الذكاء الاصطناعي الأكثر شعبية وأخلاقية

الذكاء الاصطناعي الأكثر شعبية وأخلاقية

أصبح مصطلح «الذكاء الاصطناعي» artificial intelligence هو المصطلح الأكثر رواجًا الآن، بل والأكثر شعبية، بين الناس في جميع أنحاء العالم، وفي كل صباح نسمع عن برامج ومعالجات وإضافات تتم بواسطة الذكاء الاصطناعي، بفضل زيادة حجم البيانات والخوارزميات المتقدمة، والتحسين في طاقة الحوسبة والتخزين.

 

ولمعرفة قصة «الذكاء الاصطناعي»، ومدى تأثيره في حياتنا الراهنة، نبحر إلى كتاب صدر حديثًا عن سلسلة الثقافة العلمية بالهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، بعنوان «الذكاء الاصطناعي» لمؤلفه د. فتح الله الشيخ، الذي يعرِّف الذكاء الاصطناعي بأنه «قدرة الكمبيوتر الرقمي أو الروبوت على التفكير أو اكتشاف المعنى أو التعميم أو التعلم من التجارب السابقة».
وهو في سبيل ذلك يعرف الذكاء بصفة عامة بأنه قدرة عقلية عامة جدًا، تتضمن، من بين أشياء أخرى، القدرة على التفكير والتخطيط وحل المشكلات والتفكير المجرد وفهم الأفكار المعقدة والتعلم بسرعة والتعلم من التجربة.
ويقارن الكتاب بين الذكاء البشري وذكاء الحيوان وذكاء النبات، موضحًا أن الذكاء الذي تُظهره الآلات يقابله الذكاء الطبيعي الذي يملكه البشر، وأن مصطلح «الذكاء الاصطناعي» يستخدم غالبًا لوصف الآلات (أو أجهزة الكمبيوتر) التي تحاكي الوظائف «المعرفية» التي يرتبط بها البشر بالعقل البشري، مثل «التعلم» و«حل المشكلات».
وفي عالم الذكاء الاصطناعي (AI) من الممكن للآلات أن تتعلم من التجربة، وأن تتكيَّف مع المدخلات الجديدة لتؤدي نفس المهام التي يقوم بها الإنسان. وتعتمد معظم أمثلة الذكاء الاصطناعي التي نسمع عنها اليوم - من أجهزة الكمبيوتر التي تلعب الشطرنج إلى السيارات ذاتية القيادة - بشكل عام على التعلم العميق ومعالجة اللغات الطبيعية، وباستخدام هذه التقنيات يمكن تدريب أجهزة الكمبيوتر لإنجاز مهام محددة من خلال معالجة كميات كبيرة من البيانات والتعرف على الأنماط في هذه البيانات.

الشبكات العصبية
يذكر المؤلف أن الذكاء الاصطناعي يقوم بتحليل بيانات أكثر وأعمق باستخدام الشبكات العصبية التي بها العديد من الطبقات المخفية، ويوضح أنه كلما زادت البيانات التي يُمكنك إمدادها بها، أصبحت أكثر دقة.
ويعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي ليس موجودًا ليحل محلنا، ولكن ليزيد من قدراتنا ويجعلنا أفضل في ما نقوم به. إنه دخل في مجالات الرعاية الصحية، حيث يمكن أن تتناول تطبيقاته الطبَّ الشخصي وقراءات الأشعة السينية، أو تذكيرك بأخذ حبوبك أو ممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي.
 وفي مجال التصنيع، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات إنترنت الأشياء الخاصة بالمصنع أثناء تدفقها من الأجهزة المتصلة لتوقع الأحمال والطلب باستخدام الشبكات المتكررة، وهو نوع محدد من شبكة التعلم العميق المستخدمة من بيانات التسلسل.
وفي مجال تجارة التجزئة يوفر AI إمكانات التسوق الافتراضية التي تقدم توصيات متخصصة ومناقشة خيارات الشراء مع المستهلك، كما سيتم تحسين تقنيات إدارة المخزون وتخطيط المواقع.
وفي مجال الرياضات عن طريق التقاط صور أداء اللعبة وتزويد المدربين بتقارير حول كيفية تنظيم اللعبة بشكلٍ أفضل بما في ذلك تحسين المواقف والاستراتيجيات الميدانية.
ويشير فتح الله الشيخ إلى أن المبدأ الذي يحد من الذكاء الاصطناعي هو أنه يتعلم من البيانات، ولا توجد طريقة أخرى يمكن من خلالها دمج المعرفة، وهذا يعني أن أي أخطاء في البيانات ستنعكس في النتائج. غير أن أجهزة الكمبيوتر التي يمكنها استقصاء البيانات المعقدة للتعلم واكتمال مهام محددة أصبحت شائعة إلى حدٍّ كبير.
إن الذكاء الاصطناعي يعمل من خلال كميات كبيرة من البيانات المعالجة السريعة والمتكررة والخوارزميات الذكية، مما يسمح للبرنامج بالتعلم تلقائيًا من الأنماط أو الميزات الكامنة في البيانات.
ويؤكد الكتاب على أن الذكاء الاصطناعي سيوفر تفاعلات شبيهة بالإنسان، بالبرامج، ويوفر دعم اتخاذ القرار لمهام محددة، ولكنه ليس بديلا للبشر، ولن يكون متاحًا في أي وقت قريب.
وهناك الذكاء الاصطناعي القوي الذي قد يساعدنا في القضاء على الحرب والمرض والفقر، وبالتالي فإن التوصل إليه قد يكون أكبر حدث في تاريخ البشرية. وثمة تحد آخر قصير الأجل يتمثل في منع سباق تسلح مدمر في أسلحة قاتلة مستقلة ذاتيًّا.

الخطر الوجودي
غير أن القلق بشأن الذكاء الاصطناعي المتقدم هو الكفاءة وتحقيق الأهداف، وعلى الوجه الآخر يتمثل الخطر الوجودي من الذكاء الاصطناعي في أنه يؤدي يومًا ما إلى انقراض الإنسان، أو كارثة عالمية أخرى غير قابلة للاسترداد.
ومن مصادر القلق أيضًا حدوث انفجار ذكائي مفاجئ وغير متوقع قد يفاجئ الجنس البشري غير المستعد له. ذلك أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أن يصبح أكثر ذكاء من أي إنسان، وليس لدى هذا الإنسان طريقة مؤكدة للتنبؤ بالكيفية التي سيتصرف بها من خلال حواسيبه الآنية التي ستصبح حجريَّة في ظل التصاعد الرهيب للذكاء الاصطناعي.
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا الآن هو: هل سنسيطر على الآلات الذكية أم أنها ستسيطر علينا؟ هل ستحل الآلات الذكية محل البشر أو تتعايش معهم أو تندمج فيهم؟ ماذا يعني أن تكون إنسانًا في عصر الذكاء الاصطناعي؟ ماذا تريد من ذلك، وكيف يمكننا أن نجعل المستقبل بهذه الطريقة؟
ويشير الكتاب إلى ما يعرف بالذكاء الاصطناعي العام AGI وهو القدرة على جعل الآلات تستخدم اللغة، وتشكل التجريدات والمفاهيم، وتحل أنواع المشاكل المخصصة الآن للبشر وتحسن أنفسهم.
ولعل السؤال الأهم يدور حول مَنْ سيكون المسؤول عندما يتخذ الذكاء الاصطناعي قرارًا سيئًا، أو قرارًا غبيًّا؟
لقد أظهرت الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب أن الدماغ عبارة عن شبكة كهربائية من الخلايا العصبية التي تطلق النبضات، وقياسًا على ذلك من الممكن بناء دماغ إلكتروني. وإذا كانت الآلة يمكنها أن تتلاعب بالأرقام، فإنه يمكنها أيضًا أن تتلاعب بالرموز، فإنها بذلك من الممكن أن تصل إلى جوهر الفكر البشري، وتقلده، خاصة من خلال إنشاء قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على جميع الحقائق الدنيوية التي يعرفها الشخص العادي. وقد يحتاج الأمر إلى وجود جسد للذكاء الاصطناعي، فالعلماء والباحثون يعتقدون أنه لإظهار معلومات ذكيَّة حقيقيَّة يجب أن يكون هناك جسدٌ يحتاج إلى الإدراك، والتحرك، والبقاء على قيد الحياة، والتعامل مع العالم. وهؤلاء دعوا إلى بناء الذكاء من أسفل إلى أعلى. ولعل هذا يرتبط بما يسمى أطروحة العقل المجسّد.
ويؤكد الكتاب على أن الذكاء الاصطناعي تمكَّن من حل الكثير من المشاكل الصعبة، وأثبتت حلوله أنها مفيدة في صناعة التكنولوجيا، مثل استخراج البيانات، والروبوتات الصناعية، والخدمات اللوجستية، والتعرف على الكلام، والبرمجيات المصرفية، والتشخيص الطبي، ومحرك البحث جوجل، وغيرها.
إن الهوس بالذكاء الاصطناعي وصل إلى مداه في السنوات القليلة السابقة، وعلى سبيل المثال بحلول عام 2016م ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي قد وصل إلى حد «الجنون»، وبدأت تطبيقات البيانات الضخمة في الوصول إلى مجالات أخرى، مثل نماذج التدريب في علم البيئة والاستخدامات المختلفة في الاقتصاد، ودفع التقدم في التعلم العميق (وخاصة الشبكات العصبية التحويلية العميقة، والشبكات العصبية المكررة)، فضلاً عن التطور والبحث في معالجة الصور والفيديو وتحليل النص وحتى التعرف على الكلام.
وقد سبق لباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن صمموا برنامجًا تفاعليًا ينفذ حوارًا باللغة الإنجليزية حول أي موضوع. كما توصل أحدهم إلى تصميم روبوت بوجهٍ يعبر عن المشاعر. وبدأ العمل على بنية الأوكسجين التي تربط بين أجهزة الكمبيوتر المحمولة والثابتة في شبكة تكيفية.
وذهب البعض إلى أن صوت الذكاء الاصطناعي هو تقليد «لا تشوبه شائبة تقريبًا» للخطاب البشري.
وإذا تأملنا مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي، سنجد أنها تشمل تقريبًا كل نواحي الحياة الحديثة بعلومها وتقنياتها وطبها، وسنجد تمظهرت هذه التطبيقات في مجالات: الصحة، والتصوير الطبي الحيوي، والتنبؤ بآثار الأمراض العصبية التنكسية، والسمنة الوراثية، غير أن الكتاب لم يتناول تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الأدب.

خيال الذكاء الاصطناعي
وفي مجال البيولوجيا، توصل العلماء إلى تمثيل المخ للأفكار الاجتماعية بدقة، واكتشاف الأدوية، ووصلنا إلى ما يسمى خيال الذكاء الاصطناعي. كما تم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي الذي يساعد على تحديد ما ترغب الخلايا العصبية البصرية في رؤيته، وتحديد العلامات الوراثية المرتبطة بالأمراض المعقدة، واكتشاف المسار الذي يتحكم في عملية الأيض، وكشف العلاقة بين التجربة الفردية وبنية الدماغ، والسعي لتعيين اتصالات الدماغ وفهم الروابط، حيث يوجد في الدماغ البشري 100 مليار خلية، يرتبط كل منها بالعديد من الخلايا الأخرى. ويعتقد علماء الأعصاب أن هذه الروابط هي مفتاح ذكرياتنا وشخصيتنا وحتى الاضطرابات العقلية، مثل انفصام الشخصية عن طريق كشفها، وقد نصبح قادرين على معرفة المزيد حول كيف نصبح أنفسنا، وربما حتى كيفية تغيير تلك الأنفس.
وفي مجال الفضاء أوضح العلماء أن الذكاء الاصطناعي أكثر دقة من البشر بنسبة 30 في المئة في تحليل المادة المُظلمة. وأن هناك خوارزمية الذكاء الاصطناعي تساعد على تخطيط الكون. وبمساعدة الذكاء الاصطناعي يدرس علماء الفلك إمكانية أن تنطلق انفجارات الراديو السريعة من حضارات خارج المجرة، فضلاً عن أنه يمكن لعلماء الفلك البحث عن علامات الحياة على الكواكب الميتة. كما يمكن فحص أكثر من 200 ألف مجرة، للتأكد من عمليات الاندماج في المجرات التي تشعل النيران المتفجرة، حيث يحتوي الكون على مئات المليارات من المجرات. مع تقديم أدوات جديدة لعلم الفلك من خلال خوارزمية التعلم العميق.
وفي مجال العلوم والفنون، هناك نموذج الذكاء الاصطناعي، الذي يظهر بالتفصيل المذهل ما الذي يجعل بعض الصور تلتصق بأذهاننا، من «موناليزا» إلى «لوحة العشاء الأخير»، فضلاً عن البحث في خوارزمية التعلم الآلي، والوصول إلى عمليات المسح الضوئي ثلاثية الأبعاد لأسرع 1000 مرة. وإطلاق البحث حول الذكاء لتعزيز أبحاث الذكاء البشري وذكاء الآلة.
كما يمكن تعليم الذكاء الاصطناعي حس الفكاهة، أو تعليم الفكاهة لأجهزة الكمبيوتر. واكتشاف رقاقة جديدة تقلل من استهلاك الطاقة للشبكات العصبية بنسة 95 في المئة، وإمكانية تشغيل الشبكات العصبية على الهواتف الذكية أو حتى تضمينها في الأجهزة المنزلية. ويمكن أن تقوم الشبكة العصبية بضبط إعداداتها الداخلية بشكل مستمر بطرق لا يستطيع حتى منشؤوها تفسيرها. والعمل على إيجاد الحوسبة المضادة للهاكر.
كما توصل العلماء إلى نظام الذكاء الاصطناعي الذي يحدد سمات الشخصية من حركة العين، حيث يحلل أحد البرامج الجديدة حركات العين لاستخلاص استنتاجات حول سمات شخصية الشخص. ويحاول الفيزيائيون تطبيق التعلم الآلي لحل أسرار الكون، والتوصل إلى الطائرات التجريبية من دون طيار، وإيجاد برنامج جديد لتوجيه الطائرات الذاتية التحكم بواسطة إيماءات اليد. وهناك إمكانية للهاتف الذكي الجديد معرفة متى تحتاج أجزاء سيارتك إلى استبدال.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
وفيما يتعلق بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي أشار الكتاب إلى أن الذكاء الاصطناعي قدَّم تحديات أخلاقية واجتماعية وسياسية كبيرة تتطلب تحليلا فلسفيًّا وأخلاقيًّا شاملاً، يجب دراسة تأثيره الاجتماعي لتجنب أي تداعيات سلبية. 
وقد أوضح هذا المبحث أهمية الذكاء الاصطناعي للأخلاق، مع الأخذ في الاعتبار أنه كلما زادت حرية الآلة، احتاجت إلى معايير أخلاقية أكثر. وأن هناك حاجة إلى بناء أنظمة ذكاء اصطناعي صديقة تتبنى معاييرنا الأخلاقية وتساعد الإنسان على الازدهار، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يجوز للروبوت أن يؤذي إنسانًا، أو يسمح له بذلك من خلال التقاعس عن العمل مثلاً، فيجب أن يطيع الروبوت الأوامر الصادرة عن البشر إلا في الحالات التي تتعارض فيها هذه الأوامر مع إيذاء الإنسان.
إن أحد الأسئلة التي شغلت علماء الأخلاق الذين يناقشون الأنظمة المستقلة هو: ما هي المبادئ الأخلاقية التي يجب أن تحكم عملية صنع القرار في المواقف التي قد تنطوي على إلحاق الضرر بالبشر؟
لقد أصبحت أخلاقيات الذكاء الاصطناعي من أكثر الموضوعات حيوية في فلسفة التكنولوجيا، ذلك أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بالقدرة على إعادة تعريف مفاهيمنا الأخلاقية التقليدية والمناهج الأخلاقية والنظريات الأخلاقية، حيث يشكل ظهور آلات الذكاء الاصطناعي التي قد تتطابق مع القدرات البشرية أو تحل محلها تحديًا كبيرًا لفهم الذات التقليدية للبشرية باعتبارها الكائنات الوحيدة التي تتمتع بأعلى مكانة أخلاقية في العالم، وبناءً على ذلك فإن مستقبل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا يمكن التنبؤ بها، ولكن من المحتمل أن يقدم قدرًا كبيرًا من الإثارة والمفاجأة.
وختامًا، يشير الكتاب إلى أن فكرة «الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة» ما هي إلا «هراء» لأن البشر فقط، وليس الآلات، يمكن أن يكونوا جديرين بالثقة أو يفشلوا في ذلك ■