المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

  • احتفالية.. موسم أصيلة الثقافي يحتفي بدولة الإمارات العربية المتحدة

نظمت مؤسسة منتدى أصيلة الدورة الثانية والثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي السنوي للعام 2010، بحضور أكثر من خمسمائة مشارك. وتميزت دورة هذه السنة بالاحتفاء بدولة الإمارات العربية المتحدة ضيف شرف كبير على أصيلة وعلى موسمها الثقافي.

وتوزعت مختلف الأنشطة على أهم فضاءات مدينة أصيلة، التي اكتست حلة بهية في هذه الدورة، وهي تحتفي بالإمارات العربية: مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية- مكتبة الأمير بندر- قصر الثقافة- برج القمرة- ساحة عبدالله كنون- حديقة سيدي بوخبزة..، مما جعل مشاركة دولة الإمارات في هذه الدورة تمثل، حسب المنظمين، «إضافة نوعية لهذا الحدث الدولي المهم، نظرا للتطور الكبير والملحوظ في المشهد الثقافي الإماراتي في السنوات الأخيرة، ويما حققته دولة الإمارات من مشاريع وإنجازات فنية وثقافية مرموقة على الصعيدين الإقليمي والعالمي في إطار تواصلها الإنساني مع ثقافة الآخر».

وكانت دولة الإمارات ممثلة في هذه الدورة الثانية والثلاثين من خلال الحضور اللافت والمكثف لحكومتها ولبعض مؤسساتها ومراكزها الثقافية والعلمية، ممثلة في كل من: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وهيئة «أبو ظبي للثقافة والتراث»، و«نادي تراث الإمارات»، ومؤسسة «مصدر» الإماراتية، وهي الجهات التي ساهمت، بالتعاون مع مؤسسة منتدى أصيلة، في تنظيم مجموعة من فقرات برنامج هذه الدورة، من ندوات ولقاءات ومعارض ومشاغل ومعارض فنية وعروض موسيقية وغنائية.

فضلا عن ذلك، عرفت هذه الدورة مشاركة العديد من الفعاليات الدولية، من عالم السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة والفن، من بينهم: رؤساء دول سابقون، ووزراء أولون سابقون، ووزراء، وسفراء، وخبراء دوليون، ومديرون عامون لوكالات ومؤسسات وهيئات دولية، ومفكرون، وأدباء، وفنانون، ورجال إعلام، وجامعيون، وأخصائيون في الطاقة المتجددة، وفي الموسيقى، وفي الهندسة المعمارية الخضراء، ينتمون جميعهم إلى أكثر من خمس وأربعين دولة من مختلف القارات.

وفي هذا الإطار، شهدت دورة هذه السنة تنظيم مجموعة من الندوات ذات الطابع الخاص، والأسئلة الجديدة، وذلك في إطار جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، منها:

الندوة الأولى التي تم بها افتتاح الموسم الثاني والثلاثين، وكانت في موضوع» «الطاقات المتجددة: وثبة على طريق التنمية البشرية»، نظمت بتعاون مع مؤسسة «مصدر» الإماراتية.

ثاني ندوة عرفها موسم أصيلة الثقافي الدولي لهذه السنة كانت في موضوع: «الهندسة المعمارية الخضراء: التاريخ والآمال»، بتعاون مع «أبو ظبي للثقافة والتراث»، وقد استعرضت هذه الندوة، التي شارك فيها أخصائيون وباحثون، تاريخ تقنية البناء بالطين، وتاريخ التقنيات المتصلة بها، والخصائص المختلفة التي تجعل من الطين مادة تتلاءم مع كثير من أنواع البنايات، فضلا عن تركيز الندوة على ما تتميز به البنايات الطينية من جمال، ومن خصائص عازلة وصديقة للبيئة.

ثالث ندوة، كانت في موضوع: «حوار الثقافات العربية: الواقع والتطلعات»، ندوة تمكنت مداخلاتها من مقاربة هذا الموضوع الصادم من خلال ثلاثة محاور أساسية، تناولت واقع الثقافات العربية بين المنظور القومي والمنظور القطري والإقليمي، وحوار الثقافات بين المراكز والأطراف، والثقافات العربية في مواجهة العولمة، بمشاركة عديد المفكرين والباحثين والأكاديميين العرب.

رابع ندوة في هذه الدورة، خصصت لاستعادة ذكرى رحيل المفكر العربي الكبير محمد عابد الجابري، وكانت في موضوع: «محمد عابد الجابري: العقل المفقود»، حيث ساهمت الندوة في تعميق جوانب أساسية في المسار الفكري والفلسفي والذاتي للمفكر الراحل، بمشاركة مفكرين وباحثين من العالم العربي.

خامس ندوة، كانت في موضوع: «الفن المعاصر في ضوء الأزمة المالية العالمية».

سادس ندوة في دورة هذا الموسم كانت في موضوع: «الدبلوماسية والثقافة»، بتعاون مع «أبو ظبي للثقافة والتراث».

سابع ندوة في هذه الدورة تمحورت حول موضوع: «الهجرة وحكم القانون في أوربا»، نظمت بتعاون مع الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وتناولت مداخلاتها موضوعا راهنا يهم بدرجة أولى قضية الهجرة والسياسات والقوانين التشريعية، وحقوق المهاجرين ومكتسباتهم، في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية.

ثامن ندوة دارت أشغالها حول موضوع ما فتئ يحظى باهتمام جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، ويتعلق الأمر بندوة: «الموسيقى في عالم الإسلام: كيف نحافظ على التراث الموسيقي؟»، بتعاون مع هيئة «أبو ظبي للثقافة والتراث».

تاسع ندوة، تم تخصيصها لاستعادة ذكرى الروائي العربي السوداني الراحل، وصديق أصيلة، الطيب صالح، نظمت بتعاون مع مؤسسة «زين للاتصالات» السودانية، وفيها تمت استعادة محطات أساسية في تأسيس موسم أصيلة الثقافي الدولي، والدور اللافت الذي لعبه الروائي الراحل من خلال حضوره الكثيف لدورات الموسم ودعمه الكبير لها.

عاشر وآخر ندوة عرفتها فعاليات الدورة الثانية والثلاثين من موسم أصيلة، كانت في موضوع: «المشهد الأدبي في الإمارات العربية المتحدة اليوم»، بتعاون مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الإماراتية. ندوة جمعت ثلة من المبدعين والنقاد والباحثين من الإمارات والمغرب وبعض البلدان العربية الأخرى، وتمحورت أشغالها حول مقاربة تحولات الكتابة الإبداعية في الإمارات العربية من خلال رصد تحول ثلاثة مشاهد أدبية مهيمنة: المشهد الروائي والمشهد القصصي والمشهد الشعري.

موازاة مع ذلك، تم تنظيم مجموعة أخرى من الأنشطة ولقاءات التكريم والاحتفاء، من قبيل تنظيم الدورة الرابعة لـ«جائزة محمد زفزاف للرواية العربية»، حيث تم الاحتفاء في هذه الدورة بالروائي السوري الكبير «حنا مينة»، الفائز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية.

وكالعادة في المواسم السابقة، تم خلال هذه الدورة تسطير برنامج فني مكثف، اشتمل على تنظيم مشاغل للحفر والصباغة الزيتية وصباغة الجداريات ومشاغل فنية للأطفال ومعارض تشكيلية وفوتوغرافية. كما شهد هذا الموسم تنظيم الدورة الثانية لمشغل كتابة وإبداع الطفل، الذي تشرف عليه الشاعرة المغربية إكرام عبدي، ويستهدف توجيه الأطفال التلاميذ نحو معانقة المبادئ والخطوات الأولى لكتابة الشعر والقصة. وككل دورة، كان لعرض الأزياء المغربية حضور بهي أيضا في هذه الدورة.

أما على مستوى المعارض والعروض، فتميزت دورة هذه السنة أيضا بتنظيم معارض مغربية وإماراتية وأجنبية متميزة، منها «معرض الصور الفوتوغرافية»الإماراتي، و«معرض الخط العربي: البردة» الإماراتي، و«معرض الفن المعاصر في الإمارات»، و«معرض المشاريع الثقافية والمؤسسات التعليمية في الإمارات»، و«معرض إثنوغرافية أبو ظبي»، و«معرض الهندسة المعمارية الخضراء»، و«معرض الكتاب الإماراتي والفنون التقليدية»، و«معرض الصور الفوتوغرافية للفنان آلان غرسون»، إلى جانب عرض أفلام وثائقية عن الإمارات العربية المتحدة.

أصيلة: عبدالرحيم العلام

  • تكريم.. الناشرون المصريون يحتفلون بإبراهيم المعلم

فى أول لقاء للجمعية العمومية لاتحاد الناشرين المصريين بعد التشكيل الجديد لمجلس إدارة الاتحاد، الذى شهد تحول الرئاسة من المهندس إبراهيم المعلم، المؤسس الفعلي لهذا الكيان النقابي والمهني، إلى محمد رشاد، وفى حضور نخبة من كبار المثقفين المصريين ورؤساء الاتحادات والهيئات الثقافية في مصر في مقدمتهم: الدكتور محمد عبد اللطيف، رئيس اتحاد الناشرين العرب، ومحمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب المصريين، والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، والشاعر فاروق شوشة، الأمين العام لمجمع اللغة العربية، والدكتور أحمد مجاهد، رئيس مجلس إدارة هيئة قصور الثقافة، والدكتور عماد أبوغازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، جاء تكريم الناشرين المصريين لنقيبهم السابق المهندس إبراهيم المعلم الذي بذل جهده على مختلف الأصعدة لرفع قيمة الناشر ومكانته في المجتمع، والارتقاء بهذا الكيان، فقدم له خلفه محمد رشاد ونائبه عبداللطيف عاشور درع الاتحاد تقديراً للأدوار التي قام بها في خدمة هذه المهنة النبيلة التي تستهدف خدمة الكتاب العربي والارتقاء به، بعد أن توالت شهادات زملاء المهنة والأصدقاء من المثقفين والمبدعين.

وكانت مفاجأة الجميع دعوة الشاعر الكبير فاروق شوشة للمنصة باعتباره أستاذ إبراهيم المعلم وشقيقه الناشر عادل المعلم، وقال: ربما أكون أقدمكم في معرفة إبراهيم المعلم، فقد عرفته في الثالثة عشرة من عمره الحافل هو وشقيقه عادل، وأعرف في إبراهيم كما أعرف في عادل الضمان الذي نتحسسه في بداية الأمر لكي نقول إن جذر الشجرة يقول لنا إنها ستكون شجرة مباركة.

كان ذلك في مدرسة النقراشي الإعدادية النموذجية، أنا معلم وإبراهيم تلميذ. وكانت تلك المدرسة النموذجية تطبق لأول مرة في مصر ما يعرف بمجلس الآباء، وكان الأستاذ الجليل محمد المعلم هو رئيس هذا المجلس في مدرستنا، وهكذا يكبر إبراهيم وشقيقه عادل في ظل حراسة أب صارم حريص على التقاليد التربوية، وعلى النشاط الرياضي، وقد كانا علمين بارزين فيها بحكم أنهما كانا أطول من في المدرسة من النشء، فكانت هواية اللعب الرياضي تأخذ بعض الوقت، وهكذا أحسن البيت والمدرسة رعاية هذا الغرس الجديد.

وتمتد بنا رحلة الحياة، فيختار إبراهيم أن يستمر في مهنة والده مؤسس دار القلم قبل دار الشروق، ويصبح نقيباً للناشرين، وأشهد بأنه ظل دائما أحد حماة الحرية في مجال النشر، وله مواقفه المناهضة للمصادرة أو الحذف.

ويشير فاروق شوشة إلى أن المسئولية الملقاة على كاهل محمد رشاد، خلف إبراهيم المعلم ثقيلة. ويضيف: يجمع بين الرجلين خلق جميل، ووطنية أصيلة، وحب طاغ للمعرفة، وإيمان بالنشر باعتباره رسالة.

واختار الدكتور عماد أبوغازي أن يتحدث عن دور إبراهيم المعلم في النهوض باتحاد الناشرين المصريين وتحويله من مجرد كيان على الورق لا مقر له إلى صرح نقابي ومهني محترم يشهد له الجميع، وذكر أبوغازي أن المعلم أعطى نموذجاً يحتذى به حين قرر، وهو على رأس اتحاد الناشرين العرب، أن يتخلى عن مكانه إلى زميله الدكتور محمد عبداللطيف كي يرسخ لفكرة تداول السلطة في المؤسسات الخاصة، ثم يكرر نفس الأمر في اتحاد الناشرين المصريين، عندما يقرر عدم ترشيح نفسه للرئاسة في الدورة الأخيرة فتتحول إلى محمد رشاد، زميله في الكفاح من أجل الارتقاء بهذه المهنة ولم شمل الناشرين جميعاً.

وبدوره يكشف الدكتور محمد عبداللطيف النقاب عن الأدوار التي لعبها إبراهيم المعلم في الاتحاد الدولي للناشرين الذي وصل إلى منصب نائب رئيسه، بعد أن أسهم في بعث اتحاد الناشرين المصريين وتأسيس اتحاد الناشرين العرب، موضحاً مدى تأثيره في ناشري العالم، متمنياً أن تواتيه الفرصة ليرأس هذا الاتحاد الدولي.

ويتطرق الكاتب محمد سلماوي إلى علاقته الطويلة بـ «آل المعلم» ويوضح كيف أنها أسرة راهنت، منذ البداية، على احترام هذه المهنة وصون حقوق المؤلف، ويتذكر موقف محمد المعلم معه، في السبعينيات من القرن الماضي، عندما كان سلماوي يعمل محرراً صغيراً بالقسم الدبلوماسي بالأهرام، وسافر إلى الولايات المتحدة والتقى بكاتب أمريكي يكتب عن الشرق الأوسط بقدر كبير من الموضوعية، وقرأ محمد المعلم أن هذا الكاتب أعد كتاباً عن العرب، فطلب من سلماوي أن يترجمه إلى العربية، وأن يتصل بهذا الكاتب الأمريكي ليحصل على موافقته على الترجمة، ويستفسر منه عن كيفية تحويل حقوقه المادية وإرسال نسخ الكتاب المترجم إليه.

وفي هذه المناسبة قال محمد رشاد إنه من أشد المعجبين بالمعلم الذي يرجع إليه الفضل الأول في تطوير الكتاب العربي في السبعينيات من القرن الماضي، وجعله يسايرالعصر تأليفاً وطباعة وتجليداً وتسويقاً أيضاً. فضلاً عن جهده في تفعيل اتحاد الناشرين المصريين ووضعه على الطريق الصحيح.

ووسط هذه الحفاوة من الجميع يعاهد «المعلم إبراهيم» زملاء المهنة بأن يظل مخلصاً وخادماً لقضايا النشر والناشرين في مصر والعالم.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • تكريم.. تكريم العلاّمة محمد الصالح الصديق بالجزائر

في احتفالية كبيرة، وبحضور نخبة من الكتاب، والمفكرين، والأساتذة الجامعيين، والعديد من الوجوه الإعلامية، والسياسية في مقدمتهم وزير الدولة الدكتور عبدالعزيز بلخادم؛ الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية الجزائرية، تسلم العلاّمة محمد الصالح الصديق الريشة الذهبية (ريشة الفكر، والإبداع، والمعرفة)، وذلك تقديراً لمكانته العلمية، والفكرية، وعرفاناً بجهوده الجبارة التي بذلها هذا العلاّمة الجليل الذي تجاوزت مؤلفاته المائة كتاب، وبصفته واحداً من أبرز العلماء، والمفكرين الذين عرفتهم الجزائر في نصف القرن الأخير.

وقد جاء هذا التكريم في سياق مبادرة المجلس الشعبي البلدي لبلدية «سيدي امحمد» بالعاصمة الجزائرية لتكريم رواد وعمالقة الفكر، والأدب الجزائري.

افتتح حفل التكريم بكلمة لرئيس المجلس الشعبي البلدي الأستاذ مختار بوروينة تحدث فيها عن مسيرة المفكر العلاّمة محمد الصالح الصديق الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس، بأعماله الجليلة، وإنتاجه الغزير في مجالات متنوعة، فقد ُأطلقت عليه الكثير من الألقاب من بينها: جاحظ الجزائر، وشيخ الأدباء، وعقاد الجزائر، وعمدة المؤلفين، وصوت الثورة، وغيرها.

وقد أُعجب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر أيما إعجاب بأعماله، وكتاباته، وبعد أن اطلع على كتابه: «مقاصد القرآن»، وجه إليه رسالة شكر وتقدير، وأثنى عليه أيما ثناء، وكذلك الشأن بالنسبة لملك المغرب الراحل محمد الخامس، الذي أُعجب بفكره، وطريقة طرحه، ومناقشاته العميقة لمختلف القضايا التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي، فوجه إليه رسالة عبّر له فيها عن تقديره الكبير لشخصيته العلمية، وشكره على أعماله، وخدماته الجليلة التي قدمها للأمة العربية والإسلامية، كما مدحه عدد كبير من الشعراء العرب الذين اطلعوا على مؤلفاته، فأعجبوا بها، ولو جُمعت القصائد التي قيلت فيه لحواها ديوان ضخم، ومن أبرز الشعراء الذين مدحوه: أمير الشعراء الجزائريين محمد العيد آل خليفة، والشاعر التونسي محمد مزهود، وأبواليقظان الجزائري، كما جمعته صداقات بعدد كبير من عمالقة الأدب العربي من بينهم: الأديب الكبير عباس محمود العقاد، الذي كان يُكن له محبة كبيرة، وعندما زاره محمد الصالح الصديق ببيته في القاهرة وقف العقاد تقديراً لشخصيته العلمية، وطلب من نخبة من الأدباء والمثقفين المصريين القيام له قائلاً لهم: «قوموا للجزائر»، أما عميد الأدب العربي طه حسين، فقد التقى به محمد الصالح الصديق لمرتين، ودارت بينهما مناقشات حول رؤية طه حسين للثورة الجزائرية.

وألقى المفكر محمد الصالح الصديق كلمة مقتضبة ثمن فيها هذه المبادرة الطيبة، والالتفاتة المتميزة من خلال تسليمه للريشة الذهبية، وتحدث عن أهمية العلم، والمعرفة في حياة الفرد الجزائري والعربي، وما لهما من تأثير في سبيل النهوض بأمتنا العربية والإسلامية، كما أشار إلى أن التنافس والتشجيع يدفعان إلى الابتكار، والاختراع، والإبداع، ويُساهمان في إبراز القدرات الشخصية، والمواهب الدفينة، وشبه العلاّمة محمد الصالح الصديق الكاتب والمبدع الذي لا يلقى التشجيع، ولا يجد من يُنافسه ويحفزه على البحث والإنتاج بالراقص الذي يرقص بين العميان، ويلتطم بهم، فهم لا يرونه، ولا يُقدرونه، فيذهب عمله هباء الرياح.

وبعد كلمة الأستاذ محمد الصالح الصديق ألقيت مجموعة من الشهادات، والكلمات، لعدد من الحاضرين من بينهم: الدكتور الأمين بشيشي؛ وزير الثقافة الجزائري الأسبق، وهو أحد زملائه في الدراسة بتونس في جامع الزيتونة، الذي ذكر في كلمته أن الشيخ محمد الصالح الصديق، ومنذ أن عرفه لأكثر من ستين عاماً لم يتغير، فقد أصدر أول كتاب له تحت عنوان: «أدباء التحصيل»، وهو لايزال طالباً بتونس، وعمره لا يتعدى تسعة عشر عاماً، واليوم تجاوز عمره خمسة وثمانين عامًا ولايزال مُتنسكاً في محاريب العلم والمعرفة، وهو يسير على النهج الذي رسمه منذ شبابه في الإصلاح، والإنتاج، وخدمة وطنه، وأمته العربية والإسلامية.

كما تحدث في حفل التكريم مجموعة من الأدباء، والكُتّاب من بينهم: الدكتور عثمان سعدي؛ رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، والدكتور أمين الزاوي؛ المدير العام السابق للمكتبة الوطنية الجزائرية الذي ركز على الجانب الأخلاقي في شخصية محمد الصالح الصديق قائلاً إنه: «هرم جزائري يمشي في تواضع فيضعه التواضع فوقنا جميعا عاليا».

الجزائر: محمد سيف الإسلام بوفلاقة

  • ندوة.. ندوة حول المؤرخ السوداني الراحل الطيب محمد الطيب

للمؤرخ والباحث السوداني الراحل الطيب محمد الطيب أثر بليغ في سبر أغوار الثقافة والتراث السوداني عبر دأبه الحثيث والشغوف في البحث عن المعرفة، وقد نظمت هيئة الخرطوم للصحافة والنشر أخيرًا ندوة حول المؤرخ الراحل في اطار سعيها لتوثيق ونشر ما عني به الراحل خلال وقت طويل من حياته، وذلك بتنظيم ندوة لإلقاء نظرة معمقة لمسيرة حياته وفكره عبر من عرفوه عن قرب.

كانت الندوة بعنوان: «الطيب محمد الطيب سيرة وفكرًا»، وقدمت فيها ثلاث أوراق عمل الأولى قدمها البروفيسور علي عبدالله النعيم مدير جامعة وادي النيل وهي بعنوان «الطيب محمد الطيب شخصيته ومؤلفاته»، والثانية قدمها البروفيسور محمد عبدالله الريح بعنوان «منهجية البحث عن الطيب محمد الطيب»، والثالثة قدمها الأستاذ عباس أحمد الأمين بعنوان «دراسة حول كتاب الدوباي»، وقد حضر الندوة د. محمد عوض البارودي وزير الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم إلى جانب عدد من المهتمين وأساتذة جامعة الخرطوم وأسرة الراحل.

بدأت الندوة بتقديم نبذة تعريفية عن المؤرخ الطيب محمد الطيب وإسهاماته المعرفية سيما في الأدب الشعبي السوداني، إضافة إلى ما أصدره من كتب في هذا المجال ومنها: الإنداية، والمسيد، والشيخ فرح ود تكتوك، وذاكرة قرية وغيرها من الإصدارات، وقد قامت هيئة الخرطوم للصحافة والنشر بطباعة الأعمال الكاملة للراحل وبها مخطوطات له تنشر لأول مرة.

ورقة البروفيسور علي عبدالله النعيم التي كانت بعنوان «الطيب محمد الطيب شخصيته ومؤلفاته» تناول فيها جانباً من شخصية الطيب محمد الطيب وبعضاً من مؤلفاته، وعدد فيها سلوك الطيب العلمي والإنساني، كما أشار إلى مناسبات تأليفه للكتب وإلى الأسلوب الذي كان يتبعه في بحثه وإلى أسفاره في بقاع السودان المختلفة جمعاً للمادة المروية.

وتحدث النعيم عن بدايات التحاق الطيب بشعبة أبحاث السودان بجامعة الخرطوم جامعا للتراث، ثم تدرجه في العمل إلى أن وصل إلى رئيس قسم الفلكلور بوزارة الثقافة والإعلام، مشيرا إلى أن الراحل اتصف بالبساطة والدقة في تحقيق الروايات والتواضع والقدرة على استخلاص المعلومات من مصادرها وتوصيلها للعامة.

وقال النعيم: إن الراحل الطيب كان شديد الحرص على التنقيب والتمحيص في كل موضوعاته ومؤلفاته التي كتبها وكان عميقاً ورحل في البحث عن المعلومة في كل مكان في السودان، وأبان أن حياة الراحل الطيب محمد الطيب كانت زاخرة بالمعاني، مشيراً إلى كرمه الفياض في تقديم المعلومة.

ووصف النعيم الطيب بأنه بسيط ووثيق الصلة بالسودانيين وهو متأثر غاية التأثر بالخلاوي التي انتشرت على النيل، مشيرا إلى أن الطيب بجانب جمع التراث والبحث فيه، له خبرات اخرى مكنته من أن يجوب أنحاء السودان، حيث ظل يقدم برنامجا تلفزيونيا معروفاً «صور شعبية» لمدة «27» عاما، وقد كان ملما بجوانب الثقافة العربية الى جانب الثقافة السودانية، عارفا بالقبائل والأنساب والعادات والتقاليد.

ثم تحدث البروفسور محمد عبدالله الريح الذي قدم ورقة بعنوان «منهجية البحث عن الطيب محمد الطيب» وافتتحها بسرد لملازمته إياه ردحاً طويلاً من الزمن وأنه وجد أسلوباً ومنهجاً في البحث قل أن يتوافر عند الباحثين.

الخرطوم: محمد خليفة صديق

  • شخصيات.. الشيخ محمود بن عمر باه مؤسس المدارس العربية النظامية في غرب إفريقيا

إن انتشار اللغة العربية والثقافة الإسلامية في إفريقيا واكب انتشار الإسلام، فهما متلازمان حيثما دخل الإسلام تدخل معه اللغة العربية، ولا يكاد الإسلام يستقر في مدينة أو قرية حتى يفتح الدعاة أو التجار مدرسة لتعليم القرآن الكريم ومبادئ الدين واللغة العربية التي لا يفهم الإسلام فهما صحيحا بدونها، وقد كانت للممالك والعواصم والمراكز العلمية التي ذاع صيتها في غرب إفريقيا مثل: تمبكتو، وجنى، أغاديس، وكنو، وكتشنا الفضل العظيم في نشر الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة، وقد وصلت الثقافة العربية الإسلامية إلى ذروة ازدهارها في القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين، وذلك في عهد إمبراطورية سنغي الإسلامية التي اشتهرت بكثرة علمائها وإنتاجاتهم العلمية التي ساهمت مساهمة فعالة في نشر الثقافة الإسلامية في غرب القارة وخارجها، وقد حفلت مدينة تمبكتو العاصمة الثقافية لإمبراطورية سنغي بالعديد من مشاهير العلماء الذين ألفوا في شتى الفنون الدينية واللغوية والتاريخية. أصبحت اللغة العربية لغة الدين والثقافة، والحياة الإدارية في غرب إفريقيا منذ أن رسخت قدم الإسلام فيها، وأصبحت الثقافة الإسلامية هي السائدة في المجتمع، وبخاصة في عصور الإمبراطوريات الإسلامية مثل إمبراطورية مالي وسنغي، والفلانيين في صكتو وماسنا وكانم وبرنو، وقد ظلت سائدة حتى مع سقوط الدول الإسلامية وسيادة الفوضى في عهد الرماة في تنبكت والمناطق المجاورة لها.

«إن هذه الثقافة لم يصبها الضعف إلا عندما خضعت القارة الإفريقية للاستعمار الأوربي، وفرض كل مستعمر لغته في الإدارة والتعليم. غير أن لغة المستعمر ظلت في الغالب لغة التفاهم والتواصل بين الصفوة المتعلمة تعليما غربيا على اختلاف لغاتها الأصلية. ولكن العامة في كل قطر ظلت تستعمل اللغات المحلية في أغلب الأحيان، وهي لغات متأثرة بالعربية تأثرا كبيرا» بسبب غلبة الثقافة العربية الإسلامية في مجتمعات غرب أفريقيا. وكان الحرف العربي هو الحرف الذي أصبح يكتب به أشهر اللغات في المنطقة مثل لغة الهوسا والفلاني والولوف والبمبارا. ولما احتلت فرنسا المنطقة في بدايات القرن العشرين حاربت الحرف العربي حربا لا هوادة فيها، وأحلت محل الحرف العربي الحرف اللاتيني، فقد استند الفرنسيون إلى أن جميع سكان المستعمرات يجب أن يكونوا مواطنين فرنسيين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وعلى هذا الأساس قامت نظرية الامتصاص أو الاستيعاب والمقصود بها صبغ المستعمرات بالصبغة الفرنسية عن طريق ثقافة الفرنسيين المستعمرين، ولغتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية. حتى يصبح تفكيرهم واتجاههم في مختلف نواحي الحياة كالفرنسيين. وهذا يتطلب بالطبع قطع كل صلة للإفريقي المسلم بتاريخه الإسلامي وحضارته الإسلامية بمختلف مظاهرها ومقوماتها. ولما هيمنت فرنسا على غرب إفريقيا ووجدت أن اللغة العربية هي لغة الدين والثقافة والحياة الإدارية، حاربت التعليم الإسلامي بكل الوسائل، ليحل محله التعليم الغربي الفرنسي، مما جعل بعض العلماء المحليين الغيورين على اللغة العربية والثقافة الإسلامية يرحلون إلى الدول العربية لتعلم اللغة العربية، مع كل المضايقات من سلطات الاستعمار.

علماء أفارقة في المشرق

ومن العلماء الأفارقة الذين رحلوا إلى المشرق العربي لطلب العلم، وكان لهم مساهمة فعالة في نشر الثقافة العربية الإسلامية في غرب إفريقيا ووسطها: الشيخ محمود بن عمر باه مؤسس المدارس العربية النظامية في غرب إفريقيا، ومدارسه معروفة بمدارس الفلاح، وقد ولد الشيخ محمود باه في بلدة جوول (JOWOL) في جنوب موريتانيا عام 1906م، وبعد حفظه لكتاب الله تعالى لازم الشيخ عبدالرحمن التركزي، وأخذ عنه علوم التجويد والقراءات وعلوم القرآن والإجازة في القراءات، وفي عام 1928م غادر منطقته بقصد الحج، ولما وصل الأراضي المقدسة التحق بمدرسة الفلاح (التي اقتبس منها تسمية مدارسه) في مكة المكرمة حتى حصل على الشهادة الابتدائية، ثم التحق بمدرسة الصولتية، وكان إلى جانب دراسته في المدرسة المذكورة يلازم دروس الحرم المكي، وبعد دراسة أربع سنوات تخرج من المدرسة الصولتية عام 1940م، وما أن تخرج حتى عاد إلى بلاده فوتاتورو، وكان أول عمل قام به بعد رجوعه هو افتتاح مدرسة عربية نظامية في قريته باسم مدرسة الفلاح، وذلك عام 1941م، ثم افتتح المدرسة الثانية في مدينة كاي (KAYE) بجمهورية مالي عام 1943م باسم مدرسة الفلاح، وقد قام الشيخ الحاج محمود باه بزيارات متعددة لمختلف مناطق الغرب الإفريقي يلقي المحاضرات، ويفتح المدارس، وقد افتتح حوالي 77 مدرسة عربية في غرب إفريقيا، وفي جمهورية الكاميرون في وسط إفريقيا، وبنى مساجد كثيرة بلغت 89 مسجدا، وفي عام 1951م تخرجت الدفعة الأولى من مدرسة الفلاح في كاي، وكان عددهم خمسين تلميذا، وتم انتخاب تسعة عشر منهم للدراسة بالأزهر الشريف، تحت سرية تامة خوفا من سلطات الاستعمار التي كانت تضايقه كثيرا بسبب نشاطاته الثقافية.

النيجر: د. علي يعقوب

  • رحيل.. الطاهر وطار: دلالة اللفظ وفلسفة المعنى

كان الطاهر وطار وهو المولود سنة 1936م يعي جيدا الفواصل الإبداعية بين العمل الفني التقليدي والعمل الروائي الفني الإبداعي الذي يستحدث علاقات جديدة في ظل توارث رمزي متقن الدلالة، وقد استند في ذلك إلى خبرة لا يستهان بها، التحق فيما مضى بمدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 1950م، تعلّم في معهد الإمام عبدالحميد بن باديس سنة 1952م، انتبه للأدب ودرسه بكل شغف يقتل كل ملل أو تكاسل، تعلم الصحافة والسينما، درس في جامع الزيتونة، اشتغل في الصحافة وأسس العديد من الجرائد الوطنية مثل أسبوعية الأحرار سنة 1962م التي تعتبر أول أسبوعية في الجزائر المستقلة، وقد شغل أيضا منصب مدير الإذاعة الجزائرية، وقد كرس حياته في العمل الثقافي الجمعوي وتشهد له جمعية الجاحظية التي أضحت الجمعية الثقافية العربية والتي أنتجت العديد من الأعمال وكشفت عن مواهب عدة، وقدمت إعانات مهمة في مجال الإبداع بشكل عام.

نقترب من أهم سمات الفن الروائي عند الكاتب الروائي الجزائري الطاهر وطار أو كما يدعوه الكثير عمي الطاهر، من خلال دلالة العنوان بوصفه علامة لسانية، وكل الدلالات الفنية والنفسية والتشخيصية في الرؤية الروائية التي تستند إلى عنوان يعتبر نصا موازيا، وأعتقد أن في كتابات عمي الطاهر الخصوصية الفعلية في عملية الكتابة وتبعاتها بحيث جعل منها «الإنسان الجزائري» الفني بكل أوقياناته التاريخية منذ ما قبل الاستقلال وما بعده، بحثا كونيا عن مكامن الفلسفة والحكمة في تلك الحقب وفيما بعدها كالعدل والمساواة والبحث الدؤوب عن معالم الحرية ليست كمفهوم مجرد وإنما كحقيقة حية تحفظ خاصية انفلات من قيود الاستعمار من جهة ومن قيود الذات وصراعها في أعمال أخرى، ومن هناك دفعت قيم التمرد والاختيار بشكل آخر عمي الطاهر إلى زعزعة التقليدية والعمل على تكثيف رؤاه وأفكاره في هذه الطرق الملتوية التي لا تقنع بالتقليد كسيرة لاصقة لها وإنما تقدم العمل على أنه هو الرؤية القادمة من الجهد الإبداعي، ولعل المرحلة التي انطلق منها أدب الكاتب كانت مرحلة رائدة تحاول كسر التقليد بكل أشكاله فكان للعنوان جزء مهم في عملية السرد يتضمن زبدة العمل كحوصلة كلية، ولن نبتعد كثيرا إن قلنا إن هناك عوامل بيئية ذاتية خالطت العمل الإبداعي، خاصة لدى الكاتب الطاهر وطار باعتباره الإنسان الريفي القادم من الأوراس، والقادم من تزاوج العرب والبربر كما عبّر عن ذلك ابن خلدون حين عرّف «عرش الحراكتة» الذي ينتمي إليه الأديب الطاهر وطار.

تلك النزعة العربية البربرية شكلت إلى حد ما عدة شخصيات في السيرة الروائية لعمي الطاهر منها ما جاء عفويا ومنها ما جاء متعمدا، لكنه لم يشتغل في هذا الهرم الروائي على صياغة التاريخ بشكل روائي، بل كان يعمل على صياغة الإبداع بشكل يلمس حركة التاريخ المستمرة في التوالد والتزايد والتعاقد والانبساط ، وهذا ما يتراءى لنا في عمله الروائي العربي «اللاز» الذي تجاوز جزائريته إلى عمل عربي، فقد لمس فيه بشكل فني جريء الثورة الجزائرية، وشرّح مواطنها وأفراحها وانتصاراتها وخيباتها، كتشكيل تشخيصي فني لكل بناء أو حدث لم يقرنه بالمباشرة الاعتيادية وإنما كان يرتطم بفضاءاتها كلما ارتسمت أمامه تلك الأجواء، كما نجده يجسد اللغة الشعرية القادمة من ترسب الثقافات الحديثة يقول:

الموت، هذا الشاب الذي يمتص سيغارته بنهم
الموت، وجه هذا الكهل ليس غريباً عليّ
الموت، لِمَ لم نمت في الاشتباكات والمعارك التي خضناها،
لماذا لم نستشهد، لماذا هذه النهاية؟
الموت، أنا أيضاً أموت
الموت؟ دون تحقيق شيء يذكر..

لكننا نجده في جزئه الثاني يشاكس تلك اللغة كسمة حديثة في كتابته ليقول

«أغمضت جميلة عينيها، وراحت تستعيد شعراً لبابلو نيرودا:
وداعاً أيها الرفيق الشقي، قاطع الطريق
الساعة تقترب، نهايتك نيرة تجللها الظلمات
واضح أنك لا تعرف، مثل النيزك، الطريق التي لا حظ فيها،
ومعروف أنك انحرفت بفعل الغضب المسعور، مثل زوبعة متفردة».

وهذا التقاطع الفني بين صياغات متعددة في إثراء الرواية العربية والجزائرية على الخصوص كان نافذة مهمة لأجيال التسعينيات وما بعدها في العمل على هذا التشكيل الذي انتقاه عمي الطاهر بلغة جديدة مركزة لا تعتمد على تجميع التاريخ كما ظن الكثير. ولذلك يقول: «الحداثة كانت قدري ولم يملها أحد علي».

لقد شغلت عناوين الكتابات الروائية لعمي الطاهر حيزا مهما في العلاقة بين العنوان والنص من جهة وعلاقة النص والعنوان بالكاتب، فاللاز هي الرواية الأكثر شعبية والأكثر نخبوية في تمازج معرفي خاص، والتي تعدّ أم الروايات الجزائرية العربية، وقد استعمل عمي الطاهر العنوان في روايته «اللاز» وذلك في دلالة ثنائية انزياحية، فالأولى هي الدلالة المادية التي اتجهت إلى معنى لعبة «الورق» والتي يكون فيها اللاز الكلمة الأخيرة والقاطعة، أما الثانية فتدل على قتل أي محاولة في تجديد التعامل مع الحدث، إنها لغة تفرض رأيا واحدا، وأعتقد أنه رأي الحرية كمبدأ كلي تتجزأ منه فلسفات العدل والبحث كطريق يؤدي إلى فهم العلاقات الإنسانية الكونية، ورغم ذلك بقي التيار الريادي الأول يفرض سلطته في بعض العناوين التي تكون دالة بصورة مباشرة دون انزياحات كما في روايته «الزلزال» حيث ترجم سمة الإعادة والبعث في تشكيل مباشر، إنها تلامس فضاءات العنوان الأول الذي يخوض مفهوم الدفع بأي تفاوض. ثم ينتقل إلى لغة أخرى تشكل الرمز التاريخي وتفتح نوافذ السرد الملحمي الخاص بلغة الطاهر وطار وذلك حين كتب «الحوات والقصر» إنها تستفز أجواء ألف ليلة وليلة كغياب آخر وكارتواء فني بالتراث دون أن ترتب على ذلك أي انزياح أو انحراف.

يكتب عمي الطاهر «عرس بغل»، إنها فاصلة مهمة بين ما كان ينتهج دلالة القطع / الدفع / عدم التفاوض، وبين ألفاظ التراث ودلالاته، وبين الحديث واللغة الشخصية الإبداعية التي فتح نوافذها عمي الطاهر في عرس بغل. وفي «العشق والموت في زمن الحراشي» تجزئة مهمة بين الزمان والمكان والأشخاص، فالعشق دلالة روحية زمانية، والموت أيضا، أما الحراشي فهي دلالة مكانية شخصانية، فالحراشي هي منطقة بالجزائر العاصمة تشخص الزمن الحراشي الجزائري بطبيعة الحال. إنها دلالة العنوان على المجتمع بكل تنوعاته في حدود المكان الذي وصّفه في الحراش كنسبة. وبالمقابل يأتي عنوان آخر يسوق الدلالة الروحية الزمانية في «تجربة في العشق» وهو رسم بين خصوصية الشخص وعمومية الموضوع/ التجربة خاصة، والعشق موضوع عام. يأتي أيضا «رمانة» كعنوان آخر يشخص الوطن في ثوب امرأة، أو امرأة في ثوب وطن أو ثوب مكانٍ في حياة إنسان باحث عن العلاقات بين الأشياء والمشاعر، ربما هناك لغة شعرية أكثر كثافة يستغلها الروائي عمي الطاهر في صياغة عناوين رواياته، يستند فيها إلى الرمز والإيحاء.

الجزائر: ميلود حميدة

 

 





جانب من إحدى الندوات





معرض الكتاب الإماراتي





إبراهيم المعلم مع زملاء المهنة





غلاف الكتاب الذي صدر اخيراً عن العلامة محمد الصالح صديق





جانب من الندوة





الطاهر وطار