رحلة ألمانيا إلى مكة

رحلة ألمانيا إلى مكة

لقد قرأت المقال الذي كتبه الأستاذ صلاح سليمان في العدد «614 - يناير 2010» من مجلة العربي الغراء.

واسترعى انتباهي ما ورد فيه من حوار وآراء مع الرحّالة والصحفية الألمانية كريستيانا بيكر التي أسلمت في عام 1995 وحجّت وزارت أرض الحرمين مرتين، وألّفت كتابها «رحلة ألمانيا إلى مكة» من MTV إلى مكة، وقد نجح هذا الكتاب وهي تفكر في إصدار كتاب آخر.

ولقد جعلني هذا المقال أفكر في المستشرقة الألمانية الراحلة أنا ماري شيمل التي كانت عاشقة للحضارة الإسلامية والتراث العربي والإسلامي، وكانت تجيد ثماني عشرة لغة منها اللغة العربية، وقد فازت بجائزة السلام، وهي أعظم وأشهر جائزة في ألمانيا، وكان مبلغها 50 مليون مارك آنذاك.

وقد حوّلت هذا المبلغ توّا كمنحة للطلبة العرب والمسلمين في ألمانيا. كنت أتابع المسيرة العلمية لأنا ماري شيمل، وكنت أنتظر إسلامها، لأنها كانت تحب العرب والمسلمين، وزارت معظم الدول العربية والإسلامية، وكانت تعشق التصوّف ورجاله، إلا أنها قد توفيت منذ حوالي خمس سنوات، وكتبت عنها، بالمناسبة، مقالاً نشر في مجلة «منار الإسلام»، بيد أن كريستيانا بيكر قد هداها الله إلى الإسلام، وهناك العدد الهائل من الألمانيين من الرجال والنساء يعلنون إسلامهم عن اقتناع وبحث وعلم، منها الأستاذة الصحفية كريستيانا التي تفكر في اتجاه التقريب بين الثقافات، ولاسيما بين العربية والألمانية عن طريق الترجمة، وتريد أن يكون الكتاب مترجماً بشكل دقيق حتى يستوعب الناس كل ما كتبتْه.

وهذه الفكرة هي التي سارت عليها الراحلة أنا ماري شيمل، وكانت ترى أن المترجم عليه أن يدرس لغته الأم دراسة وافية، لأن المترجم الناجح لا يستطيع إلى ذلك سبيلا دون أن يكون قد تحكّم تماماً بلغته الأم، وعلى المترجم ألا يقتصر على نقل الكلمات ورصّها كحبات الخرز بعضها بجوار بعض، بل عليه أن ينقل روح النص كما تحتّمه عليه لغته الأم.

وقد ورد في المقال أيضاً قضية تشويه صورة المسلمين في الغرب، وترى بيكر أن ذلك يعود إلى العنف لأن الإسلام حرّم العنف والاعتداء على الناس وعلى الديانات وعلى الأنبياء والرسل، وعلى القرآن، وإني أرى أن بيكر صادقة فيما ذهبت إليه حول العنف، لأن الإسلام دين السلام، وليس دين الإجرام. ولكن ما نراه ونسمعه في العالم في الصحف والمجلات والفضائيات من الاعتداء على الإسلام والقرآن والرسل والأنبياء كما حدث في الدنمارك وهولندا، حيث يسيئون إلى شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا اعتداء سافر وهجوم حاقد.

فالباري جل وعلا ينزّه هؤلاء الأنبياء والرسل عن تسفيه هؤلاء الأغبياء والحاقدين، فالأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أخوة، ونحن نؤمن بالأنبياء والرسل جميعاً، لا نفرّق بين أحد منهم.

نعم، إن كريستيانا بيكر ترى أن الدور الذي يجب أن يساهم في التعارف بين الثقافات والحضارات هو التفتح والاتصال بين الشعوب والاهتمام بالتعليم والتثقيف، وتعلم اللغات الأجنبية كالإنجليزية والألمانية وغيرهما، كما أن كريستيانا بيكر، قد تأثرت بالثقافة الإسلامية وهي تحب الفنون الجميلة وتتقن بعض الرسومات والآيات القرآنية المكتوبة بخط جميل، وتحب زيارة البلدان العربية، إن أنا ماري شيمل كانت هي أيضاً تعشق الأغاني الصوفية والشعر الصوفي، وأعجبت بجلال الدين الرومي. أما كريستيانا بيكر فكانت تحب بشكل كبير الموسيقى الصوفية التي تدفعها إلى البكاء، وتحب الأكل الشرقي وتتقنه، وقد فازت بالجائزة الأولى عن طهي الطعام.

الواقع أن ما وصلت إليه كريستيانا بيكر من حالات إيجابية وإنجازات علمية يدعو إلى الغبطة والانشراح والسرور والحبور. لقد تمكنتُ بإذن الله في عام 2007 من أداء فريضة الحج فرأيت هناك العدد الكبير الهائل من المسلمين وهم في الأصل أجانب قد هداهم الله إلى الإسلام، وقد استرعى انتباهي الحجاج الألمان حول الكعبة وحول سطح مكة يطوفون ويدعون الباري. ما أجمل هذه الحالات الإيمانية الإشراقية، ولاسيما عندما يكون الحجاج من أصول أوربية!.

عبدالسلام سومع - المغرب