إيران والانفتاح على الحرف الشريف

إيران والانفتاح على الحرف الشريف

عدسة: طالب الحسيني

تبدو إيران مثل سجادة متداخلة الألوان. التاريخ فيها لا يستكين في طبقات متتابعة مثل حال العديد من الحضارات القديمة. ولكنه دائم التداخل والتقاطع، تاريخ مركّب، كل حدث فيه له أبعاده المزدوجة زماناً ومكاناً. والثقافة العربية هي جزء أساسي من هذا النسيج المتداخل، خضع لها اللسان الأعجمي حيناً، ووضع عليها القيود حيناً آخر، ولكنها ظلت مستوطنة في طيات ذاته طوال الوقت.

بدأت الرحلة ذات صباح حار من شهر يوليو في الكويت. في قاعة أحد الفنادق، بدأت الوجوه في التلاقي والتعارف. خليط من الكتّاب والمفكرين ورجال الدين. الكثيرون منهم لم يروا الآخرين إلا على صفحات الجرائد. ولكن تأتي مثل هذه المناسبات النادرة التي يلتئم فيها الشمل الشارد لندرك كم أننا قريبون رغم كل هذه الحدود. نصفّ الحقائب، ونعلق شارات الملتقى ونستعد جميعاً للذهاب إلى المطار حيث تنتظرنا تلك الطائرة الخاصة التي ستحملنا جميعاً إلى إيران. الشخصيات الأكثر أهمية اكتفت بإرسال حقائبها وتوجهت مباشرة إلى المطار، ولكن الشاعر ورجل الأعمال الكويتي (عبدالعزيز البابطين) حضر وهو يرتدي (البشت) الأسود ويضحك ضحكته العريضة ويصافح المدعوين الذين قبلوا دعوته. كانت هذه هي مبادرته من أجل إجراء حوار ثقافي عربي - إيراني، وكان اختياره كرمز لهذا الملتقى قد توجه إلى شخصية الشاعر (سعدي الشيرازي) الذي جمع في داخله هاتين الثقافتين، وكتب بهما أشعاره وحكاياته الوعظية القصيرة.

وعندما حلّقت الطائرة عالياً، كان النقاش العربي قد احتدم، وبدأت عملية البحث اللغوي حول مدى تداخل أصول الكلمات بين الفارسية والعربية. كان المشترك بينهما أكبر من أن يمكننا حصره ونحن في الهواء. لم تكن الطائرة التي تقلنا هي الوحيدة المتجهة إلى الملتقى. فلم نكن إلا جزءا منه يجمع مثقفي وكتّاب الخليج العربي، وقد كانت هناك طائرة أخرى سوف تنهض في الوقت نفسه من دمشق حاملة مجموعة أخرى من مثقفي مصر والشام والمغرب. وإذا أضفنا لهذا الجمع العديد من العرب والإيرانيين الذين كانوا ينتظرون حضور هذا اللقاء في طهران أدركنا مدى ضخامة هذا الحشد ومدى أهمية هذه التظاهرة الثقافية.

في تهران، (ويجب أن أكتبها هكذا من الآن فصاعداً، فهي تكتب هكذا. وتقرأ بكسر التاء، ولا أدري لماذا إصرار إعلامنا العربي على كتابتها بالطاء رغم أنها تكتب بالحروف العربية نفسها). كان الاستقبال حافلاً، وكان على رأسه أعضاء رابطة الثقافة الإسلامية، وهي التي قامت برعاية الجانب الإيراني للملتقى، وعلى رأسهم آية الله تسخيري والشيخ النعماني وهما من فصحاء اللغة العربية في إيران، بل إن آية الله تسخيري كان قد قدم مشروع قانون للبرلمان باعتماد المصطلحات باللغتين الفارسية والعربية فقط حفظاً لنقائهما بعيداً عن تيارات الغزو الفكري. كنا قد أصبحنا جميعاً عرباً وفرسا في رحاب سعدي الشيرازي.

كان مثل عصره شخصية قلقة. العالم الإسلامي الذي كان شاسعاً تم تقسيمه إلى دويلات وخلافات وسلاطين، والأعداء الذين لم يكونوا يجرؤون على الدنو من حدوده، أصبحوا يتوغلون إلى أقصى أعماقه، شهد سعدي بغداد وهي تسقط تحت أقدام المغول، وكانت هذه أكبر فواجع الدهر بالنسبة له طبعاً. فقد شهدنا نحن أيضاً ما يفوق فواجعه. لذا فلم يرض أن يكون أسير مكان واحد أو ثقافة واحدة. بدأ رحلة طويلة لم تنته إلا بعد أن وهن منه العظم في السبعين من عمره. رحل إلى الهند، فتشرّب الكثير من الزهد، ثم ركب البحر إلى اليمن حيث انكسر قلبه في صنعاء حين مات ابنه. حمل آلامه إلى أثيوبيا ثم تاقت نفسه للحج ومنها رحل إلى الشام ليفاجأ بأن الصليبيىن يقفون هناك في انتظاره، حيث وقع أسيراً في أيديهم قبل أن يفديه أحد التجار، ثم عاد أخيراً إلى موطنه الأصلي محمّلاً بتجربة شأن كل التجارب الإنسانية، الألم فيها أكثر من المتعة.

ربيع تهران

رغم الجو الحار كان من الواضح أن (تهران) تعيش ربيعها الخاص. لم تكن هي المدينة العبوس نفسها التي زرتها في شتاء 92 والتي كانت تحاصرها قمم الجبال الثلجية ولا يظهر في شوارعها غير اللون الأسود. بدت الآن مثل زهرة آخذة في التفتح، تخلّت الأجيال الجديدة - تلك التي جاءت بخاتمي إلى السلطة عن الشادور الذي كان أشبه بخيمة سوداء اللون إلى خمار رقيق يحيط بالوجه ويترك لخصلات الشعر فرصة للتنفس. تغيّرت ألوان الثياب، وتسلل البنطلون الذي يغطي الساقين، ولكنه يكشف في الوقت نفسه عن اعتدال القوام. أصبح الجمال الآن ظاهراً، ليس على مستوى الشارع فقط، ولكن على مستوى الفاعلية السياسية أيضاً. فهناك 17 مليون امرأة لها حق الانتخابات. وهذه النسبة العالية هي التي صوّتت من أجل المزيد من التفتح والإصلاح. وربيع تهران لا يتوقف عند مشهد النساء في شوارعها. ولكنه يمتد إلى العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية: كرة القدم الإيرانية تعود إلى المستوى الدولي، السينما الإيرانية تحصد الجوائز العالمية وتحتل أهم شاشات العرض في إيران. صور نجمات السينما تحت الحجاب تظهر في واجهة المكتبات ،وحتى هذا الملتقى الذي نشارك فيه هو نتيجة لهذا الانفتاح ولرغبة إيران الحارّة في الحوار مع الآخرين لا الشجار معهم.

يبدو الربيع واضحاً في المكتبات التي يزدحم بها شارع (انقلاب) القريب من الجامعة، فالكتب المتراصّة تناقش وتنشر كل الاتجاهات الفكرية، فمن الواضح أن رجال الدين يحاسبون على الأفعال لا على الأفكار. وهذا ما يجب أن يكون، ويكفي لكي نعرف مدى ازدهار حركة النشر في إيران أنها قد نشرت حوالي 20 ألف عنوان. ورغم أن هذا العدد يوازي ثلث ما يُنشر في بريطانيا فإنه يزيد خمسة أضعاف عمّا ينشر في العالم العربي الذي يشهد تراجعاً متواصلاً في حركة النشر والترجمة.

ولكن أين اللغة وسط حجم هذا النشر?

بعد اثني عشر عاماً من الثورة، وبعد أن أقرّ الدستور اللغة العربية كلغة ثانية في البلاد تدرّس في مراحل التعليم الأساسية، أين أصبحت هذه اللغة بالضبط? وهل تم تنفيذ هذا البند السادس عشر من الدستور?

فهمي هويدي يتحدث إليّ بصوته الهادئ والعقلاني، يقول في بداية حديثه ضاحكاً: (يبدو أن إيران سوف تصبح (موضة) في العالم العربي الآن. وسوف تزيد الملتقيات حتى يطغى الكلام على الفعل...). إيران لم تكن (موضة) عند فهمي هويدي، فقد لمح آثارها الخفية منذ أيام قيامتها الأولى. وكان كتابه (إيران من الداخل) يحمل العديد من النبوءات التي تحوّلت بمقتضاها الثورة إلى دولة. يقول في جديّة: (لقد واجهت اللغة العربية في إيران مشكلتين رئيسيتين. أولاهما بدأت عندما أقرّت إيران تدريس العربية في دستورها، فقد احتاجت لتنفيذ هذا الأمر إلى كثير من المدرسين العرب حتى يمكنهم أن يدرسوا اللغة بطريقة صحيحة. وقد طلبت من مصر في ذلك الوقت إرسال أعداد من هؤلاء المدرسين، ولكن نظراً للظروف السياسية وسوء العلاقة بين البلدين في ذلك الوقت، فقد اعتذرت مصر. وهو - في اعتقادي - كان اعتذاراً خاطئاً، لأنه خلط بين العوامل السياسية المؤقتة وعلاقات حضارية طويلة الأمد. والمشكلة الثانية كانت الحرب العراقية - الإيرانية. ففي مثل هذه الظروف، كان من الصعب أن تفرق بين اللغة والقنبلة، وهما قادمان من مصدر واحد، وكان من الصعب أن تسكت الأصوات ذات النزعة القومية التي تريد الابتعاد بإيران عن كل ما هو عربي، لقد وقعت اللغة العربية ضحية لهذين الظرفين).

يؤكد هذا الرأي الشيخ محمد شعاع فاخر أحد سادة خوزستان، وهي المنطقة التي يعيش فيها الإيرانيون من أصل عربي أو (عرب زبان) كما يطلق عليهم وهو يقول (في زمن الشاه لم يكن للغة العربية أي وجود، وكان التعليم بها ممنوعاً، والحديث أيضاً ممنوعاً، كنا نتبادلها سرّاً داخل البيوت كالمحرمات، ولكن بعد الثورة بدأت المدارس كلها تعلم اللغة العربية، بل وصدرت الصحف باللغة العربية، وكان هذا أمراً رائعاً بالنسبة لنا. ولكن الحرب نشبت وحدثت الوقيعة. لقد صدق بعض أهالي خوزستان الدعاوى القومية الكاذبة لنظام صدام حسين، وأحدث هذا رد فعل عكسيا من السلطات الإيرانية ضد كل ما هو عربي أو من أصل عربي. إن الثقافة العربية لم تفلت من هذه الأزمة بعد، فرغم أننا تغلبنا على الجانب السياسي منها، فإن الجانب المادي مازال قائماً، فمنطقة خوزستان التي دمّرتها الحرب، مازالت تعاني من آثار هذا الخراب وتحتاج إلى الكثير حتى تواصل حياتها الاعتيادية.

لغة الرموز

بعد آخر لهذه القضية يضيفه الدكتور مهدي محقق أستاذ الآداب الفارسية، سعينا إلى مكتبه في دار الآثار والمفاخر الثقافية، وهو مبنى هادئ تتصدّره تماثيل كبار شعراء وكتّاب الفارسية، وتحفل قاعاته الدراسية بواجهات العرض التي تحتوي على أهم الكتب والمخطوطات. كان الدكتور مهدي هو العضو الإيراني الوحيد في مجمع اللغة العربية في مصر وفي دمشق أيضاً، وله العديد من الكتب والدراسات المنشورة بالعربية والفارسية، ويقوم بتدريس اللغة العربية في جامعة تهران مع فارق واحد هو أنه لم يكن يجيد التحدث بالعربية. والمدهش أن هذه الحالة ليست نادرة، ولكنها كانت تنطبق على معظم أساتذة اللغة العربية في الجامعات غير الدينية في إيران. فالعربية التي تعلّموها ودرسوها تتحوّل أمامهم إلى أشكال رمزية وموسيقى صوتية وليست لغة حيّة ومعيشة. رموز يجري فكّها على الورق ويتم التعامل معها من جانب واحد. كان يستمع إلى أسئلتي، ويفهمها بطريقة مباشرة، ولكنه يجيب عنها دوماً من خلال مترجم. وقد واجهت هذه الحالة أكثر من مرة، يفهمونك جيداً ولكنهم لا يردّون عليك. ولعل هذا هو سر الابتسامة المعتذرة والرقيقة التي كنت أراها على وجوه العديد ممن تحدثت إليهم. فاللغة العربية صعبة على أبنائها، فما بالك بالغرباء عنها. يقول الدكتور مهدي محقق: (طبعاً صعبة، أنتم كعرب لكم مشكلة كبيرة مع النحو، ونحن لدينا مشاكل أكبر مع الصرف. إضافة لذلك فإن العديد من شبابنا الذين يدرسون هذه اللغة لا يجدون فرصة للحديث بها. منذ سنوات طويلة، ونحن محرومون من الاحتكاك المباشر بالعالم العربي على نطاق كبير. عندما كنت شابّاً، اشتركت في معسكر للشباب الإسلامي أقيم في مدينة بورسعيد في مصر، وعدت منه وأنا لا أكفّ عن الحديث بالعربية، ثم تباعدت السنون وانعقد لساني مرة أخرى..).

ولكن... هل كان الأمر هو مجرد تباعد، أم أن إيران الحديثة مرّت بمرحلة من العداء للغة العربية، ولكل ما هو عربي? يؤكد الدكتور مهدي: (علاقتنا باللغة العربية أعمق من علاقتنا السياسية مع العرب. إنها علاقة مع القرآن الكريم ومع الدين الإسلامي الذي ارتضيناه، وكنا من أكبر الدعاة له. إن كل جامعة إيرانية تحتوي على قسم للغة العربية يخرج كل عام حوالي مائة وخمسين طالباً. هذا غير طلبة الحوزات الدينية الذين يعدّون بالآلاف، كيف يمارس كل هؤلاء لغة لا يجيدونها إلا داخل المسجد، هذه هي المشكلة)؟ .

ويعلق الدكتور سعيد أسد الله من جامعة العلامة الطبطبائي قائلاً: (المحادثة هي أصعب مشكلة نواجهها في تعليم اللغة العربية. وجامعة العلاّمة الطبطبائي هي أصلاً لا يتم التدريس فيها إلا باللغة العربية مثل جامعة الإمام الصادق. لذلك فقد أدخلنا منهج المحادثة، ومنعنا الحديث في أروقة الجامعة وقاعاتها إلا باللغة العربية. ونحن نتوسع في قبول الطلبة من العالم العربي للمساهمة في تنشيط المحادثة، ومن الطريف أن الطلبة الإيرانيين يتعلمون المحادثة بلهجات متعددة، فترى طالباً يتحدث باللهجة الشامية، وآخر بالعراقية، وثالثاً بالمصرية، حسب المجموعة التي يختلط بها..).

ولا يقتصر الوجود اللغوي للعربية على قاعات الدرس والجامعات، ولكن لها مكانتها أيضاً في أجهزة الإعلام، فصحيفة (كيهان) أي العالم، تصدر كل يوم نسخة عربية من صحيفتها، وكذلك تقوم وكالة الأنباء الرسمية بإصدار صحيفة أخرى بعنوان (الوفاق)، وتخصص الإذاعة من خلال (الراديو العربي) مساحة واسعة تمتد على مدار الساعة تقدم فيها بالعربية برامج ثقافية وسياسية، وكذلك يخصص التلفزيون ساعات من إرساله في الليل والنهار ليبثّها باللغة العربية.

الإعلام المطبوع يقوم أيضاً بدور مهم، أكّد ذلك الشيخ مرتضى بهتش مدير مؤسسة الفكر الإسلامي، وهي إحدى المؤسسات المنبثقة عن رابطة العالم الإسلامي والثقافة، يقول: (نحن مؤسسة صحفية أهلية، نصدر حوالي عشر مجلات غير عدة سلاسل من الكتب، ونتوجه للعالم الخارجي، أي أن كل مطبوعاتنا تصدر باللغات الأجنبية العربية والإنجليزية والفرنسية والأردية، وحتى السواحيلية. وعلى سبيل المثال، فمجلة التوحيد تصدر بالعربية والإنجليزية، وهناك مجلة عربية للمرأة هي (الطاهرة) ومجلة أخرى للطفل بعنوان (الهدى) وبقية المجلات تصدر بلغات مختلفة، ومطبوعاتنا تغطي حوالي 100 بلد إسلامي أو فيه جاليات إسلامية كبرى. كما أن للمؤسسة موقعاً خاصاً على الإنترنت، الذي يذهب إليه يرى مختارات من المقالات بمختلف اللغات).

هذا الواقع الذي نراه للغة العربية يضرب بجذوره في التاريخ الإيراني، إنها صورة من التفاعل الحضاري الذي شهدته هذه الرقعة من الأرض بين اللغة الساسانية القديمة، لغة ملوك فارس الذين سيطروا على نصف العالم القديم، و اللغة العربية التي حملها أهل الدعوة الجديدة، علاقة حملت الكثير من علامات التفاعل الحاد والصراع الخفي، ويمكن القول إنه لم تستسلم أي لغة منها إلى أخرى، وبقي أن نصل بهما معاً إلى مرحلة التصالح.

النبوءة والبشارة

عندما تنبأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن جيوشه سوف تحطم عروش الأكاسرة والقياصرة، لم يكن هذا مجرد قراءة للغيب، ولكنها كانت إيذاناً بزمن جديد، فقد أعطت هذه النبوءة قوة روحية دافعة جعلت الجيوش العربية قليلة العدد، فقيرة العدة، قادرة على التناطح مع أشهر إمبراطوريتين في العالم القديم. كانت نار المجوس قد خمدت وانكسر إيوان كسرى، وتلقى الفرس - في عام 610م وهو العام نفسه الذي بدأت فيه بعثة الرسول - أول هزيمة قاسية في يوم ذي قار. فقد استطاعت مجموعة من القبائل المتفرّقة تجمعت حول قبيلة بني تميم أن تهزم جيش المرازنة المحترف. وقد ثأر العرب في هذه المعركة من سنوات طويلة من التعالي والغطرسة كان حكّام الفرس يعاملونهم بها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد ثأر العرب من الفرس وبي انتصروا...).

كانت هذه المعركة هي بشارة النبوءة، ولكن فتح فارس لم يكن سهلاً، فرغم انهيار الكيان المعنوي للدولة، فإن جيوشها الجرّارة كانت لاتزال قائمة، فقد كان هذا الجيش هو نتاج الدولة الساسانية التي حكمت لمدة 400 عام، ولكن كان من حسن حظ خلفاء الدولة الإسلامية - خاصة أبا بكر ثم عمر من بعده - أن امتلكوا مجموعة من أعظم القادة الذين عرفهم فن القيادة العسكرية. كانوا قادرين على تحقيق النصر من خلال استخدامهم الجيد لكل ما لديهم من إمكانات محدودة. بل ورغم هذه الإمكانات المحدودة، فقد كان خالد بن الوليد يحارب دوماً وظهره إلى الصحراء حتى إذا اشتدت عليه وطأة القتال يستطيع التراجع والاستدارة والكر على العدو مرة أخرى قبل أن يلتقط أنفاسه. وكان أبوعبيدة بن الجراح أفضل مَن يطبق بالأجناب على جيوش الخصم. أما سعد بن أبي وقاص، فقد قاد معركة القادسية ضد الجيش الرئيسي للفرس لا من فوق جواده كما كان يفعل قدامى القادة، ولكن من فوق بناء مرتفع يستطيع أن يرى بواسطته كل أطراف المعركة، وأين مواطن القوة والضعف، وكان يرسل بالرقاع المكتوبة تحمل أوامره إلى قادة الميدان ليعدلوا من أوضاعهم. لقد توصّلوا جميعاً بعبقرياتهم الفطرية إلى أن يصيبوا الدول الساسانية في مقتل، وأن يسلكوا طريقهم نحو المدائن.

ولقد أدهش المؤرخين ذلك التقدم السريع للإسلام في كل أنحاء مملكة فارس. وربما يعود ذلك التقدم في جزء منه، إلى أن العديد من المدن قد سلمت دون قتال. وأن المسلمين قد تعاملوا مع الزرادشتيين - ديانة فارس القديمة - تعاملهم مع أهل الكتاب، واكتفوا بأن خيّروهم بين دخول الإسلام أو دفع الجزية، وكان المدهش حقّاً أن أهل إيران لم يدخلوا الإسلام فقط، ولكنهم تحوّلوا إلى أكبر الدعاة للإسلام، ولم تمض إلا عشرون عاماً فقط حتى امتدت رقعة الإيمان من ضفاف الفرات إلى نهر جيحون في أواسط آسيا، ومن نهر السند إلى بحر قزوين.

تفاعل بلا نهاية

هل كان هذا التاريخ المشترك والمتصل عبئاً على الطرفين العربي والإيراني?

لقد كان الأمر أشبه بقدر لا فكاك منه، قدر تكوّن من حتميات الجغرافيا التي جعلت من مياه الخليج الهادئة والمتواطئة أحياناً ممراً سهلاً للعبور بين معابد النار في فارس وخيام العرب في الصحراء. وقد تواصلت علاقات الشد والجذب طويلاً، وأحدثت رغماً عن الطرفين نوعاً من التفاعل الثقافي عززته حادثة الفتح الإسلامي.

فالجيش الإسلامي وهو يتقدم إلى أحراش آسيا لم يكن يحمل ديناً جديداً فقط، ولكنه كان يحمل أيضاً رغبة عارمة في المعرفة. كانوا يريدون التعرّف على معالم تلك الحضارات القديمة التي طالما اختلطوا بها دون أن يدركوا سرّها، لم يحرقوا أثراً، ولم يدمّروا هيكلاً. فقد كان لتلك الأوابد أثرها في نفوسهم، فاستوحشوها ولم يحاولوا الاقتراب منها. ولكنهم في المقابل، نهلوا من كل المعارف القديمة وانتابهم نوع من الهوس بحيث راحوا ينقلون كل شيء إلى اللسان العربي. وكان خالد بن يزيد بن معاوية أول من تنبّه إلى ذلك في إبان فجر الدولة الأموية، وأحضر مجموعة من أهل مصر كانوا متخصصين في الفلسفة اليونانية، وأمرهم بنقل (صنعتهم) من اللسان اليوناني أو القبطي إلى العربي.

ومع بزوغ الدولة العربية، أصبحت هناك حاجة ماسّة لنظام إداري يرتّب الدفاتر والمراسلات، ولم يكن هناك بدّ من اقتباس النظم الإدارية الفارسية، وقد بدأ ذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، واستمر طوال عهد الدولة الأموية، وكانت الفارسية هي لغة هذا الديوان، ولم يتم تعريبه إلا في زمن الحجاج، فقد كان الذي يقوم بالكتابة عنده مجموعة من الكتبة الفرس من بينهم رجل من بني تميم يجيد الفارسية هو صالح بن بيده. وقد وقع خلاف بينه وبين بقية الكتبة، وخاف أن يوغروا صدر الحجاج ضده، وأن يستغني عن خدماته، لذلك فقد بادر بالذهاب إليه وهو يحمل أوراق المراسلات والحسابات المكتوبة بالفارسية، وقال له: لو شئت أن أحوّل كل هذا الكلام والحساب إلى العربية لحوّلته. ونظر الحجاج إليه في شك. فلم يكن يتصوّر أن اللغة العربية يمكن أن تتحمل لغة الدواوين المعقدة بما فيها من حسابات ومصطلحات.

وجاء بأحد كتبة الفرس الذي سأله: كيف تصنع بـ (دهوية) و (ششوية). قال: اكتب عشرة ونصفا، فقال له: كيف تصنع بـ (ويد). قال: اكتب أيضاً، واسقط في يد الكاتب، وقيل إن الفرس قد بذلت لصالح هذا مائة ألف درهم حتى يتراجع ويظهر العجز عن نقل الديوان ولكنه أصرّ على نقله. وقال كبير الكتبة في حنق: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية.

ولكن أصل الفارسية لم ينقطع. معجزتها أنها ظلت على وجودها الحي والفعّال بجانب العربية، ويمكن القول إن الأدب الفارسي الذي ازدهر وتطوّر عبر عصور الإسلام المختلفة كان أدباً إسلامياً خالصاً، فالأدب الفارسي الذي وجد إبان الحضارة الساسانية. لم تبق منه آثار مكتوبة، أو ربما كان أدباً شفهياً لم يدوّن أصلاً، ولم تبق منه آثار معلومة كما حدث مع الأدب العربي في العصر الجاهلي. ربما بقيت من آثار الفرس القديمة بعض الأهازيج والحكايات الشعبية، ولكن لا يمكن مقارنتها بما بقي من آثار الحضارات القديمة مثل الفرعونية والإغريقية. وقد حافظت (الشاهنامة) تلك الملحمة التي نظمها الفردوسي في حوالي عام 342هـ على جانب كبير من التراث الشفهي الفارسي وحوّلته إلى كلام منظوم. ولكن هذا حدث ضمن إطار ورؤية إسلامية بحيث يمكن اعتبارها واحدة من أهم آثار الأدب الإسلامي الذي كُتب بالفارسية.

وقد أحدث الفتح العربي تحوّلاً مهماً على مستوى التأثر اللغوي، فبعد أن كانت العربية تستقي مفرداتها من الفرس خاصة في كل ما يخص من مفردات الحياة خارج البيئة الصحراوية أصبحت بعد الإسلام تغذي الفارسية بالعديد من المفردات خاصة الدينية منها مثل (آية، أذان، إيمان، ثواب، جمعة، جهاد، حرام، حلال، دعاء، ركوع، سجود، صلاة، صوم، عذاب، عقاب، غزو، قبلة، قضاء، قدر، كافر، لوح، محراب...)، وقد اشتمل هذا التأثر كل مناحي الحياة من أفراح الميلاد حتى طقوس الموت.

وقد فرضت ضرورة التأقلم مع العربية كلغة للعبادات والقرآن تأثيراً مباشراً على التراث الشعبي والشفوي، فأخذ بالطابع العربي في استخدام السجع والأوزان والبديع، بل إن عمود الشعر العربي بكل ما فيه من أوزان وقافية انتقل إلى الشعر الفارسي فاتخذه شكلاً أساسياً، بل وكتبت العديد من القصائد أحد شطريها بالعربية والآخر بالفارسية، وكان هذا دليلاً على شدة التماثل الصوتي والموسيقي بين اللغتين. وكان هذا الأمر أيضاً يمثّل نوعاً من التحدي للمثقف الفارسي الذي كان يريد أن يثبت تفوّقه على نظيره العربي الذي لم يكن يجيد سوى لغة واحدة، بل إن الشاعر (منوجهر) كان يتفاخر بأنه يعرف الشعر العربي أفضل من العرب أنفسهم، وكان يلقّب نفسه بأعشى الفرس.

وقد اتسعت مساهمة إيران في علوم الإسلام الأساسية كعلوم الفقه والحديث والكلام والفلسفة، ورغم أنهم أبعدوا عن الحكم في عهد الأمويين، فإنهم أصبحوا شركاء العباسيين، فبعد أن هبّ أبومسلم الخراساني يقود أصحاب الرايات السوداء لنصرة بني العباس، أصبح منهم معظم القادة والوزراء والأمراء، ولم يبق إلا عدد قليل جداً من العرب داخل نظام الحكم. بل إن خوف بني العباس من الأمويين الذين كانوا مازالوا يحكمون في الأندلس دفعهم لتعيين كل ولاة مصر وشمال إفريقيا من أهالي خراسان الذين كانوا أعدى أعداء بني أمية.

وكما قلت سابقاً، إنها علاقة لها طابع قدري، فرضتها الجغرافيا ثم عزّزها الدين الواحد والثقافة المشتركة رغم تداخل الألسنة، ويمكن القول إنه قبل الدستور وبعد الدستور ظل للغة العربية وجود حيّ في إيران، والحوزة العلمية في (قم) خير دليل على هذا الأمر.

وسط صحراء الملح

يمر بنا الطريق إلى (قم) وسط صحراء جافة لا يملؤها غير الكثبان الرملية والوهاد وأخيلة السراب. إنها صحراء الملح التي لا نلمح فيها أيّ أثر حتى للرعاة المتجوّلين، عند الظهيرة يمتلئ الأفق بأبخرة الصهد المنبعثة من الصخور، وتظهر فجأة بحيرة ممتدة تحيط بها التلال المتجهمة. يبدو وجودها هكذا دون مبرر طبيعي أشبه بفخ منصوب للموت. هذا هو حوض السلطان، البحيرة شديدةالملوحة التي كان أعوان الشاه من رجال السافاك يلقون فيها بالمعارضين لحكمه وجبروته. فكم نخرت أملاح هذه البحيرة عظام السياسيين ورجال الدين والشعراء ورجال الفكر. كانت هذه إحدى علامات الموت على الطريق إلى قم التي عارضت وقاومت الشاه حتى أسقطته.

كنا نسير على طريق القوافل نفسه الذي سارته إلى هذه الاستراحة الصحراوية منذ آلاف السنين. الطريق نفسه الذي سلكه الأشاعرة برفقة جيوش الفتح ليجدوا في قم المستقر النهائي على حافة نهر جاف مازالت آثاره موجودة حتى الآن.

تبدو أمامنا القبة الذهبية لمزار فاطمة المعصومة، نعبر الجسر لنجد أنفسنا وسط العاصمة الخفية لإيران. فقد شهدت إيران الكثير من العواصم. عاصمتها الفارسية القديمة كانت في شيراز. أما الصفويون، فقد كانت أصفهان - التي هي نصف العالم - عاصمتهم. وذهبت الأضواء عن أصفهان عندما حكم القاجار، فانتقلوا إلى (تهران)، وعندما أسقط رجال الدين في قم الشاه، وصعدوا إلى سلم السلطة، فضّلوا أن يبقوا على تهران، وأن تبقى قم هي رمز النقاء والمرجعية التي لا غنى عنها.

ومازالت قم مدينة غريبة تحمل رائحة الأساطير وحكايات المدن المحرّمة، لقد ارتبطت نشأتها وتطوّرها بشخصية امرأة ارتبطت القداسة بروحها. ففي عام 816هـ، كانت فاطمة المعصومة بنت الإمام السادس وأخت الإمام السابع (الإمام الرضا) ذاهبة لزيارة أخيها عندما دهمها مرض عضال أقعدها في هذا المكان، لقد عاشت سبعة عشر يوماً تطوف حولها روح النبي صلى الله عليه وسلم، وأرواح فاطمة بنت الرسول وكل آل البيت. وتوسلت إليهم أن يريحوها من هذا العذاب، وبالفعل ماتت المعصومة ودفنت في هذا المكان الذي تحوّل هو وكل ما يحيط به إلى مزار مقدّس بالنسبة لشيعة إيران.

ندخل إلى المزار المرصّع بالذهب والفضة، تحيط بنا مكعبات لانهائية من قطع البللور التي تعكس كل شيء، وتفتته إلى أجزاء صغيرة، ترتفع الأدعية مختلطة بصوت البكاء الحار، كان هناك العديد من الأشخاص يمسكون بالأعمدة الفضية التي تحيط بالمقام وهم يبكون في تفجّع. في هذا الرحاب، تكوّنت واحدة من أشهر الحوزات العلمية في العالم الإسلامي. وهي ساحة مفتوحة لكل علوم الدين وفق المذهب الشيعي وهي تفتح أبوابها لكل الطلاب من جميع الأعمار، وتتمتع بنوع من الاستقلالية المادية تحسدها عليها أي مؤسسة إسلامية أخرى. فهي تتلقى نصيبها مباشرة من الأفراد وتنفقه على ما تراه من أوجه خير المسلمين، وقد حاول الشاه أن يمنع هذا التمويل المباشر ولكنه فشل. وكما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه المهم عن الثورة الإيرانية: (إن المواطن الإيراني قد يكون على استعداد لخداع موظفي الضرائب، ولكنه ليس على استعداد لخداع إمامه أو نائب الإمام).

(قم) هي مدينة الثقافة العربية في إيران. فاللغة العربية ليست القاسم المشترك في كل مدارسها (60 مدرسة) فقط، ولكنها مدينة التجمّع العربي ودور النشر والمكتبات العربية. ومثلما استقر الأشاعرة فيها في السنوات الأولى من حكم الإسلام، استقر بها العراقيون الذين أرغمتهم الظروف القاهرة على الخروج من العراق بحثاً عن الأمان في رحاب المعصومة، وكما قال لي أحدهم: (لقد خضت الحرب ضد إيران لمدة سبع سنوات، وما إن ارتحت قليلاً حتى فوجئت بهم يستدعونني مرة أخرى. كانوا يستعدون لحرب أخرى، وكنت أنا قد تحوّلت في نظرهم إلى بندقية).

التجمّع العربي

(قم) إذن تجمع الجميع، فقراء المهاجرين الذين يلتحقون بالحوزة العلمية طلباً للعلم بعد أن تعدّوا سن التعلم، وهم في الحقيقة لا يبغون إلا الأجر الضئيل الذي تدفعه الحوزة لطلابها، والمثقفين الذين يحلمون بإيجاد موطئ لنشاطهم الثقافي بعد أن حُرموا منه في الوطن الأم، وقم على صغرها، تحتضن الجميع.

كان الشاعر العراقي المعروف جواد جميل يجلس أمامي بلحيته الكثة، وقامته الطويلة، وهو يحكي لي عن غربته التي طالت، والتطواف الذي استقر به أخيراً في تلك المدينة، كان يرأس تحرير مجلة (الهدى) التي تصدر باللغة العربية، وتخاطب نصف مليون طفل عربي يعيشون في إيران، وأعتقد أن الحظ السيئ لم يكن قد فارقه بعد، فبعد أن انتهى من حواره معي، خرج إلى سيارته التي كان قد تركها أمام الفندق ليكتشف أنها قد سُرقت.

لقد أحسست بالأسف، وأن وجودي كان هو أيضاً (نحساً) عليه. ولكن قبل أن أغادر قم كانت الشرطة قد عثرت على السيارة خارج المدينة مما خفف من درجة إحساسي بالذنب قليلاً.

يقول جواد جميل: (إن عدد العرب الموجودين داخل إيران يبلغ حوالي ثلاثة ملايين عربي منهم حوالي مليون لاجئ عراقي لأنها أقرب المنافي إلينا. وقد جعل هذا اللغة العربية تفقد وحشتها وتصبح أليفة في الشارع الإيراني. ففي أيام الشاه لم تكن هناك صحيفة تصدر بالعربية، ولا أي مؤسسة تقوم بتدريسها، أما الآن فإن هناك 20 مطبوعة تصدر يومياً. ولعلي أذكر بالخير هنا الدكتور صلاح الصاوي الذي جاء من مصر إلى إيران وأقام هنا تسع سنوات أسس فيها أول قسم للغة العربية بجامعة تهران. وقد ساعد على انتشار اللغة المساجد ودور العلوم الدينية، كما أن أصول الفقه الديني تحتّم على العالم المجتهد أن يكون مجيداً للعربية، وعندما صدر الدستور الإيراني بجعل اللغة العربية هي اللغة الثانية في البلاد، أيّده كل رجال الدين حتى الذين كانوا يعارضون الثورة).

ويأخذنا عبدالجبار الرفاعي إلى بدروم منزله ليرينا وجهاً آخر من أنشطة الإعلام العربي المهاجر إلى إيران. ففي هذا البدروم يوجد مجلس بسيط، مكتبة حافلة بالكتب ومنه أيضاً تصدر المجلة الفصلية المتخصصة (قضايا إسلامية معاصرة) وهو يعرفها بأنها مجلة عربية تصدر مؤقتاً في المنفى، وسوف تعود يوماً إلى وطنها. وهي لا تتلقى أي نوع من الدعم ولكنها تعتمد على الاشتراكات، بل ويساهم الكتاب والمؤلفون في جزء من نفقة طباعتها. كما أنها تصدر أيضاً سلسلة من الكتب المطبوعة بعنوان (رواد الإصلاح). يقول الرفاعي: (إن هناك جهوداً كبيرة من العراقيين في مجال الإعلام العربي في إيران. فكل الصحافة العربية حتى الإيرانية منها تدار من قبل العراقيين، وكذلك كل مؤسسات التراث العربي وعددها 70 مؤسسة، أضف إلى ذلك كل أجهزة الإعلام الناطقة بالعربية مثل الإذاعة والتلفزيون وكذلك المنتديات العربية.

ويصحبنا فرات الأسدي إلى أرفف المكتبة الأدبية في قم، وهي مكتبة مفتوحة للقرّاء في كل فروع المعرفة. عمرها ثلاث سنوات، وتحتوي على 400 ألف كتاب ودورية. ويضيف فرات الأسدي: إن المكتبة قد درجت على إقامة الأمسيات والندوات المختلفة التي تتناول الأدب وتاريخه، وقد استضافت عدداً من الأدباء والمفكّرين مثل الشاعر عبدالوهاب البياتي - رحمه الله - والدكتور حسن حنفي والمخرج السينمائي العراقي قاسم حول، والعشرات من الأدباء والكتّاب بحيث أصبحت نقطة التقاء لكل الأدباء والكتّاب والمهاجرين.

أواصل رحلتي التي استطالت لتشمل مدنا أخرى، ولكني أتذكر قول الشاعر جواد جميل إن اللغة العربية قد فقدت وحشتها. وبقي علينا - نحن كعرب - أن ننتهز الفرصة كي نقوّي من دعائم هذه اللغة في إيران شديدة القرب منا، والتي جاهدنا طويلاً في إبعادها عنا. فنحن أمامنا مهمة حضارية في بلد يشاركنا القيم نفسها، ويدين مثلنا بالمعتقد نفسه، وكل ما يتطلبه الأمر هو عبور تلك الحواجز الوهمية التي صنعتها السياسة وسنوات طويلة من سوء الظن. إن علينا أن نبادرهم أيضاً بدراسة الآداب الفارسية والبحث عن نقاط الالتقاء، وهي كثيرة، وعبور مناطق الخلاف وهي تستحق أن تعبر.>

اللغة العربية والدستور

تنص المادة السادسة من دستور جمهورية إيران الإسلامية على ما يلي: (بما أن لغة القرآن والمعارف الإسلامية هي العربية، وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل، لذلك يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة المتوسطة في جميع الصفوف والحقول الدراسية).

الثقافة العربية في إيران بالأرقام

يبلغ عدد الصحف والمجلات التي تصدر باللغة العربية في إيران ما بين يومية وأسبوعية حوالي 44 جريدة ومجلة، هذا غير الصحف التي تصدرها المعارضة العراقية، وهي أكثر من خمس صحف، ويبلغ عدد المؤسسات العربية وهي تلك المؤسسات التي تطبع الكتاب العربي وتعتمد على العربية في مناهجها، وتقوم بتحقيق مخطوطاتها حوالي 16 مؤسسة، وهي توزع كتبها بالمجان أو تبيعها بأسعار زهيدة، ويبلغ عدد دور النشر العربية 92 دار نشر ومكتبة لها مئات المطبوعات غير ما تنشره المدارس والحوزات العلمية الموجودة في (قم) ووزارات التربية والتعليم العالي والثقافة ومنظمة الإعلام الإسلامي ومركز بحوث الحج والعمرة، وهناك حوالي 13 معجماً للغتين الفارسية والعربية، وحوالي 29 كتاباً معتمداً حول أنجح الطرق لتعلم اللغة العربية. وحوالي 21 دراسة حول قواعد اللغة العربية صرفاً ونحواً، ولا يمكن إحصاء المنشورات العربية التي تُنشر في إيران لأن كل مؤسسة من هذه المؤسسات التي ذكرت لها قائمة طويلة.

حوزة (قم)

الحوزة هي المكان الذي تتجمّع فيه العديد من المدارس، وعددها في قم 90 مدرسة تدرس كل علوم العربية. والطالب لا يدرس في الحوزة من أجل الحصول على شهادة زمنية مثل باقي الجامعات، ولكنه يواصل الدراسة مرحلة بعد أخرى وصولاً إلى أصعب المراحل وهي مرحلة الاجتهاد. فمرحلتها الأولى هي مرحلة طالب العلم (دورة السطح) وعندما ينتهي منها يصبح مجتهداً (دورة الفضلاء) ثم (دورة الخارج) التي يستطيع فيها الطالب أن ينقل للناس ما تعلّمه. ثم تأتي بعد ذلك المراحل الأكثر تطوّراً حين يصبح الفقيه حجة الإسلام، وعندما يقدم المزيد من الدراسات والبحوث يصبح (آية الله). أما عندما يصبح مرجعاً يرجع إليه الجميع في الفتاوى والأحكام، فيسمى (آية الله العظمى) وهي مرحلة نادرة في الفقه الشيعي، إذ لا يزيد عدد آيات الله العظمى على خمسة في أي وقت من الأوقات، ويقال إن عددهم أقل الآن.

الفارسية في الثقافة العربية بالأرقام

صدر العديد من المؤلفات العربية حول الحضارة والثقافة الفارسية بشكل عام وعددها 19 كتاباً صدر معظمها في القاهرة. أما في مجال الدراسات المقارنة، فقد انخفضت النسبة إلى تسعة كتب. وصدر عن الشاعر عمر الخيام 12 كتاباً. أما ترجمة رباعياته إلى العربية، فقد بلغت 17 ترجمة أولها كان وديع البستاني، وأشهرها كانت لأحمد رامي وآخرها ترجمة إبراهيم العريض، أما الشاعر حافظ الشيرازي، فقد بلغ عدد المؤلفات التي دارت حوله 5 كتب. وكان نصيب سعدي أكثر، فقد وصل العدد إلى 15 كتاباً، أما الفردوسي وكتابه الشهنامة، فبلغت الكتب حوالي 10، وجلال الدين الرومي سبعة، وناصر خسرو سبعة، ولا توجد أي دار نشر متخصصة في الأدب الفارسي في أي بلد عربي.

شاعرية سعدي

إن تسلط سعدي الشيرازي المذهل على اللغة الفارسية والأدب العربي قد يسر السبيل لانتقال مضامين فئة من شعراء الفارسية والعربية إلى شعره. إلا أن الشيخ الشيرازي كانت له تجربته الفنية بحيث صبّتها في قوالب جديدة تبدو وكأنها له. بل وتفوق جمال ما كانت عليه. إن سعدي سلطان لا شبيه له في الغزل العشقي. وهو نادر المثال في أغراض الشعر الأخرى مثل الرثاء والمديح والهجاء والوعظ والحماسة والسخرية.

عطاء الله مهاجراني
وزير الثقافة والإرشاد الإيراني

 

محمد المنسي قنديل

 
 




صورة الغلاف





إيران والانفتاح على الحرف الشريف









حشد من المراجع القيمة في مكتبة الامام الخوئي بمشهد





الرئيس الإيراني محمد خاتمي وهو يفتتح ملتقى سعدي الشيرازي وبجواره عبدالعزيز البابطين ووزير الثقافة والإرشاد الإيراني





في مكتبة الاجتهاد كبرى المكتبات العربية في إيران لا يوجد أي خطر حول طبع ونشر الكتب العربية





عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة والإرشاد الإيراني





جواد جميل





فرات الأسدي





تمثال عمر الخيام في مدخل دار الآثار والمفاخر الثقافية





الحوزة العلمية في قم





القبة الذهبية لمزار فاطمة المعصومية





حرص على الاجتهاد والتعلم بشكل متصل





وسط ميدان فسيح وشديد الخضرة ينتصب تمثال الشاعر سعدي الشيرازي





نساء من كل أنحاء العالم يدرسن في مدارس قم





لم تكن اللغة العربية غريبة أبدا في إيران فكل المراجع والدراسات الدينية تتم بها





في جامعة أصفهان حشد من الطالبات يدرسن اللغة العربية





طالبات اللغة العربية يواصلن البحث في مراجع المكتبة الأدبية في قم





مبنى جامعة الإمام الصادق حيث الدراسة باللغة العربية