الكولسترول: كيف نقاوم ارتفاعه؟

الكولسترول: كيف نقاوم ارتفاعه؟

فرضت الحضارة الحديثة وترتيبات الحياة لدى العديد منا تخصيص جزء واضح من يومنا في ركوب السيارات أو الجلوس طويلاً وراء المكتب بالإضافة إلى قضاء ساعات طوال أمام التلفاز بحيث أصبحت حركة جسمنا خلال اليوم محدودة.

فضلا عن ذلك فإن تبادل الولائم بشكل عريض، وعرض أنواع واسعة جداً من أشهى المأكولات والحلويات والمعجنات وفي هيئة طاولات مفتوحة.. كل ذلك نقل حياتنا إلى مرحلة تحف بها المخاطر حيث قد يؤدي ذلك وحسب طبيعة جسم كل منا إلى السمنة وزيادة نسبة الشحوم والكولسترول في الدم. بحيث أصبحنا نسمع عن أخبار الأزمات القلبية في المجتمع وكأنها أمر عادي، بالإضافة إلى أنها لم تعد حصراً على الشيوخ بل امتدت ايضا إلى بعض الناس في مرحلة الكهولة أو حتى سن الشباب.

وعليه يبدو ضروريا التعريف بشكل جيد بالكولسترول وآثاره وتوزعه في الجسم وما تسوق زيادة نسبته في الدم من اضطرابات قد تكون آثارها خطرة لدى البعض منا. ويبدو مفيداً من جهة أخرى اللجوء إلى طرق الوقاية والتعرف على الوسائل السهلة لحماية أنفسنا وتقديم النصح لمن حولنا.

إن مادة الكولسترول هي مركب كحولي معقد يوجد في جسم الإنسان والحيوان ويغيب عند النباتات، ويمكنه أن يتحول في جسمنا إلى فيتامين D، وينضم داخل جسمنا إلى مجموعة مركبات تدعى الستيرولات تقع بينها الهرمونات الجنسية وهرمونات قشرة الكظر، وهو يدخل في بناء الجسم ويوجد بشكله الحر أيضا ويرجع إليه الفضل كما سلف في بناء الهرمونات الجنسية داخل الجسم وهرمونات الغدة الكظرية وكذلك الحموض الصفراوية وغيرها. ويوجد الكولسترول بنسبة عالية (2%) في أنسجة الدماغ.

إن مصدر الكولسترول بالنسبة لنا يتحدد حسب نوع التغذية وهو متوافر في الأغذية الحيوانية بنسب مختلفة. وأهم تلك المصادر هي دماغ الحيوانات وأكبادها وصفار البيض والمنتجات المشتقة من الحليب، القشدة والسمن العربي بالإضافة إلى أعضاء الحيوانات الأخرى كالقلب والكليتين واللسان ومنتجات أخرى عديدة.

ويستطيع جسمنا طبعا أن يركب الكولسترول ذلك اعتباراً من مائيات الفحم (السكاكر) والدسم. وعليه فإن نسبة الكولسترول في الجسم لا ترتبط بما نتناوله من أنواع الغذاء فقط بل بإمكان تركيبه وتحطيمه من قبل الجسم.

وتعتبر كمية الكولسترول التي تدخل الجسم وتلك التي تتحطم داخله متوازنة مرضية عند الإنسان البالغ الصحيح الجسم، إنما تتباطأ العمليات الحيوية التي تخص الكولسترول والمحيطة به مع تقدم السن في مرحلتي الكهولة والشيخوخة. وعليه قد يضطرب التوازن بين الكمية التي تدخل الجسم وتلك التي تتخرب وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبته في الدم.

ومعروف أن نسبة الكولسترول تتراوح ما بين 150 ـ 200 مغ/100مل من الدم عند الإنسان الطبيعي صحيح الجسم. وتعتبر الكثير من المصادر الطبية الرقم 180 ملغ/100 مل هو الرقم الأعلى المقبول.

وتوجد علاقة وثيقة بين مستويات الكولسترول في الدم والدسم الأخرى من جهة وحدوث تصلب الشرايين من جهة أخرى.

فضلاً عن ذلك فإن النظام الغذائي الذي يعتبر مصدراً غنياً بالكولسترول يؤدي بنا ولاشك إلى ظهور مستويات عالية شاذة من الكولسترول والشحوم في الدم. ويرى العلماء أن الاشخاص الذين لديهم هذه النسب العالية من الكولسترول والشحوم في الدم هم أكثر عرضة لتصلب الشرايين، وبالتالي فإن تعرضهم للأزمات القلبية هو أكبر مقارنة مع أناس ذوي مستويات أخفض.

تصلب الشرايين وأخطاره

ويتلخص تصلب الشرايين في حدوث ترسب لصفائح خاصة حاوية على الكولسترول تقع على جدران الشرايين الداخلية خصوصاً تلك الصغيرة ومتوسطة الحجم، وعليه تصاب بنقص واضح في قطرها الداخلي ويقل بالتالي تدفق الدم عبرها وتتعزز بالتالي احتمالات حدوث الجلطات الدموية كمثل تلك التي تحصل في الشرايين التاجية للقلب Coronary arteries ونتيجة لذلك يساعد ارتفاع الكولسترول كما نرى في التسبب بحصول أزمة قلبية وبوجود تلك الصفائح.

ويهمنا أيضاً تعرف معايير أخرى مفيدة ذات دلالة، إذ يقع في الدم شكلان من المواد الدسمة البروتينية Lipoproteins الحاملة للكولسترول، الدسم البروتينية عالية الكثافة HDL وأخرى تدعى الدسم البروتينية منخفضة الكثافة LDL.

ويعتبر تقدير نسبتهما في الدم معياراً حيوياً ذا دلالة يهم الأطباء في حالة رغبتهم إجراء التقييم الدقيق لحالة المريض. إذ تبين أن الدسم البروتينية منخفضة الكثافة LDL تشجع تصلب الشرايين، بينما تلك مرتفعة الكثافة HDL يمكنها أن تعيق تصلب الشرايين.

وقد تحقق المعهد الدولي للقلب والرئة والدم في الولايات المتحدة من أن ارتفاع نسبة الدسم منخفضة الكثافة LDL يزيد ـ واستنادا إلى ما ذكرـ من إمكان حدوث الأزمات القلبية ومرض القلب، ويرون أن من لديه مستويات عالية من الكولسترول في دمه وبشكل يلفت النظر وخاصة إذا كان مقترنا بارتفاع نسبة الدسم البروتينية منخفضة الكثافة LDL فإن بإمكانه أن يقلل من خطر حدوث الهجمة القلبية بالعمل على تخفيف نسبة الكولسترول في الدم، ويتم ذلك باتباع نظام حمية صارم يهدف إلى تخفيض نسبة الكولسترول والدسم المشبعة في الدم بالإضافة إلى اتباعه نظما رياضية خاصة وتناوله بعض العقاقير الخاصة بذلك.. كل ذلك حسب توجيه الطبيب.

وجدير بنا ونحن نتحدث عن الكولسترول ودوره في تأهيب تشكل الخثرات الدموية أن نحيط القارئ بما هو ضروري من حديث عن تصلب الشرايين Arteriosclerosis.

ويتلخص ذلك في أن جدران الأوعية الشريانية الدموية تحمل الدم المحمل بالأكسجين من القلب إلى جميع أعضاء الجسم وبارتفاع الكولسترول وترسبه تثخن وتتصلب وتفقد مرونتها. وتصاب كذلك بالانحناء وتصبح أضيق في قطرها وبالتالي يفرض ذلك جهداً أكبر على القلب بالمقارنة مع الحالة الطبيعية كي يضخ الدم عبر الشرايين.

أسباب وراثية

وتتطور ترتيبات هذه الحالة مع تقدم عمر الإنسان، إنما تختلف حدتها بوضوح من إنسان إلى آخر. وتعطي المعطيات العلمية المتعلقة بتصلب الشرايين للأسباب الوراثية الدور الرئيسي في كثير من الحالات. ومع ذلك فإن هنالك عوامل كثيرة جدا يمكن أن تلعب دوراً في ذلك، كمثل التفصيلات الخاصة بنمط حياة الفرد والتوتر النفسي الملح أو الغذاء المنضم إلى مواد الدسم الحيوانية.. وغير ذلك.

ويلعب الكولسترول دوره الواضح في تصلب الشرايين التاجية كما ذكرنا، وقد ينضم الكالسيوم إلى الكولسترول ويترسب أيضا على جدران الشرايين ويزداد تدريجيا تصلبها، وتبدأ خثرات الدم بالتشكل على جدران الأوعية، ويمكن لهذه الخثرات الدموية أن تسد جزئياً أو كلياً الشريان المصاب.

وأشد الأضرار تنجم في حالة قلة انسياب الدم إلى القلب أوالدماغ أو الكليتين.

وتتضح أعراض تصلب الشرايين حسب نوع الشرايين المصابة، فعندما ينخفض ـ مثلاً ـ انسياب الدم عبر الشرايين التاجية التي تغذي القلب فإن ذلك قد يسبب آلاما في الصدر. وتدعى هذه الظاهرة بالذبحة الصدرية Angina pectoris. أما إذا توضعت الخثرة في أحد الشرايين التاجية فإن انقطاع سير الدم آنذاك يمكن أن يسبب موت جزء من عضلة القلب. وتحصل آنذاك آلام صدرية شديدة. وتدعى خلاصة هذه الأعراض بالأزمة القلبية أو الاحتشاء. ويجب الإشارة إلى أن نقص تروي القلب المزمن يمكنه أن يسوق قصورا في عمل القلب. ويتخلص ذلك في عدم قدرة القلب على ضخ كمية كافية من الدم تكفي لمتطلبات الجسم. وإذا لم تلق هذه الحالة المعالجة المناسبة لها فإنها قد تؤدي إلى الموت.

وقد يحصل تصلب الشرايين عند تلك التي تنقل الدم إلى الدماغ. وهنا فإن انخفاض تدفق الدم وقلة كمية الأوكسجين بالتالي يمكن أن يسبب تشوشاً ذهنياً وتغيرات تخص شخصية المريض.

وقد يحصل ما يدعى بالجلطة الدماغية (النشبة الدماغية). ويتلخص ذلك في أن أحد الشرايين المتصلبة قد أصيب بتمزق في منطقة من مناطق التصلب، أو أن خثرة دموية قد أوقفت سير الدم إلى الدماغ، وهنا قد تحصل مضاعفات خطرة مثل الشلل النصفي أو اضطراب النطق وأحياناً الموت.

ويعتبر النظام الغذائي قليل الدسم هو الحل المناسب من حيث المبدأ في حالات ارتفاع الكولسترول وتصلب الشرايين.

وينصح الأطباء بوقف التدخين لدى المدخنين، كما يشيرون إلى نظام تمارين رياضية معينة، ويقترحون طرقاً لتوسيع الشرايين وعقاقير خافضة للشحوم ومضادة للتخثر بالإضافة إلى الجراحة.

مكافحة الكولسترول

لا نعرض هذه المعلومات كي ندخل في قلوب الناس الحيرة والحرج، كما لا نرغب من خلال هذا المقال في أن نعزل عموم الناس عن الانضمام إلى ساحة غذائية عريضة من الأغذية النباتية والحيوانية.

إن ما نرغب فيه فقط هو إيجاد الوسائل لتلافي زيادة نسبة الكولسترول في الدم وبالتالي اعتماد الوسائل لتلافي التصلب الشرياني، وعليه فإن ما يجب علينا عمله هو الاعتدال في تناول الطعام وعدم الإفراط في تناول الوجبات الدسمة ولا يجوز في نفس الوقت أن نحرم أنفسنا مما تفضل الله به علينا من خيرات تحيط بنا. إذ إنه من الواجب كذلك أن نأخذ بعين الاعتبار وجود أنواع من مركبات غذائية مهمة جدا لنا في تلك الأغذية الدسمة التي قد تحوي على الكولسترول في نفس الوقت، إذ يوجد في البيض مثلا بجانب الكولسترول مادة مهمة جدا هي الـ Lecithin وعليه فإن استثناء البيض تماما من الراتب الغذائي لا يعتبر أمراً واجباً. ولا مانع كما يرون أن يتناول البعض وفي حال وجود ارتفاع الكولسترول كعامل خطر أو في سن الشيخوخة بيضتين أو ثلاثا أسبوعياً.

ومن جهة أخرى مثلاً فإن أنواع الأجبان وبالرغم من زيادة كمية الكولسترول في نسبة عالية منها تعتبر من الأغذية القيمة وتحتوي على كمية واضحة من البروتينات.

وعليه نرجع إلى التأكيد على ما يتوجب علينا عمله وهو الحكمة والاعتدال في تناول الأغذية خاصة الغنية بالدسم منها.

نظام غذائي

أمكن لنا التعرض إلى موضوع مهم يشغل دوماً تفكير العديد من المختصين والمرضى ايضا. وقد أحطنا أنفسنا بمعلومات قيمة مفيدة كي يجد البعض منا ومن خلالها الوسائل المساعدة ـ إذا كانت هنالك ضرورة ـ للوقاية والتخفيف مما قد تسوقه زيادة الكولسترول من أذى.

ونعرض فيما يلي بياناً عاماً لما تنصح به بعض المؤسسات المختصة عن نظام غذائي له الفضل في تخفيض نسبة الكولسترول لدى أولئك الذين لديهم نسبة عالية منه في الدم.

فيفضل تناول وجبات معتدلة من اللحم الأبيض (الدجاج، الديك الرومي، الطيهوج)، والإقلال من اللحم الأحمر قليل الدهن (بمعدل 3 وجبات أسبوعياً)، وتجنب اللحم الدسم بشكل عام، وكذلك لحوم البط والإوز وأدمغة الحيوانات وأكبادها والقلب والكليتين واللسان والنقانق.

ويجوز تناول الأسماك الزيتية مثل السردين والتونا والسالمون وسمك القمري Mackerel، وكذلك الأسماك البيضاء مثل (الكود) و(الهاددوك). ويتوجب الابتعاد عن تناول بيض السمك (الكافيار) والقريدس (الجمبري).

وتفضل أنواع الجبن قليلة الدسم وكذلك الألبان قليلة الدسم، ولا يجوز تناول الحليب واللبن كامل الدسم وكذلك القشدة وما شابهها و(الكريم) والمثلجات المصنوعة من الحليب أو (الشوكولا).

وتعتمد الزيوت النباتية كأساس في تناول الدسم مثل زيت الذرة وعباد الشمس والزيتون وتستخدم عند القلي مرة واحدة ولا يجوز تناول الزبدة والشحوم والزيوت النباتية الصلبة (المشبعة) بالإضافة إلى زيت جوز الهند وزيت النخيل.

ويسمح بتناول جميع أنواع الفواكه، طازجة أو مطهوة أو معلبة أو بشكل عصير طبيعي أو معلب، ويجوز تناول أنواع الفواكه المجففة باعتدال تام.

ويطبق ذلك على الخضار إذ من الجائز تناول جميع أنوع الخضار الطازجة والمعلبة والمجمدة والجافة.

ويعتمد على البطاطا المسلوقة والمهروسة، ويمنع أكل رقائق البطاطا الموزعة المقلية مع الدهون والمحمصة.

ولا مانع من تناول جميع أنواع البقوليات ونعني الحمص والفول والبازلاء والعدس واللوبياء وغيرها.

ويفضل التغذي على الخبز الأسمر والاعتدال في تناول الخبز الأبيض والأرز الأبيض ويمنع تناول جوز الهند والفول السوداني، ويجب الحد من تناول النقل (التسالي).

ولا يجوز تناول البسكويت، ذلك المضاف إليه (الكريم والشوكولاته) ويفضل ذلك المصنوع من الطحين الكامل.

ولا يوجد حرج من تناول الشاي والقهوة والمياه المعدنية وماء الصودا (المشروبات الغازية) والمشروبات المنزلية.

ويمكن إضافة البهارات والخل والخردل وتداولها مع المأكولات حسب الأصول.

ويجب الإقلال من كمية السكر المضافة إلى بعض المأكولات وكذلك الاقتصاد في تناول أنواع المربى والعسل والدبس والمخللات والتوابل ومربى البندورة.

ومن الضروري تجنب تناول الحلويات و(الشوكولاته) والشحوم و(الميونيز) وصفار البيض.

فضلا عن ذلك فإننا نضيف التوصيات المعتمدة التالية:

1ـ ينصح بتخفيف وزن الجسم لدى المتمتعين بزيادة الوزن إلى المستويات القياسية المناسبة للعمر والجنس.

2 ـ الابتعاد عن الإسراف في تناول الطعام كخط عام.

3 ـ تخفيض تناول الملح مع الطعام.

4 ـ القيام بأعمال رياضية خفيفة تناسب السن كلما كان ذلك مناسباً وينصح بأن يكون الجسم بعيداً عن الكسل والاستكانة ومستنفرا دوما للنشاط والحركة. وأفضل أنواع الرياضة تلك المعتدلة مثل المشي والسباحة الهادئة وما ينصح به الطبيب.

5 ـ وقف التدخين لمن يتعاطى التدخين.

6 ـ وأخيراً فإن من الواجب اعتماد الهدوء عند التعامل مع الآخرين كخط عام، والابتعاد عن الانفعال والاستثارة، كما ينصح أن نعلم أنفسنا دوما الميل للاسترخاء واستيعاب الآخرين.

 

عدنان قشلان

 
 




مقطع من العضلة القلبية يوضح وجود احتشاء جانبي خلفي واسع





صفائح الكولسترول أكبر أعداء القلب





الأسماك البيضاء غير ضارة والجمبري يجب الاعتدال في تناوله