جمال العربية

جمال العربية

"غير" و "الغير"

من الموضوعات اللغوية التي عرضت على مجمع اللغة العربية في القاهرة وحظيت بقدر كبير من البحث والدراسة جواز دخول "الـ" على "غير" واكتسابها التعريف بدخول "الـ" وبالإضافة إلى معرفة.

وكان مما دار من الآراء في مجلس المجمع: أن "الـ" لا تدخل على غير.

وأنها قد تدخل عليها "الـ" ولا تفيد التعريف.

وأنها لا تكتسب التعريف بالإضافة أو غيرها إلا في حالة واحدة، هي وقوعها بين معرفتين متضادتين مثل قوله تعالى: غير المغضوب عليهم وبعضهم يرى أنها مع ذلك تكتسب تعريفا.

وأن صاحب "المصباح" نص على أن بعضهم اجترأ فأدخل عليها الألف واللام، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة.

ويمكن الرد على هذا بأن الإضافة ليست للتعريف بل للتخصيص، والألف واللام لها تفيد تخصيصا، فلا تعاقب إضافة التخصيص.

ومن بين علماء المجمع الراحلين الذين عنوا ببحث موضوع "غير" الدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج والشيخ عطية الصوالحي، اللذان اتفقا على أن الكلام في "غير" يدور في مقامين:

الأول: في إضافتها إلى المعرفة: هل تسوغ وقوعها صفة لمعرفة؟ وهل تكسبها هذه الإضافة تعريفا؟

الثاني: في دخول الألف واللام عليها، هل هو جائز؟

وإذا كان جائزا فهل تكتسب به تعريفا؟ جاء في "المصباح المنير" ما نصه: و"غير" يكون وصفا للنكرة، تقول: جاءني رجل غيرك.

وقوله تعالى: غير المغضوب عليهم إنما وصف بها المعرفة لأنها أشبهت المعرفة، فعوملت معاملتها، ووصف بها المعرفة.

وجاء في القاموس وشرحه ما نصه: ولا تتعرف "غير" بالإضافة لشدة إبهامها، ثم قال: وإذا وقعت بين ضدين كـ "غير المغضوب عليهم" ضعف إبهامها أو زال.

وقال "الزمخشري" في الكشاف: غير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهمعلى معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله والضلال.

كما اتفق الباحثان في أن إضافة "غير" إلى المعرفة لا تكسبها تعريفا، وأنها لا تتعرف مطلقا بهذه الإضافة، لأن العلماء قالوا إنها متوغلة في الإبهام، وذلك أنه إذا أضيفت "غير" حتى إلى أعرف المعارف وهو الضمير أو العلم، فإنه يشمل من عدا المضاف إليه على الشيوع، لأن أي واحد ممن عدا هذا المضاف إليه المعين يقال إنه غيره، فلا يكتسب بتلك الإضافة تعيينا.

وممن اهتموا بدراسة موضوع "غير" من علمائنا المعاصرين الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه "العربية الصحيحة: دليل الباحث إلى الصواب اللغوي" حيث يشير إلى ما شاع في الاستعمال الحديث من إدخال "الـ" على لفظ "غير" ولعل من أشهر الأمثلة ما يتداوله المؤمنون على السيارات من قولهم: "تأمين ضد الغير" ويقول إن كثيرين يخطئون هذا التعبير وأمثاله استنادا إلى ما ورد في كتب النحو مانعا من ذلك، كما يرى أن إدخال "الـ " على لفظ "غير" ليس استعمالا حديثا فقد خطأه الحريري واعتبره من أوهام الخواص حين قال "ويقولون: فعل الغير ذلك" فيدخلون على "غير" آلة التعريف، والمحققون من النحويين يمنعون من إدخال الألف واللام عليها، وتصحيح إدخال "الـ" عليها ليس رأيا جديدا كذلك، فقد نادى به الشهاب الخفاجي تعليقا على قول الحريري السابق وذلك حين قال: "ما ادعاه من عدم دخول "الـ" على "غير" وإن اشتهر فلا مانع منه قياسا" ويختتم بحثه بقوله "ومن هذا يتبين أن تصحيح "الغير" يعتمد على القياس وليس على السماع عن العرب إذ لم يثبت فيه سماع صحيح مطلقا".

الطريف - بعد هذه البحوث المستفيضة - أن قرار المجمع جاء على هذه الصورة التي تضمنها الجزء الثاني من كتاب "في أصول اللغة":

"كلمة "غير" إذا وقعت بين ضدين لا قسيم لهما، تتعرف بإضافتها إلى الثاني منهما إذا كان معرفة، وإذا كانت "الـ" تقع في الكلام معاقبة، فإنه يجوز دخول "الـ" على "غير" فتفيدها التعريف في مثل هذه الحالة التي تعرفت فيها بالإضافة إذا قامت قرينة على التعيين".

صفحة شعر
"كرم ومروءة"
شعر: حاتم الطائي

هذه قصيدة من عيون تراثنا الشعري، تقدم صورة مثالية لمروءة العربي وكرمه وشهامته، متمثلة في شخص قائلها حاتم الطائي الذي ضربت الأمثال بكرمه في جاهلية العرب وفي إسلامهم. وحاتم هذا هو الذي وصفته ابنته بين يدي الرسول الكريم بأنه "كان يفك العاني ويحمي الديار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولما يرد طالب حاجة قط". فيرد عليها الرسول الكريم بأن هذه صفة المؤمن ويقول: إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.

تعرفه كتب التراث باسم حاتم بن عبدالله بن سعد ابن الحشرج ويكنى أبا سفانة - اسم ابنته الكبرى، وأبا عدي نسبة إلى ولده عدي. ويقولون إن أمه غنية بنت عفيف كانت من أكثر الناس جودا وسخاء، وكانت ابنته سفانة كذلك، أما هو فكان من الشعراء الكبار، شعره سجل لحياته ومآثره، لكرمه وسخائه ومواقفه في البذل والعطاء والمروءة.

وكثيرا ما يستهل حاتم شعره بمخاطبة زوجته ماوية، وهو اسم مأخوذ من الماء، كأنها في رقتها وصفائها ونقائها تشبه الماء كما قيل "سماوية" نسبة إلى سماء، وقد روت ماوية كثيرا من الأخبار عن جوده وكرمه وسخائه.

وحاتم في قصيدته هذه يبدو وكأنه يفلسف نزعته في الكرم وموقفه من الحياة، ويرد على لائميه الذين يأخذون عليه إسرافه وعدم احتفاظه بما يملك، كاشفا عن نزعة إنسانية نبيلة وسلوك شريف ونفس فياضة بالخير والنبل والسماحة.. يقول حاتم:

أماوي قد طال التجنب والهجر

وقد عذرتني في طلابكمو العذر

أماوي إن المال غاد ورائح

ويبقى من المال الأحاديث والذكر

أماوي إما مانع فمبين

وإما عطاء لا ينهنهه الزجر

أماوي إني لا أقول لسائل

إذا جاء يوماً: حل في مالنا نزر

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

إذا أنا دلاني الذين أحبهم

لملحودة زلج جوانبها غبر

وراحوا عجالاً ينفضون أكفهم

يقولون: قد دمى أناملنا الحفر

أماوي إن يصبح صداي بقفرة

من الأرض لا ماء لدي ولا خمر

تري أن ما أهلكت لم يك ضرني

وأن يدي مما بخلت به صفر

أماوي إني رب واحد أمه

أجرت فلا قتل عليه ولا أشر

وقد علم الأقوام لو أن حاتماً

أراد ثراء المال كان له وفر

وأني لا آلو بمال صنيعةً

فأوله زاد وآخره ذخر

يفك به العاني ويؤكل طيباً

وما إن تعريه القداحُ ولا الخمر

ولا أظلم ابن العم إن كان إخوتي

شهوداً، وقد أودى بإخوته الدهر

غنينا زماناً بالتصعلك والغنى

كما الدهر في أيامه العسر واليسر

لبسنا صروف الدهر ليناً وغلظةً

وكلاً سقاناه بكأسيهما الدهر

فما زادنا بغياً على ذي قرابة

غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقر

فقدما عصيت العاذلات، وسلطت

على مصطفى مالي أناملي العشر

وما ضر جاراً يا ابنة العم فاعلمي

يجاورني ألا يكون له سترُ

بعيني عن جارات قومى غفلةٌ

وفي السمع مني عن حديثهمو وقر

 

فاروق شوشة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات