إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

مجالس صنعانية

كانت الرحلة شاقة شائقة، وصدَق ختامُها مقولةً اشتهرت في صدر بيت شعري: لا بد من صنعا وإن طال السَّفر. فقد بدأ السفر في الكويت، ومر بدبي، ثم جوهانسبرج، فكيب تاون، فالقاهرة - عبر جوهانسبرج مرة أخرى - وعدن، فسيئون، وتريم، وشبام، إلى أن وصلتُ إلى صنعاء في رحلة استطلاع لمجلة العربي عن هذه الدول والأماكن. كانت الأيامُ بالعاصمة اليمنية أقل من أن أنعم فيها بكل المجالس الصنعانية أو جلِّها، لكن الفاتحة المسك كانت في مجلس الدكتور عبدالعزيز المقالح، الذي ما عرف مسلك رحلتي حتى لقبني بالسندباد الشاعر. تناول الحديث قضايا الفكر والترجمة والفن، وكان من طريف ما دار من حديث كلامٌ عن مفهوم الجمال، ويبدو أن المترجمة الشقراء التي حضرت المجلس لبعض الوقت قد ألهمت أحد المتحدثين بأن يجعل اللون الأبيض مرادفا للجمال، وهو ما دحضه متحدثون يمنيون وسواهم من الحضور. استكملت الجلسة في مركز الدراسات والبحوث اليمنية الذي جمع سفراء العرب وأدباء اليمن حول رحلة الثعالبي إلى اليمن.

ثم استضافتني جمعية المستقبل للتنمية، التي أنشأها الدكتور نزار غانم، لتكون طبا للروح والجسد معًا، وفاجأتني أسئلة ذكية من شباب ومراهقين من الجنسين استمعوا لقصائدي، لأنها كشفت لي عن حقيقة أؤمن بها؛ إن الصغار دائمًا هم المعلمون الكبار. وقد استكملتُ الجلسة في مجلس الدكتور غانم بمنزله لأجد أن الخاص والعام بينهما جسرٌ لا ينفصم، وأن الهم العربي والقومي والإنساني لايزال حيا حتى في الأحاديث الهامشية.

كان الختام في مجلس أو مرسم الفنانة التشكيلية آمنة النصيري، ذلك (الكون) الذي أسسته ليصبح محجًّا للأجيال جميعًا، والأجناس دون تمييز، ذهبت بصحبة رفيقي المشترك بين مجلسي الدكتور المقالح والدكتورة النَّصيري وهو المبدع الشاعر والروائي علي المقري.

رأيت العوالم الجديدة للفنانة التشكيلية عبر أعمالها الفوتوغرافية التي أثارت جدلا منذ عرضها. تبحث النصيري في حرية المرأة عبر العدسات المواربة والضوء الهارب. تبادل الجميعُ الحديث والشعر والنقد. بين الحضور كانت إعلامية ترتدي النقاب، بدأ معها المقري الحديث حول الصفحات التي تقدمها بالصحف، قبل أن تدور صحاف الضيافة. ثم عاد من أتمَّ حديثا في الهاتف أو جولة في المرسم، وأراد المقري أن يكمل حديثه حول الصحافة الاقتصادية مع سيدة النقاب. واستغربت السيدة وسط ابتسامة النصيري ودهشتنا، فلم تكن السيدة المنقبة هي نفسها التي بدأت الحديث، كانت منقبة أخرى انصرفت وجاءت سواها منقبة أيضا، وتساءلت وأنا أودع آخر المجالس الصنعانية في رحلتي الصيفية: هل يكتب المقري روايته القادمة عن ضرورة حضور المجالس الصنعانية بلا نقاب؟.

 

 

أشرف أبواليزيد