السلوك الاحتجاجي لدى الشباب

 السلوك الاحتجاجي  لدى الشباب

الإحباط هو الحالة التي تواجه الفرد عندما يعجز عن تحقيق رغباته النفسية أو الاجتماعية بسبب عائق ما، وقد يكون هذا العائق خارجيًا كالعوامل المادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أو قد يكون داخليًا كعيوب نفسية أو عجز بدني، أو حالات صراع نفسي يعيشها الفرد تحول دونه ودون إشباع رغباته ودوافعه.  إن تكرار الفشل الدراسي أو العاطفي، أو في العمل، وغيره، مرة أو مرتين، يؤدي إلى الإحباط الذي ينشئ توترًا نفسيًا قويًا، مؤثرًا في الشخصية، ما ينتج ردود فعل سلبية، للتخفيف من الضغوط النفسية بردود فعل غير متوقعة أحيانًا. فشعور الشباب بالغبن، والتهميش، والملل، وغياب فرص الارتقاء الاجتماعي، وانتشار مظاهر الريع وطبيعة المستفيدين منه، الدالة على فشل الاختيارات الإدارية والاقتصادية، كل ذلك يتسبب في زرع الإحباط في نفوسهم، ويؤدي إلى ردود فعل غير متحكم فيها.

 

والاحتجاجات المتصاعدة للشباب، هي إحدى الطرق التي يعبر بها الشباب عن رفضه للسياسات والاختيارات الإدارية والاقتصادية التي لا تستجيب لطموحاته. فهذه الاحتجاجات تعبر عن مشاعر غضب الشباب إزاء أوضاعه، وتوجه رسائل نقد، رافضة أية وساطة للمؤسسات الحزبية أو النقابية أو هيئات المجتمع المدني التي من مهامها الوساطة بين الشباب والدولة.
فالسلوك الاحتجاجي الذي يعبر عنه الشباب يقف خلفه إحساسه بالإحباط. وأوجه الاحتجاج متعددة، كالعنف، والحراك الاجتماعي، وفقدان الثقة في المؤسسات.

الاحتجاج 
إن ثقة الشباب في المؤسسات العمومية دينامية موازية لثقة الفرد في ذاته؛ وكما تنعكس الآثار السلبية لضعف الثقة في الذات على تفاعل الفرد مع ذاته، فإن ضعف ثقة الشباب في المؤسسات، تنعكس آثارها على سلوكهم اليومي أيضًا، فالسلوك الاحتجاجي الذي من المفترض أن يختزن في كنهه دينامية وحركية المجتمع في سبيل بحثه عن حلول لتغيير بعض الأوضاع المشكلة، أو تحسين بعض الشروط المرتبطة بنمط العيش المشترك، عرف تناميًا مطردًا في كثير من البلدان، وأصبح يتصف بالفوضوية، وانتهاك القانون، وتخريب الملك العام وممتلكات الأشخاص أيضًا، واحتلال الفضاءات العمومية، وتفشي العنف اللفظي والمادي في العلاقات مع مدبري الشأن العام، والإدارات العمومية، وانسحاب من المشاركة السياسية والنقابية أيضًا، وكلها سلوكيات تدل على ما يعانيه الشباب كالهشاشة والتهميش، وغياب تقدير الذات، ورفض لكل القيم التي كانت تنتظم في إطارها حياتنا الاجتماعية والسياسية. 
كما ظهرت عدة تعبيرات احتجاجية ضدّ عدم مبالاة الدّولة، رفعت شعار رفض الفساد والتهميش، رفضت كل حوار مع مؤسسات الدولة وممثليها، وأغلقت كل أبواب التواصل معها، وانغلقت حول نفسها، ووظفت شبكات الاتصال الاجتماعي لتعبئة المشاركين وتحريضهم على ذلك، مع تغييب للهيئات السياسية الناشطة وطنيًا، ما أتاح للمحتجين التصرف بكل حرية وتلقائية، بعيدا عن كل وصاية وتأطير وتوجيه. ما جعلها أحيانا تخرج عن كل سيطرة، وتمثل تهديدًا للتماسك الاجتماعي والاستقرار الوطني. 

عنف الملاعب 
أصبح عنف الملاعب ظاهرة متفشية، مثيرة للقلق، فبعد كل مباراة، تنتشر في المدن أعمال عنف عشوائية قوية، تقودها عصابات من مشجعي الفرق الرياضية، تستعمل الأسلحة البيضاء والأدوات الرياضية، والحجارة والعصي، تبلغ بهم الجرأة على العنف مستويات عليا، فيستهدفون كل شيء، بدءا بتجهيزات الملاعب وانتهاء بالأشخاص ورجال الأمن، ومرورًا بمرافق المؤسسات العمومية وتجهيزات المدينة، وسيارات وممتلكات المواطنين.
 كما سعى الشباب المشجّع لفرق رياضيّة إلى تكوين مجموعات تشجيع تحمل رسائل سياسية، ورؤية معيّنة للحياة، وللمجتمع والسلطة، مشحونة بغضب ضدّ السلطة وأجهزتها. فنقلت الحراك الاجتماعي من الشارع إلى الملاعب الرياضية، برفع لافتات وشعارات تحتج على الوضع الاجتماعي، بل وإطلاق أغان ذات مضمون سياسي اجتماعي واضح، انطلقت من مدرجات الملاعب، مثل أغنية «في بلادي ظلموني» الشهيرة التي رددها مشجعو فريق الرجاء، وأغنية «هادي بلاد الحكرة» لمشجعي اتحاد طنجة، وأغنية «القهرة والظلام» لمشجعي فريق الجيش الملكي، وأغنية «صوت الشعب المقموع» لمشجعي الوداد. وهي كلها أغان سياسية، عبر من خلالها المشجعون عن احتجاجهم على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية.

فقدان الثقة في المؤسسات 
إنّ الشباب يشعر بالقلق الشديد حول مستقبله، وباليأس من استجابة الدولة لمطالبه وأحلامه، وغياب الثقة في المؤسسات السياسية التي تدبر الشأن العام، ونتيجة ذلك العزوف عن العمل السياسي المؤسساتي، ورفض لكل أساليب العمل التقليدية التي تواضع عليها الناس في إطار الديمقراطية التشاركية. فيقل إقباله على الانخراط في الأحزاب، وعلى المشاركة في الانتخابات، خاصة وأن إحباطات كثيرة تعرض لها، فأفقدته الأمل في قدرة الأحزاب على تحقيق انتقال ديمقراطي آمن وحقيقي.
 لذلك يفضل الشباب العمل السياسي غير المؤسساتي من خلال المشاركة في المظاهرات الشعبية والاحتجاجات، وسائر أنشطة الحراك الاجتماعي الذي لا يخضع لسلطة الأحزاب. فالشباب فقد الثقة في المؤسسات العمومية والمدنية، وخلق بديلا عنها في مجموعات النقاش في شبكات التواصل الاجتماعي، ومن خلالها تتم عملية حشد وتعبئة المحتجين، ومناقشة وتداول القضايا، دون تراتبية ولا سلطوية، وترويج الشعارات وابتكارها، والانفلات من الرقابة التقليدية، وهو أمر خطير، يجعل العمل الشبابي يكتسي صفة السرية، وينفلت من كل رقابة وتأطير.

سوء التواصل الاجتماعي
يعاني الشباب سوء التواصل مع غيره، فعندما تكون حياة الشباب مليئة بالمشاكل، سيجد أن هنالك خللا في علاقاته مع من حوله، وستتحول حياته بالتالي إلى عزلة حقيقية، بعيدة عن التطور والازدهار والنجاح. يطبعها التواصل السلبي مع محيطه، من خلال إرسال رسالة غير إيجابية للآخر من خلال (اللغة - تعابير الوجه - حركات الجسد)، كما هي الحال في الحديث غير المهذب أو الكلام الذي لا يراعي احترام الآخرين واحترام وجهات نظرهم، أو حركات الجسد المسيئة، الصمت غير المبرر، اللامبالاة... إلخ. الذي يدمر الروابط الاجتماعية، ويعبر عن عدم احترام الآخر واحترام رأيه، ورفض مبدأ الحوار وتقبل النقد البناء. وغياب المرونة في التعامل مع الآخرين.

فتح الآفاق في وجه الشباب
 يُحَوِّلُ الاحتجاج الشبابي الإحباطَ من حالة نفسية سلبية، إلى ظلم اجتماعي مدمر للقيم، ومهدد للسلم الاجتماعي، فالاحتجاج «هو تعبير عن انسداد بنيوي لأفق الدولة، قد يُسقط عقدة الخوف من ناحية، وإمكانية انفلات المجتمع في أية لحظة من ناحية أخرى». ومطالبة ببدائل اقتصادية وتنموية تُنقذهم من براثن البطالة والهشاشة الاجتماعية.
إن الشباب أكبر شريحة اجتماعية، وجذع الهرم السكاني، فلابد من ملاءمة خطط التنمية المحلية لانتظاراته، فخطط التنمية المحلية هي الدعامة الأولى للاقتصاد والاندماج الوطني، فقضايا التشغيل، والتكوين المهني، والتعليم بجميع مستوياته، والصحة، والتمثيل السياسي أيضًا، وغيرها، يجب أن تتم معالجتها وتوفيرها على المستوى المحلي. فلا يمكن تحقيق أية تنمية حقيقية إلا انطلاقا من المستوى المحلي.
والتنمية المحلية هي التي يجب أن تكون موضوع الحوار والنقاش السياسي خلال الاستحقاقات الانتخابية المحلية والوطنية، حتى تضمن صعود نخب تمثيلية تسهر على توزيع الثروة الوطنية توزيعًا عادلًا منصفًا. يرفع حافزية الشباب للعمل، ويوفر شروطا منصفة تقطع مع المحسوبية والريع، وتزرع في الشباب الأمل والتفاؤل بدل الإحباط واليأس.
ولابد من دفع الشباب نحو الاشتراك في أنشطة هيئات المجتمع المدني، كفاعلين، ومؤطرين، ومنخرطين، فذلك كفيل بمحاصرة عوامل الإحباط الاجتماعي والتقليل من تأثيرها، من خلال المشاركة التي ترفع معنويات الشباب، وتقوي فيه إحساسه بتقدير ذاته، وتشعره بأهمية تقدير الحياة والفاعلية الاجتماعية، وتثمين دوره فيها. وتأسيسه على القيم الاجتماعية النبيلة، وحقوق المواطنة الإيجابية.
 واشتراك الشباب في هذه المؤسسات يعيد إليها الثقة المفقودة فيها، ويضمن استقلاليتها، وإشعاعها. ويفعل دورها في الوساطة الاجتماعية والتمثيلية السياسية ■