استئصال المرارة بالمنظار تحفظات على صرعة طبية أحمد عبدالمنعم عربود

استئصال المرارة بالمنظار تحفظات على صرعة طبية

تقليعة جديدة ظهرت في الآونة الأخيرة جراحة المناظير أو ما يعرف بجراحة اليوم الواحد. ويقصـد بهذا التعبير استخدام المنـاظير الجراحية لإجراء العمليات الجراحية بدلا من الطرق التقليدية المعروفة.

ولعل أكثر تلك العمليات شيوعا واستحواذا على نصيب كبير من الدعاية واهتمام الكثيرين هي منظار استئصال المرارة، والتي أجريت لأول مرة في مدينة "ليون" بفرنسا عام 1987 م. ولقد ابتكر الإنسان مناظير بسيطة استخدمها في التشخيص في بداية الثلاثينيات من هذا القرن وكانت عبارة عن أنبوب يتم إدخاله إلى الجزء المراد فحصه بعد تزويده بمصدر ضوئي بسيط. وأخيرا كانت التقنية الحديثة في تصميم المناظير واستخداماتها حتى صارت غاية في الدقة والتخصص والتعقيد. فعـرفنـا منـاظير للمفـاصل وأخـرى للقنوات المراريـة والبنكـريـاسيـة والقصيبات الهوائية وما لا يقع تحت حصر.

والمنـاظير إمـا تشخيصيـة أي تستخدم في تشخيص المرض والتي يتمكـن الطبيب خـلالها من رؤيـة العضـو المراد فحصـه رؤى العين خـلافـا لما تقوم بـه الأشعة مثلا من إظهار المرض بطريقة غير مباشرة وقد تعجز في أحيان كثيرة عن إظهاره بالمرة. وإما مناظير علاجية وهي المستخدمة في العلاج، ومثال ذلك حقن دوالي المريء وذلك بتوصيل المادة المراد حقنها لوقف النزيف عبر أنبوب دقيق داخل المنظار ليصل إلى سن إبرة غاية في الدقة تنغرز بطريقة موجهة خلال المنظار إلى مكان حقن الدوالي حيث يتم إفراغ المادة المحقونة فيها.

أما في مجال جراحة المسالك البولية فهناك أمثلة كثيرة لاستخدام المنظار من ذلك إزالة حصوة صغيرة محشورة أسفل الحالب وذلك باستخدام ملقاف خاص يدخل عن طريق المنظار دون اللجوء إلى إجراء عملية جراحية كبيرة تستغرق الوقت والجهد وتعرض المريض لكثير من المخاطر.

ومثال آخر شائع وهو استئصال البروستاتا جزئيا لتوسيع مجرى البـول في حالة تضخـم البروستاتا دون اللجوء إلى العمليات الجراحية التقليدية وهو ما يعرف بـ (TUR) بحيث يتمكن المريض- وهـو- غالبا من كبار السن- من مغادرة المستشفى خلال فترة وجيزة مع التقليل من المضاعفات.

نعود مرة أخرى إلى ما بدأناه حول أكثر العمليات شيـوعـا وهي عمليـة استئصال المرارة بالمنظار.

وتتم هذه العملية عن طريق ثلاثة أو أربعة ثقوب في بطن المريض يتم عن طـريقها إدخـال آلات دقيقة دون الحاجـة إلى إدخال يد الجراح إلى التجـويف البطني أو إدخـال فـوط أو شـاش ومـا يستتبع ذلك من احتمال نسيـان إحداها. ولكي يتحرك المنظار بسهولـة داخل تجويف البطن وليتم فصل الأحشاء عن بعضهـا تنفخ البطن باستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، والمنظار مزود بكاميرا فيـديو خاصـة تنقل كل ما يدور حول الأحشاء وحركة المنظار إلى شاشة تليفزيونية أمام الجراح مع تكبير الصورة إلى حوالي عشرين ضعفا.

بين مؤيد ومعارض

والآن لعل القارئ الكريم يسأل ولماذا يضيق الجراحون على أنفسهم باستخدام تلك المناظير وعندهم من الطرق التقليـدية التي تدربوا عليهـا ما يمكنهم من استئصال المرارة بأمان واقتدار؟!.

ولعل ذلك التساؤل هو ما جعل الجراحين ينقسمون أمام استئصال المرارة بالمنظار إلى مؤيد لاستخدام المنظار ومعارض ومتحفظ وذلك بعد فترة ليست بالقصـيرة من استخدام المنظار. أما الفريق المؤيد فيرى في استخدام المنظار أمانا تاما مع التقليل من حجم الجرح وتقليل مدة إقـامة المريض في المستشفى ليوم واحد أو سـاعات معدودة يعود بعدها لممارسة نشاطه، كـما يزعمون أن هذه الطريقة تقلل الألم بعد العملية بنسبة 90% مع مناسبتها لكل الأعمار وتصلح أكثر لمرضى القلب والسكر والكبد كما يمكن إجراء عمليات أخرى بالمنظار مثل استئصال الزائدة الـدودية والفتق وقرحـة المعدة والاثني عشر دون اللجوء إلى استخـدام فتحات أخرى. كما يزعمون أن العمليـة لا تستغرق وقتا طويلا مما يرفع من الحالـة النفسية للمريض. فهو يتحرك بعد 4 ساعات ويشرب بعد 5 ساعات ويتناول طعامه بعد 12 ساعة. ناهيك عن البعد عن تناول الأحشاء بالأيدي وتلامسها مع الفوط والشاش التي تسبب الالتصاقات فيما بعد ولعل هذه الأخيرة هي أهم ميزة لاستخدام المناظير.

أما فريق المعارضين فعنده أسباب موضوعية:

فلقد حضر إلى القاهرة أحد الأطباء البريطانيين الكبـار ويشغل منصب أستاذ الجراحـة بمستشفى "ويسترن جنرال" بأدنبره بدعوة من إحدى شركـات الآلات الطبية الجراحية وأجرى بالقاهرة خمسا وعشرين جراحة توفي في إحداها مريض شاب عمره 34 عاما نتيجة ربط القنوات المرارية أثناء العملية وهو ما لم يحدث من قبل في الجراحة التقليدية لاستئصال المرارة). (يقول د. خيري صابر استشاري الجراحة بالأكاديمية الطبية المصرية: أجريت دراسة تحليلية بين 684 حالة استئصال المرارة بالجراحة المحدودة بالقاهرة خلال السنوات الخمس الماضية وبين 1518 حالة أجريت بالمنظار في أمريكا خلال السنوات الثلاث الماضية واتضح أن المضاعفات الناتجة عن المنظار أكثر من الجراحة المحدودة وأهمها حـدوث نزيف وربط أو قطع القنوات المرارية مما قد يؤدي إلى الوفاة.

كما توفي مريض بمستشفى "كنكز كوليدج" بلندن بسبب التهاب بريتوني مراري وهو ما لم يحدث أثناء الجراحات العادية أو المحدودة، كما أن تكاليف إجراء العملية بالمنظار باهظة إذا قورنت بالجراحات التقليدية.

ويضيف د. رفعت كمال أستاذ الجراحة بطب عين شمس ورئيس الجمعية العالمية لجراحي أمراض الكبد أن العالم يتجـه الآن للمناظير ولكن مضاعفات استئصال المرارة تصل من 4 إلى 8% وتكاليفها باهظة والمستفيد الأولى هو شركات الآلات الجراحية ويؤكد أنى ضغط وسائل الإعـلام وشركات الآلات الطبية وراء الترويج غير الواعي لهذا الأسلوب الذي تحفه المخاطر كـما حذر من استخدام المنظار في استئصال المرارة في مريض مصاب بتليف كبدي.

أما فريق المتحفظين فيرى أن الجراحة بالمنظار كأي جراح أخرى لها مخاطرها وهو ما يحتاج من الجراح إلى تدريب كاف قبل التصدي لإجراء مثل هذه العمليات بمفرده.

هل أسهل الطرق أسلكها؟

ولعل كفة المعارضين ترجح إذا علمنا أن جراح المرارة التقليدي قد يجد صعوبة بالغة في استئصالها في بعض الحالات بالرغم من الفتحة الكبيرة وامتداد يده ويـد مساعديه وآلاته لتصل إلى كل جزء يريد الوصول إليه فما بالك بمن يستأصل نفس الحالة من خلال ثقب ضيق بآلة عن بعد لا تمكنه من السيطرة المباشرة والسريعة لكل ما يوجهه من صعاب؟!

ولا شك أن أسهل الطرق أسلكها وآمنها خاصة ونحن بصدد التعامل مع روح آدمي لا يحتمل التجربة. وإذا كان المنظار يقلل من اتساع فتحة الجرح في البطن فلسنا بصدد إجراء عملية تجميل في الوجه أو الأنف!! كما أن بعض حالات المنظار استغرقت ما يقرب من أربع ساعات!! هذا بالنظر إلى الوقت. وإذا علمت أنه لا بد من وجود حجرة عمليات تقليدية على أهبة الاستعداد للتدخل الجراحي السريع بجوار حجرة المنظار إذا ما عن للجراح أي مخاطر قد تودي بحياة المريض مثل حـدوث نزيف لا يمكن السيطرة عليه أو قطع للقنوات المرارية لوافقتني أن جراحة استئصال المرارة بالمنظار هي نوع من الترف العلمي لاكتساب مهارات جديدة ولتميز طبقة خاصة واستئثارها بذلك النوع من الجراحة!! وكأنهم إنما يتركون الأرض الممهدة ويسيرون فوق الحبال. وأخيرا أدعو الله لك عزيزي القارئ أن تعافى حتى لا تقف في مفترق الطرق بين مؤيد أو معارض، أو حتى متحفظ ولتدع الأيام تحكم بينهم فيما هم مختلفون، ونـدعو الله أن يعافينا جميعا..

 

أحمد عبدالمنعم عربود

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




استخراج المرارة بالمنظار عن طريق عمل فتحات في جدار البطن





استخراج الغدد اللمفاوية المريضة بالحوض باستخدام المنظار في حالات سرطان البروستاتا