المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

  • حدث.. زويل يدشن جمعيته العلمية في الإسكندرية

بهدف الارتقاء بالتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة، والمساهمة في نشر الثقافة العلمية، وتعزيز أهمية البحث العلمي، والعمل على تحقيق التواصل بين العلماء المصريين في الداخل والخارج، والمساهمة في حل مشكلات المجتمع، وتقديم مقترحات بالحلول المناسبة، قام العالم الدكتور أحمد زويل، الحائز جائزة نوبل في الكيمياء، بتأسيس جمعية «عصر العلم» في القاهرة، التي استضافت مكتبة الإسكندرية خلال شهر يوليو 2010 حفل تدشينها في حضور: عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والدكتور هاني هلال، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتورة هند حنفي؛ رئيس جامعة الإسكندرية، فضلا عن الدكتور أحمد زويل، الرئيس الشرفى لهذه الجمعية، والدكتور عصام شرف؛ رئيس مجلس إدارتها ووزير النقل الأسبق، والدكتور يحيى حليم زكي؛ رئيس القطاع الأكاديمي والثقافي بمكتبة الإسكندرية، الذي ذكر في هذه المناسبة أن اكتشافات زويل في الكيمياء ترشحه لكى يصبح أكبر علماء القرن الحادى والعشرين.

فى حين أوضح الدكتور عصام شرف أن هذه الجمعية، التي تم استقاء اسمها من كتاب للدكتور زويل، هي جمعية أهلية لا تهدف إلى الربح وتعمل على تقديم العلم والبحث العلمي على أنهما حقيقة وضرورة مجتمعية. وأضاف أنها تسعى إلى تشجيع الشباب المتميز لإجراء الأبحاث، وتوفير الإمكانيات اللازمة لتطبيق أبحاثهم وابتكاراتهم. وأضاف بأن من أهداف الجمعية أيضا المساهمة في تنظيم الطاقات العلمية المحلية لخلق قاعدة علمية تكنولوجية مصرية، وعرض تجارب الدول المتقدمة في أساليب الارتقاء بالتعليم، وإعداد الدراسات والإستراتيجيات التي توضح رؤية العلماء واقتراحاتهم للتغلب على مشكلات التعليم.

وفى بداية كلمته حرص الدكتور أحمد زويل على مداعبة عمرو موسى ورجال السياسة الذين حضروا هذه المناسبة قائلاً: أرجو أن تستمعوا إلى صوت العلم ساعة أو بعض ساعة، فلكم أنفقنا من الساعات في الاستماع إليكم. وهنا ضجت القاعة بالضحك وبدأ هو في إلقاء كلمته التي نبه فيها إلى أن لا مستقبل لأمة لا تمنح العلم ما يستحقه من اهتمام. وأضاف: إن تحقيق التقدم المجتمعي لا يتطلب أجيالا كما يدعي البعض، فقد أثبتت التجارب أنه يمكن تحقيق ذلك خلال 20 عاما على أكثر تقدير ببناء قاعدة علمية والإيمان بفكر حديث.

وضرب مثلاً على ذلك بتايوان، التي زارها أخيرا فإذا بها تختلف تماماً عن الصورة التي كانت عليها عندما زارها قبل عشر سنوات.

وعن تحمسه لإنشاء جمعية «عصر العلم» قال الدكتور زويل: أهدف من خلالها إلى خدمة هذا المجتمع الذي أنجبنا، وهى فكرة بعيدة كل البعد عن السياسة، كما أنها لا تستهدف الربح بحال من الأحوال. إنها تسعى في البداية والنهاية إلى دعم البحث العلمي الذي هو أساس أي تقدم سياسي واقتصادي واجتماعي.

وفى كلمته تطرق زويل إلى بحوثه التي أنجزها بعد حصوله على نوبل في عام 1999 وأحدثها الذي يظهر خلال أيام في واحدة من أهم المجلات العلمية الأمريكية حول نظرية الرؤية رباعية الاتجاهات «4 دي»، التي تخدم العديد من القطاعات العلمية مثل علوم الضوء والتشريح والتنقيب عن الآثار والطب والفلك والوراثة.

وأشار زويل إلى أن العالم يتجه في مستقبله القريب إلى علوم «النانو تكنولوجي» واستخدام المعدات التكنولوجية الحديثة التي تساعد في الوصول إلى أشياء لم تكن تخطر ببال. ونبه زويل إلى أهمية توافر الأخلاق في مجال البحث العلمي.

وطالب زويل ذوى الأمر في مجال التعليم والبحث العلمي بضرورة توفير منظومة علمية متكاملة وإشاعة مناخ يساعد على الإبداع، وتفجير طاقات العلماء المتميزين.

وفى نهاية محاضرته أوضح الدكتور أحمد زويل أنه لا تعارض على الإطلاق بين الدين والعلم، وحذر من استخدام الدين كأداة لمنع العقل من فهم العلم والتفاعل معه والابتكار فيه والإضافة إليه.

ومن الجدير بالذكر أن جمعية «عصر العلم» انتهت من وضع خطة للارتقاء بالتعليم والبحث العلمي أفادت فيها من تجارب دول العالم الأكثر تقدما في هذا المجال. ومن المأمول أن تنشئ هذه الجمعية أربعة متاحف علمية في ربوع مصر، كما ستتحمل عبء زيادة المحتوى العلمي مرئياً ومسموعاً باللغة العربية على شبكة الإنترنت.

وتضم الجمعية في عضويتها الشرفية، إلى جانب الدكتور أحمد زويل، الدكتور فاروق الباز، والدكتور مصطفى السيد.

الإسكندرية: مصطفى عبد الله

  • احتفاليات.. عاصمة الثقافة العربية 2010 تحتفي بالمأمون وصلاح الدين والشابي

احتفت العاصمة القطرية الدوحة برموز وطنية إسلامية وعربية طوال العام بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية 2010، وقدمت عرضًا مسرحيًا موسيقيًا تعبيريًا يجمع بين السينما والمسرح من خلال رؤية بصرية جديدة، ويبدأ زمنيا مع تولّي صلاح الدين الأيوبي مقاليد السلطة وينتهي بفتح بيت المقدس ودخولها محررة ممن أسموا أنفسهم بالصليبيين وأسماهم العرب بالفرنجة.

كما كرمت الدوحة الشاعر العربي التونسي الراحل أبوالقاسم الشابي من خلال أوبريت غنائي مدته 80 دقيقة، يعتمد على صور ومقاطع بصرية من خلال عدة لوحات فنية راقصة ذات دلالات إنسانية سامية (طلب الحياة إسعاد الآخرين المرأة والحب والجمال).

وقد انطلقت فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية هذا العام تحت شعار «الثقافة العربية وطناً والدوحة عاصمة»، في 28 يناير 2010 بعرض أوبريت «بيت الحكمة»، استند إلى التاريخ العربي الإسلامي، وقدم خلاصة للقيم الثقافية والمعرفية المؤسسة لتلك الحضارة في رسالة عصرية تخاطب حاضر الأمة والعالم، وتؤكد ضرورة التشبث بتلك القيم التي تجلت أبهى صورها في إنجازات الخليفة العباسي المأمون واهتمامه بالعلم والعلماء، ورجاحة عقله، ومدى ما وصلت إليه الثقافة العربية في تلك الحقبة الزاخرة بالعلماء والأدباء والمثقفين، وصرفه جل وقته في تأسيس ورعاية «بيت الحكمة» الذي جمع له المترجمين من أهم لغات ذلك الزمان، فترجموا له أمهات الكتب في علوم الأمم السابقة من اللغات اللاتينية والإغريقية والسريانية والهندية والصينية، وكون بذلك مركز إشعاع علمي ومعرفي وصل تأثيره إلى سائر أقطار الوطن العربي والإسلامي، وشكل نقلة حضارية ومعرفية عمقت الحكمة وعلوم الطبيعة والرياضيات والفلك في تلك الأقطار وأعطت للبحث العلمي الإسلامي دفعة قوية كانت لها نتائجها في أثر العرب والمسلمين في تاريخ العلوم .

وتتابعت على مدار الشهور السابقة فعاليات الدوحة الثقافية، وكان من أهمها افتتاح معرض اللؤلؤ الذي يتيح لزواره جولة داخل عالم اللآلئ الطبيعية والاصطناعيّة، ويعرض أكثر من 500 قطعة من أشهر اللآلئ في العالم.

وقدمت عروض فنية محلية وعالمية خلال تلك الفعاليات منها: عرض فرقة بهاراتي الهندية، وفرقة الطبول اليابانية، وفرقة كجل الروسية، فضلا عن العروض المسرحية ومنها: مسرحية «القرن الأسود» للكاتب القطري حمد الرميحي. بالإضافة إلى معارض الفنون التشكيلية.

وضمن سلسة أفلام من قطر عرض الفيلم الروائي «دانة»، والفيلم الروائي «الشراع الحزين» فضلا عن عرض بعض الأفلام الوثائقية، والأفلام الروائية العربية والأجنبية ومنها: فيلم «السيد إبراهيم وأزهار القرآن» بطولة عمر الشريف، وفيلم «بابا عزيز»، وهو إنتاج مشترك بين تونس وإيران والاتحاد الأوربي من إخراج المخرج التونسي ناصر خمير. وتنوعت أمسيات الدوحة بين الفنون البحرية، والفنون النسائية التراثية، ومهرجان الألعاب الشعبية. والحلقة النقاشية حول «الثقافة في الخليج العربي: الواقع والمأمول»، وتناولت: التاريخ الثقافي في منطقة الخليج العربي، والحلقة النقاشية «دور المجلات الثقافية في الحراك الثقافي بدول الخليج العربي». وتناولت الندوة الكبرى للفعاليات «إشكالية التراث الثقافي العربي بين حدود الهوية وآفاق العالمية».

واستضافت الدوحة أسابيع ثقافية عربية منها: السوري، والمغربي، والمصري، والعراقي، والسعودي، والجزائري، والبحريني.

ولم تغب عن المهرجان أسابيع ثقافية لبلدان أجنبية ذات علاقة بالثقافة العربية الإسلامية، وخاصة إيران والهند والصين، وأيضاً فنزويلا، وأذربيجان، وإسبانيا.

يذكر أن اختيار العواصم الثقافية العربية تقليد سنوي بدأ العمل به على المستوى العربي عام 1996 بعد أن صادقت عليه اليونسكو، وتقوم فكرته على أن «الثقافة عنصر مهم في حياة المجتمع، ومحور من محاور التنمية الشاملة، وتهدف الفكرة إلى تنشيط المبادرات الخلاقة، وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة العرب الثقافية، وتنمية ما تقوم به من دور رئيسي في دعم الإبداع الفكري والثقافي، تعميقاً للحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيز قيم التفاهم والتآخي والتسامح واحترام الخصوصية الثقافية»

  • كتاب.. الطاهر بن جلون بين رحيلين

لدى اصداره روايته المتميزة التي حملت عنوان «الرحيل» في سنة 2006، وبالرغم من العديد من الانتقادات التي وجهت لحظتها للعمل المذكور على بعض المنابر، فان مجمل التقييمات كانت ايجابية بالنظر إلى العمق الذي ميز العمل، عمق الإنصات إلى معاناة فئة من الشباب المغربي المغادر متأخرا إلى ارض المهجر الإسباني في نهاية التسعينيات، زمن صعود الحزب الشعبي اليميني بقيادة أزنار والحملة على المغرب والمغاربة وصورة المسلم «الموروس» في المخيال الإسباني. واعتبر العديدون العمل المذكور بمنزلة استباق لما سيعرفه واقع مليون من مغاربة إسبانيا بعيد سنتين فقط من صدور رواية بن جلون من تفاقم مظاهر المحنة على خلفية الازمة المالية والاقتصادية العالمية التي ضربت بشكل حاد الجارة الشمالية للمغرب وقطاعاتها الحيوية المشغلة للمغاربة مثل البناء والسياحة، مما قاد بالجالية المغربية هناك إلى معاناة أشد مما وصفه صاحب «حرودة»، معاناة تداخلت فيها السياسة بالاقتصاد والعنصرية.

بالمقابل يبدو ان الطاهر بن جلون الذي بدأ مساره الادبي المتميز بعمل على شكل بحث اجتماعي نفسي مشهور ومؤثر حول الهجرة المغاربية إلى فرنسا حمل عنوان «أقصى درجات العزلة»، قد عاد إلى عزلته النفسية مؤقتا بعد رواية «الرحيل» عبر كتاب شخصي جدا هو «حول أمي»، قبل أن يعاود التطرق إلى موضوع الهجرة الأثير على قلبه في عمله الأخير. كيف لا وهو المهاجر الأزلي المقيم بين ضفتين وثقافتين.وهكذا جاء كتابه الأخير «في البلد» الذي يحكي قصة مهاجر من الجيل الأول يصل إلى سن التقاعد في بلد المهجر ويفكر في العودة إلى جذوره بإحدى قرى جبال الأطلس المغربية، العودة المستحيلة التي يرصد بن جلون فشلها في كل من بلدي المنشأ والمهجر. فما الذي يميز هذا العمل عن «الرحيل» الذي يعتبر بمنزلة معادل فني له من زاوية التقابل بين المواضيع: الجيل الأول في مقابل الأخير ، الذهاب مقابل الرغبة في الإياب، الفشل المتفاوت المدى في كلا المسارين بسبب العلاقات المتضاربة المتناقضة بين ضفتين وثقافتين مفعمتين بالخوف مما يقابلهما، مفعمتين بالخوف المرضي من هذا الآخر المدعو إلى الانزواء خلف تاريخه وخصوصيته ومساره الحضاري.

في الحقيقة ان الفوارق متعددة وكبيرة بين العملين.فرواية «الرحيل» نجحت في رصد محنة الشباب العاطل في المقاهي والدروب الخلفية للمدن المغربية، ومظاهر انتهاز بعض الغربيين فرصة الإفادة من الفوارق الحياتية بين الضفتين لممارسة أنواع من السياحة الجنسية المستغلة لفقر البعض ولرغبة الآخرين في النجاة من الوضع المطبق على مصائرهم، قبل أن تصور تيه الشباب العربي وسط الحواضر الأوربية بعد الفشل في العمل والحب والزواج، وتفسخ القيم وانهيار العالم القاسي فوق رءوسهم الصغيرة. أما رواية «في البلد» فهي لا تصور الا مونولوجًا طويلاً لشيخ منتمٍ إلى الرعيل الاول من المهاجرين إلى فرنسا، شيخ يعاني أعراض العمل الطويل في سلاسل الإنتاج الصناعي الأوربي والفراغ الناتج عن عدم القدرة على رؤية وفهم ما يحيط به في بلاد المهجر. وبالرغم من تدخل السارد كثيرا في رؤية الشيخ العائد، إلا أن كل خطابه يظل غير مقنع تماما، لاختلاطه بالحس الصحفي للطاهر بن جلون الراغب في تضمين روايته لمجموعة من صور الاحداث السياسية اليومية والتعليق عليها بطريقة مباشرة في مرات كثيرة. ومعلوم أن المباشرة تقتل الفن. وربما كان هذا هو العيب الذي أبطل سحر الحكي في هذا العمل ، وجعل القارئ يحس بأنه أقل جمالية وتألقا بكثير من سابقه المكون من شخصيات لها عمقها النفسي وكثافتها التخييلية المستقلة وتعدديتها القوية المستقلة في كثير من الاحيان عن الخطاب الموجه للسارد العالم بخلجات النفوس.كما ان تعدد الشخصيات هنا اعطى للعمل السابق «الرحيل» إمكانية إنشاء حوارية كبيرة حول القضايا التي تشغل بال الشخوص وصانعها، في حين جاء مونولوج «في البلد» فاترا من كل حوار، مقتصرا على وجهة نظر الشيخ المتقاعد قريبا من العمل، الذي يعاني من هذا التقاعد ومن وجوده في عالم غربي لا يفقه تقلب احواله فيقضي الوقت كله في تصوير سطحي لهذه الاوضاع واستغراب منها، دون أن يبلغ درجة كافية من العمق التحليلي (وهذا من مهام الرواية)، ولا التخييلي، وهذا من أهداف ومرامي الإمتاع الفني الجمالي.

الرباط: رشيد محمد مرّون

  • موسيقى.. حكايات جوقة الكروان الجليليّة!

«الكروان» بقيادة المايسترو نبيه عوّاد من أكثر الجوقات المحلّيّة شهرةً وحضورًا، وللخروج من عباءة الرّوتين جاء هذا العمل الكبير، الّذي احتضنه الحضور بزهوة «احكيلي»، بأداء مميّز للعازفين والمنشدين والممثّلين وللنّصّ والإخراج، ليتوّج أعمال هذه الجوقة الّتي تحمل نفسًا وطنيًّا، وتهتمّ بالموروث الشّعبيّ والفولكلوريّ الفلسطينيّ الأصيل.

على مسارب المدخل لقاعة الاحتفال وقف هناك مبتسمًا مؤهّلاً، يستقبل ويعصر ويوزّع عصير البرتقال للوفود القادمة للاحتفال، وكخليّة النّحل تلقّفتْ هذه الوفود حفاوة سرّيّة الكشّاف الأورثوذكسيّة المؤازرة على الدّوام لاحتفالات الكروان، وكان انتظار وكان حفل احكيلي لجوقة الكروان؛ العرض الغنائيّ المسرحيّ في شهر يونيو الماضي. لكن؛ ما لفت انتباهي أنّ العرض انتهى، وأنّ العديد من الحضور بقوا جالسين، كأنّما عيونهم المشدودة للمسرح مازالت تترقّب المزيد بتعطّش ذوّاق، فحلّقتْ بين العيون والألسنة نظرات مشدوهة وكلمات إطراء وإعجاب، وحين التقيت زملائي من شعراء وأدباء في هذا الحفل الرّاقي، تهافتتْ كلمات بردًا على أذني وروحي؛ يا الله.. روعة.. رهيب.. مستوى راق.. هل هناك فنّ بهذا البلد بهذا المستوى ولا يأخذ حقّه.. إذن؛ فلنرسلْ بانطباعاتنا حزمة عطر مكتوبةً لجوقة الكروان. وهذا ما كان.

كتب الشّاعر نزيه حسون/ شفاعمرو: ساعة ونصف من الإبداع والأصالة لجوقة الكروان، ولفيف من زملائي الأدباء والشّعراء التقينا بعد انتهاء العرض «احكيلي» لجوقة الكروان، وبريق بهجة يلوح في ابتسامات مغموسة بالانتشاء. جوقة الكروان الغنائيّة تتفرّد بنكهتها الخاصّة وطابعها المتفرّد، والّذي أمسى بمنزلة الهويّة الّتي تميّز أداءها الملتزم وأغانيها الطّربيّة العذبة، في هذه الأمسية سيطر عليها طابع الرّحابنة والفيروزيّات القديمة، بكلّ ما تمتّ بعمق إلى الأصالة والتّراث، وبكلّ ما تثير في النّفس والرّوح من عبق الطّرب الأصيل، الّذي ترك بصماته العميقة، ومازال إلى الآن في وجدان وذائقة الإنسان العربيّ من المحيط إلى الخليج. وفي خضمّ موجة الأغاني الرّخيصة الّتي تصفعنا بها القنوات المختلفة كلّ يوم، والّتي تعتمد على الجسد والصّورة أكثر ممّا تعتمد على الصّوت والإبداع، يظلّ يعترينا شوق جارف وحنين لا يعتريه ذبول لتلك الفيروزيّات الخالدة والألحان الرّاقية، الّتي تلامس مخمل القلب ومسامع الرّوح قبل أن تلامس طبلة الأذن. وطرّز

د. صالح سليم حضوره بهذه الكلمات: كم كنت متعطّشًا لمشاهدة جوقة الكروان ابنة عبلّين الوديعة والغنيّة عن التّعريف بجميع أعضائها، وعند دخولي قاعة الأودوتوريوم ذهلت من حضور هذه الجماهير الغفيرة جالسةً بترقّب، بانتظار ظهور جوقة الكروان على خشبة المسرح بأزيائها الجذّابة الخلاّبة، وقد غرستْ في قلوب المشاهدين أصواتها وألحانها الفيروزيّة، ونمّت الغبطة والفرح في النّفوس، فرقصت الرّوح على شذاها، ونظرك يطوف بك بين أعضائها وقائدها تارةً، وتارةً بين أعضاء الفرقة الموسيقيّة والممثّلين، فتتمتّع بشعور عذب بالعمل المتناسق لهذه الكوادر الفنّيّة سويّة وعلى أعلى المستويات، وتتلاحق أضواء المسرح بأطياف ألوانها متراقصةً على الأصوات الكروانيّة.

والشّاعرة هيام مصطفى قبلان/ الكرمل أضافتْ قائلةً: «احكيلي» من تأليف الشاعر زهير دعيم ابن عبلين، مقتطفات (لقطات) من الماضي البعيد، بحوار ماتع بين الجيلين القديم والجديد، لتبقى جذور الإنسان العربيّ الفلسطينيّ في ذاكرة جيل الشّباب وإلى أجيال لاحقة. أدهشني الإخراج للمخرج «أحمد دخان» الشّابّ الطّموح بلمساته الإبداعيّة، من استحضار الأماكن في قضاء يافا للقرى المهجّرة، وبديكور مسرحيّ رائع وأضواء ورسومات على الجدران عن القرية وبئر الماء والحارات. جوقة الكروان أبدعتْ بروائع الرّحابنة وبأغاني فيروز ونصري شمس الدّين.

وجاءتْ كلمة الأديب محمّد علي سعيد- طمره/ رئيس تحرير مجلّة الشّرق: «احكيلي» عرض غنائيّ مسرحيّ، يرتفع بالمشاهد له إلى درجة المشاركة بتفاعل مشاعره، تركيز ذهنه وانشداد حواسّه، ليعيش إحساسًا فيه نشوة متوهّجة، ومثل هذه المشاركة تحرّره من مكان جلوسه الماديّ على الكرسيّ وهدوئه الظاهريّ، وتأخذه في رحلة حلم عميقة في أبعادها الزّمانيّة والمكانيّة والنّفسيّة، رحلة توفّر له مرآته الشّخصيّة من خلال تداعيات الدّلالات الموسيقيّة والبصريّة والذّهنيّة، يتأثّر بهذه الدّلالات ويختار ما يناسبه من احتمالات، فتعلو روحه وتتهذّب أخلاقه وتتعزّز قيمه الإنسانيّة، ويتغيّر سلوكه نحو الأفضل والأجمل، وبهذا تحقّق جوقة الكروان أهدافها وتساهم في بناء مجتمع حضاريّ.

أمّا د. بطرس دلّة فقال: الأسلوب يثير في نفس المشاهد والقارئ لواعج الشّوق إلى تراثنا الشّعبيّ، كذلك لفت انتباهنا ذلك النّصّ الأدبيّ الرّاقي مع ما فيه من خفّة ظلّ امتازتْ بها، إلى جانب تمثيل ذلك الشّيخ المسنّ أبي سمعان، من خلال استعادة الذّكريات بشيء من المبالغة المحبّبة. وناظم حسون اختتم اللقاء قائلاً: أعادتنا إلى مسارات الحلم والطّفولة والذّكريات، وكلّ ما سكن القلب من وجدانيّات نبض به خافقه. وجوقة الكروان بصوتها الأصيل الملتزم، وبلباسها الفلسطينيّ المزركش أعادتْنا إلى يافا وبرتقالها، إلى أزقّتها وطقوس حياتها، لترقص مداخل القلب طربًا وفرحًا لعرض أسر القلوب وبنمط خاصّ للمخرج أحمد دخان، بفانتازيا تراثيّة مشْبعة بالأصالة الفلسطينيّة على أضواء السّراج والقنديل، وعلى خلفيّة المحبّة بين الأديان.

فلسطين: آمال عوّاد رضوان

  • شخصيات.. المخرج الجزائري مرزاق علواش رجل الضفتين

بين أول فيلم أخرجه مرزاق علواش الجزائري سنة 1976 وآخر فيلم 2009 مسافة زمنية تقدر بثلاث وثلاثين سنة، كانت حافلة بالعطاءات السينمائية والتلفزيونية، وقد كان له الحظ أكثر من غيره من المخرجين السينمائيين الجزائريين الآخرين، بحيث أبدع أكثر من ستة عشر فيلما.

في سنة 1976 عرفت قاعات السينما ضجة لا مثيل لها في تاريخ السينما الجزائرية، فمن دون إشهار أو إعلام رسمي تكتظ القاعات بالمشاهدين لرؤية فيلم جديد لمخرج جديد، الفيلم هو «عمر قتلاتو» أما المخرج فهو «مرزاق علواش».

عمر قتلاتو يعني قتلته الرجولة أي الأنفة، سيناريو الفيلم كتبه وأخرجه مرزاق علواش، من إنتاج الديوان الوطني للصناعة والتجارة السينماتوغرافية سنة العرض 1976، مع الممثل بوعلام بناني وآخرين هم عزيز دقة وفريدة قنانش ورابح بوشتال وكريمو بابا عيسى وأرزقي نابتي، تحصل الفيلم على الميدالية الفضية في موسكو سنة 1977، وكما تحصل على جائزة أخرى بكارلوفيفاري سنة 1978.

لقد لقي فيلم «عمر قتلاتو» إقبالا جماهيريا كبيرا في الجزائر، ولكن هذا لا يعني أنه يصنف ضمن السينما التجارية، فحين عرض في القاعات الفرنسية، أثار انتباه النقاد والمشاهدين، وذهب النقاد إلى درجة تشبيهه بأعمال مارسيل بانيول الفرنسي.

بيد أن تشبيه فيلم «عمر قتلاتو» بأفلام مارسيل بانيول يعني أن فيلم مرزاق علواش يشبه إلى حد كبير طريقة بانيول التي لا تهتم باللغة السينمائية وخصوصياتها الفنية، إذ يرتكز بانيول على النصوص المؤدبة والممثلين الممتازين كي يخلق الإيهام بوجود الفيلم السينمائي. لقد كان بانيول من المروجين لتصوير الأعمال المسرحية الدرامية، فالفيلم الناطق أفقد الصورة دورها الجمالي، فأصبحت اللغة ركيزة أساسية في الفيلم السينمائي ولكن بانيول استطاع أن يبتكر طريقة جديدة في الكوميديا، وهي ما أطلق عليها «النبرة المتوسطية» فأفلام بانيول تميل إلى الكوميديا الخفيفة.

وهذا يعني أن مرزاق علواش، يتبع نفس النهج بمسرحة السينما، إذ يوجد بعض المشاهد يظهر فيها دور الممثلين بارزا، أما التصوير فيبقى ناقصا، بحيث لا يحس النقاد ببراعة التصوير، مما قد ينسي عثرات التمثيل.

لم يخف بعض النقاد الفرنسيين الشبه الجلي بين فيلم مرزاق علواش وبعض الأفلام الإيطالية أيضا، ومنها فيلم فيدريكو فليني «الفيتلوني»، وهو أحد أشهر الأفلام الإيطالية في الخمسينيات من القرن العشرين -1953 -،صور فيه فليني مغامرات طبقة من البرجوازية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة مجموعة من الشباب الفاشل المتعامل مع واقعه بالاستهتار واللامبالاة، شباب همه الوحيد البحث عن السبل التي تبعده عن رتابة الحياة في تلك المدينة الصغيرة التي يعيش فيها.

بعد عقد من الزمن بعد استقلال البلاد اهتم السينمائيون الجزائريون بمواضيع تاريخية تتصل بالثورة التحريرية أكثر من اهتمامهم بحاضر الجزائريين، فكان فيلم مرزاق علواش رائدا من حيث الطرح الجديد، غير أن الشكل كانت له أهميته بداية من تلقائية التمثيل والاستعانة بممثلين غير محترفين والتصوير خارج الاستديوهات في الشوارع والأماكن العمومية مما يوحي بوثائقية العرض أو سينما الحقيقة، بالإضافة إلى توظيف السارد الراوي الذي يفصل بين أحداث الفيلم ويعلق عليها ويجليها للمشاهد، وفي هذا توقيف لمسار السرد الفيلمي وخلق ما سماه بريخت تأثير التغريب، فالفيلم تحول إلى مجموعة مشاهد، إثر تدخل السارد، بالإضافة إلى مخاطبة المشاهد مباشرة كأنه على خشبة مسرح، هذا ما جعل المتلقي يحس بعملية إدماجه في العرض السينمائي كأنه جزء مهم من العملية التواصلية، واندماج المشاهد مع العرض ليس غرضه التأثير في عواطفه، وإنما إشراكه في العرض، وبهذا يتحول المشاهد إلى مشارك في العرض السينمائي، وهذه العملية ليست باليسيرة في العروض السينمائية بالمقارنة مع العروض المسرحية.

تعددت أعمال مرزاق علواش بعد ذلك، وهكذا عرفنا «مغامرات بطل - 1979» و«رجل النوافذ - 1986» و«حب في باريس - 1987» و«باب الواد سيتي - 1994»، ثم «سلامي

يا ابن العم - 1996» وبعد ذلك «العالم الآخر - 2001 » و«شوشو - 2003» و«باب الواب - 2005».

يحاول مرزاق علواش من خلال فيلمه الروائي الثاني «مغامرات بطل» تعرية الواقع من الأوهام التي سيطرت عليه منذ عقود من الزمن، ويدفع المشاهد إلى التساؤل عن الكيفية التي يجب بها تغيير الأوضاع، وهذا من خلال تتبع مغامرات بطل مزيف أنتجته الظروف أو بالتحديد خدعة قام بها والد «مهدي»، إذ رسم على جسده علامة النبوغ، وبهذا احتفت به القبيلة وتكفلت بتربيته حتى بلوغه، ثم طلب منه القيام بمهمته في تغيير أوضاع القبيلة وهنا تبدأ رحلته ومغامراته مع الأوضاع الحقيقية التي تعيشها البلاد.

في فيلم «العالم الآخر» يعود مرزاق علواش مرة أخرى إلى الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط، ليرصد لنا الأحداث الخطيرة المتأزمة التي تعيشها الجزائر، وقد ازدادت حدة عما كانت عليه زمن «باب الواد سيتي»، بيد أن القصة هذه المرة ترتكز على فتاة فرنسية تأتي إلى الجزائر تبحث عن خطيبها الذي انقطعت أخباره عنها منذ مدة بعيدة، وتتعرض الفتاة للاختطاف، فالجماعة المسلحة تتخذ لها خلايا تنظيمية تساعدها على القيام بعملياتها المسلحة أنى شاءت.

في سنة 2010 يظهر فيلم جديد للوجود . فيلم «حراقة» كتب السيناريو وأخرجه مرزاق علواش، ساعده في الإخراج ديمتري ليندر، والتمثيل كان من طرف نبيل عسلي رشيد صديق بن يعقوب ناصر محمد تاكرات حكيم لاميا بوسكين إيمان عكاشة تويتا حسن.

ويعود مرزاق علواش في هذا الفيلم إلى أسلوبه المميز في الإخراج، وإن كان لا يرضي النقاد الفرنسيين إلا أنه عودة إلى الذات، عودة إلى الطريقة التي ابتكرها ثم نساها في خضم الأفكار المتشعبة التي أثرت في المخرجين الجزائريين، لكونهم يتطلعون إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط بشغف، وبالتالي فهم أقرب إلى التأثر بالأفكار السائدة في السينما الغربية من السينمائيين العرب الآخرين.

الجزائر: د. بغداد أحمد بلية






الدكتور أحمد زويل





 





 





الطاهر بن جلون





مشهد من عزف الجوقة





المخرج مرزاق علواش





ملصق لأحد أفلامه (العالم الآخر)