نحن والفكر العربي
طالعت مقال الأستاذ مأمون شحادة في العدد 615 - فبراير 2010 من مجلة «العربي» واشتمل رؤية للأستاذ محمد عابد الجابري بعنوان «نظرة فاحصة في إشكاليات الفكر العربي» ولعلني أقول: 1 - كيف ننظر عربيا للمستقبل، في ظل آليات النظام العالمي الجديد، الذي يحمل في طياته الكثير من الطروحات والمتغيرات والتداعيات، والتي تؤثر سلبا على حاضر ومستقبل الأمة، حتى أصبحت الأمة بحاجة ماسة إلى الخروج من أزماتها الراهنة. وما تعانيه الأمة العربية من نقاط التمزق والضعف والتشتت بسبب غياب توحد السياسات والتحرك بالقطرية، وعدم تداول السلطة، وغياب نزاهة الانتخابات. عقارب الساعة لا تعود للماضي، والتغني بالماضي له خطورته، لأن الماضي آن له أن يعانق الحاضر ليتجه نحو المستقبل. كما أن الحسابات الخاطئة بالشعارات والصراعات الضيقة والنزاعات الحددوية وحمل عصا المارشالية.. إلخ، تدمر ولا تبني. وكلها جوانب ضعف في الفكر العربي، حتى باتت بلدان الأمة كيانات ضعيفة عاجزة عن الإنتاج والتنمية. 2 - ننظر لمعادلة الفكر العربي، والقضية الفلسطينية، هل نتذكر إعلان قيادة الرئيس ياسر عرفات في تونس بالدولة الفلسطينية عام 1988؟ ومضى على الإعلان 22 عاما فما الجديد؟ هل مسار مدريد 1991، وأوسلو 1993 حقق شيئا في معادلة الأرض بالسلام، وإسرائيل لا تنشد السلام، وتجيد تزييف الحقائق، وحركة التاريخ، وإسرائيل مع الحكم الذاتي الفلسطيني بلا دولة لها سيادة، ومع تفكك النظام العربي ونجحت فيه مع زمن اتفاقية كامب ديفيد الأولى، ووادي عربة وأوسلو. إذن، هل تغير شيء في السياسات الإسرائيلية منذ زمن بن جوريون وليس نهاية بزمن نتنياهو حتى الدولة الإسرائيلية التي قامت في العام 1948، وجدها بن جوريون أنها لا تتطابق مع الصهيونية بمسمى «أرض الميعاد». إذن ماذا حقق الفكر العربي لحل أزمة الشعب الفلسطيني؟ 3 - الفكر العربي، هل له أدب الحوار؟ وتفاهم وتبادل للرأي، وللحوار سلوكيات وآداب، كما أنه بين طرفين، كل طرف يبدي رأيه، والحوار ليس تشبثا بالرأي، أو تعصبا للفكر، إنما تداخل أفكار وآراء، للتحرك بما فيه مصلحة الأمة، ونحن نسمع في عالم اليوم نقاطا عن الحوار. حوار الأديان، حوار الثقافات، حوار الحضارات، بعد المتغيرات العالمية في السياسة والاقتصاد والاجتماع.. إلخ. لذلك، هل حققنا تجديدا في الفكر العربي، من أجل معرفة لماذا تأخر العرب وتقدم الآخرون؟ أين تداول السلطة لتحقيق الحكم الصالح؟ بل متى نعيد الفهم الصحيح للإسلام، لأن إشكالية الفهم الخاطئ للإسلام أضعفت الأمة. والإسلام دعوة تحريرية لامتلاك تخطيط علمي موضوعي متفهم للواقع، وتجمع الطاقات والابتعاد عن هوى الفكر ولغة الانفعال. كما أن الحضارة نتاج حركة أبناء مجتمع، فأين الفكر العربي الذي يحقق التنمية البشرية واستغلال الوقت باستثماره، لأن كل حقبة زمنية تذهب لا رجعة إليها. وفي الإسلام دعوة إلى: أ - وحدة البشرية، والمساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم. ب - قبول التنوع الثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب، من أجل تقدم الإنسانية. جـ - احترام الأديان السماوية وحفظ مكانتها، ومكافحة استخدام الدين لإثارة التمييز العنصري. 4 - الفكر العربي هل له نتاج لتشخيص مداخل التحرك السياسي العربي، وإن وجد، هل يؤخذ به، لأنه يجب أن نميز ما بين طبيعة الأهداف وطبيعة الوسائل لنجاح العمل العربي، كما أن الأصالة والمعاصرة تعني قراءة الواقع، والفكر اختيار موقف وأسلوب لنظام حياة. لذلك، حينما يجهل الفكر العربي قيمة التنمية البشرية بأركانها الرئيسية: الصحة والسلامة والتحصيل العلمي، والنهوض بالمجتمع، فما قيمة الفكر كنظرة مستقبلية «والدراسات المستقبلية مجال للتخطيط المرحلي وصولا للأهداف والغايات التي تضبط إيقاع الحركة المجتمعية». والفكر العربي هل له دور نحو تنمية التربية الأخلاقية، وهي التي تلعب دوراً أساسيا نحو تنمية المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، والتربية تمثل نظام سلوك، والعقل العربي حينما ينظر لجغرافيا العرب بالتعليم، والاقتصاد والسياسة والثقافة يجد الجغرافيا ممزقة. 5 - هل الفكر العربي ساهم في مجال الوعي المجتمعي من أجل تحقيق فلسفة التداول وفلسفة التداول لها وسائل منها: قيمة التعددية السياسية، الانتخابات النزيهة، لأن السيادة ملك الجماهير، والسلطة ليست حقا شخصيا للحاكم، إنما هي وظيفة يمارسها نيابة عن الشعب، والسلطة مؤسسة قائمة بذاتها وشخصيتها مستقلة عن ذوات الحكام، وهم يتعاقبون وفق رغبة الشعب، وهم يتبدلون فيما تبقى المؤسسة ثابتة لا تتغير. ولذلك حينما تفقد الانتخابات الشفافية والنزاهة، وتشهد سيلا من التزييف والتزوير أو إقصاء المنافسين، وسياسات القمع والتخويف، فإن فلسفة التداول ستظل غائبة، وغياب فلسفة التداول بعلم السياسة، بيان بأن السياسة تمثل نشاطا سلطويا محوره السلطة وليس الإنسان. 6 - هل الفكر العربي ساهم في مجال الوعي المجتمعي من أجل تحقيق فلسفة التداول وفلسفة التداول لها وسائلها: 7 - الفكر العربي هل له جردة حساب، فيما أنجز وفيما أخفق، لأن هدف الفكر نشر الوعي السياسي والثقافي والحضاري بحرفية وموضوعية، والفكر بمنزلة المنبر الذي يعبر عن الطموحات والآمال ليدخل القلوب والعقول والسياسات، لأن الهدف المستقبلي أن نتحرك بإراداتنا وخياراتنا وقراراتنا، لأن التسلح بالفكر له أكثر من معنى إنساني، خاصة أن السياسات العالمية تدار بأصابع خفية وتنشد تطويق حركة الأمة، وحاضر ومستقبل الأمة بحاجة إلى سلام حقيقي. ومن هنا مادام العقل يفكر ويتأمل ويعتمد على منهج تناول المعرفة، فإن لحركة الأمة لغة تفاعل، والإنسان إن ابتعد عن العلم والمعرفة تنازل عن إنسانيته. ونحن بحاجة إلى المواءمة بين الأصالة والمعاصرة من أجل امتلاك صحوة إيجابية، صحوة ترتبط بمسار الفكر، صحوة تجديد، وكل مشكلات حاضر الأمة ترجع لغياب المنهجية الفكرية، وغياب تصويب ضعف الحركة. يحيى السيد النجار
دمياط - مصر