في التمهيد لقصائد المتنبّي وذيول ديوانه

في التمهيد لقصائد المتنبّي وذيول ديوانه

يلحظ المتصفّح لديوان المتنبّي أن كل قصيدة منه يسبقها تمهيد نثريّ يشرح ظروف قولها أو تاريخه الدقيق أحيانًا، ولعل الدكتور عبدالوهاب عزّام محقّق الديوان وصاحب كتاب: ذكرى أبي الطيّب بعد ألف عام (بغداد 1936م)، وهو أول دراسة منهجية حديثة وموسعة لحياة المتنبّي وشعره بعد أطروحة المستشرق الفرنسيّ ريجيس بلاشير: حياة المتنبّي ونتاجه (باريس 1935م)، أول من توقف عند هذه الظاهرة فعدّها مزية من مزايا ديوان أبي الطيّب. وما لم يؤرَّخ له في الديوان، اكتُفي بذكر المرحلة أو الحادثة التي قيل فيها، وهذا يسمح بتأريخ القصائد والحوادث المتصلة بها والعادات الاجتماعية والتربوية في عصر المتنبّي، ولاسيّما عادات القصور. 

 

وقد زعم بعضهم أن المتنبّي قد رتّب قصائده وكتبها بنفسه وأملى التمهيدات لها، وما ذلك بمستبعد، ولكن لا دليل على بعضه. وقد أيّد عزّام الزعم أن المتنبّي قد رتّب قصائده مستندًا إلى تذييل ناسخ مجهول لشرح عليّ بن أحمد الواحديّ (ت 468 هـ) لديوان المتنبّي؛ والمجهول لا يُعتدّ بروايته ما لم يؤيّدها نص موثوق به. كما زعم بعضهم أن يوسف البديعيّ صاحب كتاب «الصبح المـُنْبي عن حيثيّة المتنبّي»، وهو من أهل القرن الهجريّ الحادي عشر، قد قال بذلك أيضًا، لكننا لم نعثر على هذا في كتابه، بل وجدنا أن المتنبّي «لما قُتل وُجدَ معه ديوانا أبي تمّام والبحتريّ بخطه»؛ فنحن بإزاء رواية ضعيفة وأخرى مغلوطة، وكلاهما ليس سندًا، دع أن قصة مقتل المتنبّي محل شك.
لكن كتابة المتنبّي لقصائده محتملة؛ فقد نسب ابن جِنّي (ت 392 هـ) إلى راوية الديوان عليّ بن حمزة البصريّ (ت 375 هـ)، أنه كان مع المتنبّي في أرّجان حين زار ابن العميد، وأن أبا الطيّب أخرج من كُمِّه في أوّل اللقاء بين الرجلين دَرْجًا فيه الرائيّة التي مدح فيها ذلك الوزير.
فالمتنبّي كان يدوّن قصائده في طروس، إذن، ومعروف فوق ذلك أنه قد أملى ديوانه في بغداد ثم في شيراز. وممّن قرأ ديوانه عليه، فضلًا عن ابن جِنّي وعليّ بن حمزة، القاضي المحامليّ ومحمّد بن أحمد المغربيّ وأبو الحسن بن سعيد راوية المتنبّي في حلب، وأبو بكر الشعرانيّ خادم المتنبّي؛ وتذكر نسخ الديوان راويين آخرين هما عليّ بن أيّوب بن الساربان، وعليّ بن رشدين. 
ويظنّ بعضهم، ومنهم الدكتور عزّام، أن أبا الفضل العروضيّ (ت 416 هـ) بين من أملى عليهم المتنبّي ديوانه، وأن الواحديّ أخذ عنه الديوان، وليس دقيقًا؛ بل إن العروضيّ صاحبَ كتاب «المستدرَك على ابن جِنّي فيما شرحه من شعر المتنبّي» كان أستاذًا للواحديّ، ولم يذكر الواحديُّ أنه روى الديوان عنه، بل عرض له في شرحه للديوان إحدى وستين مرة، مفسِّرًا مرة معنى لفظة من ألفاظ المتنبّي أو مستدركًا على ابن جِنّي شرْحَه لبعض الألفاظ؛ ومعروف أن ألفاظ الديوان المحتاجة إلى شرحٍ أضعاف ذلك. بل إن الواحديّ ليشير إلى أن العروضيّ كان تلميذًا لأبي بكر الشعرانيّ، موحيًا أنه أخذ ديوان المتنبّي منه ومن أبي بكر الخوارزميّ (ت 383 هـ). 
وقد استشهد الواحديّ بالشعرانيّ في رواية القصيدة التي ودع بها المتنبّي ابن العميد والتي قالها في ربيع الآخر من سنة 354 هـ، فينبغي أن تكون وفاة هذا الراوية بعد ذلك التاريخ، وغالبًا بعد وفاة المتنبّي بمدة. ولا بد من أن نلحظ أن من رووا الديوان وسمعوا شرحه من المتنبّي، ومن أخذوه من رواته من بعد، كانوا من كبار اللغويّين والشعراء والمحدّثين النابهين.
هذا، وخبر زيارة المتنبّي لابن العميد ومدحه بالرائيّة ينفي الزعم بأن ابن جِنّي قد زار أرّجان في صحبته، ولاسيما أن ابن جِنّي نفسه يصرّح بأن أبا الطيّب قد فارقه من بغداد قاصدًا أرّجان. وثمّة رواية لابن حمزة يزعم فيها أنه لقي المتنبّي في واسط بعد عودته من شيراز، وقرأ عليه في نحو السابع والعشرين من رمضان من سنة 354 هـ آخر قصيدتين قالهما في عضد الدولة، وأن المتنبّي قُتل بعد ذلك بأحد عشر يومًا. هذا قد يعني أن ابن حمزة لم يسافر مع المتنبّي إلى شيراز ولم يتح له تدوين قصائده السبع التي قالها في عضد الدولة، فلماذا اكتفى بتدوين تينك القصيدتين في واسط؟ أتراه أهمل الخمس الأخرى؟ وهل يعقل لأحد أشهر رواة المتنبّي أن يفعل ذلك؟ إن الأمر لَملتبس.

هل التمهيدات من عمل المتنبّي
ولقد تكلم النسّاخ والشرّاح على تفسير المتنبّي لمعاني ألفاظه وغريبها ولغاتها وإعرابها ومحاورته العلماء فيها، لكنهم لم يومئوا إلى تأريخه لقصائده! لكن الدكتور عزّامًا يرجّح أن كثيرًا من التمهيدات التي يسميها مقدمات - وفي بعضها تواريخ للقصائد وظروف قولها - إنما هي من إملاء الشاعر نفسه، وذلك لما فيها من تفاصيل للأحداث لا تتسنّى إلا له و«لا يعيها ولا يسجلها إلا هو»، ومن ذلك وصفه لمسيره من مصر إلى العراق بين المفاوز والمجاهيل... إلخ. من غير أن يصحبه راوية. وذلك رأي لا يفتقر إلى المنطق لكنه لا يثبت للتدقيق. 
فمن يقرأ تمهيدات القصائد التي قيلت في هجو كافور ابتداء من قصيدة: «عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتْ يا عيدُ» حتى أول قصائد الشاعر في الكوفة أي: «ألا كلُّ ماشيةِ الخَيْزَلى» يشعر أنه بإزاء قصة تشبه القصص الشعبية التي تسمى سِيَرًا والتي كانت تروى في المقاهي منذ مدة غير بعيدة، مثل سيرة عنتر وسيرة أبي زيد الهلالي وسيرة الزير سالم، وهي لا تشبه ما تُقدَّم به القصائد عادة، وكأن بعض تمهيدات ديوان المتنبّي سيرة ذاتية نثرية له، فيها وصفٌ لمغامراته والمخاطر التي تعرّض لها والمخاوف التي جبهته والفروسية شبه الأسطورية التي تمتع بها، وذلك في أسلوب قصصيّ مشوّق؛ فهو لا يكاد ينجو من خطر بحكمته ودهائه أحيانًا، وبفروسيته أحيانًا، حتى يواجَه آخر؛ وهو يرتجل الشعر أو يستشهد بأبيات مشهورة ويروي بعض القصص في أحلك الأوقات، وهكذا حتى تنتهي رحلته إلى الكوفة. 
والملحوظ أن قصته تُروى بصيغة الغائب، فهل كان المتنبّي يصف لرواة شعره الأحداث التي تعرّض لها بتلك الصيغة، علمًا بأنه حين كان قرأ اللامية التي يمدح فيها أبا شجاع فاتكًا قال بعد البيت السادس: «هذا رجل حَمل إليّ في وقت واحد ما قيمته ألف دينار»، أي أنه استعمل صيغة المتكلم؛ وما الذي يبعثه على وصف الأماكن وعلى شرح جغرافيتها على رواته، وما فائدة ذلك في توضيح أسباب قول القصيدة وبيان ما غمض منها، وهل كان شاعرًا أم قصّاصًا؟
إن ما يرجح فرضيّة القصص الشعبيّ أربعة أمور: 
الأول: أن صاحب التمهيد لقصائد الهجاء تلك قد صرح بتأخيره مديح المتنبّي لفاتك (ت  11 شوال من 30 هـ) «لئلا يختلط بغيره»؛ ووعد بإدراجه بعد الهجائيّة الداليّة لكافور؛ أي أنه أخّره زمنيًّا نحو شهرين، وكأنه أراد استعجال رواية القصة وتخليص أحداثها من الأشعار التي قيلت في فاتك من أجل الحفاظ على السياق القصصي، وإن أفضى الأمر إلى التضحية بالسياق الزمنيّ الذي يقتضيه ترتيب تطور القصائد. 
والثاني: هو أن الراوي أَتْبع مدائح فاتك بقصة بطولية أخرى تتلخص في تصدي المتنبّي لخارجي ظهر بالكوفة على رأس بني كلاب وبعض الكوفيين وفي نشوب الحرب بينه وبينهم وتأييد جند السلطان له وهزيمته الكلابيين ورحيلهم بعد خمسة أيام، حتى إذا وصل القائد دلير بن لشكروز من بغداد أجزل للمتنبّي العطاء فاستحق مديحه. 
والثالث: أنه قد يخطر بالبال أن المتنبّي إنما أراد بهذا القَصّ أن يجعل نفسه بطلًا، وربما كان كذلك، وأن يصف بطولته بصيغة الغائب، لولا أن الراوي نفسه يتحدث آخرَ الديوان عن المعركة التي خاضها المتنبّي مع قوم مهجوّه ضبّة، وعن الحوار الذي جرى أثناءها بينه وبين أحد عبيده، والحوار الذي جرى بينه وبين خال ضبّة، ولولا أيضًا أنه عيّن تاريخ مقتل الشاعر بدقة، والقتيل لا يدوّن أحداث مقتله وليس بوسعه تعيين تاريخه. 
والرابع: هو أن بين التمهيدات تفاوتًا واضحًا في نُسَخ الديوان وفي شروحه، كالذي نظفر به في مخطوطاته المتعددة أو في شروحه المختلفة؛ مثل شرح الفَسْر لابن جِنّي ومُعجِز أحمد واللامع العزيزيّ للمعريّ وشرح الواحديّ للديوان. وحسبنا الصفحة الأولى من كتاب «الفَسْر»، وكان ابن جنّي من صحْبِ المتنبّي، وقد حاوره في بعض معاني وألفاظ قصائده. 
إنها تمهّد لأولى القصائد الهمزية، مثلًا، فتقول إحدى نسخ هذا الشرح: «قال أبو الطيّب المتنبّي أحمد بن الحسين من أهل الكوفة [...] وقد أمر سيفُ الدولة بإجازة أبيات على قافية الهمزة».
وتقول أخرى: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ديوان أبي الطيّب المتنبّي، وُلد أبو الطيّب أحمد بن الحسين بالكوفة [...] وقال الشعر صبيًّا» ولم تأت على ذكر الهمزيّة.
وتقول نسخة ثالثة: «وُلد أبو الطيّب أحمد بن الحسين بالكوفة، وقال الشعر صبيًّا، وقد أمره سيف الدولة بإجازة أبيات على قافية الهمزة، الأول من الكامل والقافية متدارك».
ويجيء في هامش نسخة رابعة: «الأول من الكامل مردف مخرج».
وممّا ينفي إملاء المتنبّي للتمهيدات أن إحدى نسخ «الفَسْر» تورد البائيّة التي يمدح فيها أبو الطيّب بدرَ بن عمّار، فتمهّد لها بهذا الكلام: «هذه الأبيات عملها المتنبّي ارتجالًا على أصل دائرة الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن، فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن، فعروض الرمل محذوفة». ثم يجري الراوي بحثًا عروضيًّا مفصَّلًا لا يمكن أن يصدر عن المتنبّي. ومثل هذا كثير جدًا في «الفَسْر».
ومن ذلك التمهيد لإجازة المتنبّي بيتًا على قافية التاء:
ففي نسخة من «الفَسْر»: «أنفذ إليه سيفُ الدولة قول الشاعر [...] فقال مجيزًا والرسول واقف».
وفي أخرى: «فاستخبره سيف الدولة عن قول الشاعر [...] وسأله إجازته، فقال والرسول واقف».
وفي ثالثة: «وورد عليه رسول الدولة برقعة فيها هذا البيت [...]».
ومن ذلك أيضًا التمهيد للميميّة التي مدح فيها المتنبّي سيف الدولة في أول لقاء بينهما: 
ففي نسخة من نسخ الديوان يقول التمهيد: «يمدح الأميرَ أبا الحسن عليّ بن عبدالله بن حمدان سيف الدولة».
وفي أخرى: «مدح الأميرَ سيفَ الدولة عليّ بن عبدالله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد في جمادى الثانية سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة عند نزوله أنطاكية ومنصرفه من حصن برزونة وفتحه».
وفي ثالثة: «انقضت مدائح أبي العشائر وقال يمدح سيف الدولة أبا الحسين».
ولا يتخيّل أحد أن المتنبّي كان يملي على رواته أسماء البحور التي عليها قصائده ويحاضرهم في دقائقها العروضية، بله أن يملي ذلك عليهم بصور مختلفة، ولا أن يملي سلسلة نسب سيف الدولة حتى جده السادس. 
فالراجح أن التمهيدات ليست من إملائه، ولاسيما ما اتخذه عزّام قرينة على نسبة تلك التمهيدات إلى أبي الطيّب. ويدل تعدد التمهيدات والتفاوت بينها على تعدّد منشئيها. وحقًا أن بعضها مشابه لبعض، ولاسيما قصارها، وأن بعضها يشرك بعضًا في عدة أمور، لكنها تختلف في أمور أخرى شتى، وليس مستبعدًا أن يكون مصدر مضامينها متعددًا بقلة، إيحاءً أو إيماء من المتنبّي أو إشارة من الرواة الأوائل، لكن رواتها المتأخرين أو نسّاخها أو شرّاحها قد تصرفوا بها قليلًا أو كثيرًا.

التأريخ للحياة العامة
وسواء أكانت التمهيدات من عمل المتنبّي أم من عمل الرواة المتقدمين أو المتأخرين، فإنها تصلح أن تكون مصدرًا لتأريخ الحياة التربوية والاجتماعية والحربية في عصره، لأن المعاصرين له أو القريبين من زمنه ينبغي لهم أن يكونوا على معرفة بحقائق حياة بطيئة التطور، وإن سخّروا خيالهم للروايات أحيانًا. 
ومن ذلك ذكرُهم للمُكَتِّب أي الكُتّاب، وتسميتهم المعلِّم مؤدّبًا. 
ومنه أن من حلواهم سمكًا من سكّر، ولوزًا في عسل. وأنهم كانوا يتخذون البِرك في دورهم، ويستضيئون بالمصابيح والشمع ويلجأون إلى الفصد. وكان المتنبّي يجتنب شرب الخمر لكنه كان يُحرَج أحيانًا فيشربها؛ وكان بعض الأمراء والقوّاد يشربونها وبحيالهم الفاكهة والنرجس، وربما طيّبوا المكان بالنارنج وطلْع النخيل، وأكثروا من البخور وضربوا به أكمامهم، وفاحت في مجالسهم رائحة النَدّ. 
وقد يجعلون النَدّ فيما يشبه البطيخة المغشّاة بالخيزران وعلى رأسها قلادة من لؤلؤ أو درّ أو عنبر؛ وقد يجعلونه على صورة تفاحة عليها اسم مهديها أو المهداة إليه. وربما حجبوا الناس عنهم وقت الشراب، أو عقدوا مجلس أدب فأداروا الكؤوس، أو غنّاهم المغنون؛ لكن إذا أذّن المؤذّن وضعوا كؤوسهم! 
وكان في بلاد الشام أُسود يهاجمها القواد بخيلهم وسيوفهم ويدفعونها عن فرائسها من البقر، ويقتلونها، وقد يأخذون أشبالها أحياء. وكانوا يصيدون الظباء والحِجْلان بالصقور والكلاب، والسُّمّانَ بالبواشق. وكان وجوه القوم يتعاطون الرمي بالنُشّاب، ويتخذون في الحرب الأدلّة، ويبنون فيما يفتحونه قلاعًا يشاركون في بنائها ووضع شرفاتها بأيديهم.
وكان للولاة خُلَع خاصة، وكان القُواد يضربون لأنفسهم قبابًا عليها تصاوير، ويلعبون بالشطرنج. وكانت لهم لُعَب لبعضها شعر طويل حتّى إذا نُقرت دارت على لولب، وربما جعلوا في أيديها طاقات ريحان.
وكانوا يتعرّضون للشعراء بالإكرام، ويخلعون على بعضهم الثياب النفيسة وثياب الديباج الرومية وثياب الخزّ، ويهدونهم الطِيب والسيوفَ المحلّاة والأفراس عليها سروج ولُجم محلّاة أو مذهبة. وقد يخيّرونهم بين أفراس مختلفة الألوان. وقد أهدى سيف الدولة إلى المتنبّي جارية وفرسًا مَرة، ورمحًا وفرسًا معها مهرها مرة أخرى. وكان الأمراء يستكثرون من الشعر، حتّى إذا امتنع شاعر من الاستجابة لإلحاحهم أرسلوا إليه من يحاول قتله، حتّى إذا عاد إليهم خلعوا عليه الثياب والطِيب والهدايا. 
وكان الشعراء يعانون مشاقّ السفر؛ إذ كان اللصوص يتعرضون لهم، وقد يضلّون هم الطريق ويغدر بهم عبيدهم ويسرقون أموالهم. ومن الطريف أن المتنبّي نزل بأحدهم فأخذت امرأة الرجل تشغل عبيد الشاعر ليسرق هو ما في رحله. غير أن للصوص نفعًا، إذ كانوا يعرفون أسرار الطرق فيتخذهم المسافرون أدلّة.   
ومعروف أن الناس كانوا يتراسلون بالكُتب، ويسمّون ما يكتبون عليه ورقة أو دَرْجًا أو رُقعة. ويبدو أن جدّة المتنبّي كانت تحسن الكتابة، إذ كتبت إليه توبّخه على جفوته وتشكو شوقها إليه وطول غيبته عنها، فرَدّ عليها يسألها المسير إليه، فقبّلت كتابه وقتلها الفرح. 
هذا مختصر لتاريخٍ للخيال فيه نصيب، لكنه يبقى شبيهًا بوقائع عاشتها عصور الأدب العربيّ القديمة وبخاصة عصر المتنبّي ■