حياة الفهد وسليمان الشطي

حياة الفهد وسليمان الشطي

قصة امرأة فنانة في مجتمع الحَجْب والحجاب

جلست والفنانة حياة متقابلين، أنا وهي من جيل واحد، أنعشت الذاكرة، منتصف عام 1963، كان زمنا، عقله الواعي ينظر ويعمل لكل جديد. مجتمع بالرغم من قيود التاريخ المثقلة يتفتح، يرى، يتشوق، يتأمل، يتمنى، يطمح، يتحدى. كي يحول تطلعات النابهين من أبنائه إلى حقائق ملموسة، يخرجها من رهافة الحلم إلى صلابة الواقع..

رأيتها آنذاك واحدة من ذلك الجيل؛ فتاة كويتية، من صلب المجتمع، رائدة في القفز فوق الأشواك، فقد كانت انطلاقة المرأة هي النقطة المحرمة التي يدور حولها الجدل، هناك يريد أن يبقيها مكممة بالسواد، محجورا عليها.

  • حياة الفهد، هل خطر ببالك، وأنت تستعيدين تلك اللحظات، أن تكوني كما أنت عليه ممثلة مشهورة؟

بحنكة الممثلة وتعبيراتها. قالت:

- حتى الحلم بهذا مستبعد، في عائلة محافظة، أن أكون ممثلة، هذه خطوة لم أفكر فيها، كنت أريد ما هو أقرب من هذا الحلم البعيد. ولكن استعيد معك ذلك الزمن فأقول لك: أولا أنا لم تتح لي فرصة التعليم، كنت ملازمة للبيت والبديل الوحيد للمتعة والمعرفة هو مشاهدة الأفلام، وتحولت المشاهدة إلى تعلق وحب جارف، وصل إلى حد الإدمان أشاهد الأفلام عدداً من المرات، حفظت الأدوار حفظا صما، تفتح التقليد الطبيعي فكان الوقوف أمام المرآة محاولة جربها كل المقلدين، تعلقت بنجوم ذلك العصر الجميل، في السينما العربية فاتن حمامة شادية مديحة يسري، في السينما الهندية نرجس ودليب كومار.

تطور التعلق إلى متابعة فن السينما والمسرح. كان أخي يحب قراءة مجلات ذلك العصر، يقرأ لي وأنا أسمع.

وكان القرار أن ألحق بما فاتني، فبدأت الخطوة الممكنة: أن أتعلم.

أما الفن والتمثيل فسيظل حلما بعيدا جدا جدا.أفكر، أتمنى، ولكن التطبيق سيبقى بعيدا.

عندما ساوموني على اسمي !

  • اتفقنا، أنا والفنانة حياة، على أن الأماني عندما تتغلغل إلينا تصبح فكرة ملحاحة، ومن ثم فإن الإنسان لابد أن تتشكل في داخله عزيمة الخطوة، كانت تلك المرحلة، على صعوبة ما فيها، متأهبة للمحاولة. فكيف تحولت هذه الفكرة إلى خطوة؟

- قد تخدمنا الظروف. فقد استقلت أسرتنا الصغيرة، أنا وأمي وأخي، لنعيش معا نواجه حياة قاسية، لم يكن أخي، عائلنا الوحيد قادرا على تلبية حاجاتنا، وكان ضيق الحياة من حولي دفع بي إلى العالم الأوسع، أصبح إمكان أن ألتحق بعمل ما ممكنا، ولقلة الفتيات العاملات كان هناك ترحيب وتشجيع، فوجدت نفسي - وفي سني الصغيرة آنذاك - موظفة في وزارة الصحة، وفيها تلاقينا أنا وأمينة الشراح، أصبحت، فيما بعد، مذيعة مشهورة في تلفزيون الكويت، من جيل الاقتحام، وكانت مثلي تتمنى وتحلم، وجربت حلمها معي، تجلس وتدير حوارا، شبه تمثيلي، هـي المذيعة وأنا الضيفة.

جاءت الفرصة تسعى على قدمين، دخل علينا في مقر عملنا، ثلاثة أشخاص، كانوا يشكلون فرقة تمثيلية ناشطة آنذاك، ( بو جسوم )، يبحثون عن فتاة للتمثيل معهم. رفضت أمينة الشراح لأنها تريد أن تكون مذيعة فقط، وقبلت أنا. وكان المشهد المعروض علي مشهدا وحيدا، أجلس صامتة لا أتحدث أو أتحرك. ولكن في سبيل قبول تمثيل هذا المشهد واجهت عاصفة، جاء أولا غضب أمي وأخي. أضربت عن الطعام أياما، غلبت شفقة الأم على اعتراضها، ثم جاءت عاصفة كبيرة من العائلة، وصلت حين اصطدموا بجدار التصميم إلى حد المساومة. أتعرف على ماذا؟ أن أتخلى عن اسم عائلتي، وأستبدل آخر به، واجهتهم أمي بقوة، فهذا اسمي وليس من حق أحد أن يسلبه مني. وأقفل الباب على مضض وخصومة. ومضيت في طريقي.

وتولى صديق لأخي هو الفنان مكي القلاف إقناعه والتعهد بأن يكون مرافقا لي، تسليم يدا بيد.

وبعد هذا كانت مواجهة سطوة المجتمع، و كان ظاهرا جارحا، وهناك من احتج: لماذا لا تلبس عباءة عند التمثيل؟ وعند التمثيل على خشبة المسرح وفي الشارع جاءت إهانات ومضايقات لا حد لها.

ولكن هناك دائما ما يشجع، عائلات وأسر كريمة وجمهور متفتح كان يستقبلنا باحترام، ينقل إلينا إعجابه، يحثنا على الصمود، يحرص على اللقاء بنا بعد انتهاء العروض، نقضي وقتاً في النقاش وتبادل الرأي والاحترام.. كانت مواقف نبيلة ومشجعة.

  • قبل الدخول إلى الفن، باعتبارك رائدة عانت كثيرا، يهمني الحديث عن المرأة، قضيتها؟ وما حصلت عليه وحققته في جيلكم؟ كانت طفرة تمثل درسا، هل يمكن أن نستعيده؟ أريد أن أسمع حكمك باعتبارك فنانة، واحدة ممن شهدن، بل انغمسن، في عملية التغيير آنذاك؟

- أهم شيء التفتح، الناس في تلك الحقبة. جيل الخمسينيات والستينيات منفتح، وعندما توافرت الإمكانات، والتعليم تشكلت نظرة واسعة للعالم من حولنا، وإذا علمنا أن المجتمع الكويتي كان أصلا متصلا بالعالم بسبب مهنة السفر البحرية، لذلك جاءت الطفرة في السلوك والعادات.

الثروة يمكن أن تغير الناس ولكن المال لا يبني الأسرة والمجتمع، لقد كان لنا، نحن الفنانين، دور أساسي في توجيه المجتمع، وأعتقد أننا حققنا الكثير، غيّرنا وجهة نظر المجتمع للفن والفنانين، وامتد الأثر إلى تسويق كل الأفكار والعادات الجديدة المفيدة، ناقشنا السلبيات. كانت حركة إصلاحية في نقد السلبيات والتقاليد غير الصالحة للعصر. إن الفن أكثر تأثيرا وإقناعا من الخطب والكلام المباشر.

  • وبرز لي خاطر للقفز سنوات إلى الأمام، لم استطع أن أفلته، فحولت المناقشة إلى الحاضر الذي نعيشه، ويفصلنا نصف قرن عما نتحدث عنه.
    باعتبارك امرأة رائدة. الآن بعد هذه الرحلة الشاقة والطويلة والمليئة بالمعارك، كيف ترين واقع المرأة الآن؟

- نتائج النجاح نرى بعضها الآن، وكما تعلم كان آخر نجاح نفخر به هو حصول المرأة على حقها في المشاركة السياسية، ووصول أربع نساء إلى البرلمان بالانتخاب، ودخول ثلاث نساء أخريات إلى الوزارة، يجعلنا نتفاءل كثيرا بالرغم من المعوقات القائمة.

أما حكمي على واقع المرأة الآن: أولا- أشعر بسعادة عارمة حينما أرى شابا يسير مع زوجته أو يدفع عربة الأغراض في الجمعية التعاونية أو أراهما معا مع أطفالهما في المطاعم والأسواق المنتشرة. هذا هو الوجه الإيجابي ولكن ما يحزنني هو ما أراه من سلبية بعض الرجال.

أستطيع القول إنه عندما أنظر الى أجيال الرجال أجد أن الجيل الأول القديم هو الراعي والمرأة فقط للإنجاب وخدمة البيت، ولكن هناك احتراما وتقديرا، فللمرأة في داخل بيتها احترامها.

وبعد أن اختفت المرأة الأمية، وإصرارها على التعلم والمشاركة كبرت المسئولية، وهنا وجدها الرجل فرصة، أخذ يبتعد عن تحمل المسئولية الكاملة، فمثلا انصرف كثير من الرجال إلى الديوانية، أصبحت هي الأسرة الثانية للرجل. وحمّلت المرأة ثلاثة أضعاف المسئولية، فتراها، تعمل، تذاكر مع الأولاد، في المناسبات تراها عند الحلاق، وعند الخياط، وفي الأسواق تشتري حاجة الأسرة، تذهب معهم إلى المطاعـم، والمدن الترفيهية، إلى المستوصفات وهكذا.

  • هل هذا عقاب، شعوري أو لا شعوري، للمرأة لأنها طلبت المشاركة؟

- لا. لا أنظر إليها هكذا، ولكنها التربية، الجيل القديم تربى على تحمل مسئوليته، الجيل الجديد، من الرجال، تحملت الأسرة عنه، والأم بالذات، كل المسئوليات، وعندما أصبح رب أسرة لم يكن قد تعود على المسئولية.

  • هل هناك من يحجم المرأة؟

- لقد قدنا تلك العقلية وذلك الجمهور المتفتح، هناك فئات حاولت - ولا تزال - تحطيم المرأة، وهذا التدمير هدفها وقضيتها، وهناك من يُحجّمها، ولا يريد المرأة أن تتصدر. نعرج على أداء مجلس الأمة، الأكثرية غير متقبلة هذا الواقع للمرأة، حالوا بينها وبين دخول المجلس، والآن يتمنون مغادرة النائبات الأربع المجلس.

ولكنني أقول لك إن المرأة الكويتية جبارة لا تخضع، تتحدى، وتتحمل المسئولية.

عودة إلى الفن

  • نعود إلى الفن، نواصل سرد الرحلة؟

- العمل مع فرقة بو جسوم فتح لي باب العمل الإذاعي والتلفزيوني، والتقيت آنذاك بفنانين منهم الأستاذ منصور المنصور، كبير أسرة آل المنصور التي قدمت أكثر من فنان متميز. فاتحني بفكرة تأسيس فرقة مسرحية، ولم أكن الفتاة الوحيدة، فقد كانت معي فنانة لقبها «فتاة الكويت»، وكان اسمها الحقيقي «فضيلة». وهكذا أشهرت الفرقة وكنت واحدة من المؤسسين الرسميين لفرقة مسرح الخليج عام 1963.

وفي تلك السنة جاءت فرصة أخرى، فقد أقيمت حفلة «الليلة الشاملة»، وهي شاملة فعلا، قدمت الجيل الصاعد انذاك، فنانين شباباً، يبحثون عن فرصتهم، وكنا نقدم بين الفقرات فواصل كوميدية شبيهة بما كانت تقدمه خيرية أحمد وفؤاد المهندس، وكانت من إعداد الكاتب عبد الرحمن الصالح، ودوري فتاة شابة. وبعدها مباشرة كنت أغير المكياج والهيئة فألعب دورا آخر في مسرحية تقدم في الليلة نفسها، ودوري دور أم، امرأة كبيرة السن. هذا المجهود المزدوج، كان بداية مهمة، فتأدية دورين مختلفين في ليلة واحدة كانت تجربة أساسية.

لقد أصبح دور الأم لصيقا بي في المسرح، فالمسرحيات التالية كنت ألبس لباس دور الأم، أتجاوز عمري الصغير لأرتدي ملابس وأتقمص شخصية الأم، فقدمت: الأسرة الضائعة، أنا والأيام وصولا إلى كثير من أدواري في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. لم أقدم دور الشابة الحالمة، فقد كنت أمّا، في التمثيل، لمن هم يقاربونني في السن.

  • رحلة فنية طويلة، ليس من حيلة سوى الوقوف عند بعض تجاربك في المسرح، فعن أية مسرحية تودين أن تتحدثي عنها؟

- أتمنى أولا أن يعاد عرض «بحمدون المحطة»، والسبب أولا- موضوعها الذي يقدم قضية حاضرة لم تنته بانتهاء زمنها، فوحاتها المتميزة سلطت الضوء على قضايا المجتمع الجديد والتي لا تزال إلى الآن لم تتغير. وقدمت بتقنية وأداء متطور، وتجربة إخراجية تمثلت فيها خبرة صقر الرشود وعبد العزيز السريع في قمة عطائهما الفني. وهي من المسرحيات التي لم يتح لنا تصويرها.

المسرحية الثانية- «1، 2، 3، 4، .. بم»! وفيها خيال جامح، قدمت سؤالا مهما: ماذا يكون حكم الجيل السابق على الحاضر لو عاد إلى الحياة. جسدت المسرحية ارتعاب المجتمع من هذه المواجهة، لتسفر عن عودة الموتى إلى زمنهم، ويمضي المجتمع في طريقه المتطور.

  • ماذا لوجاءوا الآن، بعد أربعين عاما من خروجهم الأول، وكنت منهم؟ ماذا سيكون حكمك؟

- أختار العودة، أنا الآن كارهة هذا التطور، التكنولوجيا أوصلت الإنسان إلى الشلل وأول شيء أنها أثرت على علاقتنا فيما بيننا، وأيضا على متعتنا التي تعودنا عليها، فأنا مثلا أحببت الكتاب، أصبح قريبا مني، في السفر في الإقامة. الآن بدأت الوسائل الحديثة تبعدنا عنه.

من المسرح الى التلفزيون

  • لماذا الانصراف عن المسرح لمصلحة التلفزيون؟ هل بسبب التلفزيون، أم بسبب أمر حدث في المسرح من الداخل؟

- قام نشاطنا في فرقنا الأهلية على التضحية والحب، كنا نعشق المسرح، نعمل بضمير، ثم جاءت فترة طفرة المسرح التجاري، انجرفنا وراءه وبدأت الانتكاسة. فقدت الفرق الأهلية التي كانت تقوم على المتطوعين ومحبي المسرح دورها، تحولت المقرات إلى مكان لشرب الشاي والقهوة، وتقدم أعمالا قليلة، فقط لإثبات الوجود، ثم انسحبت من الساحة المواجهة للجمهور العام لتحصر نفسها في المهرجانات والمسرح التجريبي، لأجل هذا كانت المسارح الأهلية واحتل المسرح التجاري الساحة، قدم أشياء جيدة قليلة، وكثرة من أعمال تقوم على العبث والتهريج، حطم مبادئ المسرح وأصبح يقدم للأطفال ومرافقيهم من المربيات.

  • ماذا تفكرين لو أتيحت لك العودة إلى المسرح؟

- لكي نجذب الجمهور مرة أخرى أدعو إلى الاقتراب من القضايا الاجتماعية الحاضرة، يجب أن يشعر الناس بأننا معهم في معاناتهم وقضاياهم: المرأة وقضاياها من نبذ، وحرمان من حقوقها في الإسكان وحقوق أبنائها. الاضطراب الاقتصادي الذي نعيش فيه. التحولات الكبيرة في المجتمع. الفن المسرحي دائما قريب من الناس فلماذا نبعده عنهم.

  • أخيرا قبل أن نودع ساحة المسرح، أود أن أسألك عن زملائك وزميلاتك، وهم كثيرون، ولكن لنختر شخصا ارتبطت تجربتك معه منذ البداية: صقر الرشود.

- الراحل المؤلف والمخرج: صقر الرشود.. كان لقائي به مبكرا، بعد تأسيس فرقة مسرح الخليج مباشرة. كان صقر يمثل لنا قيمة كبيرة، كنت أرتعب وأنكمش أمامه، كان ذا نظرة حادة واسعة، عندما يحدق تشعر كأن الزمن توقف.

أذكر حادثة غريبة حدثت لي معه، كان الفصل صيفا، وأمامي سمك «ميد» مشوي، منهمكة في الأكل، ودق الباب، فإذا صقر ومعه أحد الزملاء، ارتعبت ونفضت يدي من الأكل. قال عبارة واحدة: إلبسي وتعالي. نظرتُ إلى أمي فوافقت، كان صقر واحدا من الذين تثق بهم.

في مقر الفرقة القديم - تعرفه، فقد كنت معنا - ذلك الحوش العربي، في منطقة النقرة، وضع كرسيا وسط الحوش، وجلس أمامي، بيده ورق، ينظر إلي ويكتب لمدة ساعة. وأرجعني إلى البيت دون أن يقول شيئا، ولم أجرؤ على السؤال. وتكرر الأمر لأيام. ومرت سنوات قبل أن أجرؤ على سؤاله.

قال لي: كنت أستلهم الحزن من عينيك، أرى فيهما شخصية الأم الكويتية، وصوتك فيه إنسانية. كنت أرى أنه سيكون لك شأن، ولهذا توليت تعليمك.

هذه الجدية والالتزام إلى حد الإنهاك في العمل الذي كان يتعامل به في تقديمه لأعماله هو الذي جعله متميزا، ونحن تعلمنا منه كثيرا.

  • عدت معها للحديث عن تجربتها التلفزيونية، روت لي كيف أنها بعد عملها مع فرقة «بوجسوم» وتزوجت فمنعها زوجها من التمثيل فاضطرت للعمل مذيعة حتى انفصالها عن زوجها في أواخر عام 1967. فكرت في العودة إلى التمثيل، ولم يكن أمامها إلا العمل في التلفزيون. وكانت عودة غريبة، فقد قابلها الفنان غانم الصالح الذي قال ليس لدينا دور لك إلا دور رفضته كل الممثلات، وهو دور شخصية حدباء. وقد استغربت رفض الأخريات له بالرغـم من أنـه كان اسمه «الحدباء». وكانت هذه العودة الناجحة؟

- وانفتحت في الوقت نفسه فرصة جديدة لم تكن في الحساب، الدخول في عالم التمثيل السينمائي. جاءتني دعوة تلفونية من المخرج خالد الصديق، كان يبحث عن فنانة لدور في عمله السينمائي «بس يا بحر»، وقد نجح الفيلم نجاحا باهرا , ومثلت بعده فيلم «الصمت» والآن هناك مشروع مع أحد الإخوان من مخرجي الإمارات يُعد لمهرجان السينما الخليجية.

من التمثيل إلى التأليف

  • ممثلة محترفة ناجحة، فلماذا تتجه لمجال آخر، هو الكتابة الدرامية. هل هذا اتجاه لتفصيل أدوار أو تمني أدوار معينة لا يقدمها المؤلفون الآخرون؟

- لا هذا ولا ذاك، فقد كان اتجاهي للتأليف بسبب نابع من داخلي دون أسباب أو ظروف خارجية، كنت قارئة، اشتري الكتب وأحرص على قراءتها، أتابع المجلات، الكتاب صديقي، وبدافع من جو القراءة وكذلك التعامل مع الشخصيات التي مثلتها، نشط خيالي، كنت أسرح وأرى نفسي في أماكن أخرى، أسطر ما في خيالي وأحلامي، أمر في حالة نفسية، أرتبط بالأشياء والناس، مثلا كان عندي سيارة قديمة أتعبتني ولكن يصعب علي التخلي عنها، فكتبت خاطرة، في الوقت نفسه أقرأ وأنقل وأخزن الأفكار التي أقرؤها وأعجب بها من مجلة وجريدة وأضيف إليها.

كثرت أفكاري، في أواخر السبعينيات، أقدمت على محاولة تقديم عمل درامي، كنت أراها مغامرة، وجاء أول عمل كتبته إذاعيا. صعبت علي المواجهة، خفت من النقد الجارح لذا اخترت اسما مستعارا: وفاء أحمد. تفاعل الجمهور والممثلون بما كتبت، وقدمت العمل الثاني بالاسم المستعار. واقترح عليّ المرحوم على المفيدي ومنصور المنصور، أن أصرح باسمي ففعلت.

لقد ساعدتني خبرتي التمثيلية على كتابة الحوار وأحكمت نسج السيناريو، وأصبح لدي إحساس مناسب في ترتيب الأحداث الدرامية. ولم أكن في عجلة من أمري، فعودت نفسي على العمل ببطء حتى تتحقق الدقة والمراجعة.

ومن الكتابة للإذاعة انطلقت فكتبت للمسرح مسرحية «شيكات من غير رصيد». ومنها إلى الكتابة للتلفزيون، بدأت بالسهرات (عام 1988). ومن المفارقات التي أذكرها أنني كتبت ونفذت عددا من السهرات هي: «الأمل الضائع»، «إنهم أحباب»، وغيرهما. وأعدّت للعرض، وتم تسليمها يوم الأربعاء 1/8/ 1990، ويوم الخميس جاء الاحتلال العراقي. واختفت النسخ لولا أن أحد الزملاء، المرحوم خليل إسماعيل، احتفظ بنسخة خاصة استطعنا أن نعرضها بعد التحرير.

وواصلت الكتابة، فحققت نجاحا توج بحصول مسلسلي «الدردور» على جائزة الدولة التشجيعية.

  • حياة الفهد الممثلة، في اتجاهها للكتابة، هل ترى أنها تضيف شيئا غير محقق في الساحة الفنية؟

- اتجاهي للتأليف أصلا كان بعيدا عن الخضوع إلى حاجة السوق، فالنصوص متوافرة، وكنت فنانة مطلوبة ولكن حب الأدب إضافة إلى أن الكتابة تعطيني فرصة البداية من القضايا التي أرى تناولها، فقد أردت الاقتراب من رجل الشارع، قضاياه، أكتب عن الإنسان البسيط لأن الطبقات الأخرى قادرة على حل مشاكلها ولكن هذا الإنسان البسيط يجب ألا يترك لوحده، إنه بحاجة إلى الكتّاب الذين يستشعرون حاجاته.

لقد كتبت، مثلا، مسلسل (الخراز)، وفيه وقفت عند ذلك الجيل القديم الذي عركته الحياة فعرف قيمة العمل، مهما كان بسيطا، كان رجلا مخلصا نظيفا، يحب أسرته على طريقته، حكيماً، يتمنى لها الأفضل والصحيح، وعندما أحس باتجاه أولاده المادي لم يكشف ثروته الحقيقية، حتى لا يعتمدون عليها. ليبنوا أنفسهم بأنفسهم. تمسك بمنزله القديم، ودكانه ومهنته التي يخجل منها أبناؤه، وعندما استجاب لهم ظاهرا وحققوا ما يريدون، أرادوا التخلص منه ومن أمهم بوضعهما في دار المسنين، وفي الطريق طلب المرور على أحد البيوت الحديثة. كاشفا عن بيته الجديد وثروته.

المهم أن هذا العمل كان له نتائج أفرحتني: اتصل بي من فعل الفعل نفسه، وسعوا لإعادة أهلهم من دار المسنين. وأخوان متخاصمان أثرت بهم رسالة مسلسل (الخراز) فتصالحا.

كان شيئا جميلا أسعدني، بجانب النجاح الفني للمسلسل.

هذا أجدى من الهروب من مواجهة الواقع وحصره في القضايا الاستثنائيـة، مهما كانت أهميتها، مثل المخدرات، والشواذ والمجرمين .

  • سؤال آخر أخير متصل بنشاطاتك الكثيرة، اتجه عدد من الفنانين - وأنت منهم - إلى الدخول في غمار الانتاج؟

- مع أنه كانت لدي رخصة إنتاج مشتركة مع الفنان المرحوم سالم الفقعان، وقدمنا عددا من الأعمال: «الدكتور»، «شهادة للولد»، ولكن هذا الموضوع لم يشغلني كثيرا وقد تركته لسنوات، ولكن الذي أعادني إلى الانتاج بقوة حرصي على النظر إلى العمل ككل، وليس فقط منحصراً في دوري، فلكي يكون العمل متميزا لابد أن تتكامل عناصر الإنتاج، كنت أجلس مع الكاتب والمخرج والمنتج، يضايقني أن يكون العمل فقيرا؛ مثلا اللجوء إلى ممثلين ثانويين للاستفادة من الأجور القليلة، الاقتصار على مكان أو مكانين في التصوير. كنت أعمل وأنا غير مرتاحة لعدم تلبية حاجة العمل كما يجب، لذا رأيت أنني إذا كنت المنتجة سأطلق يدي فالمادة تذهب، ولكن العمل يبقى خالدا والمادة تختفي وتنتهي. كنت من عشاق الأفلام القديمة التي ألمس فيها مظاهر دلائل الإنفاق السخي. أنتج على راحتي أحس بالفنان وأقدر جهده. لقد كتبت «الخراز» و«الفرية» و«الداية»، وكلها كان العاملون فيها من النجوم المعروفين، ولم أكن بخيلة في الإنتاج.

  • في الختام، سألتها عن حصاد هذه الرحلة؟

- حصادها هو: «أحبب عملك يتحقق القبول من الناس فالنجاح».

الأمر الثاني - الحذر، ففي عمل مثل عملنا نتعرض لسوء الفهم، فمثلا، عندما بدأت التمثيل كنت حذرة فوالدي كان كفيفا، وكنت أخشى أن ينقل إليه الناقلون صورة غير دقيقة أو خاطئة عما أعمل، كنت حذرة بحيث لا يكون هناك ممسك.

بطاقة تعريف: حياة الفهد....

فنانة كويتية رائدة، دخلت مجال فن التمثيل عام 1963، زمن كانت خطوات المرأة محاصرة بدقة. سجلت اسمها بارزا في المسرح ومجالات التمثيل الأخرى من تلفزيون وسينما، دخلت مجال التأليف والإنتاج الدرامي فنجحت أعمالها.

حصلت على عدد من الجوائز:

  • جائزة الدولة التشجيعية من دولة الكويت.
  • شهادة الدولة التقديرية لدولة الكويت.
  • شهادة تقدير من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون أكثر من مرة.
  • درع التميز من أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى.
  • تكريم من الإمارات العربية المتحدة.

 






حياة الفهد وسليمان الشطي.. حديث الذكريات





بعد أن اختفت المرأة الجاهلة كبرت المسئولية، وانصرف كثير من الرجال إلى الديوانية التي أصبحت الأسرة الثانية للرجل. لازم دور الأم حياة الفهد في الأعمال التليفزيونية





كان آخر نجاح نفخر به هو حصول المرأة على حقها في المشاركة السياسية ووصول أربع نساء إلى البرلمان بالانتخاب، ودخول ثلاث نساء آخريات إلى الوزارة





أنا وهي من جيل واحد، كان زمنا عقله الواعي ينظر ويعمل لكل جديد ومجتمع بالرغم من قيود التاريخ المثقلة يتفتح، يرى، يتشوق، يتأمل، يتمنى، يطمح، ويتحدى





حياة الفهد





حياة الفهد في مشهد من أحد مسلسلاتها