العودة للماضي

العودة للماضي

نشتاق أحيانًا إلى بساطة الماضي، ويأخذنا الحنين لنتذكر كل ما عشناه من حكاياتنا القديمة وتسالي الأطفال البسيطة التي علمتنا الكثير من الطيبة والقيم الجميلة، وحفرت في عقولنا أجمل الذكريات، نشتاق إلى اللعب ومتعة جَمعة العائلة بين الجد والجدة والأبناء، وألعابهم البسيطة وتساليهم المرحة. 
مضى زمن طويل وانطوى بكل ما فيه، وأصبحنا نعيش في زمان آخر كل شيء فيه مختلف تمامًا، تغلب عليه صفات جديدة لم نعرفها، زمن الرقمنة والعوالم الافتراضية بين المنصّات الحديثة، زمن سريع غريب يتطور ويتجدد بصورة يومية، يرغمك على مجاراته وضرورة فهمه حتى تتعامل معه، زمن الألعاب الإلكترونية، واللعب عن بعد، بدلاً من اللعب مع الأطفال ولقاءاتهم الحقيقية، زمن الذكاء الاصطناعي، الذي يتفنن مع الطالب في صياغة بحثه العلمي، بدلاً من البحث العلمي الفعلي في زيارة المكتبات العامة، وتصفح الكتب والمراجع، زمن اللغة الإنجليزية التي التهمت تراثنا العربي وتاريخنا، حتى ابتعد الجد عن الحفيد بسبب الفجوة في التواصل اللغوي بينهما. 
في ظل التطور التقني الذي يجتاح العالم هل هناك من يحاول صد هذا العملاق الذي يأكل الماضي بذكرياته ورائحته وصوره التي نتذكرها في بيت الجد والجدة، أم أننا مجبرون على تقبله بصورته الجديدة التي يفرضها؟ باستيراد كل سبل المتعة والتغذية بتناول الوجبات السريعة واستخدام اللغات الغريبة والصناعات من العالم، واعتماد طرق التربية الجديدة بدعوى أنها حديثة وتواكب العصر، ناهيك عن تعليم أبنائنا لحضارات الغرب وثقافاتهم الغربية والتأثر بأبطال أفلام «هوليوود» ومغنيّ الروك والبوب وأغاني الراب وعزف الجيتار الكهربائي ومعجبي أبطال الهيروز وأفلام الأنيمي، كموجات جادة في عالم السوق.
فماذا لو امتد ذلك الجسر لربط الشعور الإنساني الجميل مثلما نراه من تأثير قصص والت ديزني، والتقاء الأميرات بفارس الأحلام، بقصص الحب التي تضع الملامح الغربية في صدارة الخيال، والتي من الأجدر أن يغلبها قصص مجنون ليلى، قيس ابن الملوح، وقصة جميل وبثينة، وكثير عزة، وحب عنتر لعبلة بنت مالك، وروايات عربية لأساطير تحكي قصص العشق بقلم عربي ينسج تكوين الشعور الإنساني بصورة عربية تحاكينا وتحاكي هويتنا العربية، لجمال الشعر الأسود بدلاً من الأشقر، والبشرة الحنطية والعيون الكحيلة بدلاً من العيون الزرقاء، وتذوق جماليات الخط العربي بأنواعه كخط مواز للأبجديات الأجنبية وكل ما سرق منا ذائقة الطفل العربي ولغته الجميلة لطفل ناطق باللغة العربية، يحبها ويفكر بها، يكتبها ويقرأها ويتحدث بلسان عربي بليغ يحبه ويعشقه ■