أرقام

أرقام

المدن بين سباق الأرانب ونمو الخرتيت!
في عام "2000" سوف تكون هناك مدينة في العالم يبلغ عدد سكانها "52.6 " مليون نسمة!.

المدينة هي المكسيك، والتي تتربع منذ سنوات كأكبر مدن العالم بعد أن احتلت نيويورك هذه المكانة لفترة طويلة، ثم تراجعت لتخلي مكانها لواحدة من مدن العالم الثالث.

هكذا توقع صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره الأخير عن حالة سكان العالم.

المدينة العملاقة

وقصة المدن والزحف إليها، والنمو المطرد لسكانها هي قصة البشرية، لكن إيقاع ذلك كله قد تسارع بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ويسجل التقرير حالة أكبر عشرين مدينة في العالم طوال نصف قرن "1950 - 2000"، فتبدو بعض المدن كمدن عملاقة يتجاوز تعداد أي منها عدد سكان بعض الدول.

في عام 1950 كانت نيويورك هي الأكبر في العالم "12.3" مليون نسمة، وكانت لندن تحتل المكانة الثانية "8.7" مليون، ثم طوكيو "6.7" مليون.

في عام 1990 اختفت نيويورك ولندن من قائمة المدن الثلاث الأولى، بل اختفت لندن من قائمة أكبر عشرين مدينة، وقفزت مدن كالمكسيك "3.1 مليون نسمة 1950"، وتبلغ قفزتها ستة عشر ضعفا في نصف قرن! في نفس الفترة "1950 - 2000" تزيد طوكيو من "6.7" مليون نسمة إلى "19" مليونا، وتدخل ساوباولو بالبرازيل مضمار السباق فيبلغ حجم سكانها "17.4" مليون نسمة 1990. إنه سباق الأرانب ونمو الخرتيت، معدلات عالية في التزايد، وكفاءة أدنى في الوفاء بحاجات السكان، فالكثير من المدن الكبرى قد أصبحت كالجسد المترهل، بنيان ضخم وقلب ضعيف عاجز عن أن يفي بحاجات السكان.

ويصاحب ذلك العديد من الظواهر، فهناك بشكل عام ظاهرة التحضر ونشوء المدن الكبرى، في إفريقيا وحدها كانت هناك (عام 1950) مدينتان "فوق المليون"، وفي نهاية القرن سوف يصبح العدد 37 مدينة من هذا الطراز، أما في العالم النامي وفي نفس التاريخ فسوف تكون هناك "300" مدينة تزيد كل منها على مليون نسمة.

الإحصاءات تهتم بالدول النامية فهي الأكثر بروزا في هذا المجال، وقد سجلت قفزة خلال السنوات الأخيرة، وبينما كانت سبع مدن من أكبر عشر مدن تقع في الدول المتقدمة عام 1952 فإن العكس سوف يحدث عام 2000 حيث تحتكر الدول النامية ثمانية مقاعد من عشرة مقاعد أولى بين المدن.

وتستمر الإشارات التي تعطيها أرقام الأمم المتحدة، فالنمو بالحضر يأتي على حساب الريف، والمدن العملاقة تولد في رحم زحف ريفي، والمتوقع أن تضم المدن عام "2000" 40% من السكان في العالم، وأن تضم في العقود الأولى من القرن المقبل نحو نصف السكان "بعد أن كانت النسبة في منتصف هذا القرن 17%".

وفي التحليل يتضح أن 83% من الزيادة السكانية المتوقعة في العالم سوف تحدث في المدن، وسوف تكون الزيادة السنوية في حدود "81" مليون نسمة، أي ما يعادل عشر مدن من طراز: موسكو - دلهي - باريس

إنه الانفجار الكبير والذي تضاعف معدله في التسعينيات.

مدينة عربية في السباق

وإذا كان العالم الثالث قد كسب "سباق المدن"، فإن المدن العربية لم تكن بعيدة عن ذلك.

في عام 1950 كانت القاهرة - كبرى المدن العربية - خارج قائمة العشرين مدينة كبرى في العالم، ولكن في عام 1970 أصبح ترتيبها بين المدن الـ "18"، ثم زحفت عام 1990 إلى المقعد الخامس عشر، ومن المتوقع أن تعود إلى مكانها "الترتيب الثامن عشر" عام 2000، ولكن بحجم سكان أكبر يقترب من "12" مليون نسمة.

وحالة القاهرة نموذج لمعظم مدن العالم الثالث الكبرى، فمعظم الزيادة السكانية تأتي من خارجها، والتحكم في الحجم لن تستطيع حكومة أن تحققه، والعامل الاقتصادي وراء الهجرة، والزيادة تجري ترجمتها دائما لمستوى أقل في الخدمات وظروف المعيشة.

وربما كانت حالة الإسكان في القاهرة أبرز مثال على نوعية المشاكل التي تخلقها "مدن الأعداد الكبرى" فقد اتسع نطاق العمران وزادت حركة البناء بشكل لم يسبق له مثيل، وانقسمت القاهرة لتتحول إلى أحياء أو مدن أصغر يضم كل تجمع منها حيا تجاريا وخدمات شبه متكاملة، وبالرغم من ذلك نشأت التجمعات العشوائية حيث يتدنى مستوى البناء ويختفي التخطيط، وتسوء حالة المرافق وتتراجع الحالة الاجتماعية وتنتشر الجريمة ومظاهر اختلال الأمن.

إنه النمو غير المتوازن بين السكان وفرص العمل، أو بين السكان والأنشطة الاقتصادية.

وهو أيضا، الانتقال غير الآمن بين ريف وحضر، وبما يجعلنا نقول: نحن بحاجة إلى "علم إدارة المدن"، ليس بالنسبة للقاهرة، ولكن بالنسبة للمدن الكبرى في كل العالم، خاصة في دوله النامية.

النمو التلقائي لا يفيد.

والنمو العشوائي سرطان جديد.

والجسد المترهل أضعف قوة، وأقل مناعة، وأكثر استعدادا للأمراض والأوبئة، بمعناها الحرفي ومعناها الاجتماعي والسياسي.

إدارة المدن فن لا بد أن يسود، وهو فن يصنعه اقتصاديون ومعماريون واجتماعيون وساسة، فلا بد أن يسبق التخطيط "هجوم البشر" ولا بد أن يصاحب التخطيط تصور للمستقبل: الأنشطة الاقتصادية، والبنية الأساسية والخدمات اللازمة، ونوع العلاقات وشكل المجتمع، بل إن تصورا أشمل لا بد أن يمتد لظروف البيئة، تلك التي يفسدها النشاط الإنساني غير المخطط، حتى باتت صدور البشر محزنا للمواد الملوثة للبيئة، وحتى أصبحت مداخن المصانع عبئا وليست أداة تقدم.

كل ذلك لا بد أن يكون موضع الاهتمام، وفي المقدمة منه سؤال يقول: ما هو الحجم الأمثل للمدينة؟، يقول البعض إنه بين المليون والمليونين، لكن مدينة كالمكسيك سوف يفوق عددها الخمسين مليونا، فكيف تتم إدارتها؟ لقد أثير السؤال في القاهرة خلال السبعينيات، وقال أحد الخبراء: الخطر ينبع من وسط القاهرة حيث يزدهر القلب تجاريا بتحولات الانفتاح الاقتصادي، بينما يضم نفس القلب سكان العشوائيات الأفقر والأضعف وبما يهدد أمن المدينة، و... أوصى الخبير بنقل الأحياء الفقيرة إلى الأطراف حتى يتم "الفصل بين القوات" و.. بطبيعة الحال لم يكن ذلك هو الحل الأمثل، فالأهم: توظيف هذه القوى البشرية والنهوض بأحيائها السكانية وتوفير حياة آدمية لها.

معضلة القاهرة متكررة في الكثير من المدن، ولا حل بغير ثورة في الإدارة، إدارة المدن.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات