المعجم العربي في اللغة الأرمنية العرب والأرمن حديث ذو شجون

المعجم العربي في اللغة الأرمنية العرب والأرمن حديث ذو شجون

يقول المترجم الحلبي المعاصر، الأرمني الأصل، ألكسندر كشيشيان: «إن عُدنا إلى بواطن التاريخ، ودخلنا بين دفتي أمهات الكتب التاريخية العربية والأرمينية، واستخلصنا تفصيلات العلاقات العربية الأرمنية التاريخية، فإنني أجزِمُ بأنه سيكون بوُسعنا تجهيزُ موسوعة من ستة مجلَّدات كبيرة على أقل تقدير، وذلك لأن جذور هذه العلاقات تمتد إلى قرون مديدة جدًا، تصل إلى حوالي ألفيْ عامٍ»! 

 

غير أن هذه الحقيقة التاريخية تكاد تغيب حاليا رغم العدد الكبير نسبيًا من الأرمن الذين اتخذوا البلاد العربية مستقرًا لهم، لا سيما منذ النصف الثاني من القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20، حيث تُقدِّر الباحثة الأرمنية الأصل كذلك هوري عزازيان، صاحبةُ كتاب «الجاليات الأرمنية في البلاد العربية»، تعدادَ أرمنِ الوطن العربي بحوالي ربع مليون نسمة، أغلبهم في لبنان وسورية بـ 165 ألفًا و100 ألف أرمني على التوالي، برزت في العصر الحديث أسماء كثيرة منهم في الصحافة والتمثيل والعسكرية والسياسة، وعلى رأسهم الأديبان الصحفيان رزق الله حسون (ت 1860م)، صاحب جريدة «مرآة الأحوال»، وهي أول جريدة سياسية عربية خاصة تصدر في الآستانة عام 1855م، وأديب إسحاق (ت 1885م) الذي أصدر ثلاث جرائد باللغة العربية، هي «مصر» و«التجارة» في مصر، و«مصر القاهرة» في باريس، وألكسان صرافيان صاحب جريدة «الزمان»، وهي أول جريدة عربية (موالية للإنجليز) تصدر في القاهرة عام 1882م. 
غير أن أهم وجود أرميني في العالم العربي هو في البلدة القديمة من القدس الشريف بفلسطين المحتلة، حيث يعود استقرارهم بحي الأرمن إلى سبعة عشر قرنًا مضى، أي إلى زمن اعتناق الدولة الأرمنية المسيحيةَ دينًا رسميًا عام 301م. غير أنه لم يتبق اليوم هناك إلا حوالي ألف أرمني، وهو عدد أقل بعشر مرات أو أكثر مما كان عليه الأمر الديموغرافي إلى زمن قريب، بسبب سياسة التهويد الصهيونية العنصرية، على العكس تماما مما امتاز به القائد صلاح الدين الأيوبي عند فتحه القدس عام 583هـ/1187م من تسامح جليل إزاء أجداد أرمن المقدس، حيث كتب لهم الأمان على أرواحهم وأموالهم، غيرَ مُلتفت إلى ما وقع من أرمن الرُّها وأنطاكية من خيانة أدت إلى إقامة أُولى الممالك الصليبية في المنطقة، ولا إلى أرمن مصر الذين تحالفوا وأعداءَه الفاطميين!
 
الاستقرار السياسي في فترة الحكم العربي: ﴿لتعارفوا﴾
ما ذكرناه مؤخرا من خيانة كان مرجعُه إلى التحالفات السياسية والعسكرية المتقلبة لفترات زمنية معينة لا يعني أن الأمر كان مستمرًا على تلك الشاكلة، إذ لما خضعت بلاد أرمينيا التاريخية للحكم العربي الإسلامي عقب الفتح الذي قاده ثلاثة صحابة كرام، فبدأ على يد عياض بن غُنم الأشعري عام 19هـ، وتابعَه حبيب بن مُسلمة عام 21هـ، ثم أتمَّه سلمان بن ربيعة الباهلي عام 24هـ (رضي الله عنهم جميعًا)، استقرت الأمور بأرمينيا استقرارًا شبه كلي، وذلك لِما أنِسَ الأرمنُ من أخلاق المسلمين الفاتحين مما لم يعتادوه من البيزنطيين الذين كانوا يحكمون البلاد قبل الفتح وهم إخوتهم في الدين، وذلك بسبب اعتناق الأرمن المذهب القائل بأحادية طبيعة المسيح، مقابل قول البيزنطيين الخليقدونيين بطبيعته الثنائية، واعتبارهم عقيدةَ الأرمن أقرب إلى الهرطقة، ومحاولتهم فرض عقيدتهم عليهم بالعنف والغطرسة، في الوقت الذي لم يجد الأرمن من المسلمين الفاتحين إكراهًا قط، إذ ﴿لا إكراه في الدين﴾، وإنما وجدوا منهم تسامحًا كبيرًا يُظهره جليا مثلُ هذا العهد الذي أعطاه الفاتح الإسلامي لأهل مدينة دَبيل (تدعى حاليًا ادْفِين (Dwin) عقبَ فتحها: «هذا كتابٌ من حبيب بنِ مُسلِمةَ لِنَصارَى أهلِ دبيلَ ومَجوسِها ويَهودِها، شاهِدِهم وغائبِهم: إني قد أمَّنتُكم على أنفسِكم، وأموالِكم، وكنائسِكم، وبِيَعِكم، وسُورِ مدينتكم، فأنتم آمنونَ، وعليْنا الوفاءُ لكم بالعَهد ما وفَيتُم وأدَّيتُم الجِزية والخَراج، وكفى بالله شهيدًا»!
هذا، وقد منح المسلمون إقليم أرمينيا ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم حُكمًا ذاتيًا، متعدد الإمارات، يدين بالولاء للخلافة العربية المركزية؛ فأعطوا الأرمن حرية اختيار أمرائهم الزمنيين، وبطاركتهم الدينيين، ولم يتدخلوا في نزاعاتهم الداخلية إلا عند الحاجة أو بطلب من الأهالي، وهو ما أثمر حُسنَ علاقة ببلاط الخلافة الإسلامية، ومن عربونه مشاركة الأمير أشوت البَقْرَتوني (Ashot) بجيش قوامه خمسة عشر ألف جندي في جيش مروان بن الحَكَم ضد الخَزَر.
وقد نجم عن هذه المصافاة استقرارُ البلاد دون قلاقل طيلة ثلاثة قرون من الحكم العربي، وكذا بعد إعلان الأسرة البقراتونية استقلالها بحكم أرمينيا منتصف القرن الرابع الهجري، وهو الاستقلال الذي لم يعكر صفو العلاقات العربية الإسلامية الأرمنية إلا مع تولي أمثالِ الدمستُق نِقفور (Nikephoros) المُلكَ - وقد وثَّق المتنبي وأبو فراس في شعرهما بعضا من مجالداته - وهو الذي وصفه ابن كثير في «البداية والنهاية» بأنه كان طاغية ملعونًا شديدًا على المسلمين، «من أغلظ الملوك قلبًا، وأشدهم كفرًا، وأقواهم بأسًا، وأحدِّهم شوكة، وأشدِّهم قتلاً وقتالاً للمسلمين في زمانه»، ولم يعكره أيضًا إلا خيانة بعض الحكام الأرمن بتواطئهم والصليبيين الزاحفين من الغرب نحو بيت المقدس، وبمحالفتهم المغول الأليخانيين لاحتلال الشام، مما أدى إلى معركة سيس أو مَري (664هـ/1266م)، التي عاقبهم فيها الظاهر بيبرس بإنهاء مملكة قيليقية (كيليكيا) المعروفة بأرمينيا الصغرى، مع تنكر حلفائهم الصليبيين لاستنجادهم.
وقد نجم عن هذا الاستقرار العام أمور إيجابية كثيرة، على رأسها التعارف الحضاري الذي يبدأ بالاحتكاك المباشر، وينتهي بتبادل الخصوصيات المتراكمة في الخبرات والتجارب والمكتسبات بين مختلف الشعوب. وفي هذا السياق يتحدث المؤرخون عن هجرات متبادلة بين العرب والأرمن، بدأتها من الجانب العربي قبائل النزارية وربيعة وتغلب وشيبان إذ استوطنت أرمينية الكبرى.
وكان مما نجم عن هذه الهجرات التزاوجُ والمصاهرةُ مع أهل البلد، وهو ما أنجب في ما بعدُ عددًا كبيرًا من العرب المتأرمنين والأرمن المستعربين، سواء ممن تكشف عنهم نسبةُ أسمائهم كالعلماء أو القواد أو الوزراء عبدالرحمن بن يحيى الدَّبيلي (من دَبيل)، وحداد بن عاصم النَّشوي (من نَشْوى أو نَخْجَوان)، وابن الأزرق الفارقي (من مَيَّافارْقين)، والصالح أبي الحسن الإرجيشي (من إرجيش)، وأبي النصر المنازري (من منازكُرد)، ومحيي الدين الأخلاطي (من أخلاط)، وأبي البراء عنبسة الأرمني، والشيخ أبي صالح الأرمني، والقائد علي بن يحيى الأرمني، وأبي علي القالي، صاحب الأمالي التي طَبَّقت شهرتُها الآفاق، إذ هو من قالِيقَلا (ويسميها الأرمن كارين (Karin)، وهي حاليًا جزء من مدينة أرضروم في تركيا) التي ذكرها إسحاق بنُ حسَّان الخُرَّمي في قوله:
ألا هلْ أتى قَومي مِكَرِّي ومَشْهَـدِي
بقاليقَلا، والمَقْرُباتُ تَثُـوبُ
مَلَكْنا رِقابَ الناسِ في الشِّرْكِ، كُلُّهُـمْ
لنا تابعٌ طَوْعُ القِيادِ جَنيـبُ
 
فلمَّا أتى الإسلامُ وانشرحَتْ لـهُ
صُدورٌ بهِ نَحوَ الأنَامِ تُنيـبُ
 
تَبِعْنا رسولَ اللهِ حتى كأنَّمـا
سَماءٌ عليْنا بِالرجالِ تَصُـوبُ
وبما أن الشعر يبعث الشعر، فلا بأس أن نتخطى القرون ونورد ما قاله الوزير طلائعُ بنُ رزيك، وهو أرمني الأصل، مما يدل على مَبلغ ما وصله الأرمنُ في ظل حضارة العروبة والإسلام من المكانة والجاه، لا سيما في مصر الفاطمية؛ قال:
أبَى اللهُ إلا أنْ يَدِينَ لنا الدَّهـرُ
        ويَبْقَى لنا مِن بَعدهِ العِزُّ والذِّكْـرُ
 
خَلَطْنا النَّدَى بالبَأسِ حتى كَأنَّنـا
سَحابٌ لديْهِ البَرقُ والرَّعدُ والقَطْـرُ
 
الأثر المعجمي العربي
كان لا بد لكل ما ذكرناه من قبلُ أن يثمر تلاقحا لغويا وأدبيا بحكم حتمية السيرورة التاريخية للُغات الشعوب وآدابها، ويظهر أثر ذلك بصفة خاصة لدى الشعوب التي تكون في موقع التأثر بحكم التفوق الحضاري للمؤثِّر.
لا نملك في هذا الإطار دراسة علمية موثقة عن التأثير الأدبي العربي في الأدب الأرمني، رغم ثبوت الترجمة الأرمنية من العربية في علوم الطب والنبات والفلك والرياضيات والهندسة والكيمياء والفلسفة والمنطق والسحر، حيث تمت ترجمة أمثال «تبر الملوك» و«رسائل إخوان الصفا» و«عوايد المواعد» و«تفسير الأحلام»، وكتبِ البيطرة، وكتبِ ابن الأثير في التاريخ، وأعمالِ الرازي وابن سينا في الطب... والذي يهمنا هنا أنه أثناء تلك الترجمة بقيتْ كثير من الألفاظ والاصطلاحات العربية على أصلها العربي؛ وهكذا توسعت دائرة التأثير المعجمي العربي في اللغة الأرمنية، رغم الحرص الشديد الذي يميز الأرمن في تشددهم بخصوص الحفاظ على أرمنيةِ لغتهم، ورغم «المحاولات الجادة لِلُّغوين الأرمن في تنقية اللغة الأرمنية من الدخيل»، كما تلاحظ الباحثة مرفت جمعة عبدالله.
غير أن آراء اللغويين الأرمن بخصوص وجود كلمات عربية في اللغة الأرمنية - بحسب الباحثة نفسها - انقسمت إلى ثلاثة اتجاهات: أولها اتجاه يرفض الفكرة رفضًا قطعيًا، ويعتبر أي تشابه معجمي بين اللغتين مجرد اتفاق، وهو رأي إدوارد مكرتشيان (Mkrtchian)؛ ولا شك أن هذا اتجاه منغلق وغير واقعي لأنه يتنكر لحتمية التطور اللغوي. وثانيها اتجاه يرى أن المشترك بين العربية والأرمنية إنما هو دخيل فيهما معا من لغات أخرى كالآرامية والآشورية والفارسية، وهو رأي هراتشيا أجاريان (Adjarian). وثالثها يرى الدخيل العربي المباشر في الأرمنية واضحًا لا غبار عليه، وهو رأي كيفورك جاهوكيان (Jahukian)، على أساس أن هذا الدخيل إنما تسرب إلى الأرمنية القديمة قبل تدوين الأدب الأرمني في القرن السابع – ونشير هنا إلى أن اختراع الأبجدية الأرمنية يعود إلى الراهب الحكيم مسروب ماشتوتس (Mashtots) سنة 405م - أي أنه استمر من زمن اللهجة السُّريانية المحكية التي كانت متداولة بين الأرمن قبل اختراع الأبجدية إلى القرن 12م، رغم انقضاء قرنين على انتهاء الحكم العربي للبلاد. أما على مستوى التدوين فلا خلاف بين الاتجاهات جميعًا حول عدم وجود ألفاظ دخيلة في الأدب الأرمني المكتوب. 
وقد أحصى أجاريان المذكور سالفًا عامَ 1926م في قاموسه الاشتقاقي لأصول اللغة الأرمنية 702 مفردة عربية في الأرمنية القديمة والوسطى، دخلت إلى الأرمنية مباشرة، أو عن طريق وساطة التركية أو الفارسية، بينما أحصى اللساني الألماني جوزيف كارست Karst بَعده 1231 مفردة، في حين ارتفعت ميرفت جمعة عبدالله بالعدد إلى 1345 مفردةً في بحثها اللساني الإحصائي الذي باشرته حديثًا بالتنقل ميدانيًا بين عشرات الأقاليم والمدن والقرى المختلفة في دولة أرمينيا، وبيدها قائمة مضبوطة من المفردات، وفق منهج لساني مقارِن.
وهكذا يمكن أن نرصد في الأرمنية ألفاظًا طبية عربية الأصل مثل (شريان وعضلة وأحشاء وغدة ومستقيم وجِيد بمعنى عُنق وعِرْق وذبحة وزكام وعلاج وشراب ومعجون وكحول وحقنة)، وألفاظًا في علم النبات والحيوان كـ(زعرور وبقْلة وسنبل وزيت وكِيف وسفرجل وباذنجان وزعتر وزعفران وخيل وأدهم وعقرب وزرافة وتمساح وحلزون وبقرة وبيطار)، وألفاظًا دينية كـ(سُورة وجنَّة وبرَكة ورحمة وخليفة وزاوية وقربان)، ومصطلحات أخرى مختلفة المشارب مما لم يكن لمعناه مقابل في اللغة الأرمنية، أو كان لفظه العربي أوفَى وأقصَد، كـ(لحم ونقش وترجمان وميدان وإكليل وساعة ووقت وزمان وعطشان وأحمق وساحر وجاهل ومسكين ولطيف وغريب ورشيد وعجب وخاص وحال وخاطر وأمانة وشعر وخُرْج وصندوق وكَراسي وغلط ومستور وهريسة وحلاوة وقهوة وقنطار وقصّاب وبزّاز وجِير وصَرْد بمعنى بَرْد ودعوى وذُرِّية ومَجلِس ومَهجَع ومحلَّة ومِقرض ومُراد وبطلان وعيان وحاشا و«يعني» و«إلَّا»)، وتعابير دارجة كـ«فلان علان» و«صبر خير» و«يا الله» و«إن شا الله» و«ما شا الله»، وغيرها... سواء مع الإبقاء على تلفظها العربي كما هو، أم بتحريف قليل عن الأصل مثل: مَقدسي (مَختسي)، راية (راي)، صِيق (سِيك)، حكمة (حِكمتْ)، حلال (هَلال)، حرام (هَرام)، لعنة (نالات)، زَبل (زِبِل)، عازب (أزاب)، عزيز (أزيز)، ظالم (زالوم)، لائق (لايخ)، مدد (مادات)، مخمور (خُومار)...
بيد أنا إذا قارنا هذه النسبة من الوجود المعجمي العربي في الأرمنية بنظيراتها في اللغات المجاورة كالفارسية والتركية، فإننا واجدون أنها نسبة ضئيلة، ولا تتناسب مع طول أمد العلاقات التاريخية العربية الأرمنية. ولعل مرجع ذلك إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية. 
فأما الذاتية فتعود من جهة إلى ما سبق أن ذكرناه من تشدد الأرمن القومي في ما يتعلق بالحفاظ على خُلوص أرمنيةِ لغتهم، وللإشارة فأرمن العالم ومنه العالم العربي لا يزالون يتواصلون في ما بينهم بلغتهم الأم. وأما العوامل الموضوعية فتعود أولا إلى عدم اعتناق الشعب الأرمني الإسلامَ، حيث فضل البقاء على دين آبائه المسيحيين الأرثوذكس (وهو ما يفسر قلة اقتراض الأرمنية الألفاظَ الدينية العربية)، وثانيًا إلى انحسار الحُكم العربي عن البلاد في القرن العاشر الميلادي، أي بعد ثلاثة قرون، وهذا طبعًا ما لم يفتح الطريق على مصراعيه أمام مزيد من التأثير والتأثر اللغوييْن بين العربية والأرمنية. 
 
إعادة مد الجسور 
لا يَسرُّ التبادلُ الثقافي العربي الإسلامي الأرمني الحديث والمعاصر كثيرًا بالنظر إلى جذور علاقات الطرفيْن الممتدة في التاريخ، ولعل لسياسة الاحتلال الشيوعي السوفييتي الذي ضم البلاد سنة 1917م يدًا في ذلك، حيث قُطعت الأواصر مع العالم العربي الإسلامي، وطمست آثاره في البلاد من معمار وشواهدِ قبور ومخطوطات لم يتبق منها إلا نزر يسير بمعهد ماتناداران (Matenaderan) للمخطوطات بالعاصمة ينتظر من ينفض عنه غبار النسيان والإهمال من الباحثين والمحققين. 
ويكفي أن نعلم مثلاً أن مسجد العاصمة المسمى بالمسجد الأزرق - وهو المسجد الوحيد المتبقي في البلاد من أصل ثمانية كانت في العاصمة يريفان (Yerevan) وحدَها أوائل القرن 20، أي لما كان عدد المسلمين نصفَ سكان العاصمة، وقد أعيد بناؤه بعد أن أغلقه السوفيات، وأحرقه القوميون الأرمن وهدَّموه - كان عليه أن ينتظر إلى سنة 2003م لتَصدر ترجمة حديثة لنوبار كليسليان (Klislian) – وهو مسلم أرمني - لمعاني القرآن الكريم إلى الأرمنية، منذ ترجمة أبراهام أميرخانيان (1909م)، وترجمة ليفون لارنتس (1911م)، وترجمة هاكوب كوربتيان (1912م)! وأنه كان على الأرمن كذلك أن ينتظروا إلى سنة 2014م ليتم إصدار مارينا مانوكيان وأليس إيلويان كتابًا لتعليم العربية لغير الناطقين بها في أرمينيا تحت عنوان «نستمع ونتعلم اللغة العربية»! 
وفي ظل غياب الجهد الأكاديمي العربي سواء في الترجمة إلى الأرمنية أم منها، تبرز جهود فردية، أغلبها سوريٌّ أرمنيُّ الأصل بعد ريادةِ خير الدين الأسدي (ت 1971م)، كجهد نزار خليلي (ت 2019م)، وجهدِ نظار نظاريان (ت 1991م)، علاوة على جهود بوغوص سراجيان وبطرس مراياتي وهراج سهاكيان ونورا أريسان وألكسندر كشيشيان، وإن كانت هناك فئة من المترجمين والمفكرين لا توجههم غايات علمية خالصة، وإنما أهداف قومية أو سياسية ذات وظيفة محددة، لا سيما داخل منطقة ملغَّمة بألغام التوتر الأرمني التركي والأذري المستمر، مما يسقط بهم في ما ليس مقبولاً علميًا، كالتضخيم والانتقاء والزيادة والنقصان والتحريف.
هذا، ويصدر بعض مثقفي الأرمن في البلاد العربية بين الفينة والأخرى مختارات أدبية مترجمة عن الأرمنية، كما فعل مهران ميناسيان في «أقنعة ومرايا: مختارات من الشعر الأرمني الحديث»، وفاروجان كازانجيان في «مختارات من الشعر الأرمني عبر العصور»، وجولي مراد في «هتاف الروح: شعراء أرمينيا»، مما قد يؤسس لتبادل ثقافي حديث - لا سيما مع وجود قسم للغة العربية بكلية الدراسات الشرقية بجامعة يريفان – شريطة أن يكون تنسيق الطرفين محكومًا بضوابط العِلمية والموضوعية والحياد والتجرد والتسامح ■