نبوءة «هان كانغ» تتحقق
أعلنت الأكاديمية السويدية في العاشر من أكتوبر الماضي، عن منح الكاتبة الكورية الجنوبية «هان كانغ» جائزة نوبل للأدب، التي تعد أرفع الجوائز الأدبية بالعالم، وفي أعقاب فوزها بالجائزة رفضت «هان كانغ» عقد مؤتمر صحفي، مشيرة إلى المآسي العالمية الناجمة عن الحرب في العالم.
هذا الفوز وذلك الإقبال الكاسح على أعمالها الروائية دفعها للقول إن هناك المزيد من القراء المحتملين للأدب الكوري في جميع أنحاء العالم، والقراءة الأدبية الكورية من قبل القراء غير الكوريين ليست حلمًا بعيدًا، وفيما يتعلق بالاهتمام غير الكوري بالأدب الكوري، قالت إن هناك الكثير من المترجمين والمحررين المهرة الذين يبدون اهتمامًا بالكتاب الكوريين، وكل ما يتعلق بالأدب الكوري كجزء من الأدب العالمي.
ثالث أصغر الفائزين بالجائزة
بعد أقل من عشر سنوات على وجه التقريب تحققت نبوءة الكاتبة الكورية الجنوبية «هان كانغ» وحصلت على جائزة نوبل للأدب، وذلك «لكتاباتها الشعرية المكثفة التي تواجه الصدمات التاريخية وتكشف عن هشاشة الحياة البشرية»، كما صرح «أندرسون أولسون» رئيس لجنة الجائزة، وكانت «هان كانغ» قد أطلقت هذه النبوءة عام 2016م بعد فوزها بجائزة البوكر الدولية عن روايتها «النباتية» حيث صرحت قائلة: أعتقد أن الكثير من الأخبار عن الأدب الكوري ستُنشر الآن وستُشارك في كل مكان، وبالتالي فإن الفوز بأكبر الجوائز الدولية لن يكون مشكلة بعد الآن!
ولم تكن «هان كانغ» الكورية الأولى التي تفوز بجائزة نوبل، فإن الرئيس السابق «كيم داي جونغ» الذي تولى السلطة بين العامين 1998م و2003م قد سبقها عام 2000م إلى نيل جائزة نوبل للسلام عن جهوده من أجل السلام والمصالحة مع كوريا الشمالية، كما جاء في حيثيات منحه الجائزة، إلا أنها بفوزها «المفاجئ وغير المتوقع» في هذا العمر الصغير نسبيًا تعد ثالث أصغر من فازوا بالجائزة بعد روديارد كبلينج الذي فاز بها عام 1907م عن عمر يناهز الحادية والأربعين وألبير كامو الذي فاز بها عام 1957م في عمر الرابعة والأربعين!!
ميلادها ومسيرتها الإبداعية
الكاتبة الكورية الجنوبية «هان كانغ» ولدت في 27 نوفمبر 1970م في مدينة غوانغجو في كوريا الجنوبية، وانتقلت مع عائلتها إلى «سيول» العاصمة في سن التاسعة، ودرست الأدب الكوري في جامعة يونساي وهي تأتي من خلفية أدبية حيث كان والدها «هان سونج ون» روائيًا شهيرًا، وأخوها «هان دونج ريم» روائيًا شابًا، كما أنها كرَّست نفسها بجانب كتاباتها الأدبية للفنون والموسيقا وهو ما انعكس في كامل إنتاجها الأدبي الذي تميز بسرد قصص شديدة الخصوصية، لما تتمتع به «هان كانغ» من وعي فريد بالروابط بين الجسد والروح، وبين الأحياء والأموات، عبر أسلوبها الشعري التجريبي في مجال النثر المعاصر، والسرد الروائي بأسلوبها الفريد حيث تتغلغل دائمًا في ثنايا الحياة وتواجه العلاقات المعقدة على نحو صادم قد يخلو من الرؤى المتفائلة في السرد إلا أنها وبينما تنكأ الجراح تحرك الأحداث نحو الضوء من خلال التواصل الإنساني لأنها في كل أعمالها ترسم الواقع بالأحلام وتنبذ العنف؛ وتنحاز للمعاناة الإنسانية والتوحد مع الكائنات الأخرى!
ولقد بدأت «هان كانغ» مسيرتها الإبداعية في عام 1993م بنشر عدد من القصائد في مجلة «الأدب والمجتمع» ونشر مجموعة شعرية بعنوان «شتاء في سيول»، أما ظهورها الأول في النثر فجاء في عام 1995م مع مجموعة القصص القصيرة «حب يوسو» تلتها أعمال نثرية أخرى، سواء كانت روايات أو قصص قصيرة، ومن بين هذه الأعمال تبرز رواية «يداك الباردتان» 2002م التي تحمل آثارًا واضحة لاهتمام «هان كانغ» بالفن، والكتاب يعيد إنتاج مخطوطة تركها وراءه نحات مفقود مهووس بصنع قوالب جبسية لأجساد النساء، وتتركز الرواية على تشريح الجسم البشري والتلاعب بين الشخصية والخبرة، حيث ينشأ صراع في عمل النحات بين ما يكشفه الجسد وما يخفيه.
جوائز أخرى حصلت عليها
من الجدير بالذكر أن «هان كانغ» قد حصلت قبل «نوبل» على عشرات الجوائز، فقد حصلت روايتها الأشهر «النباتية» عام 2016م على جائزة «المان بوكر» الدولية بعد ترجمتها للإنجليزية، كما وصلت روايتها «الكتاب الأبيض» للقائمة القصيرة لنفس الجائزة عام 2018م، كما اختيرت روايتها ضمن قائمة أفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين حسب مجلة نيويورك تايمز، كما تمت ترجمة بعض كتاباتها إلى اللغة العربية، مثل «الكتاب الأبيض» و«أفعال بشرية» الصادرين عن دار التنوير، وقد قام بترجمتهما د. محمد نجيب، وروايتها الشهيرة «النباتية» وقد تعهد بترجمتها د. محمود عبدالغفار، وهي تبدأ بتقنية مبتكرة في السرد على لسان راوٍ شخصي عبر تصوير مجمل لحرب تخوضها روح وحيدة ضد العالم، وتنتهي لنظرة «النباتية» المفعمة بالقوة والصمود إلى الأشجار المحيطة بالطريق إلى سيول وهي نظرة تحد لقسوة البشر وسلاحها الوحيد في هذه الحرب جسد أخف من ورقة شجر في مواجهة العالم، وكل هذه الترجمات أكدت للقارئ العربي أن مؤلفاتها شديدة التميز والرقي والإنسانية والتجديد في مجال النثر الشعري والسرد القصصي والروائي.
وماذا بعد منحها الجائزة؟
ارتفعت مبيعات أعمال «هان كانغ» الروائية في المكتبات الإلكترونية في كوريا الجنوبية عقب الإعلان عن فوزها بجائزة نوبل في الأدب، حيث تم بيع أكثر من مئة وثلاثين ألف نسخة في أقل من يوم واحد على منصتين رئيسيتين، وأفاد مركز «كيوبو» للكتب وموقع «يس 24» يوم الجمعة 11/10/2024م أي بعد يوم واحد فقط من إعلان منحها الجائزة بأنهما باعا ما يزيد على سبعين ألف نسخة على التوالي من أعمالها، وفي قائمة كيوبو للأعمال الأكثر مبيعًا، جاءت تسعة كتب لـ«هان كانغ» من بين أكثر عشرة أعمال مبيعًا، بما في ذلك «النباتية» و«أعمال الإنسان» و«لا أقول وداعًا» و«الكتاب الأبيض» و«دروس إغريقية» وتم بيع الكتب على أساس الحجز المسبق بسبب نفاد النسخ المطبوعة، وسجل «كيوبو» ارتفاع مبيعاتها إلى أربعمئة وواحد وخمسين ضعفًا منذ الإعلان عن فوز «هان كونغ» بالجائزة، وشهد موقع «يس 24» اتجاهًا مماثلاً حول سيطرة أعمال «هان كانغ» حيث بلغت المبيعات الإجمالية لثلاث روايات 77.000 نسخة يوم الجمعة وحسب، وهو اليوم التالي لإعلان منحها جائزة نوبل في الأدب هذا العام!! ■