القصر الأحمر أصالة تتجدد

اكتسب القصر الأحمر في الكويت اسمه من لون الطين الأحمر، الذي شكل المادة الرئيسية التي بني منها القصر (تعتبر مادة بناء رئيسية بذلك الزمن وتوفر العزل الحراري شتاءً والتهوية صيفًا). واكتسبت الجهراء التي تتربع على الشمال الغربي من دولة الكويت رمزاً معمارياً فريداً، يمثل كفاح وصمود وبسالة الشعب الكويتي، ويعد من أهم المعالم الحضارية والتاريخية في محافظة الجهراء، حيث يعتبر أيقونة الجهراء منذ أن بني عام 1897م في عهد الشيخ مبارك الصباح، الذي خصص ليكون سكنًا ومقرًا للأمير أثناء تفقده مدينة الجهراء، التي كانت تحتوي على قرى سكنية ومزارع وآبار للمياه. ويوفر القصر الحماية للجهراء ومدينة الكويت لموقعه المتميز، واستمر بهذه الوظيفة، بل وشهدت أكنافه معركة الجهراء عام 1920م، وحاليًا مازال القصر الأحمر شامخًا بلونه الجميل وأبوابه المفتوحة للزوار للتعرف على تاريخ الكويت والجهراء.
وسط واحات وبعض آبار المياه بني القصر الأحمر، بمساحة 6939 مترًا ومساحة بناء 1450 مترًا، متخذًا شكل المربع وطول ضلعه 80 مترًا، وترتفع الأسوار بارتفاع 4.5 أمتار، ويبلغ سمكها أكثر من 80 مترًا وترتفع بزوايا القصر الأربعة أبراج تسمى الغولة (شاهدت هذا النمط المشابه بالبناء في أكثر من دولة خليجية، ويبدو أنه كان شائعًا في القرن التاسع عشر)، والغولة هي أبراج مربعة يبلغ ارتفاعها 6 أمتار وفيها سلم يؤدي إلى «المزاغيل» وهي فتحات تستخدم للمراقبة وإطلاق النار من جميع الجهات، ويضم القصر 33 غرفة وستة أحواش، أحدها كبير وتتوسطه بئر ماء، وللأسف ماء البئر لم يكن صالحًا للشرب الآدمي، لكنه يستعمل لسقاية الخيل والإبل. وهناك بعض الأشجار قد تروى منه، وللقصر ثلاث بوابات رئيسية، منها البوابة الشمالية الشرقية التي تحرسها المدافع، والتي دخلت منها للقصر، وبوابة شمالية متوسطة الحجم وبوابة صغيرة تؤدي لحوش الحريم.
ويتألف القصر من ثلاثة أقسام، قسم سكن الأمير وحرمه مكون من تسعة غرف، وبه سُلمان أحدهما يؤدي إلى السطح والآخر إلى غرفة الأمير، وهناك فناء (حوش) خاص لهذا القسم، ويقع بالجهة الشمالية، والجهة الغربية خصصت لديوان الأمير والضيوف، أما الجهة الشمالية فخصصت لمرابط الخيل، ويوجد بالجهة الجنوبية من القصر الإسطبل الشتوي، وهو عبارة عن غرفة مسقوفة تحتوي على أحواض للشرب والعلف تحفظ بها الخيل في فصل الشتاء، والجدير بالذكر أن الخيول كانت عربية أصيلة من أجود الفصائل، كما يحتوي القصر على مصلى يتسع لنحو 50 مصليًا، وبذلك يكون القصر حقق أهدافه المنشودة بكونه مركزًا للحكم والحماية بمدينة الجهراء، وساعد ذلك إتقان بنائه بنظام هندسي محلي ملائم للظروف المناخية، وقد أجادت السواعد الكويتية ببنائه، خصوصًا من أبناء الجهراء، ومن أبرز أساتذة البناء إبراهيم سليمان المانع، وسليمان السالم، ومحمد عبدالرحمن الحمادي ومحمد علي السعيد.
حفل الافتتاح
في إحدى أمسيات شهر نوفمبر من عام 2024 ومع نسمات بداية فصل الشتاء المنعشة، بحضور معالي وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري، والأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب د. محمد خالد الجسار، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية
د. عبدالله الغنيم، ومحافظ الجهراء السيد حمد الحبشي، ولفيف من محبي التاريخ والتراث، ونخبة من أهالي محافظة الجهراء، مجتمعين في عادة افتتاح القصر الأحمر بعد الترميم والتأهيل، وافتتاح معلم تاريخي إضافي، ألا وهو متحف السلاح، خصوصًا أن القصر كان لفترات مخزنًا للسلاح والذخيرة، وتجول الحضور في أروقة المتحف وألقى الوزير المطيري كلمة خلال رعايته حفل افتتاح مشروع إعادة ترميم وتأهيل القصر الأحمر التاريخي وافتتاح متحف السلاح في منطقة الجهراء قال فيها: إن التراث هو خلاصة تجارب الآباء والأجداد وقاعدة انطلاق نحو المستقبل، فمن كفاحهم ونضالهم نستمد وقودًا يدفعنا لمواصلة مسيرة البناء والعطاء.
وشدد على أن المواقع التاريخية ليست مجرد مبانٍ صامتة، بل هي تجسيد حي لحضارة الدول وثقافتها.
القصر الأحمر بحلة جديدة
بعد أكثر من عام من أعمال الترميم والتأهيل وفق النظم الهندسية، ومراعاة للطابع التاريخي الخاص، تمت إعادة افتتاح القصر الأحمر، وتم استغلال بعض الغرف لتكون منصة متحفية تعرض المقتنيات القديمة ولمحات من التاريخ الكويتي، حيث حوت بعض اللوحات القديمة والمجسمات وأجزاء وأدوات من البيت الكويتي القديم، مثل الجربة والرحى وأواني الطبخ والمباخر والأزياء الكويتية التراثية.
افتتاح معرض السلاح
يعتبر متحف السلاح إضافة تاريخية مهمة، خصوصًا أنه يحتوي على مقتنيات مهمة من الأسلحة الأصلية والخرائط والصور، وكذلك الشاشة التفاعلية التي تنقلنا عبر الزمن برحلة تاريخية ذات فائدة، ومن المقتنيات التي لفتت انتباهي علم الكويت الأحمر القديم، مضافًا إليه كذلك إضاءة المتحف الهادئة التي تتيح المشاهدة والتصوير بكل وضوح.
بنادق الردع والحماية
منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، شاركت الكويت بتجارة الأسلحة، وعادة ما كانت تستوردها من سلطنة عمان، وتحديدًا مسقط، ويعاد تصديرها للعراق وبلاد فارس والجزيرة العربية، كما أن تجارة الأسلحة لم تكن تخلو من المخاطر خصوصًا عند اعتراض سفن الأسلحة من قبل القراصنة أو البحرية البريطانية، فاحتوى المتحف على عدة بنادق كانت تستخدم بالمنطقة، منها بندقية الماوزر الألمانية، التي بدأت صناعتها منذ عام 1870م، وكان لها رواج بالشرق الأوسط، كذلك تتواجد بندقية المارتين، وهي إنجليزية الصنع وهي من أوائل البنادق التي كانت تستخدم الطلقات ذات التصويب الدقيق، ويعرف حب أهل الكويت للصيد أو كما يسمى (القنص)، حيث تكون ذخيرتها مهيئة لاقتناص الطيور والحيوانات، وكما أن للبنادق أهميتها، فإن مستلزمات المقاتل لا تقل أهميتها عن البندقية، خصوصًا مع تطور استراتيجية الحروب وتباعد المسافات، فيعرض المتحف هذه المقتنيات والتي هي مزيج من أنواع المناظير، ومنها منظار من حقبة الحرب العالمية الثانية، موسوم بالبرثن، وهو وسم آل الصباح المعروف، كذلك توجد الزمزمية التي توفر الماء للمقاتل، وتعتبر من أهم المستلزمات، وتكون مضادة للصدمات، وتصنع من الصوف السميك وخيوط القش، كما تم عرض بعض أنواع الذخائر بالمتحف.
السيوف أصدق إنباءً من الكتب
قال الشاعر الشهير في العصر العباسي أبو تمام:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
وهي كذلك السيوف التي لطالما حمت الثغور ومسك مقابضها الفرسان والشجعان، وهي وسلية الحرب الرئيسية قبل اختراع البارود والبنادق بالقرن السابع عشر، ويحتوي المتحف على أنواع متعددة من السيوف، منها السيف العماني واليمني، وتتنوع النصول والمقابض، وتعتبر صناعة السيوف صناعة معقدة، حيث يجب أن تتسم السيوف بالحدة والصلابة في آن واحد، كما يوجد بالمتحف مختلف أنواع الخناجر الذي يعتبر أداة أساسية للمقاتل والمسافر، يستخدم في الدفاع عن النفس وفي ذبح وسلخ الماشية، كما أنه ارتبط بالزي الرسمي خصوصًا في سلطنة عمان واليمن، ويحتوي المتحف على خناجر عمانية من الفضة وخناجر يمنية وأنواع من الشباري (خنجر صغير).
مدفع معركة الرقة
في إحدى زوايا المتحف، يوجد مدفع صغير يوثق أحد الأحداث المهمة بالتاريخ الكويتي، ألا وهي معركة الرقة البحرية عام 1783م في عهد حاكم الكويت الثاني الشيخ عبدالله بن صباح، وقد غنمت الكويت هذه النوعية من المدافع من معركة الرقة، ويسمى السلطاني نسبة للدولة العثمانية التي هي أول من استخدمت هذه النوعية من المدافع، ويصل مدى هذا المدفع الحديدي من 500 إلى 1500 متر، ويستخدم للقلاع والحصون والمعارك البحرية.
موسم الجهراء الثقافي
واكب حفل إعادة افتتاح القصر الأحمر والمتاحف الملحقة به موسم الجهراء الثقافي، لتنشيط الأجواء الثقافية والتعريف بالتاريخ والتراث، خصوصًا مع أجواء مناخية جميلة، ومن أنشطة موسم الجهراء الثقافي ورش حرفية وأمسيات شعرية وندوات تنويرية للمجتمع والأسرة وعرض للمقتنيات التاريخية وعروض تراثية جديرة بالحضور.
ورشة صناعة براقع الصقور
من فعاليات موسم الجهراء الثقافي عرض للصقور التي كانت رفيقة الصياد والقناص، والصيد بالصقور من الرياضات العربية الأصيلة وتحتاج إلى حرفية بالتعامل معها، وهذا ما تم التعريف به، وصاحب ذلك ورشة حرفية لصناعة براقع الصقور التي تصنع من الجلد الطبيعي بحرفية عالية حتى تناسب الصقور الجارحة.
العرضة فرحة الانتصار والأعياد
العرضة فن اقتصر على الجزيرة العربية، وتعد من الفنون الشعبية المنتشرة في شبه الجزيرة العربية، وقد واكب فن العرضة حفل إعادة افتتاح القصر الأحمر، كذلك تستمر بالموسم الثقافي للقصر.
وهناك أنواع للعرضة، وهي استعراض للقوة وإظهار الشجاعة، تعتبر فلكلورًا شعبيًا يؤدى بالمناسبات الوطنية، وتعتمد العرضة على الشاعر ثم صفوف العرضة المتقابلة مع الطبول وحاملي السيف والبنادق، الذين يرتدي البعض منهم البشت والأحزمة الجلدية التي تحمل الذخيرة مع أهازيج حماسية، وتؤدى العرضة في الأعياد والمناسبات الوطنية، وقديمًا كانت تؤدى قبل الحروب والمعارك لبث الحماس، وبالطبع بعد الانتصار، ومازالت هناك فرق شعبية تصون هذا الفن العريق، وهذه مناسبة أكثر من رائعة لإظهار هذا الفن خصوصًا للأجيال الشابة.
السدو نسيج بألوان الطبيعة
من أنشطة الموسم الثقافي ورش السدو، النسيج التراثي الشهير، وألوانه التي تصبغ من ألوان طبيعية مستمدة من الصحراء، وينسج السدو من صوف الأغنام أو وبر الجمال ويغزل بواسطة المغزل، وتعتبر مواد الألوان مستمدة من النباتات المتوفره بالصحراء، أو من التوابل، مثل الكركم والحناء وقشر الرمان، بل يتم استخلاص بعض الألوان من جذور النباتات، وتعد فرصة أكثر من رائعة مشاهدة عملية الغزل الحرفية من أنامل كويتية ماهرة في أروقة القصر الأحمر.
القهوة العربية رمز الضيافة والكرم
القهوة رمز الضيافة والكرم كانت حاضرة في أروقة فعاليات القصر الأحمر، فتم نصب خيمة بيت الشعر وبه جميع مستلزمات القهوة، ويشرف على إعداد القهوة السيد عطا الله فرحان العنزي ابن محافظة الجهراء البار وتقدم القهوة الشمالية ذات اللون الداكن وكذلك القهوة الشقراء، وكم جميلاً ارتشاف القهوة ومشاهدة دلال القهوة النحاسية تعبق برائحة القهوة الزكية، منادية للجميع بتجربة هذا المذاق الأصيل.
روح المكان والتاريخ
الأبنية التاريخية ليست فقط حجارة صماء، بل هي روح وعنفوان وتذكار من الأجداد وجذوة منيرة للمستقبل وإرث تاريخي واجب المحافظة عليه، ودفع الأجيال الصاعدة الشابة للمحافظة عليه وحمل الأمانة لتسليمها للأجيال القادمة، وتعتبر الأماكن التاريخية منارة ثقافية، وهذا ما تجسد بزيارتنا للقصر الأحمر، فكانت رحلة عبر الزمن، فنشكر القائمين على القصر الأحمر والحرفيين والمساهمين بالمقتنيات التاريخية، ليتم إضافة واحة تاريخية ثقافية من الضروري زيارتها لكل مَن مر بالكويت، التي هي عاصمة الثقافة العربية لعام 2025م ■
متحف السلاح يزين القصر الأحمر بمقتنياته الثمينة
معالي وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري يفتتح متحف السلاح في القصر الأحمر برفقة الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب د. محمد خالد الجسار، ورئيس مركز الدراسات والبحوث الكويتية د. عبد الله الغنيم، ولفيف من كبار الشخصيات
غنمت الكويت هذه النوعية من المدافع من معركة الرقة التي جرت عام 1783
بئر تتوسط فناء القصر الأحمر
دلال القهوة العربية / مدخل للحوش والغرف الخاصة للأمير، ويحتوي الجناح على 9 غرف
لوحة افتتاح متحف السلاح وتجديد القصر الأحمر
أبناء الكويت بزيهم الوطني الجميل يزورون القصر الأحمر للاطلاع على التاريخ والقصص التي بين أروقة القصر
محزم المحارب ويلبس بالحروب والعرضة مع البنادق والسيوف
الجمل والجمال في فناء القصر الأحمر
العرضة الحربية
صناعة السدو من الحرف التراثية الشهيرة في الكويت