الكويت عاصمة للثقافة العربية 2025

الكويت عاصمة للثقافة العربية 2025

يأتي اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية للمرة الثانية تماشيًا مع مكانتها المرموقة ودورها الريادي في المنطقة، فقد عرفت الكويت منذ أكثر من ستة عقود كمنارة للثقافة والمعرفة والتنوير، واحتلت مرتبة متقدمة في الشأن الثقافي ضمن إقليمها الجغرافي، واشتهرت بالتنوع والانفتاح على ثقافات عديدة بسبب طبيعة المجتمع المكافح الذي استحوذ عليه الشغف بالسفر إلى دول آسيا وإفريقيا بحثًا عن الرزق وتأمين لقمة العيش وربما الإقامة في هذه الدول إن تتطلب الأمر.

 

ويجيء هذا الاستحقاق من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) تتويجًا لمسيرة حافلة بالمنجزات الثقافية المستندة إلى إرث غني متنوع، فالكويت منذ بواكيرها وضعت نصب عينيها تعزيز دور القوى الناعمة في المشهد الثقافي وفطنت إلى ضرورة تقديم رسالة ثقافية وفنية تعبر عن إرثها العربي العريق فكان لها السبق عبر مجموعة مطبوعات ذاع صيتها عربيًا إضافة إلى جهدها الثقافي في المشاركة بالمهرجانات العربية، وكذلك تقديم العروض الفنية والمعارض التشكيلية في البلدان العربية ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى التعريف بالإرث الثقافي الكبير، إلى ذلك من جهد حثيث قامت به مؤسسات الدولة بهدف حماية الإرث الحضاري وفق استراتيجية وطنية تنطلق من خلال توقيعها العديد من الاتفاقيات الدولية الرامية إلى حماية الإرث وصيانته والمحافظة عليه من الاندثار ثم ضمان وصوله إلى الأجيال القادمة.
دأبت الكويت على التحليق بفنونها وثقافتها عبر مسارح مرموقة في شرق المعمورة وغربها، فلم تهمل الكويت إرثها العريق بل سعت إلى تقديمه إلى المتلقي أينما كان وأينما وجد، رغبة في انتشار هذا الموروث الأصيل، وحققت نتائج مبهرة ضمن هذا الإطار، كما أن الكويت كانت وجهة للأدباء والكتاب والرحالة من العرب والغرب فلم توصد أبوابها في وجههم، بل مهدت لهم كل الطرقات، فجاءوا منذ زمن بعيد إلى الكويت رغبة في رؤية هذا البلد الذي ذاع صيته في الآفاق بالرغم من صغر حجمه جغرافيًا، فامتداده التاريخي يرسخ عميقًا عبر أزمنة بعيدة، فرصدت هذه الثلة المنتقاة المشهد المحلي والملاحم التي قدمها الشعب الكويتي.
ومن أبرز من كان لهم إصدارات قيمة ضمن هذا الجانب، الرحالة الأسترالي ألن فيليرز الذي كتب عن الكويت وأهلها ومهنة الغوص في كتابه «أبناء السندباد»، متطرقًا إلى حياة ربانية السفن والبحارة في الكويت، ويعد كتابه مرجعًا مهمًا في هذا الجانب، وهناك كُتاب كثر تناولوا الحياة في الكويت والمشهد المحلي بكل مكوناته إضافة إلى أشهر المعالم في الكويت. ومحليًا، كتب الأديب د. خليفة الوقيان في إصداره الذي يعد وثيقة ثقافية فريدة من نوعها «الثقافة في الكويت... بواكير... اتجاهات... ريادات» عن الشأن الثقافي في الكويت، حيث يوثق تاريخ الحياة الثقافية منذ نشأتها الأولى، متتبعًا العوامل الأساسية التي شكلت مكونات النهضة الثقافية. ويسرد الوقيان عبر إصداره عوامل الاهتمام المبكر بالثقافة، من خلال رصد لطبيعة السكان والموقع والنظام السياسي والمؤثرات الخارجية وكل ما يتعلق بالشأن الثقافي الكويتي. كما أن هناك إصدارات أخرى كثيرة لها من الأهمية والأولوية في هذا المضمار المهم.

إبراز التراث الحضاري
وللحديث عن الفكرة الرئيسية لاحتفالية العاصمة الثقافية، يجب أن ندرك جيدًا أنها تتمحور بالدرجة الأولى حول إبراز التراث الحضاري والمخزون الثقافي لدى كل عاصمة ثقافية عربية يتم اختيارها سنويًا، لتسليط الضوء على المنجز الثقافي لهذه البقعة الجغرافية سواء ما حققته عبر التاريخ أو ما تسطره خلال الفترة الراهنة، ومن خلال هذا الرصد الثقافي الدقيق المتمثل باحتفالية ثقافية ممتدة على عام سيتم إلقاء الأضواء على النماذج المتميزة ضمن المشهد الثقافي سواء في الأدب أو الإرث الحضاري أو المعالم الثقافية المهمة أو المكتشفات الأثرية العائدة إلى العصور السالفة، وخلال هذه الاحتفالية سيتم إبراز الفعل الإنساني الممتد على مدار الأعوام بل العقود الماضية، وما حققه هذا التواصل مع الآخر من مكتسبات اجتماعية أو تجارية أو اقتصادية تشكل بنية ثقافية تدعم هذه الأواصر وتنميها.

طفرة البنى التحتية
كما تستند فكرة العواصم الثقافية، إلى أن الثقافة عنصر مهم في حياة المجتمع، ومحور من محاور التنمية الشاملة، وما تقوم به من دور رئيسي في دعم الإبداع الفكري والثقافي تعميقًا للحوار الثقافي، والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب، وتعزيز لقيم التفاهم والتآخي والتسامح واحترام الخصوصية الثقافية.
ربما لا يخفى على المطلعين على المشهد الثقافي الكويتي، أنه خلال العقد الماضي، حققت الكويت طفرة نوعية من حيث البنى التحتية للمرافق الفنية والثقافية وشيدت العديد من المراكز الراقية والمتاحف الضخمة، وشكلت منارات ثقافية ليس محليًا بل عالميًا، حيث حصل مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي الذي افتتح في أكتوبر 2016م، على العديد من الجوائز العالمية للإبداع في التصميم، حيث فاز في يوليو 2017م بجائزة المباني في المنطقة العربية والإفريقية، التابعة لجائزة المباني العالمية عن فئتي أفضل مشروع هندسي، وأفضل مشروع عن فئة الهندسة الداخلية لفئة مباني القطاع العام. كما حصل في أغسطس 2017م على جائزة «ميرت» لأفضل المشاريع العالمية التي تمنحها مجلة «آي إن آر» الأميركية المتخصصة في قطاع الهندسة المعمارية.
وفي سبتمبر 2017م حقّق المركز إنجازًا جديدًا بفوزه بجائزة أفضل تصميم داخلي في مباني القطاع العام بمهرجان التصميم الداخلي التجاري في دبي. كذلك حصل على جائزة مجلة ميد العالمية كأفضل صرح ثقافي وتراثي في منطقة الخليج العربي لعام 2018م، وذلك من الناحيتين المعمارية والإنشائية، ويضم المركز أربعة مبانٍ مشيدة على شكل الجواهر المتلألئة تشمل مسارح للحفلات الموسيقية وقاعات متنوعة الأغراض.
كما تم افتتاح مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي، في فبراير 2018م، ويُعد المركز منارة ثقافية ومركزًا إبداعيًا حضاريًا في المنطقة، ويضمّ 8 مبانٍ تحوي نماذج واختراعات في مختلف المجالات. ويشمل 6 متاحف من بينها متحف للتاريخ الطبيعي وعلوم الفضاء والعلوم الإسلامية العربية، ومتحف العلوم ومبنى للوثائق، وقاعة مؤتمرات تتضمن مسرحًا، ومن المرافق الثقافية المهمة أيضًا مسرح عبدالحسين عبدالرضا، وكذلك مكتبة الكويت الوطنية التي جرى افتتاح مبناها الجديد قبل بضعة أعوام. ومن المرافق الثقافية المهمة التي جرى افتتاحها حديثًا، مركز اليرموك الثقافي التابع لدار الآثار الإسلامية، حيث افتتح في عام 2015م هذا الصرح الثقافي المهم الذي مهّد لمرحلة جديدة من مشوار دار الآثار الإسلامية، حيث اشتهرت بمواسمها الثقافية المهمة والتي تناقش قضايا جوهرية لها تأثير كبير في الشأن الثقافي وتستضيف أدباء وكتاب وفنانين من داخل الكويت وخارجها.

تطورات بين الاحتفاليتين
بالمقارنة مع المرة الأولى التي حصلت فيها الكويت على احتفالية العاصمة الثقافية العربية قبل أكثر من عقدين، سيشهد زوار الكويت الذين كانوا قد حضروا احتفالية 2001م عندما كانت الكويت عاصمة الثقافة العربية، اختلافًا كبيرًا، وسيرصد الزوار التطورات التي طرأت على البنية التحتية، ففي الكويت صروح ثقافية أخرى لها قيمة كبيرة، منها مؤسسة البابطين ودورها الكبير في الساحات الثقافية العالمية، وكذلك رابطة الأدباء الكويتيين، والجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، والمرسم الحر، وغيرها من المؤسسات الفنية والثقافية.
وبموازاة هذا التقدم والتميز، شهدت الساحة الثقافية تطورًا كبيرًا خلال الفترة الماضية، حيث حقق الكُتَّاب الجدد سمعة أدبية طيبة، إضافة إلى تحقيق المراكز الأولى في الجوائز العربية المرموقة، كما تمكنت الأسماء الثقافية من تقديم إبداعاتها في سماء الثقافة، وبدأت تحقق رواجًا في المحيط الثقافي القريب وكذلك البعيد، وانعكس ذلك على واقع النشر، فطرأت تطورات كبيرة في هذا المجال وظهرت دور نشر محلية كثيرة ترفد القارئ بالكثير من الإصدارات المميزة والجديدة.
وفي مجال الترجمة، حقق أدباء الكويت إنجازات كثيرة، فالسرد الكويتي تمت ترجمته إلى لغات أجنبية، ومن هؤلاء الأدباء سعود السنعوسي الذي ترجمت أعماله إلى لغات أجنبية مثل الإنجليزية والإيطالية والفارسية والتركية والصينية والكورية والرومانية والكردية والمقدونية والفلبينية، والأديب طالب الرفاعي ترجمت أعماله إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والألمانية، والصينية، والتركية، والهندية. والروائي عبدالله البصيص ترجمت روايته طعم الذئب إلى اللغة الصينية، وهناك أعمال أخرى كثيرة ترجمت إلى لغات أجنبية لا مجال لحصرها، ومنها أعمال الأديبة ليلى العثمان وبثينة العيسى وحمد الحمد وغيرهم.

وللآثار نصيب وافر
وفي الجانب الأثري، أولت الكويت اهتمامًا كبيرًا بالتنقيب الأثري منذ عقود عدة، وقد ساهمت المكتشفات بتغيير حقائق تاريخية سادت لمدد زمنية سابقة حول طبيعة التواجد البشري على أرض الكويت، وذلك بفضل جهود متنوعة، وإيمانًا بأهمية هذا العمل الثقافي، تم إنشاء مقر دائم لبعثات التنقيب عن الآثار في جزيرة فيلكا، ومضاعفة أعداد فرق التنقيب عن الآثار وتجديد اتفاقيات سابقة معها، وكذلك إثراء وتعزيز الإنتاج الأدبي في مجال الكتب المتخصصة بالآثار وفرق التنقيب، والمضي في إجراءات تسجيل عدد من المواقع الكويتية ضمن قائمة التراث العالمي، منها أبراج الكويت، والقصر الأحمر وجزيرة فيلكا وكاظمة البحور.
ومن أحدث المكتشفات التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية، اكتشاف معبد من العصر البرونزي في جزيرة فيلكا، ويعود المعبد لحضارة دلمون، ويضيف هذا الاكتشاف حقائق جديدة حول استيطان الإنسان على أرض جزيرة فيلكا قبل 4000 سنة، مما يعطي أهمية إضافية لجزيرة فيلكا ودورها الثقافي والتجاري والاجتماعي في منطقة الخليج العربي قديمًا. وفي موقع آخر، جرى اكتشاف ورشة لصناعة الحلي والزينة المصنوعة من الأصداف، في منطقة الصبية شمال الكويت، حيث عثر على العديد من الأصداف أمام مساكن ثقافة العبيد التي تم التنقيب عنها في مواسم مختلفة، بالإضافة إلى العديد من الفخاريات التي تتجاوز الـ 7000 سنة، وكذلك رأس صغير لآدمي مصنوع من الطين، وهو يعتبر الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي ■