قطوف دانية.. إلى الذين يودون أن يتذكروا هؤلاء الشعراء أحمد السقاف

قطوف دانية.. إلى الذين يودون أن يتذكروا هؤلاء الشعراء

8 - الأعشى
الأعشى كنيته أبو بصير واسمه ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل وينتهي نسبه إلى قبيلة بكر بن وائل ثم بمعد بن عدنان. ولد في اليمامة وطوف كثيرا في أقاليم الجزيرة العربية والحيرة والشام، ولقب بالأعشى لضعف إبصاره في الليل، وكان يسمى صناجة العرب لجودة شعره وتغنيه في إلقائه. وسئل يونس النحوي من أشعر الناس قال لا أومئ إلى رجل بعينه، ولكني أقول امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب. ولا شك أن الكثيرين كانوا يفضلون الأعشى على أقرانه من شعراء الجاهلية، وقد أدرك الإسلام ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فسأله أبو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يريد؛ فقال أردت محمدا لأسلم قال أبوسفيان إنه يحرم عليك الخمر والزنى والقمار فقال الأعشى أما الزنى فقد تركني ولم أتركه وأما الخمر فقد قضيت منها وطرا وأما القمار فلعلي أصيب منه عوضا، فقال له أبوسفيان فهل لك إلى خير من هذا؟ قال وما هو؟ قال بيننا وبينه هدنة فترجع عامك هذا وتأخذ مائة ناقة فإن انتصر بعد ذلك أتيته. فوافق على الاقتراح وسار مع أبي سفيان إلى داره فجمع أبوسفيان وجهاء قريش وقال لهم هذا الأعشى بن قيس لئن وصل إلى محمد ليؤلبن عليكم العرب قاطبة فجمعوا له مائة ناقة فانصرف ولما بلغ اليمامة ألقاه بعيره فقتله، فمات على وثنيته ومن اعتقد أنه اعتنق النصرانية فقد جهل الأعشى وحمل شعره ما لم يذهب إليه، وعمر ثمانين عاما أو أكثر وكان الأعشى قد أعد قصيدة ليلقيها أمام محمد صلى الله عليه وسلم وهذه أبيات منها:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت لما بات السليم مسهدا

فآليت لا أرثي لها من كلالة

ولا من حفي حتى تزور محمدا

متى ما تناخي عند باب ابن هاشم

تراحي وتلقي من فواضله ندى

نبي يرى ما لا ترون وذكرُهُ

أغار لعمري في البلاد وأنجدا

وقد شاء حظه العاثر واهتمامه بالمال أن يموت هذه الميتة وهو مشرك لم يحظ بنصيب في الدفاع عن الإسلام والمسلمين بشعره الذي له مقامه بين العرب، ولا عجب فقد قيل عن هذا الشاعر المفلق إنه ما مدح أحداً إلا رفعه ولا هجا أحداً إلا وضعه، ولا أدل على هذا من قصيدته في المحلق وهو رجل فقير خامل الذكر، قيل إن زوجته قالت له لقد علمت أن الأعشى قد وصل اليوم للمشاركة في عكاظ ومعه نفر من أصدقائه، وأنت في حال لا تسر ولدينا بنات لم يقبل على الزواج منهن أحد؛ فلو بادرت إلى دعوته ونحرت له الناقة لتحدث عنك بين القبائل العربية ورفع ذكرك وشأنك. فقصده المحلق ودعاه وأنزله في بيته ونحر له الناقة، وهيأ له الشراب؛ فأكل هنيئا وشرب مريئا مع رفاقه وفي اليوم التالي قصد عكاظ وأنشد قصيدة يمتدح كرم المحلق فتدافع الناس إلى المحلق يهنئونه وتسابق الأشراف يخطبون بناته وها هي القصيدة التي تحدثت عنها كثير من المصادر

أرقت وما هذا السهاد المؤرق

وما بي من سقم وما بي معشق

نفى الذم عن آل المحلق جفنة

كجابية الشيخ العراقي تفهق

ترى القوم فيها شارعين وبينهم

مع القوم ولدان من النسل دردق

لعمري لقد لاحت عيون كثيرة

إلى ضوء نار باليفاع تحرق

تشب لمقرورين يصطليانها

وبات على النار الندى والملحق

رضيعي لبان ثدي أم تحالفا

بأسحم داج عوض لا نتفرق

ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه

كما زان متن الهندواني رونق

وله من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر أخا النعمان بن المنذر وكان قد أغار على أسد وذبيان وأغار على الطط وسبي من قوم الأعشى، والأعشى غائب، فلما جاء أنشده القصيدة وطلب إطلاق الأسرى ففعل:

لا تشكي إليَّ من ألم النَّسعِ

ولا من حفي ولا من كلالِ

لا تشكي إليَّ وانتجعي الأسْودَ

أهْل النَّدى وأهل الفعالِ

فرعُ نبعٍ يهتزّ في غُصْن المجد

غزيرُ النَّدى شديدُ المِحالِ

عنده البِرُّ والتُّقى وأسا الشَّقِّ

وحَمْلٌ للمعضلات الثقالِ

وصلاتُ الأرحامِ قد عَلِمَ النَّا

س وفكُ الأسرى من الأغلالِ

وهوانُ النفسِ الكريمةِ للذكر

إذا ما التقتْ صدورُ العوالي

ووفاءٌ إذا أجَرْتَ فما عَزَّ

تْ حبالٌ وصلتها بحبالِ

وعطاءٌ إذا سألتَ إذا العِذْرةُ

كانتْ عطيةَ البُخَّالِ

أريحيٌ صَلْتٌ تظل له القومُ

ركوداً قيامهم للهلال

إن يعاقبْ يكنْ غراما وإنْ يُعْطِ

جزيلا فإنه لا يبالي

أما معلقته التي سار بها الركبان واحتلت مكانتها بين المعلقات فهي أربعة وستون بيتا وهذه بعض أبيات منها:

ودِّعْ هريرة إنَّ الركْبَ مُرْتَحَلُ

وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرجُل

غراءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها

تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل

كأنَّ مشيتها من بيت جارتها

مَرُّ السحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ

ليست كمن يكره الجيرانُ طلعتها

ولا تراها لسر الجار تَخْتَتِلُ

يكادُ يصرعُها لولا تشدُّدُها

إذا تقوم إلى جاراتها الكسلُ

إذا تقوم يضوعُ المسكُ أصْوِرةً

والزَّنبقُ الوَرْدُ من أردانها شَمِلُ

يضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شرقٌ

مؤرَّزٌ بعميم النَّبْتِ مكتَهلُ

يوماً بأطيبَ منها نَشْرِ رائحةً

ولا بأحْسَنَ منها إذ دنا الأُصُلُ

 

أحمد السقاف

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات