فرانكفورت عاصمة الاقتصاد والثقافة
فرانكفورت مدينة التناقضات، متعددة الأطياف والألوان، عاصمة الاقتصاد والثقافة والكتب، ترعرع فيها الكثير من الموهوبين وتلقب بـ«مانهاتن أوربا» لمركزها المالي المهم، ووجود ناطحات السحاب المشابهة لتلك التي بنيويورك، وتعتبر مقصدًا للمستثمرين من مختلف دول العالم، وبما أنه الاقتصاد عصب الحياة، وبه تدور عجلة التنمية والتطور والعمران، ويصاحب ذلك انتعاش في كل مجالات الحياة ومنها الثقافة. وذلك ما يشوقني في اكتشاف تاريخ وحاضر فرانكفورت، مدينة الكتب والتجارة.
يعتبر مطار فرانكفورت ثاني أكبر مطار في أوربا، حيث يشهد مرور أكثر من 55 مليون مسافر وأكثر من 300 وجهة، ويعتبر أهم محطات الترانزيت العالمية وملتقى شبكة كبيرة من المواصلات، سواء القطارات أو النقل الجوي، ويمكن ملاحظة ذلك بتزاحم الطائرات بنقل المسافرين من مختلف الجنسيات، وعند الخروج من المطار الراقي ذي البناء الجميل فجرًا، رحبت بنا زخات من الثلج الخفيف أضافت لصباح فرانكفورت المنعش زينة، وأعطتنا حيوية ونشاطًا، لنتفق مع زملاء الرحلة بأنه ما نصل للفندق ألا تطول مدة راحتنا، لنتمكن من استغلال النهار القصير بتصوير فرانكفورت الجميلة.
فرانكفورت ولمحة تاريخية اقتصادية
تقع المدينة بوسط غرب ألمانيا على ضفاف نهر الماين بولاية هسن، التي تعتبر خامس مدينة من حيث عدد السكان بألمانيا، وهي ليست العاصمة السياسية لألمانيا لكن لمكانتها الاقتصادية، تضم 108 قنصليات، منها بالطبع الكويتية. ودلت الآثار أن الاستيطان بدأ منذ العصر الحجري وازدهر بالعصر الروماني، ووجدت الكثير من الآثار الرومانية، وأهم ساحة بالمدينة تسمى رومر، وتعتبر من عام 1372م مدينة إمبراطورية حرة تتبع الإمبراطور الروماني المقدس وليس لحاكم إقليمي (الرومانية).
من الحقبات المهمة بتاريخ فرانكفورت اختيارها مدينة لتتويج الملوك والأباطرة ابتداء من الإمبراطور شارلمان سنة 800 إلى الإمبراطور فرانتس الثاني عام 1806م. وفي عام 1585م أنشأ تجار فرانكفورت نظامًا لأسعار الصرف للعملات المختلفة لمنع الغش والفوضى الاقتصادية. ومن هنا بدأت فكرة بورصة فرانكفورت الشهيرة، وتعرضت فرانكفورت للغزو الفرنسي من قبل الإمبراطور الشهير نابليون. وبعد التحرير عام 1815م أصبحت المدينة جمهورية مستقلة ودخلت الاتحاد الألماني، وكان في فرانكفورت مقر لأول برلمان ألماني منتخب ديمقراطيًا، وهو برلمان فرانكفورت، الذي اجتمع في كنيسة القديس بولس (تعتبر أكبر كاتدرائية ومقرًا لتتويج الأباطرة)، ورغم الحروب بالمنطقة حافظت المدينة على طابعها الحضري وتفاعلت مع فترة الثورة الصناعية، حيث كانت فرانكفورت رائدة في الصناعات الكيميائية والصيدلة والنسيج، وصاحب ذلك نمو سكاني وهجرات.
دور محوري
وقد تعرضت المدينة لدمار هائل من خلال أحداث الحرب العالمية الثانية، لكن بهمة تمت إعادة وترميم المدينة التي تعد الرئة الاقتصادية لألمانيا بل لأوربا بأكملها (خصوصًا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي)، وتوجهت الأنظار نحو فرانكفورت وأصبحت مقرًا لكثير من الشركات والبنوك ومقرًا للبنك المركزي الأوربي، وتحتضن البورصة التي تعتبر الأهم عالميًا، كما تقوم بدور محوري لاقتصاد القارة العجوز (أوربا)، كذلك هي أكبر نقطة لتبادل الإنترنت عالميًا، ومركزًا للمعارض المهمة، منها السيارات والصناعة، وطبعًا معرض الكتاب الذي يعتبر الأكبر عالميًا.
نهر الماين أعطى للمدينة اسمه
عند الحجز والتخطيط للسفر اكتشفت أن هناك أكثر من فرانكفورت، فهناك مدينة ألمانية أخرى تحمل الاسم نفسه، إضافة لمدينة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لاحظت إضافة كلمة الماين (نهر رئيسي يمر بفرانكفورت)، يتبع اسم المدينة دائمًا وخصوصًا بالمعاملات الرسمية كتذاكر القطار والطيران، وعند ذكر المدينة بكتاب أو خبر. ويبلغ طول نهر الماين 527 كم، وله مكانة تاريخية، حيث كان مسارًا رئيسيًا بالعصور القديمة سيما الرومانية، ويعتبر الرافد المهم لنهر الراين الشهير، وكان النهر يعج بالأسماك والحياة لكن بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة للتلوث البيئي انخفضت جودة المياه، بل منعت السباحة فيه ونفقت الأسماك، وبعد الجهود وإنشاء مراكز تراقب عمليات التخلص من ملوثات المصانع عادت جودة مياه نهر الراين بالتحسن وعادت الحياة الفطرية للنهر سيما الأسماك والطيور.
وللبيئة اهتمام كبير من قبل بلدية المدينة (ثلث المدينة مساحات خضراء)، فيلاحظ بأن حاويات القمامة مفروزة ليتم إعادة التدوير لتحقيق الاستدامة والمساهمة بالحفاظ على البيئة قدر الإمكان سيما وأن ألمانيا دولة صناعية من الطراز الأول.
لا حواجز لغوية
مازالت فرانكفورت تستقطب الهجرات ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال التجول بالأسواق وسماع أنواع من اللغات، ومنها العربية بلهجاتها المتعددة، ولا توجد أي حواجز لغوية في التعامل مع الجميع، من الفندق إلى محطة القطار أو المطاعم والأسواق، فأي لغة تتقنها تؤتي ثمارها، سواء العربية حيث العرب لهم حضورهم بالمدينة، والتركية لوجود جالية تركية كبيرة، ومنهم من هاجر لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة للمساهمة بإعادة الإعمار، كذلك لغة الأردو حيث الجاليات الهندية والباكستانية، وطبعًا لغات أوربا الأخرى كالروسية والتشيكية دارجة، ولذلك وجدت نفسي أمام بوتقة لغوية بمدينة نشطة متعددة الأعراق تعطي أجواءً عالمية جميلة بشوارعها النابضة بالحياة.
من شارع زيل إلى نهر الماين
بعد ملاحظة سريعة لخريطة المدينة بدأت جولتي من المكان المثالي، شارع زيل، الشريان الاقتصادي للمدينة ويضم أشهر المتاجر، والشارع مخصص للمشاة مما يزيد من متعة التجول فيه، ويحتوي الشارع على الكثير من المقاهي والمطاعم (نظرًا لأن فرانكفورت مدينة عالمية متعددة الأعراق والأذواق توجد مطاعم تركية وشرق أوسطية وهندية ومن شرق آسيا إلى كوريا)، وبالطبع كان اختياري للمطاعم التقليدية الألمانية وتحديدًا كعكة كرانز فرانكفورت التقليدية ذات الشعبية الكبيرة، وهي من ذكريات فرانكفورت كمدينة تتويج الأباطرة الرومان، حيث إن الكعكة لها شكل دائري يشبه التاج، وكان نصيبي منها قطعة كبيرة لأواصل اكتشاف المدينة.
غوته... ابن المدينة البار
بعد أن قطعت شارع زيل، واجهني تمثال كبير وكان لأديب ألمانيا الأول وابنها البار وأشهر شعرائها يوهان غوته، المولود عام 1782م بفرانكفورت لعائلة مرموقة، وكان جده لأمه أعلى مسؤول قضائي بالمدينة، وكان شاعرًا وعالمًا وأديبًا، وكان متأثرًا جدًا بالفكر والأدب العربي والإسلامي، وظهر ذلك في مجموعة من قصائده وترك غوته إرثًا أدبيًا وثقافيًا ضخمًا للمكتبة الألمانية بل للعالمية واكتسب شهرة بكل أنحاء أوربا، بل إن الإمبراطور الفرنسي الشهير نابليون بونابرت دعاه إلى لقاء خاص، وعمل غوته مستشارًا لدوق فيمار وخصص له راتبًا مجزيًا، وتمت ترقيته إلى طبقة النبلاء، مما أتاح له الإبداع بكتبه بالشعر والفن وأدب الرحلات، وترجمت إلى العديد من اللغات ومنها - طبعًا - اللغة العربية التي أحبها غوته وكانت له محاولات بالخط العربي، وتوفي غوته عام 1832م، لكن مازال اسمه بكل مكان بفرانكفورت، بل إن منزله ليس ببعيد عن التمثال، وقد حظيت بصورة فوتوغرافية لهذا المبنى الشهير الذي كتب غوته روايته الشهيرة (آلام فرتر)، ويمكن لزوار المنزل الذي تحول إلى متحف مشاهدة مقتنيات الشاعر والأديب الذي لم تكتفِ المدينة بتكريمه بتمثال، بل أطلقت اسمه على أحد أهم الشوارع بالمدينة، كذلك هناك جامعة باسمه أنشئت عام 1914م.
من هنا بدأت الطباعة
بالقرب من تمثال الأديب غوته يقابله تمثال شخصية لا تقل أهمية، بل إن اختراعه غيّر التاريخ بما تعني الكلمة وليس مجازيًا، إنه تمثال مخترع الطباعة يوهان غوتنبرغ، المولود عام 1398م في ماينز بالقرب من فرانكفورت (أقل من نصف ساعة بالقطار)، الذي طوّر قوالب الحروف بما يعد أساس طرق الطباعة الحديثة. نشأ يوهان ببيئة مهنية وعمل مع والده بدار السك مما اكتسب خبرة بالتعامل مع المعادن، وفي عام 1440م أشعل ثورة بعالم الطباعة، وتم إنتاج نظام آلة طباعة بحروف مطبعية متنقلة تطبع الكتب بطريقة أدق وأسرع، مما جعل الكتاب بمتناول الجميع، بعد أن كان نادرًا، وصاحب هذا الاختراع نهضة أوربا الثقافية، لذلك نجد عراقة مدينة فرانكفورت بعالم الكتاب والطباعة.
وتخليدًا لذكراه أنشئ متحف غوتنبرغ في ماينز، لذلك أثار فضولي زيارة هذا المتحف ومشاهدة أوائل آلات الطباعة ووسائلها ويمكن مشاهدة نشوء الطباعة وسط رائحة الحبر القوية ومحاكاة لعمل الطباعين القدماء خصوصًا طباعة الصحف اليومية، وتعد فرانكفورت من أقدم المدن التي أصدرت الصحف اليومية (صحيفة فرانكفورت روند شاو)، ويعتبر معرض فرانكفورت للكتاب الأهم عالميًا والأكبر ويقام سنويًا منذ خمسة قرون حيث يقام العرض على مساحة شاسعة بمشاركة النخبة من دور النشر، وتقام فيه مختلف الفعاليات ويقدر بكل معرض 100 ألف عنوان جديد، لذلك يعتبر تظاهرة ثقافية عالمية، أو كما أشبهها بسوق عكاظ، حيث تعرض معظم دور النشر والدول ما أنتج من خير الجلساء... الكتاب، وللعرب نصيب بالمعرض حيث هناك بعض من دور النشر تحرص على المشاركة بهذا المعرض العالمي.
معمار أنيق رغم الحروب
ترتبط الشوارع والساحات بفرانكفورت بشبكة مواصلات تتركز على المترو والترام، وهي أكثر من ناجحة لتضمن تنقلًا سلسلًا بعيدًا عن زحام السيارات، لكن مع الأجواء الجميلة يحلو التنقل سيرًا على الأقدام للتوجه نحو منطقة رومر، وهي كلمة ألمانية تعني روماني (نسبة للوجود الروماني لهذه المنطقة)، وهي عبارة عن مبانٍ قديمة تعود للعصور الوسطى التي استطاع مجلس المدينة حيازتها عام 1405م، وتحويلها إلى مباني البلدية وهي مبانٍ أنيقة تتوسطها نافورة وأرضية بحجارة أنيقة مصفوفة، تتناثر بالزوايا متاجر الهدايا التذكارية وساعات الحائط الخشبية التي يشتهر بها هذا الإقليم الألماني المتاخم للغابة السوداء، مما يوفر أجود أنواع الأخشاب لصناعة ساعات الحائط، والساحة بأحد مخارجها تؤدي إلى نهر الماين، ويمكن الانتقال للضفة الأخرى عبر جسر العشاق كما تسمى، حيث الجسر مثقلاً بالأقفال التي تم تعليقها ورمي مفاتيحها بنهر الماين، متمنين استمرار الحب.
ويعد جسر العشاق من معالم فرانكفورت المهمة، حيث بني عام 1868م وتم تجديده عام 1914م، إلا أنه في الحرب العالمية الثانية وعن طريق مناورة من الجيش الألماني تم تفخيخ وتفجير الجسر، ونظرًا لأهمية الجسر تمت إعادة بنائه بعد الحرب، وفي عام 1993م تم تجديده بالكامل.
دار الأوبرا تحفة معمارية
توجد دار الأوبرا في وسط المدينة بساحة فسيحة تنتشر حولها المقاهي والمتاجر الأنيقة، تصدح بالأنغام الكلاسيكية منذ عام 1880م، حيث حضر افتتاحها القيصر الألماني فيلهم الأول الذي أعجب كثيرًا بها وأصبحت تضاهي دور الأوبرا الشهيرة بأوربا، مثل فيينا وباريس، وتحتضن أهم الفرق الموسيقية العالمية بأكثر من 200 عرض سنويًا، ولفت نظري وجود تمثال للموسيقار النمساوي الشهير موزارت، طبعًا لا أحتاج إلى أن أضيف أن المبنى تضرر كثيرًا بالحرب العالمية الثانية وقد تمت إعادة الافتتاح عام 1981م.
الصحفي فريدرش
أثناء تجولي بالمدينة القديمة صادفت تمثالاً ونصبًا تذكاريًا لشخصية كنت أتوقعها لأحد رؤساء ألمانيا أو لأحد المخترعين، وقد يكون طبيبًا مشهورًا، لكن بعد أن التقطت الاسم وبالطبع صورة فوتوغرافية توثيقية، وعند أول محطة استراحة لي وطبعًا استراحتي تكون بأحد المقاهي لأحتسي فنجانًا من القهوة وأبدأ بترتيب المعلومات، بحثت عن الشخصية لأتفاجأ بأني أمام صحافي، ما زاد من سعادتي حيث الصحفي المنجز يستحق التكريم، لأن مهنة الصحافة التي تسمى مهنة المتاعب (بالنسبة لي أسميها المهنة الممتعة) مهنة سامية وذات رسالة، حيث ينقل الصحفي القارئ أو متلقي الخبر والمعلومة إلى قلب الأحداث بالكلمة والصورة، ولذلك يستحق التكريم مَن صال وجال في عالم الصحافة مثل صاحب التمثال فريدرش ستولنز المولود عام 1816م، وكان صحفيًا ومراسلًا حربيًا وله مساهمات كثيرة في مختلف الصحف الألمانية العريقة.
البرج القديم بأفق ناطحات السحاب
لفت نظري وجود برج أثري، ومن خلفه أفق ناطحات السحاب والمراكز المالية الحديثة بمزيج نابض بين القديم والحديث، وهو برج إيشنهايم بارتفاع يصل إلى 47 مترًا، الذي بني عام 1343م بأمر من الإمبراطور لويس الرابع الذي أراد حماية المدينة وبسط السيطرة بالمراقبة والحراسة من خلال البرج الذي يتمتع بتصميم مميز من العصور الوسطى، ما يدل على أهمية المدينة السياسية والاقتصادية فتنال اهتمام الملك لحمايتها.
محطة القطار تقرب البعيد
ترتبط المدن الألمانية بشبكة قطارات حديثة، وتنطلق القطارات بمواعيد دقيقة وتتنقل بين المدن الأوربية أيضًا، وتعتبر محطة قطار فرانكفورت التي أنشئت عام 1888م الأكبر في أوربا حتى عام 1915م، ورمزًا للثورة الصناعية، وتنطلق منها 1800 رحلة يوميًا تحمل الآلاف من المسافرين، وتعتبر من المحطات المهمة نظرًا لموقع المدينة وأهميتها الاقتصادية، وأستمتع أنا بأجواء محطة القطار، فهي عالم بحد ذاته، هناك من ينتظر وهناك من يحمل أمتعته قاصدًا الرصيف المحدد، وتتداخل مشاعر المسافرين ما بين المتوتر والمستعجل والمشتاق أو السائح الفضولي الذي أمثله أنا، وليس بغريب على عاصمة الكتب وجود أكثر من مكتبة بمحطة القطار لبيع المجلات والكتب التي يحرص على قراءتها المسافرون أثناء الرحلة بعيدًا عن إزعاج القراءة بالهواتف الذكية، فالقراءة الكلاسيكية لها مذاقها.
فازلر عاصمة التصوير الفوتوغرافي
على بعد بعض كيلومترات شمال فرانكفورت تقع مدينة فازلر، التي تعتبر عاصمة للتصوير الفوتوغرافي، حيث أنشأ الألماني آرنست ليتز مصنعًا لعدسات المجهر عام 1869م، ومن ثم تطور وصنعت الكاميرات الخشبية الكبيرة ذات القواعد، وبما أن الحاجة أم الاختراع حيث طلب أحد المصورين كان مصابًا بالربو كاميرا سهلة النقل أثناء تسلق الجبال، لذلك قام أحد مهندسي المصنع وهو أوسكار برنك عام 1914م بصنع كاميرا خفيفة الوزن والحجم وسحب من بكرة الأفلام السينمائية لفافة بمقاس 35MM وعدد 36 إطارًا ليتم وضعها بالكاميرا، ومن هنا بدأت الثورة الفوتوغرافية وأصبحت الكاميرا بحجم مناسب ويمكن حملها بجيب المعطف، مما سهل التصوير الصحفي، وأصبح التصوير في قلب الحدث أمرًا سهلاً، وقد اندلعت الحرب العالمية الأولى والثانية فكانت هذه الكاميرات أهم أداة للصحفيين، وحاليًا يحتوي المصنع على متحف للكاميرات إضافة لمعرض للصور الفوتوغرافية المهمة التي وثقت التاريخ بعدساتها الألمانية.
الأزهار لغة المحبين والمهنئين
لغة الورود لغة جميلة تكشف مشاعر الاحترام والحب والامتنان والزهور بألوانها الجميلة، ورائحتها العطرة ثقافة سائدة في مدينة فرانكفورت، فلا تخلو زاوية من محطات القطار من المنظر المتكرر كإحدى العادات الاجتماعية في ألمانيا بحمل باقة الزهور والانتظار عند رصيف القطار لإهدائها للصديق أو القريب الذي ينتظرونه، إضافة إلى أن إحدى الساحات الكبيرة المتصلة بشارع (زيل) الرئيسي هي متجر مفتوح وكبير لبيع مختلف أنواع الزهور، ويبدو أنه لكل نوع ولكــل باقة مناسبة خاصة سواء أعياد الميلاد أو حفلات الزواج، أو بكل بساطة باقة زهور جميلة لإهدائها لشخص عزيز.
الثقافة... أسلوب حياة
يقسم نهر الماين المدينة لقسمين، فالضفة الأخرى لنهر الماين تسمى بمنطقة ضفة المتاحف، حيث يوجد أكثر من 16 متحفًا (هذا العدد فقط للضفة الجديدة أما عدد المتاحف في فرانكفورت فيقدر بستين متحفًا)، إضافة للمعارض الفنية، ومن هذه المتاحف متحف يؤرخ تاريخ السينما، ومتحف شتيدل الذي يضم أكثر من 100 ألف عمل فني من العصور الوسطى إلى الوقت الحالي، ومتحف الفن الحديث. وأعجبني شخصيًا متحف تاريخ فرانكفورت، حيث أخذني في رحلة عبر الزمن لاحتوائه على عملات ومخطوطات وأسلحة من حقبات متنوعة، لكن ما أثار اهتمامي هو معرض للصور الفوتوغرافية للدمار الشامل للمدينة أثناء الحرب العالمية الثانية.
النهضة والبناء والأمل
النهضة والبناء والأمل والتطور... لا يستقيم كل ذلك إلا بالعمل، واستخلاصًا لما سبق تكون مدينة فرانكفورت التي دمرت كليًا من خلال الحرب العالمية الثانية خير مثال للأمل، لأنها نهضت من جديد وأصبحت عاصمــة للاقتصاد والثقافة والكتاب على مستوى العالم أجمع، لتعطي درسًا في الاجتهاد رغم الظروف الصعبة، وأتمنى أن يكون للمدن التي دمرتها الحروب سيما المدن العربية نصيب من النهضة وإعادة الإعمار مماثلة للنهضة الألمانية، بل أفضل منها ■
شعار فرانكفورت على أحد المباني القديمة
من القرن الخامس عشر استحوذت سلطة المدينة على هذه المباني وجعلتها مقرا للبلدية
المعمار الألماني القديم
من القرى بالقرب من فرانكفورت ويسهل الوصول بها عبر القطار والعودة بنفس اليوم للمدينة
نهر الماين
يتشابك التارخ بالمستقبل بنمط معماري جميل
شارع زيل المكتظ بالمتاجر يعج بالمتسوقين صباحا ومساء
سوق شبه يومي للخضار والفواكه ومختلف المواد الغذائية ببداية شارع زيل التجاري