الرسالة

يُعد هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة صحيفة نيويورك تايمز؛ ويسافر المؤلف تا - نهيسي كوتس - وهو أيضًا مؤلف كتاب «أنا والعالم»، عَبْر هذا الكتاب إلى ثلاثة مواقع من مواقع الصراعات العالمية، ليرصد بنظرة ثاقبة كيف تُشكِّل القصص التي نرويها، والقصص التي نصُمُّ آذاننا عنها، واقعنا المؤلم؛ وقد تم تأليف هذا العمل من قِبل أحد أهم الكُتّاب في أمريكا والعالم وفي لحظة مثيرة في تاريخ الحياة السياسية الأمريكية والعالمية، وهو يتحدث عن الحاجة المُلحة إلى تحرير أنفسنا من الأساطير المدمرة التي تُشكِّل عالمنا - وأرواحنا - واحتضان القوة التحرّيرية حتى للحقيقة الأكثر صعوبة.
يُعد الجزء الثالث من الكتاب هو الجزء الأكبر والأخطر من الكتاب عن فلسطين، ويُقدِّم الحقيقة مباشرة وعارية عن فلسطين؛ كما أن أحدث أعمال كوتس هو استكشاف قوي للظلم التاريخي المستمر حيث يرسم أوجه التشابه بين القمع العنصري في أمريكا وفي إسرائيل، والذي وصل إلى ذروته في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الأخير. تتحدى روايته القراء وتحثُّهم على مواجهة الحقائق غير المريحة ومناقشة المعتقدات الراسخة. يُقدِّم كوتس من خلال عدسته كأمريكي أسود، منظورًا فريدًا حول آليات القوة والعنصرية المنهجية؛ وكتاباته عميقة ومزعجة وتحضُّ القراء على الاعتراف بالعنف العنصري في الماضي والحاضر والسعي للبحث عن العدالة للإنسان في كل مكان في العالم. يُعد التزام كوتس الشجاع بذكر الحقائق أمرًا ضروريًا؛ ليستقيم ميزان العدالة في الكون بأسره.
كان كوتس يستهدف في الأصل تأليف كتاب عن «فن الكتابة» على غِرار كتاب جورج أورويل الكلاسيكي «السياسة واللغة الإنجليزية»، ولكنه وجد نفسه في صراع مع أسئلة أكثر عمقًا حول قضية حقيقة قصصنا وتقاريرنا ورواياتنا التي تتسم بالخيال وكيفية صناعة الأساطير التي نؤمن بها إيمانًا راسخًا حول واقعنا وتؤدي إلى تشويهه؛ وكان النجاح الهائل الذي حققته مقالات أو مذكرات كوتس «أنا والعالم»، سببًا مباشرًا في استحواذ كتابه الحالي «الرسالة» على الاهتمام الكبير فور صدوره ويكشف فيه عن قوة وخطورة سرد القصص، وتأثيره على تشكيل الواقع وتلوينه».
10 أيام في الأراضي الفلسطينية المحتلة
يجد كوتس نفسه في أول مقال له من المقالات الثلاثة المتشابكة في الكتاب، وفي أول رحلة له إلى إفريقيا إلى موضعين في وقت واحد: إحداهما وجود مادي في داكار، وهي مدينة حديثة في السنغال، والأخرى في مملكة أسطورية كامنة في ذهنه؛ ثم يصطحب الكاتب قُرَّاءه إلى كولومبيا، بولاية ساوث كارولينا، حيث يُقدِّم تقريرًا عن حظر كتابه؛ ولكنه يستكشف أيضًا ردَّ الفعل الأكثر عنفًا على التقدير النهائي للأمة للتاريخ والأساطير الأمريكية المتجذرة والتي تظهر بوضوح في تلك المدينة - عاصمة الكونفدرالية مع تماثيل الفصل العنصري التي تنتصب واضحة في ساحاتها العامة.
يشد كوتس رِحاله في الرحلة الأخيرة إلى فلسطين، وهي الرحلة التي تستغرق أطول قسم من أقسام الكتاب، حيث يرصد فيه بوضوح مُزعج مدى سهولة تضليل الرأي العام بالقصص الوطنية، والمأساة التي تكمن في الصِّدام بين القِصص التي نرويها وواقع الحياة على الأرض. تذكر مراجعة نقدية لبريان تانجواي في موقع (One World) عن هذا الجزء فتقول:
يُحمِّل المؤلف إسرائيل المسؤولية الأخلاقية عن انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية في المقالة الأخيرة من الكتاب والتي تُمثِّل تحقيقًا مثيرًا للاهتمام.
يبدأ الجزء الأكبر والأخطر من الكتاب، وهو الجزء الثالث الذي أثار أكبر قدر من الجَدل والاهتمام الإعلامي، من صفحة 115 من الكتاب. يصف كوتس في هذا الجزء رحلته التي استغرقت عشرة أيام إلى فلسطين؛ (وكانت هذه الرحلة قبل الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر من عام 2023م). يزور كوتس القدس، وتلال الخليل، ويروي كيف وقف في شارع الشهداء الذي كان يضم ذات يوم شارع السوق الرئيسي في الخليل القديمة، حيث يتحرك المستوطنون اليهود كما يحلو لهم، ولكن الفلسطينيين ممنوعون من ذلك. يشير مرشدو كوتس المحليون إلى جميع كاميرات المراقبة المنتشرة في كل شبر، ويذهل من عدد وتنوع نقاط التفتيش الثابتة والمتنقلة، بما في ذلك نقطة أوقفه فيها جندي إسرائيلي واستجوبه حول انتمائه الديني؛ وعندما عَلْم أن كوتس لا ديني، استجوبه الجندي عن ديانة والديه، ثم عن ديانة أجداده!
يقول كوتس عن ذلك متحسرًا: «فكما أن أجدادي ولدوا في وطن لم يكن أي منهم فيه مساويًا لأي رجل أبيض، فإن إسرائيل كشفت عن نفسها كبلد لا يتساوى فيه أي فلسطيني مع أي يهودي في أي مكان؛ وهذه الحقيقة ليس من الصعب إدراكها لأول وهلة، فبعيدًا عن انطباعاتي الأولية، فهناك القانون الإسرائيلي ذاته الذي يدعو بوضوح وبشكل مباشر إلى مجتمع من طبقتين». يلاحظ كوتس مرة أخرى وجود خزانات لجمع مياه الأمطار على أسطح العديد من المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية؛ وهذه الخزانات غير قانونية على الأرجح؛ لأن دولة إسرائيل تمارس السيطرة على طبقات المياه الجوفية في الأرض وحتى على مياه الأمطار التي تسقط من السماء.
إسرائيل واختلاق الروايات والأساطير
إن ما أثارته ملاحظات كوتس من جدل واسع النطاق هي شهادة على مدى تفوق إسرائيل في حروب القصص والروايات، وهو ما يثير التساؤل: لم ذلك؟ إليك المثال: واجه كوتس الصحفي توني دوكوبيل في مقابلة مع شبكة سي بي إس، الذي أكد أنه: إذا تم إخفاء غلاف كتاب الرسالة، وإخفاء هوية وسمعة مؤلفها، فقد يتم العثور على الكتاب بسهولة في حقيبة ظهر متطرف عربي إرهابي. كان هذا تصريحًا شائنًا بوضوح، وقد عوقب دوكوبيل لاحقًا من قِبل مالك الشبكة، ولكن ذلك يوضح مدى الانزعاج الذي يشعر به الكثيرون في الغرب عندما يواجهون رواية لا تقلل من شأن الفلسطينيين وتحصرهم في صفات مجردة غير محسوسة؛ نحن ببساطة لسنا معتادين على إدراك الفلسطينيين كبشر لهم مطالبات مشروعة بحق تقرير المصير.
الخلاصة الجوهرية التي يُقدِّمها كوتس هي أنه عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فإن الغرب ومنافذه الإعلامية يقومون بتضييق الفجوة إلى الحد الذي يجعل قضية فلسطين، بل والفلسطينيين أنفسهم يتوارون عمليًا تحت أستار كثيفة من الغموض. يسعى كوتس إلى إعادة رسم الحدود وإعطاء صوت لأولئك الذين تم تجاهلهم أو تهميشهم من قِبل حراس البوابات الثقافية؛ وعندما يعقد كوتس مقارناته الكاشفة بين ما شهده في الضفة الغربية والتاريخ العنصري لأمريكا مع الفصل العنصري وقوانين جيم كرو، فيجب أن نشعر بعدم الارتياح والقلق والهواجس - وربما يتحتم علينا أن نميل إلى توسيع «محددات الإنسانية».
تتطلب الكتابة وفق هذا التقليد الذي يستهدف الكشف عما يرغب الآخرون في إخفائه وجعله مرئيًا للكافة، شجاعة وتعاطفًا مع الآخرين، ولا شك أن تا - نهيسي كوتس يُجسد تلك الشجاعة والتعاطف مع المُهمشين.
محاولات لتشويه وقتل المؤلف معنويًا
لجأ بعض النقاد وللأسف الشديد إلى مهاجمة شخصية كوتس بشكل غير عادل في محاولة مستميتة لتشويه سمعته، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى عدم ارتياحهم للحقائق التي يعرضها؛ ومن عجيب المفارقات أن هذه الانتقادات غير الحقيقية وغير المُنصفة لا تخدم إلا إثبات وجهة نظره، وتسليط الضوء على أن أحلك أوقات سمعة أميركا لا تزال تتردد في جميع أنحاء العالم؛ والواقع أن أوجه التشابه والمقارنات التي يرسمها ليست تاريخية فحسب ــ بل إنها حقائق حية لا تزال قائمة حتى اليوم، مما يؤكد على الضرورة المُلحة لرسالته من أجل العدالة والمساواة.
دعوة إلى الوعي والعمل الجماعي
يسلط المؤلف، شأنه شأن بنجامين فرانكلين الذي سجل بحكمته القائلة: «لن تتحقق العدالة إلا إذا كان أولئك الذين لم يتأثروا بالظلم على نفس القدر من الغضب الذي يشعر به أولئك الذين تأثروا بالظلم»، الضوء على الظلم الذي يتردد صداه في مجتمعنا، ويحثنا جميعًا على المشاركة في ثورة الغضب والمطالبة بالتغيير؛ ولا يمثل استكشافه لهذه القضايا مجرد دعوة إلى الوعي، بل يمثل صرخة حاشدة للسعي نحو العمل الجماعي من أجل نُصرة وتحقيق العدالة والمساواة.
لم يتدخل كوتس في حل المعضلات للعالم التي واجهت العالم منذ عام 2015 عندما أصدر ما يمكن اعتباره مساهمته غير الروائية الأكثر إقناعًا عن فترة تولي الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما»، وشعوره بخيبة الأمل في كتابه (When We Were Eight Years In Power: An American Tragedy) والذي يمكن ترجمته إلى: «عندما كنا ثماني سنوات في السلطة: فاجعة أمريكية»؛ ويُعد الكتاب تحديًا فكريًا شاملاً للوضع القائم كما يتضمن مقالات تحمل عنوان: «الخوف من رئيس أسود»، وتحقيقاته التي نالت أكبر قدر من الإشادة، وهي التحقيقات التي تناولت عدم رغبة الولايات المتحدة في التكفير عن 246 عامًا من الإرهاب والعمل القسري (بلا أجر) والتي تم ارتكابها ضد الأمريكيين من أصل إفريقي وهي القضية المشهورة باسم «قضية التعويضات».
بينما علقت اسوشيتد برس قائلة: «يكتب تا - نهيسي كوتس دائمًا لهدف نبيل يضعه نصب عينيه؛ ولذا فإن تسمية أحدث كتبه الذي يضم مجموعة مقالات، بعنوان «الرسالة» لا يعدو أن يكون مجرد عنوان فقط، بل تسمية يصبو عبرها إلى تحقيق صميم الهدف الذي يطمح للوصول إليه؛ ولكن ما الرسالة الحقيقية؟ يتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء غير روائية، والكتاب يضم مذكرات له، وتفاصيل رحلة. تساعده هذه الرحلات في تأسيس كتاباته القوية حول العِرق والتمييز العنصري».
قالوا عن الكتاب
في مراجعة نقدية لبريان تانجواي في موقع (one world) يقول فيها:
يتبع كوتس اعتقاده الخاص، ويصحب القراء في أول رحلة له إلى إفريقيا، إلى داكار في السنغال تحديدًا، وهي الرحلة التي كانت بالنسبة لكوتس أشبه بالانفجار العظيم. يصف كيف نظر إلى أمريكا وكأنه عاد إلى وطنه، ولكن بصحبة أشباح في خياله. تُعد إفريقيا مكانًا حقيقيًّا وخياليًّا في الوقت نفسه، إنها «جنة عدن البهيجة التي استعدناها في أذهاننا كمهاجرين، ولكن بدون سفينة ماي فلاور، والآباء المؤسسين، والغزاة، وصنوف الفساد التي فرضوها علينا». يقول كوتس إنه ذهب إلى السنغال في صمت وعزلة، مثل رجل يزور قبر سلف غير معروف على وجه اليقين.
ننتقل بعد ذلك إلى ولاية كارولينا الجنوبية في خضم اللحظة الحاسمة عندما تقوم مجالس المدارس بحظر الكُتب، بما في ذلك كُتب المؤلف، وتندد بالشرور التي يمكن أن تنجم عن شيوع نظرية العِرقْ النقدية. يلتقي كوتس بماري وود، وهي معلمة في مدرسة عامة تم إرغامها على حذف أشهر كتاب لكوتس، وهو كتاب «أنا والعالم» من المنهج الدراسي لطلابها، بحجة أنه قد يسبب إزعاجًا لبعض الطلاب. يحضر كوتس اجتماعًا لمجلس المدرسة مع ماري ومجموعة من مؤيديها، الذين تمكنوا في هذه المناسبة لحسن الحظ من تحقيق النجاح وإلغاء قرار الحظر.
تقول صحيفة نيويورك تايمز في مراجعتها النقدية للكتاب:
«يرسم لنا كتاب «الرسالة» عودة المؤلف إلى العمل كمفكر عام... لقد تحولت الإيقاعات الحزينة المتدفقة التي تميزت بها أغلب أعماله السابقة إلى سُخط تميز بالقوة والعقلانية؛ ولكن يبدو أن الشعور بالصدمة قد أثار أيضًا في نفسه شعورًا بالقدرة... وهو يستخدم مكانته البارزة وسلطته الأخلاقية لجذب الانتباه إلى محنة الفلسطينيين».
يقول موقع (Booklist) المتخصص في المراجعة النقدية لإصدارات الكُتب الجديدة:
«يحث كوتس القراء، بمن في ذلك الطلاب، وأولياء الأمور، والمعلمين، والصحفيين على تحدي السرديات التقليدية التي يمكن استخدامها لتبرير التطهير العرقي، أو التمويه على ممارسات الشرطة العنصرية؛ إنه كتاب رائع جدير بالقراءة وفي الوقت المناسب». بينما ذكرت مجلة النيويوركر العريقة في معرض الثناء على الكتاب:
«يتسم كوتس بالشجاعة الفكرية... وهو كاتب حُرٌّ غير مقيد بأيديولوجية سياسية، أو عنصرية، وإنسانيٌّ في أحكامه، ومحترمٌ للحقائق، ومدركٌ تمامًا للفرق بين ما يمكن معرفته وما لا يمكن معرفته».
وعلَّق موقع (SheReads) على مضمون الكتاب قائلاً:
«يستكشف كوتس بأسلوبه الحاد المتميز، التقاطعات بين العِرق والسلطة والهوية، في نفس الوقت الذي يمزج فيه بين الرؤية التاريخية والتأمل الشخصي؛ ويُقدِّم لنا من خلال ثلاث مقالات منظورًا عالميًا يتحدى الوضع الراهن ويتحدانا لتصور مستقبل أكثر عدالة».
أما موقع (Publishers Weekly) فقد علَّقَ في إيجاز بليغ قائلاً:
«إنه تحذير شديد بشأن خطر وشيك تم إطلاقه بشأن خضوع الاتجاه الغالب للمؤسسة الصحفية في أمريكا» ■