السويس ملحمة الصمود

السويس ملحمة الصمود

«يـا رايح السـويس... أمانة الله عليك/ أول ما تخش بابـها/ توطي تبوس تـرابـها/ وتتذكر شبـابها/ مين مـات ومين يعيش/ يـا رايح السـويس»... 
هنا في الركن الشرقي من مصر، تغفو مدينة السويس على كتف رأس خليج السويس، والذي سُمي باسمها، كما سميت القناة الجديدة أيضًا، يحرسها الشيخ «الغريب» وأنفاس ساكنيها، الذين نزحوا إليها فرادى وجماعات من كل ربوع مصر عبر العصور المختلفة، ليسطروا تاريخها ويجعلوا منها أهم المدن والموانئ المصرية، لتتمكن من أداء وظيفتها التي يؤهلها لها الموقع الجغرافي الجديد، خاصة بعد أن انسحبت مياه الخليج نحو الجنوب، وانفصلت البحيرات المرة عن الخليج لتنشئ الميناء والمنطقة الجديدة التي سميت «كليزما» في العصر الروماني. وقد حرف العرب اسمها إلى «القلزم» وسموا بها البحر الأحمر أيضًا، وفي القرن العاشر الميلادي نشأت ضاحية جديدة جنوبي القلزم سميت «السويس». ما لبثت أن ضمت إليها فيما بعد القلزم القديمة وحلت محلها وأصبحت المدينة والميناء الأشهر لمصر على البحر الأحمر.

 

وما زالت تحتفظ تلك المدينة العريقة بحكاياتها المدهشة عمن مروا بها من قادة وجيوش ومغامرين وتجار وحجاج وأولياء وشيوخ وفدوا من بلادهم واستقرت أرواحهم وأجسادهم هنا. 

تميز جغرافي وتاريخي
فقد كانت مصدر جذب للعديد من المصريين والعرب، حيث تمتلك تميزًا جغرافيًا وتاريخيًا واقتصاديًا، فقد كانت تستقبل طوال العام عددا من السفن مختلفة الأحجام والحمولات، وكان الشحن والتفريغ يتم يدويًا ومحمولًا، مما يجعل هذه السفن تطول مدد إقامتها حسب حالات الشحن والتفريغ، وحالة البحر. وكان طاقم هذه السفن يتكون من حوالي ثلاثين بحارًا، وكان لكل سفينة مغرد (نهّام السفينة) وهو المغني ومطرب السفينة، وهو من أهم وأبرز طاقمها ويقوم بالدور الأساسي أثناء الشحن والتفريغ... فهو الذي يشحذ همم البحارة أثناء العمل والترفيه عنهم بالغناء أثناء السفر، ولا تكاد تخلو سفينة من هذا المغني «النهام» والذي يحظى بالاحترام بين طاقم السفينة. وغالبًا ما كان العمال «الساويسة» يدعون نهام السفن ليشاركوهم أفراحهم وليالي السمر، طوال إقامة السفينة في الميناء. 
بخلاف التجارة كانت مدينة السويس محطة مهمة للحجاج والمعتمرين القادمين من دول إفريقيا إلى الجزيرة العربية، كما أن المحمل، الذي كان يتم تجهيزه كل عام في مصر من أجل كسوة الكعبة، كان يمر من هنا، ويوجد في متحف السويس آخر محمل لكسوة الكعبة الذي أرسل من مصر إلى مكة باسم الملك أحمد فؤاد الثاني. 
وعلى طول التاريخ المعاصر لم تفقد السويس شهرتها العالمية، فعندما وقع العدوان الثلاثي - أو حرب 1956م - بعد إعلان الرئيس جمال عبدالناصر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس، نجد الغرب يطلق عليها «حرب السويس»، رغم أن الحرب كانت بعيدة عن مدينة السويس، إذ دارت رحاها على وجه الخصوص في بورسعيد، لكن هذا هو سحر التاريخ وقوته. 

ملحمة الصمود
«يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي... أستشهد تحتك وتعيشي إنتي... يا بيوت السويس يا بيوت السويس...». 
خلّدت تلك الأغنية التي ترتدي وشاح الصمود مدينة السويس، حيث كانت، وما زالت، بيانًا تاريخيًا عن حكاية عنوانها الصمود والكفاح دفاعًا عن المدينة/ الوطن، في مواجهة العدو الصهيوني الذي استهدف حصار واحتلال المدينة، في محاولة يائسة لتعويض خسائره الفادحة والمؤلمة في حرب أكتوبر المجيدة. دارت معارك طاحنة وشرسة منذ يوم 24 أكتوبر 1973م في الشوارع والميادين وداخل المباني، قدم خلالها أبطال المقاومة الشعبية ملحمة عظيمة يشهد لها التاريخ، «ملحمة تقارب صمود الشعب الفلسطيني في غزة «العزة» ضد العدو ذاته». فقد تمكنت المقاومة من هزيمة قوات الصهاينة التي تسللت إلى داخل المدينة، وكبدتها الكثير من الخسائر بين قتلى وجرحى، مما أذهل العدو، الذي أخذ ينتقم لخسائره في العتاد والأفراد بتدمير المدينة، التي فاق دمارها، حسب المراقبين الدوليين، دمار الكثير من المدن الأوربية أثناء الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك فشل العدو في اقتحام المدينة والاستيلاء عليها، وظلت الدبابات الإسرائيلية المدمرة في الطريق الرئيسي المؤدي إلى داخل السويس شاهدًا على هزيمته النكراء. واضطرت القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب من المدينة وتمركزت خارجها لمدة 101 يوم، حتى انتهت الحرب بهزيمة وانسحاب الصهاينة، وعودة أبناء السويس وباقي محافظات القناة إلى مدنهم الحبيبة، فقد كانت منطقة القناة هي الخط الدفاعي الأول لحماية مصر كلها، وتحمل أبناءها المسؤولية بإيمان وإصرار على المقاومة والصمود، ومن هنا أصبح يوم 24 أكتوبر عيدًا وطنيًا تحتفل به مدينة السويس ويفخر به الوطن.

شهداء الكويت
هنا في تلك المدينة الباسلة، يشهد التاريخ لشهداء المجد والشرف الكويتيين، هؤلاء الأبطال الذين اختلطت دماؤهم مع دماء أشقائهم من شهداء الجيش المصري دفاعًا عن قضايا استعادة الأرض والكرامة والحرية للأمة العربية، حيث توجد مقابر شهداء الكويت خلال حرب أكتوبر 1973م، ضمن مقابر شهداء الجيش الثالث الميداني، فقد شاركت الكويت في تلك الحرب المجيدة بلواء اليرموك على الجبهة المصرية، ولواء الجهراء على الجبهة السورية، ولم تكن مشاركة الكويت في نصر أكتوبر قاصرة على المشاركة العسكرية، بل غطت الجوانب الاقتصادية أيضًا، عبر قرار حظر صادرات البترول للدول الداعمة لإسرائيل، فضلًا عن تلبية احتياجات الجبهة من أسلحة وعتاد. وهو موقف جماعي اتخذته دول الخليج والعراق والجزائر، ووصل عدد شهداء الكويت في حرب أكتوبر وما سبقها من حرب الاستنزاف لاثنين وأربعين شهيدًا من رتب مختلفة. وهو ما يؤكد أن الدم العربي واحد والشعب العربي شعب واحد من المحيط إلى الخليج.

بانوراما الجبال
عليك أن تتهيأ لاستقبال الشروق، واحتضان قطرات الندى، أنت هنا في حضرة الجبال المهيبة الشامخة، هي سلسلة جبال البحر الأحمر المتاخمة للبحر، والتي شكلت الطبيعة معالمها عبر قرون من الزمن، يتخللها مناظر طبيعية مبهرة، خلقت خلفية طبيعية ساحرة، تمزج بين الخيال والواقع، وتشهد على عظمة وقوة إبداعات الطبيعة. ففي منطقة العين السخنة على سبيل المثال إن مددت ذراعك من إحدى الفنادق تشعر أنك تلامس الشعب المرجانية والأسماك الملونة... أما جبل عتاقة الذي يتبع هذه السلسلة، ويشكل علامة سياحية واقتصادية بارزة لمدينة السويس، فهو جزء من التاريخ الطبيعي للمدينة. ويقال إن اسم عتاقة جاء من اسم «اتيكا» الذي ورد ذكره في بردية هاريس. ويحتوي جبل عتاقة على العديد من المواد الخام النقية التي تدخل في كثير من الصناعات. ويُذكرُ أن الفراعِنة كانوا يأتون إلى جبلِ عتاقة عبْر تُرعة تصِل مِن الدلتا إلى فم الخليج بحثًا عن النحاس وغيره من المعادِن.

فواصل التاريخ
نعبر فواصل تاريخ تلك المدينة من متحف السويس القومي، الذي يعرض تراث السويس والآثار والتاريخ الحضاري لمصر، كما يحكي قصة قناة السويس على مدار التاريخ، والتي ترجع فكرة حفرها إلى الدولة المصرية القديمة منذ أكثر من 4 آلاف عام. وتم افتتاح المتحف الجديد في عام 2012م، وذلك بعد انهيار المتحف القديم أثناء حرب 1967م، يضم المتحف 2500 قطعة أثرية عريقة، حيث يوجد به العديد من التماثيل القديمة ذات أهمية كبرى، كما يوجد به قاعات تحكي عن الملاحة قديما عبر العصور. 

أبو جاموس وعيون التيه
من أين تأتي تلك المدفعية الثقيلة التي تدك البيوت على ساكنيها؟ سؤال حير الجيش المصري وأهالي السويس كثيرًا، حتى قادت الصدفة أحد أبناء البدو من قبائل العليقات الذي كان يتعاون مع المخابرات الحربية في نقل أخبار وتحركات الجيش الإسرائيلي، إلى مدفع «أبو جاموس»، وهو يخرج لإطلاق قذائفه، فأخبر المخابرات المصريةً. لتكتشف تلك النقطة، التي تبعد 17 كيلومترًا عن مدينة السويس، وعلى مقربة من آبار عيون موسى، حيث نصبت إسرائيل مدافعها العملاقة داخل دشم خرسانية، بنتها تحت الأرض من الحجارة وقضبان السكك الحديدية التي كانت تربط مصر بفلسطين عبر سيناء، لتضع بداخلها مدافعها في مأمن بعيدًا عن العين، تخرج بطريقة ميكانيكية لتطلق قذائفها بعيدة المدى لنحو 30 كيلومترًا، تصيب أهدافها بدقة داخل سيناء وخارجها وفي مدينة السويس، وتعود في الحال إلى داخل التبّة الخرسانية وكأن شيئًا لم يكن.
وأبو جاموس هو الاسم الذي أطلقه أهالي السويس على المدفع «هودزر 155 ملي فرنسي»، وذلك لأن صوت الدانة حين تسقط على المدينة يشبه خوار الجاموس، فقد كان يتميز المدفع بمدى إصابة من 23 إلى 27 كيلومترًا، في الوقت الذي تبعد الدشمة فيه عن مدينة السويس 17 كيلومترًا، ما يضع المدينة بأكملها تحت رحمة المدفع، وكانت الدانة تستطيع تدمير أكثر من 50 مترًا مربعًا؛ لأنها شديدة الانفجار، وملحق بالدشمة 12 فتحة تهوية، حيث كان ينفث المدفع دخانه بالكامل داخل الدشمة بعد ارتداده للداخل عقب الإطلاق، وحتى يخرج الدخان من الدشمة على مراحل فلا يظهر للطائرات مكان الإطلاق. وقد أصبحت تلك النقطة الحصينة مزارًا سياحيًا بعد انتصار أكتوبر، وتحريرها من العدو، خاصة وأنها تقع بالقرب من منطقة عيون موسى التي شهدت إحدى المعجزات الإلهية، وهي انفجار عيون المياه العذبة من باطن الأرض لسيدنا موسى... والمنطقة واحة من النخيل، والأشجار العتيقة، وكانت تضم اثنتي عشر عينًا، لم يتبق اليوم منها سوى خمس عيون فقط.

المحار السويسي
بعد جولتك في المدينة وتاريخها المشرف، يمكنك الاستراحة على كورنيش السويس، الذي يعد من أبرز الأماكن التي يقصدها الزائرون للمحافظة، حيث يتميز بمساحات خضراء واسعة والعديد من الكافيهات والمطاعم، كما يمكنك الاستمتاع بوجبة من المحار، إحدى أشهى المأكولات البحرية المليئة بالفسفور، حيث تنتشر أكشاك المحار والسيريديا والاسرومباء واللوجز بالقرب من الكورنيش، ويمكن الجلوس على طاولات لتناول تلك المأكولات الشهية. كما يمكنك الاستمتاع بمشاهدة قناة السويس، وحركة السفن والحاويات في مياه البحر الأحمر، وهو منظر جذاب يحرص أهل السويس والزائرون على مشاهدته. كما يحتضن الكورنيش العديد من الاحتفالات التي تحييها فرق السمسمية الشهيرة في منطقة القناة، وكذلك معرض الكتاب السنوي وما يصاحبه من أنشطة فنية وثقافية.

«ابن حميدو» وبيت المساجيري 
يزداد الأمر بهجة بزيارة بيت المساجيري، الذي شهد جانبًا من أحداث فيلم «ابن حميدو»، خاصة المشهد الكوميدي الذي ألقت منه الفنانة هند رستم المياه على الباز أفندي، من أقدم المباني في منطقة القناة، وأحد أشهر المعالم الأثرية الموجودة في السويس، فقد تم بناؤه في عهد محمد سعيد باشا عام 1862م، من خلال الشركة الفرنسية المساجيري مارتم، والتي تعني البريد السريع، وكان الهدف من إنشائه أن يكون مقرًا لنقل الرسائل والأفراد والبضاعة من الشرق الأقصى لأوربا قبل حفر قناة السويس. ويتكون البيت من دورين الدور الأول عبارة عن مخزن لمخلفات السفن، والدور الثاني يتكون من غرف ذات مساحة واسعة، وكان يوجد بأعلى المبنى الرئيسي برجان خشبيان، والصاري الذي لا يزال موجودًا حتى الآن، والذي يحتوي على تليسكوب كبير من خلاله تتم معرفة جنسية السفينة العابرة، حيث يدق رنين جرس المبنى لتنبيه العاملين لوصول السفينة، ويرتفع علم دولة السفينة بأعلى الصاري الموضوع فوق المبنى. ثم يتحرك عمال الشركة في لنشات وصنادل بحرية لنقل البضائع المُحملة على السفينة ونقلها إلى القاهرة. ويقع بيت المساجيري على الكورنيش القديم في منطقة الكسارة الغريب، وهو قريب من بيت إسماعيل يس، الذي رشح مدينته وشاطئ السخنة لصناع فيلم «ابن حميدو»، كنوع من رد الجميل لمدينة السويس، وأهلها الأصلاء، مخلدًا مسقط رأسه بهذا الفيلم طوال التاريخ الفني، لذلك أطلقت المحافظة اسمه على مسرح وميدان كبير بأول طريق الكورنيش. 

حكايات الغريب
«إن السائق الشهيـد عبدالرحمن... أو أيًا كان اسمه قد منحنــا شرفًا أرجـــو أن نستحقه... طايل المصري».  بهذه العبارة البليغة اختتمت المخرجة إنعام محمد علي فيلم «حكايات الغريب»، حيث فرضت سردية المقاومة في مدينة السويس نفسها على الكتاب وصناع السينما في مصر، فعندما قرأت المخرجة إنعام محمد علي كتاب «حكايات الغريب»، لـلكاتب الكبير «جمال الغيطاني»، - والذي كان يشغل في وقت حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر منصب المراسل العسكري لجريدة أخبار اليوم - تعلقت بتلك القصة القصيرة التي تحمل عنوان المجلد الأول «حكايات الغريب» كثيرًا، وتحمست لإنتاجها في فيلم سينمائي. وقد حقق الفيلم نجاحًا ورواجًا مبهرًا، وأشاد النقاد بتميزه واقترابه الشديد من واقعية الحرب، خاصة اختيار أماكن التصوير التي تشبه الخنادق، والتي كان يستخدمها الفدائيون للاختباء بها، وهي التي غنى فيها الفنان محمد منير بكل وجدانه «غني يا سمسمية»، و«أنا صاحي يا مصر» وهما من كلمات وألحان الكابتن غزالي. وهي الأغاني التي انتشرت في كافة ربوع مصر بعد فترة الحرب.

سويس ما بعد أكتوبر
نالت التغيرات العشوائية المتسرعة بعد حرب أكتوبر، والمصاحبة لسياسات الانفتاح الاقتصادي مدينة السويس، كما نالت معظم بيئات مصر التي كانت تتميز بطابع خاص، فقد تبدل الكثير في تلك المدينة الرمز، وتسللت الثقافة الاستهلاكية لتغير طبيعة الناس، وتغيب فنونهم الشعبية، وتملأ الفضاءات بالأبراج والبنايات الإسمنتية التي حاصرت الهواء والروح. يقول المؤرخ السويسي أنور فتح الباب: عانت السويس مثلها مثل مدن القناة الأخرى من تأثر طابعها المعماري بالدمار لظروف العدوان الإسرائيلي بعد عام 1967م. ولعل السويس كانت الأكثر من بين مدن القناة تأثرًا بذلك نتيجة لعمليات القصف اليومي الذي كانت تتعرض له المدينة طوال فترة حرب الاستنزاف. ثم ما تلاها فترة العمليات العسكرية أثناء حرب أكتوبر 1973م ووقت حصار السويس حتى يناير 1974م، كان للسويس طابعها المعماري المتميز المستمد من بيئتها الجغرافية والطبيعية وهو البناء بالدبش والأخشاب، وهو المعروف بالنمط «البغدادلي». وقد دُمرت معظم بيوت أحياء السويس من هذا النمط. وما تبقى أهمل أو تم هدمه وإعادة بنائه على يد أصحابه أو من قبل أباطرة الاستثمار العقاري.

بورتوفيق الخضراء
تتزين مدينة بورتوفيق بالمناظر الطبيعية والمساحات الخضراء الممزوجة بالرمال الناعمة والشواطئ الساحرة، والأجواء الهادئة، مما يأخذك للزمن الجميل، حيث كانت تعتبر بورتوفيق مقصد نجوم الفن منذ الثلاثينيات، وتم تصوير أفلام عديدة بها، فهي تتمتع بموقع متميز على رأس الخليج وقناة السويس معًا، كما أنها مدينة متكاملة للسكن والمعيشة، ويشير المؤرخ السويسي فاروق متولي: إن مدينة بورتوفيق نشأت كضاحية من ناتج حفر قناة السويس، وبعد تولي الخديوي توفيق حملت اسمه كما حمل اسمه الميناء أيضًا، وانتقلت إليها جميع الخدمات الملاحية المسؤولة عن إدارة وتشغيل القناة وإدارة التوكيلات الملاحية وشحن وتفريغ البضائع. وقد صممت الفيلات المتواجدة في المدينة والمطلة على المجرى الملاحي لقناة السويس، على الطراز الفرنسي الأوربي، ورغم مرور أكثر من 150 عامًا على بناء تلك الفيلات، إلا أنها ما زالت محتفظة بالطراز المعماري المصممة عليه، وألوان حجر القرنيد الأحمر المميز، وكانت الفيلات بمنزلة استراحات وسكن إداري للقباطين والمهندسين الفرنسيين واليونانيين والإنجليز المسؤولين عن إدارة حركة الملاحة وتنظيم جداول عبور السفن في القناة، حيث حرصوا على جلب أسرهم من أوربا للإقامة في تلك الفيلات البديعة. 
وبجوار الفيلات تتواجد الحديقة الفرنساوي، وتلك الحديقة لها قصة لطيفة، نسجتها السيدات الوافدة من لندن وباريس، حيث لم يتأقلمن مع طقس السويس الحار وارتفاع نسبة الرطوبة صيفًا، فطلبت السيدات إقامة متنزه وحديقة مفتوحة بجوار الفيلات تكون بمنزلة مساحة خضراء كثيفة الظل مطلة على القناة للتريض والفسحة. وجرى تخصيص مساحة كبيرة لتكون متنفسًا للأسر الأوربية، وزراعتها بالأشجار الظلية، أشهرها الفيكس الهوائي والكاتشوك، والأكاليفا، وأصبحت تستقبل الأسر كل مساء، لا سيما في فصل الربيع والصيف. وبمرور الوقت جرى إضافة أصناف أخرى من الأشجار حتى أصبحت «الجنينة» بمنزلة واحة بديعة للناس والطيور المهاجرة التي تنزل عليها بعد رحلتها الطويلة فوق المسطح المائي. وإن كانت الحديقة أنشئت لتكون متنفسًا للفرنسيين الأوائل الذين عملوا في المدخل الجنوبي للقناة، فلها مكانة كبيرة أيضًا لدى أبناء السويس وذكريات لا تنسى مع الصغار والكبار، وتستقبل آلاف المواطنين في الأعياد لاسيما شم النسيم، فتلك المساحات الخضراء المتاخمة للمجرى الملاحي تشكل متنفسًا للأهالي.
الشيخ/ القائد
يرى المؤرخون أن القائد/ الشيخ الغريب المسمى المسجد على اسمه «مسجد الغريب»، بدأت تعرفه الأوساط المختلفة في عام 926 ميلادية، عندما اعترض القرامطة طريق الحجيج، بعد أن أدوا الفريضة، قطعوا عليهم الطريق، وأسروا النساء وأبناءهن، وثار الناس، وطالبوا بالقصاص من القرامطة، وقد كان عدوان القرامطة على المدن والحجاج يمثل خطورة على حياة الناس وهيبة الدولة، حيث لم يكن هناك من سلم منهم، حتى مكة اعتدوا عليها وعلى مقدساتها في سنة 929 ميلادية. وكان لقطع طريق الحج على يد القرامطة آثار بالغة السوء على المدينة، حيث كان لقوافل الحجيج مردود اقتصادي كبير على أهل المدينة وتجارها وحرفييها، أضف إلى ذلك أن موسم الحج في السويس كان يمثل مهرجانًا ضخمًا لفنون وتقاليد الوافدين لأهازيجهم وغنائهم، كما كان مهرجانًا لعرض الأزياء التقليدية لهؤلاء الوافدين وتقاليدهم وطرائق معيشتهم وأكلاتهم التي اشتهر فيها الكسكسي المغربي، المديدة، العصيدة، وأصناف الحلويات التي اشتهرت في السويس وقتها. لذا كان هذا الموسم يوفر الكثير من احتياجات المدينة التي تنتظرها طول السنة، وتذكر لنا الروايات التاريخية، ومنها الكاتب والمؤرخ حسين العشي إلى أن «الغريب» جاء على رأس حملة عسكرية إلى مصر عام 926 ميلادية، وسلك الطريق من القاهرة حتى القلزم مرورًا بمدينة بلبيس، والتقى مع القرامطة في معركة حاسمة عند القلزم، واستشهد الغريب في هذه المعركة. وبسبب حب أبناء المدينة، للقائد/ الشيخ المغربي قد تم دفنه في الضريح الذي أقامه أبناء السويس وسمي مسجد الغريب، مع أربعة من المشايخ الصوفية، الذين كانوا معه في المعركة، وأطلق أهالي السويس على الرجل اسم (عبدالله الغريب)، مستندين إلى أن البشر كلهم عبيد الله لذا فهو عبدالله، وحضر في مهمة مقدسة ترتبط بتأمين طريق الحجاج إلى البيت الحرام، أما لفظ الغريب فلكونه ليس من أبناء السويس، وقد أطلق على المنطقة التي تحتضن المسجد اسمه أيضًا وهي (حي الغريب). وقد أصبح قبر وضريح الغريب بعد وفاته مزارًا لحجاج بيت الله الحرام وبه بئر للسقاية، كان الناس جميعًا يشربون منه طوال العام، قبل أن تشق ترعة الإسماعيلية التي تمد السويس بالمياه العذبة:
يا للي دعاك النبي زور الغريب قبليه
تاخدك بواخر وتروح في الشروق قبليه

غزالي أيقونة السويس
الكابتن غزالي واحد من القلائل الذين أدركوا دور الأدب والفن في المقاومة، لذا تعددت مواهبه وإسهاماته في الحياة الإنسانية والثقافية، فهو شاعر ورسام وخطاط وعازف سمسمية ومؤدٍ ومفكر ومؤرخ ومواطن بدرجة مقاتل، اتسمت مواقفه في الحرب والحياة بالإنسانية والشجاعة. فقد أدرك غزالي ورفاقه من الأبطال منذ اللحظة الاولى لهزيمة 67 التي رأوا فيها عودة الجنود من سيناء بثيابهم الممزقة وجروحهم الغائرة، أنها لم ولن تكن حربًا تقليدية بين جيشين في ميدان معد سلفًا للقتال، بل لابد أن تكون ملحمة شعبية من الصمود والتصدي يشارك فيها كافة أبناء الوطن. وهو ما جعله يؤسس فرقة «ولاد الأرض» بعد حرب 1967م، تلك الفرقة/ الكتيبة التي طافت معظم المحافظات تغني أغاني المقاومة على آلة السمسمية، أغاني مشـحــونة بــعـــرق مــن حـفــروا قــنــاة الـسـويـس ودمـاء مـن دافـعـوا عــن الأرض وحــرروهــا من أجل رفض الهزيمة. خرج الغزالي برشاقته وروحه المفعمة بالإصرار والتحدي يعلن مع رفاقه شعار المرحلة: «أنا صاحي يا مصر أنا صاحي/ سهران وفي حضني سلاحي/ واللي يهون عزيمتي/ واللي يقلل من قيمتي/ يحرم عليه صباحي».
لقد امتلأت كلمات أغاني فرقة «ولاد الأرض» المكونة من شباب وعمال بسطاء، بالتلقائية والحماسة التي زرعت الأمل في النفوس وعلت أنغامها في خنادق المقاومة لتهز السكون، وتحفز على الصمود والمقاومة حتى النصر:
«فات الكتير يا بلدنا ما بقاش إلا القليل/ وإن كان على الأرض هنحميها/ وإن كان على بيوتنا هنبنيها/ وعضم ولدنا نلمه نلمه/ نسنه نسنه/ ونعمل منه مدافع/ وندافع/ ونجيب النصر هدية لمصر».

حنة سويسي
تنفرد السويس بخصوصية في تنفيذ ليالي الحنة، «عرس الأعراس»، وهي الليلة التي تسبق ليلة الدخلة مباشرةً، وهي غالبًا ما تكون على يومين، يوم الثلاثاء هو احتفال حنة الستات، والأربعاء للرجال. ويستعد الجميع أهل العروس، والعريس، وأهل الحي بإعلان الدعوة المفتوحة لكل أبناء المدينة والمتواجدين من الغرباء وبحارة السفن المتواجدة الذين كانوا فيما مضى يشاركون في أفراح ومناسبات أهل السويس الذين كانوا يحرصون على دعوة فناني هذه السفن للمشاركة في المناسبات، مثل ليلة الحنة - الختان – الموالد، وغيرها من المناسبات السعيدة. ومن هنا أخذت أفراح السويس واحتفالاتها التفرد بتضمين أغاني البحر الوافدة وشكل الدق «الكف» التصفيق بالأيدي، وهو موروث من الخليج وسواحل البحر الأحمر، ويقال إن التصفيق كان إحدى وسائل الاتصال بين البحارة في عرض البحر قبل أجهزة الاتصال الحديثة اللاسلكية وغيرها - وتقاليد الرقص المختلفة، فتزاوجت هذه الفنون والتقاليد مع فنون الغناء المصري السائد وقتها. 
ويمكنك أن تسمع في هذه الليلة كل ألوان الغناء المصري والعربي، وكذا أغاني البحر. وخروج الصينية يبدأ بخروج «حنة الستات» وهي قاصرة على الحريم والبنات، حيث تحتفل سيدات الأسرتين والجيران والأقارب بتجهيز العروس وتزيينها ونقش سواعدها وأرجلها بمعجون الحناء، وتقديم مبالغ من المال حسب القدرة (النقطة). أما صينية العريس والتي غالبًا ما تكون محتوياتها مهداة من الأصدقاء والأقارب، فهي صينية دائرية توضع فيها الحناء فضلاً عن سبع شمعات مضاءة، وتكون الصينية من دور أو دورين وربما ثلاثة أدوار، حين تنتهي من التجهيز، ينادى المتخصص - بالصلاة ع النبي - ودعوة حرس شرف الصينية التي يحرص كل الأصدقاء على التقدم لرفع الصينية والخروج بها إلى الساحة - ثم يبدأ الجميع بقراءة الفاتحة - وآية الكرسي - والصمدية - والمعوذتين، ثم يصفق الجميع لإبلاغ المحتفلين بخروج الصينية - وسط الزغاريد والتهليل، وتقدم الأولاد والبنات - لخطف أجزاء من الحنة المخصصة لذلك في أطراف الصينية - يحتفظون بها في أياديهم حتى الصباح للمباهاة بين أقرانهم بالمشاركة. ومن تقاليد الصينية أن كل الحاضرين لابد أن يشاركوا في الرقص الجماعي الدائر - ثم تبدأ حركة الصينية بالتجول في كل شوارع الحي، ومن بين أشهر الرقصات المشهورة التي كان شباب السويس يؤديها ليلة الحنة رقصة الخيزرانة والبحارة والصيادين ورقصه البمبوطية، وغيرها من الرقصات التلقائيه التعبيرية التي يشتهر بها السوايسه، على أنغام السمسمية الساحرة.
ويقول الكابتن غزالي: إن هناك تشابهًا كبيرًا بين طقوس ليلة الحنة وتجهيزات الصينية والشموع، وما يجري حتى الآن في الكنائس الشمع والصينية في الاحتفالات الدينية والمناسبات، وقد أخذها السوايسة عنهم وأصبحت تقليدًا سويسيًا حتى الآن، يؤكد ذلك هو الطقس الذي يلازم إعداد الصينية وخروجها والتراتيل والرطانات التي يعرف بها السوايسة أنها لغة تحتية يسمونها «السريانية»، والمتأمل لتقاليد غرس الشموع والأهازيج الغريبة التي تلازمها تسمع كثيرًا من المفردات من اللغة القبطية القديمة.
...
«حنة سويسي... للصباح
العب معايا... للصباح
على هوايا... للصباح
يا صحبجية... للصباح».
...
«الليلة الحنة وبكره الدخلة وبعده الصباحية
مبروك يا عريس مبروك يا عروسة 
اتهنى أنت وهي».
...
«مسا الجمال ألفين مبروك يا صحبة جمعت كل حبيب
عريسنا يبقى أخونا وأخوك لما جه خبط على الباب
فتحنا له الله الله
هيصنا له الله الله
وفرحنا له الله الله
والكل متهني وفرحان» ■

مدخل النقطة الحصينة لعيون موسى، أحد مزارات حرب أكتوبر 1973م

كورنيش السويس بمنطقة بورتوفيق المطل على المدخل الجنوبي للقناة

قدم أبطال المقاومة الشعبية ملحمة عظيمة يشهد لها التاريخ

بيت كساب أحد أقدم المنازل بمدينة السويس ومازال على حالة تظهر عليه نثار قذائف حرب أكتوبر حتى الآن 

جنود الكويت على خط النار على قناة السويس مشاركين في انتصار حرب أكتوبر عام 1973 م 

النصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر بمدينة السويس ولافتة تظهر موقع دفن شهداء جنود من الكويت شاركت في الحرب بالسويس 

صورة قديمة لأبطال المقاومة الشعبية الذين شاركوا في مواجهة العدو الصهيوني

النقطة الحصينة على خط بارليف بعيون موسى ومهمتها ضرب مدينة السويس ما بين حربي 67 و73 

واجهة بيت المساجيري أشهر المنازل بالسويس، وشهد تصوير فيلم «ابن حميدو» بطولة إسماعيل يس وأحمد رمزي وهند رستم

صورة علوية لقصر الوالي محمد علي لإدارة حملة إبراهيم باشا على الحجاز 

مبنى لسكان يونانيين يظهر التنوع المعماري بالمدينة مثل مدن قناة السويس  

ممشى مطل على مرسى اليخوت بالعين السخنة

ساحة مسجد الغريب 

واجهة مسجد الغريب 

ميدان حي الأربعين، أشهر ميادين السويس كما يظهر من أعلى

تجهيزات شهر رمضان بميادين السويس