حقيقة الأرقام أهي هندية أم عربية؟!

الأرقام التي قلبت موازين العالم، فبعد أن كان العالم يستخدم أرقامًا مختلفة في أشكالها، وقيمها الرقمية، تأتي هذه الأرقام المعروفة اليوم لتكون أرقامًا عالمية، وذات قيمة موحدة، ولها أشكال واحدة، فهي من الصفر إلى العشرة.
من أين أتت هذه الأرقام؟ ومن جلبها للعالم العربي؟ ثم إلى أوربا، ومنها إلى العالم أجمع، هل للعلماء الهنود فضل في اختراعها؟! أو للعرب ذلك الفضل؟ هناك روايات متعددة لنشوء الأرقام، منها ما هو حقيقي، ومنها ما هو مصطنع، وفي هذا المقال أحاول أن أتلمس بدايات اختراع الأرقام، وفضل الهنود في ذلك، ودور العرب في نشرها.
بدايات الأرقام
في القرن الثاني الهجري جاء بعض علماء الهند إلى البلاط العباسي، وأظهروا ما لديهم من أرقام، وشكلها، وهي تسعة أرقام: من الواحد إلى التاسع، وكان العرب يستخدمون الأرقام الغبارية، وهي خطوط ترسم على ألواح عليها غبار، لذا سميت بالغبارية، واستخدم العرب أيضًا حساب الجمَّل، وهو حساب على الأحرف، وكل حرف يأخذ قيمة معينة، ولكن العرب وجدوا في أرقام علماء الهند سهولة كتابتها، لذا اعتمدوها وأخذوا في كتابتها.
وكما ذكر محقق كتاب: التكملة في الحساب: «إن الحساب الهندي كان حسابًا وافدًا اقتبسه رياضيو الإسلام، وتعهدوه بالرعاية والتعديل والتطوير، فهو راسخ مستقر آخذ بالنماء البطيء». لذلك استغرقت عملية تحويل الأرقام من الهندية إلى العربية حوالي ستة قرون، وتباطأ انتقالها إلى المغرب، تعديل أشكالها لتناسب الخط العربي، وتطويرها بإضافة الصفر، وتعديل الكتابة من اليسار إلى اليمين.
بدايات وصول الأرقام إلى العرب
منذ أن بدأ العرب في استعمال الأرقام الهندية التي تكتب من اليسار إلى اليمين، كما يكتبها الهنود، لأن لغة الهند آرية، فشق ذلك على العرب، لأن العربية تكتب من اليمين إلى اليسار، مما اضطرهم إلى تحويلها إلى عربية تكتب من اليمين إلى اليسار، وتعديل شكلها لتناسب ذلك، واستغرق العمل لذلك من التعديل والتطوير حوالي ستة قرون هجرية، ولكن علماء العرب ظلوا في حيرة في معرفة قيمة كل رقم؛ فمثلًا: الرقم 1 - يساوي واحد في الخانة الأولى، ولكنه عشر في الخانة الثانية، ومئة في الخانة الثالثة... وهكذا، فأضاف العرب الصفر، ويعني الخالي، وكتب بدائرة صغيرة، ولا زال يكتب في الفارسية والأردو بدائرة صغيرة، والصفر يحدد معرفة خانة الرقم وقيمته.
انتقلت الأرقام من الهندية إلى العربية بعد قرون، وأخذت تكتب بطريقة المشرقيين: 1، 2، 3، والكتابة كلها يدوية، لذا تختلف من شخص لآخر، ومع بعض الاختلاف تكتب عند المغاربة؛ لأن الحساب الهندي لم يصل إلى المغاربة إلا بعد أكثر من قرن من الزمان.
وقد قيل: إن الخوارزمي، أبو عبدالله محمد بن موسى، قد اخترع هذه الأرقام معتمدًا على الزوايا 3-2-1، وقد بحثت في تراجم الخوارزمي المتوفى سنة 232هـ/ 847م، فلم أعثر على ما يؤيد هذا الرأي، أو الكتابة عنده عن الأرقام، بل هو عالم رياضيات، وله مؤلفات في الجبر والمقابلة،... وغيرها من الكتب، وهنا أستشهد بكلام العالم النحوي واللغوي الأستاذ فاضل صالح السامرائي، في إحدى مقابلاته حيث قال: حتى القرن الثامن الهجري لا يوجد مثل الأرقام الأوربية في المخطوطات العربية، بل هي طريقة العرب في كتابة الأرقام.
ذكر العالم عبدالقاهر بن طاهر البغدادي (ت: 429هـ/1037م) في كتابه: التكملة في الحساب، أن الأرقام هي:
«في ذكر صور حروف حساب الهند، على التخت، وبيان مقاديرها»:
اعلم أن حساب الهند يدور على تسع صور عليها تدور أمثلة جميع الأعداد، على اختلاف مراتبها. وهي من الواحد إلى التسعة، وهذه صورتها:
ولم يذكر البغدادي أن الخوارزمي قد اخترع صور الأرقام معتمدًا على الزوايا، وذكر كتابة الأرقام المشرقية، بحسب المخطوطات لديه، كما ذكر أن في المغرب العربي من يكتبها بطريقة مخالفة بعض الشيء، ولم يذكر أي شيء عن كتابة الأرقام بحسب الزوايا. لذا أرى أن المغاربة قد اخترعوا هذه الطريقة ونسبوها للخوارزمي، على الرغم من أن معظم الأرقام ليست خطوطًا مستقيمة باستثناء 7 و 8، وسائر الأرقام شبه دائرية، ووضعوا رأسًا وقاعدة لرقم 1 وهذا مخالف لطريقة العرب في كتابة الأرقام.
انظر على طريقة العرب في الكتابة، وطريقة الأوربيين:
هي نفسها باختلاف حركة اليد في الكتابة، فالعرب يكتبون من اليمين إلى اليسار، والأوربيون يكتبون من اليسار إلى اليمين.
الأرقام الأوربية
كان الأوربيون يستعملون الأرقام الرومانية، وهي أرقام معقدة تعتمد على الخطوط، فإذا كانت الأعداد كبيرة فإنها تحتاج إلى مساحة كبيرة لكتابتها وصورتها:
ولكن بعد أن اتصل الأوربيون بالعرب المسلمين في الأندلس منذ القرن الحادي عشر الميلادي، تعلم بعض المسيحيين من الرهبان العربية، وحتى البابوات تعلموا اللغة العربية، ومن ضمنها نقلوا الأرقام وغيرها، ونقلوا ما كان يستخدمه العرب من أدوات الكتابة، ومنها الأرقام، إذ هي الأسهل في الكتابة والقيمة لكل رقم، لذا تبنوها وأخذوا يطبعون بها، لذا تسمى عندهم بالأرقام العربية، وتطورت بعد ذلك بحسب الكتابة الأوربية، من اليسار إلى اليمين، وحيث إن الكتابة يدوية فقد اختلفوا بعض الشيء عن كتابة الأرقام المغربية، وهي أصلا مختلفة عن الأرقام المشرقية.
ويشير الكاتب W.Wright في (A Grammar of The Arabic Language) إلى اختلاف الأرقام من العربية والهندية والأوربية. ويقول: إن العرب أخذوا الأرقام من الهنود، لذا تسمى الرقم الهندي، ونحن الأوربيون أخذناها من العرب، لذا نسميها عربية، وهي الأرقام نفسها.
يتضح من هذه الصورة أن الأرقام بهذه الصورة لا غير، ولم يشر إلى الادعاء بأن الخوارزمي قد اخترع الأرقام التي تعتمد على الزوايا في كتابة الأرقام.
قام المستشرقون بدراسة الأرقام، وتطورها إلى أن وصلت إلى أوربا، ونشروها في دائرة المعارف الإسلامية (The Encyclopedia 0f Islam)، وتحدثوا عن الحساب عند العرب؛ من حساب الجمل وحساب الغبار، ثم استعمال الحساب الهندي، أي الأرقام الهندية التي أخذها العرب، ثم الأوربيون من العرب، ووضعوا صورة تطور كتابة الرقم من القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي إلى أن وصلت إلى الغرب، وكما ذكرنا سموها بالأرقام العربية.
وهذه صورة تلك الأرقام، ومن الذي سجلها بتلك الطريقة، ولكن عندما تطورت الأرقام في أوربا اخترع غوتنبرغ (1398م - 1468م) المطبعة فتثبتت الأرقام الأوربية كما هي معروفة الآن.
اعتمد كاتب دائرة المعارف الإسلامية على مخطوطات عربية قديمة، موجودة في تونس، وأخرى موجودة في القاهرة، كما اعتمد على كتب قديمة مطبوعة في مدريد، إسبانيا. وانظر السطر الأول والثاني من مخطوطات تنسب إلى ابن البناء المراكشي، من كتابه: مقالات في علم الحساب، ومن القلصادي، علي بن محمد بن علي القرشي في كتابه: كشف الجلباب عن علم الحساب. وهناك مقالات المستشرقين؛ مثل: كارا دو فو، وليفي بروفينسال، وغيرهما، قد كتبوا في الأرقام، وان أحمد بن محمد البناء الذي ولد في مراكش، المغرب، سنة 654هـ/ 1256م، وتوفي سنة 721هـ/ 1321، أي أنه متأخر عن الخوارزمي المتوفى سنة 232هـ، ولم يذكر أن الأرقام وضعها الخوارزمي طبقًا للزوايا. وإذا نظرت إلى السطر الثالث المنسوب لابن البناء تجده أقرب إلى الأرقام الأوربية، باستثناء 4-5 فإن الأرقام تناسب الخط الأوربي، ولكن آخر سطر لبيريز، ثم آخر سطر من R. Ball، في بداية القرن الخامس عشر، 1400 A.D ثبتت الأرقام الأوربية عندما اخترع غوتنبرغ الطباعة.
خلاصة القول
إن الأرقام العالمية المعروفة في العالم بدايتها هندية، وهي تسعة أرقام من الواحد إلى التاسع، وقد أضاف العرب الصفر، وتعني الخالي، فبقيت عشرة أرقام، فالفضل الأول يرجع إلى الهنود، والفضل الثاني يرجع إلى العرب، فالعرب أوصلوا تلك الأرقام إلى أوربا، ومنها إلى العالم أجمع. لذا فالأرقام العربية هي ما يستعمله أبناء المشرق، من ليبيا إلى الهند والباكستان، أما الأرقام الأوربية فهي للأوربيين والدول الأخرى.
سيطرت حضارة العرب المسلمين على ثقافة العالم لمدة قرون، وترجموا ثقافات الأمم السابقة، ومن ضمن ما أخذوه الأرقام الهندية، وكانوا الأساس في بدايات النهضة الأوربية الحديثة، فأخذ الأوربيون الأرقام من العرب، كما أخذوا أيضًا حضارتهم، واقتبسوا ما فيها من: علم الفلك، والرياضيات، والطب، والهندسة، والصيدلة، وغير ذلك من العلوم، وكانت الأرقام ضمن ما استفادت منه الحضارة الأوربية الحديثة.
يكفي العرب المسلمون فخرًا أنهم كانوا الأساس الذي بنت عليه حضارة الغرب، ولا يزال أسماء بعض العلماء العرب يتردد في تلك العلوم من أسماء لامعة، ويعرف الأوربيون مكانة هؤلاء العلماء فيما ذكرت من علوم مختلفة ■