بيت السلال يعيد هندسة تفاصيل النخلة لمنحها حياة أخرى

 بيت السلال   يعيد هندسة تفاصيل النخلة   لمنحها حياة أخرى

ارتبط النخيل منذ العصور القديمة باستدامة الحياة البشرية في مملكة البحرين، التي عرفت ببلد المليون نخلة، فبجانب توفيرها للغذاء وفرت للإنسان البحريني العديد من احتياجاته اليومية، فالنخلة متجذرة في تاريخ وثقافة البحرينيين منذ قديم الزمان، وتحظى بأهمية بالغة لدى المجتمع، الذي اقتات على ثمارها وأبدع وابتكر منتجات سهلت حياته اليومية من أجزائها. وتسعى هيئة الثقافة والآثار بمملكة البحرين للحفاظ وصون هذه الشجرة المباركة وتراثها الحرفي، من خلال العديد من المبادرات، ويتكامل «بيت السلال» مع النجاح الذي ساهمت فيه الهيئة في إدراج ملف «النخلة المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات» على قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية بمنظمة اليونيسكو. 

 

يقع بيت السلال في قرية القلعة القريبة من قلعة البحرين التاريخية، وهو مركز مخصص لإحياء حرفة صناعة السلال والقفة التي كان يشتهر بها المجتمع الزراعي في مملكة البحرين، والتي تتمركز بقرية كرباباد القريبة من القلعة وافتتح بيت السلال في عام 2022 من قبل هيئة الثقافة والآثار، ضمن خطة تطوير منطقة القلعة التاريخية المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي غير المادي، ويقدم بيت السلال العديد من البرامج وورش العمل التدريبية، من أجل استدامة حرفة صناعة السلال والقفة على الطريقة التقليدية القديمة، بالاعتماد على سعف النخيل. يذكر أن بيت السلال كان في الماضي بيتًا لعائلة بحرينية من المجتمع الزراعي، وعملت هيئة الثقافة والآثار على ترميمه ليكون مركزًا لحرفة صناعة السلال التقليدية.
 
دورات وورش تدريبية
يقدم بيت السلال مجموعة من الورش التدريبية على مدار العام، لتعليم حرفة صناعة السلال، والقفة، والحصير، وغيرها من صناعات من سعف وجريد النخيل، بالتعاون مع مدربين بحرينيين توارثوا هذه الحرفة من أهاليهم. تذكر الأستاذة زينب عبد الجبار التي  تعمل في هذا المجال لأكثر من 25 عامًا وتقدم ورشًا تدريبية بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية، كوزارة التنمية، وهيئة الثقافة، والآثار، في بيت السلال الذي كان في السابق بيتًا لعائلة بحرينية من سكان قرية القلعة، وتم تحويله إلى بيت مختص بصناعة السلال، وسبب اختيار هذا البيت قربه من المنطقة التاريخية، ولكون المنطقة المحيطة تشتهر بهذه الحرفة، وليحتضن أبناء الحرفيين الذي توارثوا المهنة من أجدادهم، وإعادة إحيائها. وعن الدورات التي يقدمها المركز، تذكر الأستاذة زينب عبد الجبار، أن المركز يقدم دورات لصناعة الحصير والقفة وبعض المنتجات التي ابتكرتها، مثل المحفظة، والحقائب النسائية، والديكورات، وجميعها يدخل في صناعتها سعف النخيل، الذي يحصلون عليه من المزارع المحلية، أما عن الجمهور الذي يلتحق بتلك الدورات، أضافت الأستاذة زينب عبد الجبار أن المركز يستقطب النساء والرجال والأطفال، وكذلك السواح الأجانب والمقيمين في مملكة البحرين الذين يلتحقون بتلك الدورات ويخرجون بمستوى متقدم يجعلهم قادرين على صناعة بعض المشغولات من سعف النخيل، كما يتم بيع مجموعة متنوعة من المشغولات اليدوية من سعف النخيل، صنعت من قبل الأسر البحرينية المنتجة، حيث يتم عرضها في المركز كدعم من هيئة الثقافة والآثار لتلك الأسر، وناشدت الأستاذة زينب عبد الجبار وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين أن تضيف حرفة صناعة السلال والحصير والقفة في مناهجها التعليمية للحفاظ عليها من الاندثار.
  من جانبه أكد الأستاذ حسن الشجار أحد المدربين في المركز، أنه مواظب على هذه الصناعة منذ أكثر من 30 عامًا، والتي تعلمها من مشاهدة أهله الذين كانوا يمارسونها في المنزل، ويحرص على نقلها لأبنائه، وأفاد أن هذه الحرفة تربطنا بالنخلة التي يكن لها أهل البحرين محبة خاصة على ما سواها من أشجار، وأضاف الشجار، في بيت السلال، نحاول قدر الإمكان أن ننقل خبراتنا في هذا المجال إلى المهتمين في التراث والثقافة الشعبية، وإلى أبناء الجيل الجديد، وتعليمهم أساسيات هذه الحرفة للحفاظ على استدامتها، وهي حرفة تحتاج إلى الصبر والتدريب والوقت، كما نحاول في بيت السلال دمج الماضي بالحاضر، حيث أدخلنا الخوص بالديكورات الحديثة، مثل دمج الخوص بالصناعات الفخارية، وفي أثاث المكاتب والمنزل وأغطية الإنارة، وفي بعض الصناعات الاستهلاكية اليومية، وشدد الشجار على ضرورة وجود مثل هذه المراكز، وقال اعتقد إن من واجبنا كمواطنين بحرينيين حماية وصون تراث أبائنا وأجدادنا، وتعريف العالم بالمخزون الثقافي الهائل الذي تزخر به مملكة البحرين، وعن مستقبل هذه الصناعات، أكد الشجار أن السلال، والقفة، والحصير، والمهفة، كان لها حضور في الماضي، ويستخدمها الإنسان البحريني بشكل يومي، وقد استبدلت بالعديد من الأدوات الحديثة بلاستيكية الصنع وهنا تأتي مهمة بيت السلال والقائمين عليه متمثلة بهيئة الثقافة والآثار في الحفاظ على هذه الحرفة القديمة من الانقراض.
  
فرصة لتعلم حرفة صناعة السلال
  يستقطب بيت السلال العديد من المتدربين والمهتمين بالصناعات الحرفية التراثية من مختلف الفئات العمرية ومن الجنسين، حيث تذكر المتدربة صفية شبر شرف كنت أرغب بتعلم صناعة الخوص منذ أن كنت بعمر صغير، ولكن لم تسنح لي الفرصة بذلك الوقت لعدم وجود أماكن لتعلمها، أما عن سبب رغبتها في تعلم هذه الحرفة، قالت السبب هو والدي الذي زرع فينا حب النخلة وكان يتحدث عن كل جزء فيها واستخداماتها، وطريقة تلقيحها، وصناعة ماء اللقاح، وأنواع الرطب ومنتجات النخلة، وكيف كانت الأسرة تجتمع على الحصير المصنوع من سعف النخيل لتناول الطعام، فالنخلة مرتبطة بذكريات كل إنسان بحريني، وبمجرد سماعي عن وجود بيت السلال، حرصت على الالتحاق بالدورات التي يقدمها، والتحقت حتى الآن بأربع دورات كل دورة  كانت على مدار 3 أيام، وتعلمت خلالها صناعة الحصير، والمهفة، والقفة، والسفرة، ولاحظت أن هناك إقبالًا على هذه الدورات من مختلف الاعمار، وأتمنى من أولياء الأمور حث أطفالهم على حب النخلة ورعايتها لأنها مكون أساسي من مكونات هويتنا البحرينية الأصيلة.  كما تجذب الورش الزوار والمقيمين الأجانب في مملكة البحرين ومنهم المتدربة الألمانية ستيفاني التي تقيم وتعمل في مملكة البحرين منذ 5 سنوات، والتي ذكرت أن الذي شدها للتسجيل في هذه الورش هو حبها للحرف اليدوية والفن بشكل عام وبعد زيارة لها لبيت السلال، شاهدت بعض المنتوجات التي أبهرتها دقة صناعتها اليدوية بالاعتماد على مواد طبيعية بسيطة صديقة للبيئة، وتقول عندما شاهدت إعلانًا عن وجود ورش تدريبية لم أتردد بالتسجيل، في البداية واجهت صعوبة في التعلم ولكن سرعان ما تبددت تلك الصعوبات، وذلك بمساعدة المدربين المختصين، وبالتواصل مع زملائي المتدربين وأعتقد أنني سأستمر في هذه الحرفة حتى أصل إلى مراحل متقدمة في صناعة مختلف المشغولات ■