؟ وهل راهن على أن يكون شعره متخففًا من جماليات القصيدة العربية كي تسهل ترجمة شعره ويطل على العالم دون أن يُتعب المترجمين أو يُعجزهم فيصرفَهُم عن قصائده الباذخة المتألقة في «غيمة أو حجر» وفي «سدوم»؟
هذه أسئلة تُطرح على تجربته الجديدة ولكن الظاهر عندي أنه في قصائده الجديدة صار يعزف ضمن جوقة سائدة بعد أن كانت نوتاته خاصة به في تفردها وتميزها، وصار يكتب قصيدة في متناول الشعراء بعد أن كانت قصائده عصيَّةً على المجاراة ■