مساحة ود

مساحة ود

السفارج

يتكاثر السفرجل بالترقيد أو الفسائل، أو بالتطعيم على شجر التفاح والكمثرى (الإجاص)، وربما كان عليكم أن تتمتعوا متعة فوق العادة بنوّار هذه الأشجار في شهري نيسان وتشرين، فكان حتماً سيدهشكم نوار السفرجل الموغل في البياض النقي، العابق برائحة تخلد طويلاً في أقبية الذاكرة!

تجاوزا عن جمال التفاح وأبهة الإجاص، فالتباين الوحيد بين الإخوة الثلاثة المنتمين إلى العائلة الوردية (التفاح والكمثرى والسفرجل)، التباين اللافت هو كمية الماء المتوافرة في كلِّ منها، فهي كبيرة في الكمثرى، وقليلة في السفرجل، وهذه الشحة في الماء هي التي تجعل من ثمره السفرجل ثمراً قابضاً قاسياً.

وعلى الرغم من الخلاف الظاهر سنتفق على أن السفرجل من أطيب الفاكهة، وسنتفق أيضاً على أن بإمكاننا أن نحضر منه أشهى المربيات البيتية، والتي إن طعّمت بعود القرفة ازدادت طيبا، ولن نختلف بطبيعة الحال على أن السفرجل مشهٍّ (فاتح للشهية)، لكن العجب سينبري لنا إذا ما عرفنا أنه يؤكل مشوياً، بعد تحميصه على الجمر، مانحاً نكهةً رائقةً خالية من الغصة!

إذا تجاوزنا عن كل شيء فلن يغفر لنا أن ندع مسألة الغصة تمرَّ مرور الذم، فالسفرجل إذا ما أكل على طبيعته فإنه عقب كل قضمةٍ يولد في الحلق غصةً كبيرة، وهذا ما يجعلني أؤمن بالحيل، مع من نحبهم ونعشقهم!

في طفولتنا كنّا نحتال على غصة السفرجل، خصوصاً إذا ما سرقناه قبل نضجه من بستانٍ قريب من ملاعبنا، كنّا نحتال عليه بأن ندفنه في تراب أصفر لعدة أيام، فإذا عدنا إليه كان ناضجاً وماؤه مدراراً، مما يقلل لنا عدد الغصات المنغصة القوية التي ننالها عندما نلتهم بشراسة الحبات اللذيذة المخرجة من الدفن المؤقت! كثير من البشر هم من فصيلة (الكأسات)!، أي الذين لا يحسنون إلا فتح أفواههم على مصراعيها لتلقي العطايا والخيرات، ولم تأخذهم الحمية يوماً بأن يلعبوا دور(الإبريق) ولو لمرة واحدة في الحياة فيعطوا، ويجربوا لذة العطاء، فالسعادة نوعان:سعادة عطاء، وسعادة أخذ!.

وهناك ناس سفارج (جمع سفرجل)، وهم الذين يعيشون معنا وبنا ولنا، ونعيش لهم وبهم!، ويمنحوننا الجمال والغصّات في آن؛ فنتمتع بطيبهم ولذاذتهم رغم ما بهم من هفوات، فالطعم الجميل قد ينسينا ذلك الجفاف القابض في سقف الحلق بعد كل قضمة منهم، الله يعيننا على أكلهم!

قد يتسلل المكر والدهاء إلى البعض منكم للدخول في مقاربات بين السفرجل وأناس السفرجل!، وسيقترح البعض تحميصهم على جمر البعد، أو الدفن في أرض الهجران!، لكني لا أرضى على أصدقائي بأن يعيشوا وحيدين بعد أن يتخلصوا من أحبابهم، فأين نجد حبيباً كاملاً!، أين نجد؟!

فيا الله.. إني لا أسألك حبيباً بلا غصات! ولكن أسألك حلقاً قوياً يتحمل!.

 

 

 

رمزي الغزوي