ما تدين به الفلسفة للنساء من جيل ميناج إلى لورانس ديفيلير وماريا زامبرانو

ما تدين به الفلسفة للنساء من جيل ميناج إلى لورانس ديفيلير وماريا زامبرانو

إن أفلاطون، وأرسطو، وتوماس الأكويني، وفريدريك نيتشه، وفوكو، وبيتر سلوتردايك... جميعهم فلاسفة، وليسوا أكثر من كونهم بشرًا. هل مجال الفلسفة هو مجال السادة فقط؟ إذن ماذا - هل يجب أن نُذكر بذلك؟ - إنه ليس هناك ما يمنع بأي حال من الأحوال التفلسف بصيغة المؤنث، كما يتضح من العصور القديمة والاستنباط الذي خرج به جيل ميناج قبل ثلاثة قرون. إذا كانت الفلسفة متمركزة غربيًا، فكم هي متمركزة ذكوريًا! ومع ذلك، فمن الواضح أن تاريخ الفلسفة يضم عددًا أكبر من النساء أكثر مما كان متوقعًا. لم يفت الأوان أبدًا، دون الرغبة في الاستسلام لأسلوب إأيديولوجي، كما هي الحال عندما يجب على الملحنات بالتأكيد استعادة مكانة مركزية في تاريخ الموسيقى وإن كانوا عرضة للاستخدام في نهج انتقامي، أن ننظر في «ما تدين به الفلسفة للنساء»، حتى نستخدم عنوان كتاب لورانس ديفيلير ولورانس هانسن لوف.

 

إنه نهج حكيم للغاية، ولا ينبغي الخلط بينه وبين النشاط الذي يؤدي إلى نتائج عكسية، لأن الفلسفة، على الرغم من نقاش شوبنهاور حول «الجنس القبيح» و«حدود ذكائه»، يجب أن لا تكون ذكورية ولا أنثوية، بل إنسانية. على الرغم من الثراء الذي لا يمكن إنكاره لمثل هذا الخلاص لمُفكراتنا بصيغة المؤنث، ألم تتناسى هاتين التحفتين آين راند وماريا زامبرانو؟
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن العصور القديمة والعصور الوسطى لم تكن ملاذًا لنظام بطريركي، بل كانت عصرًا يمكن لهؤلاء السيدات أن يفكرن فيه. في القرن السابع عشر، أي في عام 1690م، كتب الباحث الإنساني جيل ميناج باللغة اللاتينية كتابه بعنوان «تاريخ النساء الفيلسوفات»، وهو مصنف قيم مهدى للسيدة داسييه، المترجمة البارزة لأعمال هوميروس. ولنتذكر أن الفيلسوفة أسبازيا المالطية، «سيدة البلاغة»، «درّست البلاغة لبريكليس وسقراط، كما درّست الفلسفة لهذا الأخير»، لا شيء أقل من ذلك! كانت لديها أيضًا «معرفة ماهرة بالسياسة» وفقًا لبلوتارك، كما أن الفيلسوفة ديوتيما هي مصدر إلهام لسقراط في «المأدبة». وأن القديسة كاترين الإسكندرية «كانت عالمة في الرسائل المقدسة والمدنسة». وكانت هناك «أفلاطونيات»، ومن بينهم هيباثيا الإسكندرية التي «خلفت أفلوطين» واغتيلت بسبب غيرة المسيحيين الذين كانوا غافلين بشكل خاص عن رسالة المسيح؛ كتبت «شروحات على ديوفانتوس»، و«قواعد علم الفلك» و«أطروحة عن مخروطيات أبولو». وأيضًا «أكاديميات»، و«ديالكتيكيات»، و«رواقيات»، و«ساخرات»، و«فيثاغوريات»، مثل ثيوني التي أشعلت فيثاغورس نفسه بالحب! ولسوء الحظ، كما نعلم، فإن الفلسفة الشفهية واندثار البرديات لم يسمح لنا بالحفاظ على جميع مواهب هؤلاء السيدات.
لا يدخر جيل ميناج أي جهد لتأسيس تاريخ جديد وأكثر معاصرة للنساء الفيلسوفات. ما الذي يجعل من سيمون فايل فخرًا، فيلسوفة العمل الموسوم بـ«التأصيل» و«دراسة لإعلان التزامات تجاه الإنسان»، التي فيها يبدو «العالم العقلي للإنسان» مسكونًا بـ«مطلب الخير المطلق». انطلاقًا من هذه الفيلسوفة يجب أن نتأمل في هذا الفكر الحكيم: «بين حالات عدم المساواة الفعلية، لا يمكن أن يكون الاحترام متساويًا تجاه الجميع إلا إذا كان يتعلق بشيء متطابق لدى الجميع».
لذا، جاء في الوقت المناسب كتاب «ما تدين به الفلسفة للنساء»، تحت إشراف لورانس ديفيلير ولورنس هانسن - لوف، وهو مصنف بارع، بمساعدة عشرات من زملائهما. لا يغفلن في هذا الكتاب الإشارة إلى جيل ميناج، الذي انطلق في البحث عن «الرائدات»، ولا يخلطن بين «الفيلسوفة» و«النسوية»، ولم يقعن في أي تناقض في التفكير بطريقة ماهوية مفادها أن «الطبيعة الأنثوية» ستميزهما خارج تفكير أولئك «اللواتي لا تقدمن أنفسهن كضحايا». إنهن يعرفن كيف يفكرن في القوة والحرية، والشر والعدالة، واليوتوبيا والحقيقة...
هل تم منذ جيل ميناج، تحسين معرفتنا بالسيدات العالمات في العصور القديمة، على الرغم من الكثير من النصوص المفقودة؟ نحن نعلم أن المدارس الفلسفية رحبت بالنساء، وأن أفلاطون جعل من ديوتيما ملهمته الفكرية في نهاية «المأدبة»، على الرغم من أنها ربما كانت عملاً تخييليًا. وبفضل البحث الأنجلوساكسوني على وجه الخصوص، لماري إلين وايت أو دورثي روجرز، نكتشف العديد من الأبيقوريات والفيثاغوريات والأفلاطونيات، وما إلى ذلك. وإلى جانب ديوتيما، ترى هيبارشي في هذا العمل إعادة الاعتبار لـ«إرادتها في المعرفة». وإذا كان يبدو أن هؤلاء السيدات بالكاد ينحرفن عن تيار التفكير في عصرهن، فإن بعض الأطروحات أكثر إغراقًا في الخصوصية النسائية، مثل تلك التي كتبتها فينتيس الإسبارطية أو بيركثيون، والتي نتذكر منها العمل الموسوم بـ «حول انسجام النساء».
وفي مكان آخر، بعيدًا عن اليونان، هناك مايتري في الهند، أو أيضًا بان تشاو في الصين، التي تناقش الأخلاق الكونفوشيوسية والفضيلة الأنثوية باعتبارها «مركز الحياة السياسية».
ومع ذلك، خلال العصر الوسيط كانت هناك «مدينة السيدات»، حتى نستخدم عنوان كتاب كريستين دي بيزان. وهذا ما تظهره العالمة المتصوفة هيلدغارد دي بينجن، ناهيك عن كاثرين دي سيان وتيريزا دافيليا اللتين لم تكتفيا بالرؤى الإلهية، ولكنهما كانتا مسؤولتين عن العديد من التطورات المفاهيمية، ودراسة الإنسان «المتمركزة حول العلاقات» بين الحساسية والعقل، والجسدي والروحي، والرغبة والتعالي، والسعادة والإرادة.
وعلى الرغم من أن عصر النهضة والعصر الكلاسيكي يتميزان بالتمييز الجنسي الذي أظهره فينيلون في أطروحته حول تعليم الفتيات، ورغم أن موليير يسخر من النساء في عمله «النساء العالمات»، فمن الضروري أن نفكر في ماري دي غورني التي لم تكن فقط ناشرة للأبحاث الأخيرة لمونتين؛ لكنها، ولمعرفتها كيف تكسب لقمة عيشها من قلمها، نشرت عام 1622م كتابًا بعنوان «المساواة بين الرجل والمرأة»، ردت فيه على العبودية الطوعية التي دعا إليها لابويتي، الذي كان صديق مونتين. أو أيضًا غابرييل سوشون التي نشرت في عام 1693م عملاً بعنوان «رسالة في الأخلاق والسياسة»، والتي نددت فيها بخيال العجز في الحكم المنسوب إلى النساء. وعلى نطاق أوسع، تطلعت إلى المدينة الفاضلة: العيش دون تأثير أو خضوع. 
وكان عصر التنوير متناقضًا، حيث سَيّج جون جاك روسو شخصية صوفي في دائرة الجهل في روايته «إيميل». وينبغي ألا يغيب عن بالنا أيضًا أن إميلي دو شاتليه لم تكن فقط عاشقة لفولتير، بل كانت مترجمة لنيوتن، وأثبتت نظرية لايبنتز الحركية، وانتقدت الفيلسوف جون لوك بطريقة ثاقبة... لقد كان عصر الثورة الصناعية هو عصر التحرر الصعب، الذي ساهمت فيه جيرمين دي ستايل وهارييت تايلور ميل. وتمكنت هؤلاء الفيلسوفات أن يكن متمردات سياسيًا، مثل فلورا تريستان، ولويز ميشيل، ورزا لوكسمبورغ، على الرغم من أن الكومونة والاشتراكية الثورية ليستا طريقين إلى الحرية.
وفي مرحلتنا المعاصرة تكاثرت الفيلسوفات. تُقدم مؤلفات كتاب «ما تدين به الفلسفة للنساء» مراجعات كبيرة، تتميز بإظهار ثرائها وتنوعها، على الرغم من أننا نعلم مدى صعوبة إصدار حكم مستنير على صفات الحاضر المشوب بخطر العمى والنسيان، والإخفاء؛ والمبالغة في التقييم أيضًا. تم تخصيص ما لا يقل عن ثلاثة فصول كبيرة - أو نصف العمل – لفيلسوفاتنا المعاصرات. هل من المبالغة التفاخر بزمننا؟ من المؤكد أن إضفاء الطابع الديمقراطي على التعليم والتقدم في الأخلاق يجعل من الممكن الدفع بالمواهب. وعلينا أن نعترف بسعادة أن هذه الوفرة تفتح أفاقًا محفزة للبحث. 
إن الجسد الأنثوي هو موضوع كل الاهتمامات. تكرس كاثرين مالابرو ذكاءها لأبعاد الخبرة والأداء والمرونة. وتقوم كاميل فرويديفو - ميتري بفحص الجسد، لتستخلص أن إمكاناته قد انخفضت. ويجب أن لا يغيب عن بالنا المُنظّرة الكبيرة لدراسات الجندر، جوديث بتلر، وولادة النسوية البيئية مع فرانسواز دوبون، و«أزمة العقل البيئي» و«الفيلسوفة الساحرة» في ستارهوك، حتى لو كان الأمر ربما ينطوي على خلط بين اللاعقلانية والفلسفة. لحسن الحظ، في حين تسيطر فرضية غايا Gaïa على عدد من الأفكار (بما في ذلك أفكار إيزابيل ستينجرز)، تحثنا كاثرين لاريير على «عدم الاستسلام لنظرية الكارثة catastrophisme».
وبالمثل، من الضروري إفساح المجال لسيدة ليبرالية بنفس القدر، والتي تم تسليط الضوء على بحثها الجميل «الفلسفة والشعر» من خلال إصدارات كورتي. كانت الإسبانية ماريا زامبرانو (1904م - 1991م) في البداية تلميذة لأورتيجا إي جاسيت، وهو ليبرالي حازم، كما يتضح من خلال كتابها «أفق الليبرالية» الذي نُشر عام 1930م، قبل أن تقودها معتقداتها الواضحة المناهضة لفرانكو إلى المنفى في أمريكا الجنوبية وأوربا بين عامي 1939م و1982م. وهي الفيلسوفة التي نالت جائزة سرفانتس عن مجمل أعمالها عام 1988م حيث لمعت فلسفتها في صفحات الكتاب الموسوم بـ«الإنسان والإله»، اللهم إلا تصورنا أن كتابها «الفلسفة والشعر»، على الرغم من إيجازه، يبقى أعظم أعمالها.
عندما يقول الشعر إن «الفلسفة هي نشوة أكثر ما هي تمزق يؤدي إلى الإحباط»، فهو يفترض وجود عنف ضروري في التفكير الفلسفي لمواجهة العالم. عندما نواجه «عدالة ليست سوى عنف... فإن كلمة الشعر تبقى غير عقلانية، لأنها تدمر هذا العنف». وعندما يظل الشاعر - الذي يعرف «ما تجاهله الفيلسوف: أنه من المستحيل أن يتملك المرء نفسه» - في ذهول أمام أحداث الحياة، فلا بد للفيلسوف من أن يكون عنيفًا ليخرج من هذه الدهشة، بطريقة يفهم بها الواقع. لذلك من الضروري، للتغلب على الانقسام بين العقل والعاطفة، تجربة ما يُسمى «العقل الشعري»، لأن الشعر، من خلال خضوعه «للوضوح، يقترب من العقل». هل من الممكن، على طريقة لوكريتيوس، أن نتخيل قصيدة فلسفية؟ 
بحكم طبيعتها الأنثوية، تصف ماريا زامبرانو كتابة هذا الكتاب بأنها «طوباوية»، كما هو شأن نزعتها الفلسفية: «أقصد باليوتوبيا الجمال الذي لا يقاوم، وكذلك سيف الملاك الذي يدفعنا نحو ما نعرف أنه مستحيل، حيث كانت كاتبة هذه السطور تعلم دائمًا أنها لا تستطيع أبدًا ممارسة الفلسفة، وليس ذلك فقط لكونها امرأة». وهكذا نرى أن نثر ماريا زامبرانو، بفضل سعة اطلاعها، لا يفقد شيئًا من شفافيته، وأنها مُفكرة نادرة وثمينة...
ويبقى أن «شعر الفكر»، إذا استخدمنا عنوان جورج شتاينر، والذي ينخرط بطريقة ما في حوار متواطئ مع كتاب ماريا زمبرانو، هو الذي يفجر سرًا النثر الفلسفي بكامله. وعلى الرغم من أن أفلاطون لم يكن يحب الشعراء، «فإن الفلسفة، شأنها شأن الشعر بالمعنى الصريح، لها موسيقاها، ونبضها المأساوي، وفورتها العاطفية، وحتى، وإن كان نادرًا، نزوعها الهزلي».
إن حركة العولمة الفلسفية والنزعة النسوية في طريقها إلى الاستمرار في إطار الديمقراطيات الليبرالية. إذا كانت المرحلة المعاصرة لا يوجد فيها سوى عدد قليل من الفيلسوفات ذوات المكانة الهائلة، باستثناء العملاقة حنة أرندت، فإن السباق يبدأ، من خلال غليان الأصوات، التي تتطلع لجعل المرأة فيلسوفة، في حين أنه يكفي أن يكون المرء مجرد إنسان، وهو ما تتطلع إليه روزي بريدوتي في كتابها «ما بعد الإنسان»، أو كتاب «عصر رأسمالية المراقبة» بقلم شوشانا زوبوف. ومع ذلك، فلنكن حذرين من أن اهتمامات العصر، حتى في تركيباته الانتهازية والديماغوجية والأيديولوجية، مثل الحركة النسوية الراديكالية، وحركات إنهاء الاستعمار، أو ما نسميه أزمة المناخ، لا تؤدي إلا إلى ظهور كتب سيجردها الإدراك المتأخر من أهميتها الانتهازية، لإظهار أن الملك والملكة الفلسفيين يكونان عاريين في بعض الأحيان ■