بين الشهادة والقصيدة قراءة في تجربة الشاعر المغربي عبدالله راجع

بين الشهادة والقصيدة قراءة في تجربة الشاعر المغربي عبدالله راجع

القصيدة المغربية المعاصرة السبعينية في عمومها ميزها بعدها الأيديولوجي وطنيًا وقوميًا، ويعد الشاعر المغربي عبدالله راجع (1948م - 1990م) أحد رموز هذه الفترة بأعماله الشعرية التي نشرها في حياته، وهي: «الهجرة إلى المدن السفلى 1976م» و«سلامًا وليشربوا البحار 1982» و«أياد كانت تسرق القمر 1988م»، أو التي نشرتها وزارة الثقافة المغربية بعد وفاته سنة 2013م ضمن أعماله الكاملة، وهي: «أصوات بلون الخطى» و«وردة المتاريس». كما تجلى هذا الخط في الكتابة من خلال عمله النقدي «القصيدة المغربية المعاصرة - بنية الشهادة والاستشهاد 1988م و1989م وهو في جزءين».

 

القصيدة حسب الشاعر عبدالله راجع شهادة على واقعها، واستشهاد أي أفق مفتوح على الممكن. ففي مقدمة كتابه النقدي يقول: «الشهادة هنا إثبات لواقع نفسي وتاريخي معين، والاستشهاد احتراق من أجل الممكن بغية تركيزه بدلاً مما هو كائن» (الأعمال الكاملة - الدراسات الجزء 1 ص 11 الطبعة الثانية 2013م). 
أما عنوان هذا المقال «بين الشهادة والقصيدة في تجربة عبدالله راجع»، فقصدت فيه بالشهادة مفهومي الشهادة والاستشهاد كما وردا عنده، وقصدت بالقصيدة مدى حضور الشعر ممارسة فنية راقية حداثية صياغة ورؤيا. والسؤال عندي هل كانت تجربة عبدالله راجع كتابة واقعية حرفية؟ أم كانت تجربة فنية تستحضر الشعري بموازاة القضية؟
هذا النفس الواقعي يحضر في أول دواوينه «الهجرة إلى المدن السفلى»، إذ نقرأ هذا المقطع من قصيدة «رسالة مفتوحة إلى وكالات الأنباء»:
من قال إذن أني مِتُّ؟
أنا الباقي... أمتص من الشرُفاتِ مواجعَ أهلي 
وأمدُّ على حارات القدس غصوني
فأنا شجرٌ، نهرٌ، مطرٌ، شرفةُ بيتٍ، ليمونهْ
وفدائيٌّ يَطلُعُ من فعل الأمر ونون التوكيدْ
قرصانًا يُتقن هندسةَ الأيامِ المجنونهْ 
ومواقيتَ الجَزْرِ أو المَدّْ
من قال إذن أني مِتُّ؟
أنا الباقي، أتناسل حتى في الموت. أُطالعكم 
في شخص ابني، وابن أخي، وحفيدي، وبناتِ الجيرانْ
كلُّ الموتى في وطني ينسحبون من الأكفانْ
ويعودون إلى القدس على صهوات الريحْ
ولذا تُفزعكم أشكالُ الجدرانْ
وظِلالُ الشجر الممتدِّ على الوديانْ 
عنوان القصيدة بيان سياسي مباشر والمقطع بيان ثوري على لسان الشاعر نيابة عن وعي أمته التي تتحدى الموت والاندثار بالبقاء ممسكة على الجمر آملة في التحرر من ربقة عدوها. ورغم أن اللغة لا تخلو من التصوير بالاستعارة (أمتص مواجع أهلي، أمد على حارات القدس غصوني، يعودون على صهوات الريح)، والتشبيه (فأنا شجرٌ، نهرٌ، مطرٌ، شرفةُ بيتٍ، ليمونهْ، وفدائيٌّ...)، والتلميح الكنائي (أتناسل حتى في الموت، فعل الأمر ونون التوكيد، الموتى ينسحبون من الأكفان)، والدلالة الرمزية للمفردة (غصوني، شجر، مطر، ليمونه، الأكفان، الريح، الأشجار، الوديان...)، إلا أن الدلالة قصدية واضحة أحادية بدون آفاق تأويلية مفتوحة. والتركيب نمطي يقوم على تكرار جملتين استفهاميتين مستلزمتين للتحدي (من قال إذن أني متُّ) تعقبهما جمل خبرية تؤكدان حضور الذات المناضلة من خلال ضمير المتكلم الذي يحتكر الفعل، ويمتدّ به نحو الآخر ابني، ابن أخي، كل الموتى في وطني... وإيقاعًا يقوم العروض على تعزيز الخطابية بتفعيلة الخبب التي تتلاحق أسبابها متوثبة متسارعة، وبجمل قصيرة تشكمها وقفات وزنية أو تامة إلا تدويرين اثنين هما أشبه بالوقفة التامة لأنهما جاءا في اللازمة (من قال إذن أني مِتُّ)، مع ست قواف: (ليمونهْ، المجنونهْ) و(الجيران، الأكفان، الجدران، الوديان). وهذا النمط الخطابي المغلَّف ببعض الفنيات الشعرية يستمر في قوله:
اِرفع رأسك يا قلبي، جاء اليوم الموعودْ
هذي أجراس المحشر دقت في فيتنامْ
في كمبوديا، في أنغولا، في كل الأقطار المشويَّهْ
وغدًا أجراسُ القدس تَهُزُّ القدمَ الوحشيَّهْ
إن المجازات الكنائية في (أجراس المحشر دقت في فيتنام والأقطار المشويه والقدم الوحشيه) لم تمنع خطابية المقطع وصخب اللغة، والمناسباتية، وقصدية الشهادة وطغيانها على فنية القصيدة.
وإذا كانت الشهادة غالبة على القصيدة في المقطعين السالفين فإن الشاعر في قصيدة أخرى من الديوان عنوانها «أوراق متساقطة من ديوان أبي الطيب» يغلِّبُ القصيدة على الشهادة. ونستأنس لذلك بالورقة الرابعة التي يقول فيها على لسان المتنبي مخاطبًا سيف الدولة:
حين طالعني وجهُكَ العربيُّ استفاقت خيولُ الدواخلِ، كانَ
نداءُ السُّلالةِ ينقُش في باطني فرحًا أو يكادْ 
لم أكن سَيِّئ الظنِّ حين مددتُ عيوني وقد 
خنق الدمع حنجرتي/ كنتَ أكبرَ من قُبلة أو ودادْ
وجهك العربيُّ أعاد إليَّ انتمائي 
فحرَّكَتِ الشامُ أعطافَها... زغردَتْ - بحَّ صوتي - وما حَرَنَ 
الشِّعْرُ يومًا 
أوِ انخسفتْ لغةٌ في الفؤادْ
أنتَ فجَّرتها أيها المالئُ الشام بالخيل شبرًا فشبرًا
خيولُ الأعاجم تعرف خارطةَ الثغرِ، هل عرفت أنها تتحول قبرًا
إذا اشتعلتْ في الهَواجر ألويةٌ لونُها الرملُ والبَلَحُ؟
لم أكن سَيِّئَ الظن أو طامعًا فيكَ هلْ
يطمع الصَّبُّ في من يحبّْ؟
أنت عودتني أن أراك فيشتعلَ القلبُ، تومضُ
في الرئتين اللغاتُ التي ما وَعَتْها القواميسُ أُبْصِرُ 
فيكَ تضاريسَ قلبي فترشَحُ كلُّ الدواخل بالخيلاءْ
أنتَ علمتني الموتَ شوقًا ولكنك الآن عودتَني الكبرياءْ 

علاقة المتنبي بسيف الدولة
مَنسوبُ الشعر في المقطع مرتفع، والقضية السياسية حاضرة لكن بلبوس فني وأقنعة رمزية. إنّ الشاعر في زمن المحْل العربي يستدعي علاقة المتنبي بسيف الدولة التي يراها علاقة شاعر يلتقي بحاكم قائد يستعيد النخوة والبطولة العربية، شاعر يمدح مَثَلَهُ ليس تكسبًا وإنما حبًا في من أعاد للعروبة مجدها. المتنبي معادل للشاعر المعاصر الذي يبحث في زمن النكسات هذا عن وجه عروبته الضائع، وعن حاكمه المنتصر.
الشاعر بمجازاته الاستعارية والمُرسلة، وبكناياته، ومجاوراته اللغوية المنزاحة عن المجاورات التواصلية التي تهيمن على مساحات التعبير بفنيتها التخييلية وعمقها الدلالي مثل: «استفاقت خيول الدواخل، نداء السلالة ينقش في داخلي فرحًا، مددت عيوني وقد خنق الدمع حنجرتي، حركت الشام أعطافها، ما حَرَنَ الشعرُ، ما انخسفت لغة في الفؤاد، المالئ الشام بالخيل شبرًا فشبرًا، خيول الأعاجم تعرف خارطة الثغر، إذا اشتعلت في الهواجر ألوية لونها الرمل والبلح، يشتعل القلب وتومض في الرئتين اللغات، أبصر فيك تضاريس قلبي، ترشح الدواخل بالخيلاء»، وبأقنعته الرمزية «وجهك العربي، السلالة، الخيل، الألوية، الهواجر، الرمل، الكبرياء».
 بهيمنة هذه العناصر التصويرية كلها، وبكمِّها الذي يستغرق معظم جمل المقطع، وبعمقها ودلالتها القوية على مقصدية الشاعر دون التواء ولا تمحُّل ولا استغماض ولا فجاجة يرتفع منسوب الشعر، وينأى عن التسطيح والمباشرة والهتافية التي تميز أغلب الشعر السياسي.
والمقطع تركيبًا متنوع بدأه الشاعر بجملة مُنزاحةِ التركيب يتقدم فيها الظرف المتعلق «حين طالعني وجهك...» على فعله «استفاقت خيول الدواخل». وتتوالى الجمل متنوعة بين النفي والإثبات والنداء والشرط والتوكيد والاستفهام لا سيما ذلك الاستفهام الإنكاري الذي هو بؤرة المقطع النفسي «هل يطمع الصب في من يحبّْ»، وتلك الجدلية القوية بين المتكلم/ الشاعر والمخاطب/ سيف الدولة (طالعني وجهك، وجهك العربي أعاد إليّ انتمائي، لم أكن سيئ الظن أو طامعا فيك، أنت عودتني أن أراكَ، أبصر فيك تضاريس قلبي، أنت علمتني الموت شوقًا، عودتني الكبرياء).
أما عروضيًا فالورقة/المقطع المتكونة من سبعة عشرة سطرًا على تفعيلة المتدارك بتناوب أسبابه وأوتاده خففت من تسارع اندفاع التفعيلة التي ميزت المقطع السابق في الخبب. كما ساهم التدوير الذي تحقق في عشرة أسطر بل امتد في الأسطر (14و15و16) إلى واحد وعشرين تفعيلة في انسياب التركيب والدلالة، دون أن يغفل الشاعر الوقفات التامة والمقفاة التي تناوبت على القصيدة متباعدة مثل (يكاد، وداد، الفؤاد) أو متتالية مثل (شبر، قبرا) و(الخيلاء، الكبرياء). 
فكان البناء العروضي مُزاوِجًا بين الغنائية المتأتية من تقارب بعض القوافي، وبين النغم المضمر في التفاعيل المسترسلة بالتدوير والطول التركيبي للجملة.

الكتابة الفنية القوية
في المقطع كما القصيدة لمن يعود إليها شهادة على تطلع الشاعر من خلال استحضار سيف الدولة إلى أمل عربيٍّ آت بالنصر، وتبرئة للشاعر المعاصر من خدمة السلطة طلبًا للمال، إذ علاقة المتنبي المفترضة بسيف الدولة تقوم على حب الحاكم المنتصر لا الطمع في ماله وتلخصها عبارته: «هل يطمع الصب في من يحب؟». ولكن هذه الشهادة ليست خطابية هتافية مباشرة منبرية ضاجة بل هي شهادة تشعّ بألق فني شاعري وشعري.
شعر عبدالله راجع استمر في التراوح بين الكتابة الفنية القوية التي يرتفع فيها منسوب الشعر إلى درجة عالية، والكتابة الهتافية الخطابية التي تكون فيها القضية طاغية على صنعة الشعر الجميلة. وهذا الأمر لم يقتصر على ديوانه الأول الذي استشهدت منه بالمقطعين السابقين بل امتد إلى ديوانيه اللذين نشرا في حياته: ما يعني أن المسألة تتعلق بقناعة شعرية استمرت معه إلى آخر حياته. ففي ديوانه الأخير «أياد كانت تسرق القمر» نقرأ هذا المقطع الأول من قصيدة: «الغرباء لا يحترفون العشق» فنقف على بهاء الشعر ومتعته من شاعر متمكن من أدواته، يمزج بين الحالة الإنسانية العاطفية ويمرر من خلالها محنة الوطن، وبين جمال العبارة رقة وعذوبة: 
أنتَ البحرُ وتُرسل ضحكتَها شمسيهْ
يَقْفِزُ من مَكْمَنِهِ قلبُ صديقي
فتراودني الأحزانُ الوحشيهْ
هاكَ الجسدَ البارعَ في الفَتْكِ مقابلَ أن تكتبَ شِعْرًا 
في امرأةٍ من كازاخستانَ انزلقتْ ذات مساءٍ
تبحثُ عن ميناءٍ لرحيل أنوثتها
هل كنت صديقي تعرف أن الخطَّ الرابطَ بين «سلا» وشوارع «ألما آتا» 
  يمكن أن يقلب جغرافيةَ القلب وأنَّ الأنواءْ
قد تتوقف أحيانًا، ترحل أحيانًا
تابعةً خطوتَكَ المسكونةَ بالفقراءْ
كانت تلك اللحظاتُ الأكثرُ فتكًا بين ممرات النزلِ
تُمَوِّنُ صدرَكَ بالتفاح الكازاخيِّ، التمعتْ عيناكَ
سكتَّ، وكان حديثُ العين مؤامرةً
كان دخانُ العين مؤامرةً
ما أقسى هذا العالمَ إذ يمنحُنا أوراقَ الجنسيهْ!
كنتَ حزينا في ضحكتكَ المسقيةِ بالهَمِّ العربيِّ
وكانت شَمْسِيَّهْ 
تَتَهَجَّى فيكَ أنوثَتَها
ترسمُ فوق العين حديثا يتأبَّى 
تهمسُ «أنت البحرُ، أنا النهرُ»
فتَعْدِلُ همستُها كلَّ أحاديث العشق المرويَّهْ
 استهلال القصيدة استثنائي في سطره الأول الذي جمع بتركيز واختزال بين الحوار والسرد وتشبيهين وقافية الارتكاز «أنت البحر وترسل ضحكتها شمسيهْ». وشعريةُ المقطع قوية أولاً بكثافة التصوير وطرافته وتنوعه بين التشبيه والاستعارة والكناية التي شكلت تمثيلاتٍ وانزياحاتٍ ومقاصدَ كامنةً رائعة من ذلك (ترسل ضحكتها شمسيه، يقفز من مكمنه قلب صديقي، هذا الجسد البارع في الفتك، امرأة من كازاخستان انزلقت ذات مساء تبحث عن ميناء لرحيل أنوثتها، تموّن صدرك بالتفاح الكازاخي، حديث العين مؤامرة، دخان العين مؤامرة، ضحكتك المسقية بالهم العربي، تتهجى فيك أنوثتها، ترسم فوق العين حديثًا، أنت البحر أنا النهر». 
وثانيًا بتطويع وتنويع استعمال تفعيلة الخبب السريعة بأسبابها المتلاحقة فتارة يُبطئ اندفاعَها بالتدوير لكبح الغنائية الصاخبة، وخلق جمل شعرية طويلة تجعل المعنى مسترسلا والتفعيلة ممتدة على عدة أسطر إذ بلغت أربعا وعشرين تفعيلة في الأسطر: (4 و5 و6) ثم الأسطر (11 و12 و13)، كما بلغت عشرين تفعيلة في الأسطر الثلاثة الأخيرة. وتارة يفسح المجال للغنائية بالوقفات التامة والقوافي المتقاربة (شمسيه/ الوحشيه)، (الأنواءْ/ الفقراءْ)، (الجنسيه، وحشيه). هذا التنويع بين تباعد الوقفات وتقاربها خلق دينامية إيقاعية متحولة وغنية، وخفف من سطوة العروض على باقي عناصر الشعر الفنية. 
وثالثا برشاقة اللغة وحسن انتقاء المفردة ومن ذلك توطين أسماء الأمكنة بفنية في سياقاتها المناسبة دون نثرية مباشرة أو عبث بسلامة العروض (امرأة من كازاخستان انزلقت، الخط الرابط بين سلا وشوارع ألما أتّا، التفاح الكازاخي)، ورابعا البناء التركيبي القائم على الحوارية (أنتَ، هاكَ، هل كنتَ) وعلى ثلاثية الشاعر والصديق والمرأة الكازاخية، والصراع النفسي بين ذات الشاعر/الصديق المسكونة بهمها العربي والمكبوحة بغربتها في شوارع عاصمة كازاخستان السوفييتية آنذاك «ألما أتّا» والمنبهرة بجمال وجرأة المرأة وشبقيتها التي تلخصها عبارتها «أنتَ البحر أنا النهر». 
المقطع قطعة فنية راقية على خلاف هذا المقطع من الديوان نفسه في قصيدة «الصعود إلى الهاوية» وفيها يقول: 
  بيروتُ صرختُنا الأخيرةُ لا 
بيروتُ رحلتُنا إلى المدن الجديدهْ 
معذرةً درويشُ قلْ فيكم قد تجلّى
أوديسيوسُ في عودته العنيده 
من يقول الآن للكرمل لا 
أطفالنا عرفوا مارسيل قبل فطامهم 
والقدس تعرف أن طيورها تأتي متى نبت الجناحُ 
وتلك سناءُ شاهدهْ
اَلعاشق احترقت حبيبته زوالا 
الزوج ودع طفلتيه ولم يعد
والأم تحمل صورة للزوج تحت صدارها وتقول يأتي 
وتعرف أن من حمل الذخيرة قد يعود ولا يعود 
لا شيء يخسره فدائي سوى كل القيود 
العاشق احترقت حبيبته زوالا 
 المقطع محاكاة سيئة لقصيدة مديح الظل العالي لمحمود درويش. فعبارات (بيروت صرختنا الأخيرةُ لا، بيروت رحلتنا إلى المدن الجديده، قلْ فيكم قد تجلّى أوديسيوسُ في عودته العنيده، العاشق احترقت حبيبته زوالا، لا شيء يخسره فدائي سوى كل القيود)، نجد مرجعها القوي فنيا والعميق الصادق دلاليًا ونفسيًا عند درويش وهو يخاطب بيروت والفدائي ورحلة أوديس وانتحار خليل حاوي ورفض المساومة في ما يلي:
(بيروت قلعتنابيروت دمعتنا ومفتاحٌ لهذا البحر)
***
(هي آخر الطلقات لا 
هي ما تبقى من هواء الأرض لا 
هي ما تبقى من نشيج الروح لا 
بيروت لا)
 ***
(عمَّ تبحث يا فتى الأوديسة المكسور؟
عن جيش أحاربه وأهزمه 
وعن جزر تُسميها فتوحاتي 
وأسأل هل تكون مدينة الشعراء وهما؟)
***
(الشاعر افتضحت قصيدته تمامًا 
وثلاثةٌ خانوه: تمّوزٌ واِمرأةٌ وإيقاعٌ) 
***
(باسم الفدائيِّ الذي خلقا 
من جرحه شفقا 
باسم الفدائيِّ الذي يرحلْ 
من وقتكم لندائه الأولْ)
إن عبارات عبدالله راجع لا تقوم على التناص الحيّ بتحويراته وانزياحاته وإضماراته بل هي عملية كولاج عادية ومباشرة، وما زاد من مباشرتها هذه الجمل العارية من الشعر سوى الوزن 
(أطفالنا عرفوا مارسيل قبل فطامهم) 
(والأم تحمل صورة للزوج تحت صدرها وتقول يأتي 
وتعرف أن من حمل الذخيرة قد يعود ولا يعود).
كما أن المقطع لا يخلو من كسور عروضية صرح بها الشاعر في تقديمه للقصيدة ولم أجد لذلك مبررًا فنيًا، أو ضرورة تُلجِئُه إليها في بحر فخم طَيِّعٍ كالكامل.
عبدالله راجع شاعر متمكن من أدواته له قصائد كثيرة قوية تدل على موهبة وصنعة وصدق ووعي برسالة الشعر غير أن الإمعان في تغليب (الشهادة) القضية على القصيدة خلق تفاوتًا مرعبًا في نصوصه بين قصائد تحلق عاليًا ببهائها وعمقها، وقصائد خطابية مباشرة أشبه ببيانات السياسيين ■