انقشِــعْ يا ضباب
إنه، كالسحاب، يتكون من دقائق أو قطيرات من الماء.
وتتميز دقائق الماء المكونة للضباب بأنها شبه كروية، ويتراوح قطرها بين 2 و50 ميكرونًا (في المتر مليون ميكرون)، وكثافتها بين 20 و500 قطيرة من الماء في السنتيمتر المكعَّب من الهواء.
وتحدد كثافة قطيرات الماء درجة شفافية الضباب، فكلما ازدادت الكثافة قلَّ مدى الرؤية. وأعلى كثافة للضباب يمكن أن نقابلها فوق المسطحات المائية، حيث يصل حمل المتر المكعب من الهواء إلى جرام كامل من الماء.
والمعروف أن الماء أثقل من الهواء بمقدار 800 مرة، والثابت أن قطيرة ماء قطرها 10 ميكرونات تتساقط بسرعة 0.3 سم/ثانية، فإذا زاد القطر إلى 20 ميكرونًا كانت سرعة التساقط 1.3 سم/ثانية في الهواء الساكن. فلماذا إذن، لا يؤدي ذلك إلى تساقط قطيرات الماء على الأرض بسرعة وانقشاع الضباب بعد وقت قصير من سقوطه؟
تساعدُ عوامل كثيرة على استمرار تلك القطيرات عالقة بالهواء، كأن تحملها أو تعوِّمها تيارات هوائية صاعدة، أو أنها تتساقط على الأرض فعلًا، ولكن يتم تعويضها، بغير انقطاع، بدقائق جديدة، بتكاثف جزء من بخار الماء الموجود بالهواء.
ويكون الضبابُ ثقيلًا حول بعض المناطق الصناعية ذات الهواء الملوث بدقائق التراب والمواد الناتجة عن الاحتراق. وليس معنى هذا أن تلوث الهواء سبب أساسي لتكوين الضباب، ولكنه عامل مساعد، يؤدي إلى سرعة تكوينه، ويطيل بقاءه، ويقلل من درجة شفافيته، مقارنةً بالضباب المتكوِّن عند درجات الرطوبة العالية، في المناطق الأقل تلوثًا.
ومن الممكن تبديد الضباب، أي إرغامه على الانقشاع...
فمثلًا، تلجأ بعض شركات الطيران إلى رش الضباب المخيم على المطارات بمواد تساعد على اتحاد قطيرات الماء، فيكبر حجمها إلى الحد الذي يجعلها تثقل وتسقط على الأرض، فيتبدد الضباب، وتعود حركة الطائرات. وهذه طريقة ناجحة، وبخاصة في حالة الضباب ذي القطيرات شديدة البرودة، التي تُرشُّ بمادة مبردة، مثل (البروبان) المُسيَّل، فيتجمد جانب منها، ويتساقط في صورة متبلورة، وفي الوقت ذاته، فإن بخار الماء الموجود بالهواء يسارع بالتكثف إلى جزيئات المادة المبردة، فيتحول الهواء الرطب تدريجيًا إلى جاف، فيعمل الجفاف على سحب مزيد من قطيرات الضباب وإعادتها إلى الحالة البخارية.
أما الضباب الدافئ المتكون في المناطق المعتدلة، فيتم حقنه بخليط من مواد كيماوية تساعد قطيرات الماء في الضباب على التجمع بتأثير نوع من التجاذب الكهربي.
وفي مستعمرة لبعض العاملين بالقطب الشمالي استخدمت رياح اصطناعية في تبديد الضباب الثلجي الذى كان يغطي المستعمرة بين وقت وآخر... ففي تلك المنطقة من العالم يكفي بخار الماء المتصاعد من مثل تلك المستعمرة الصغيرة، لتتكون منه كتلة محدودة من الضباب، ومع هبوط درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر بأكثر من ثلاثين درجة، فإن معظم قطيرات الماء في الضباب يتحول إلى بلورات ثلجية... وهذا نوع من الضباب كفيل بوقف أي نشاط لرواد تلك المنطقة من العلماء والمستكشفين، فكان لجوؤهم إلى استخدام مراوح ضخمة لتبديد تلك الستارة الثقيلة من الضباب.