الكتاب الذي هجروه*

الكتاب الذي هجروه*

شعر

قيمةُ العمر ما يُكْتَسبُ فيه
«محيي الدين بن عربي»

أكرمتَ خلًّا وفيًّا هانَ واخْتَلَفَتْ
على مهانَتِهِ الأخلاطُ والزُّمَرُ(1)
هذا الذي فاضَ وحيًا فاستهلَّ به
وجهُ الحياةِ وزانَتْ وحيهُ العِبَرُ
هذا الكتابُ نَزيلُ الدّفَتَينِ حَوى
مشكاةَ نورٍ مَشَتْ في هديها العُصُرُ
تَوْراتُهُ البدءُ والإنجيلُ دُرَّتُهُ
ورُكْن إعجازِهِ القرآنُ والسّوَرُ
تباً لجيلٍ مريضٍ عقّهُ، فغدا
أعشى تناهتْ سرابًا حولهُ الصوَرُ(2)
يَقتاتُ من جُعْبَةِ الحاسوبِ في خَدَرٍ
لا السمعُ يهديهِ في الدنيا ولا البصرُ
أتى الزمانَ بفيضٍ من شراهَتِهِ
يرقى الزمانُ ولا يبقى لَهُ أثَرُ
أمّا كتابي الذي أوْليْتَ منزلةً
في الشعر تزهو بها أوزانُه الغُرَرُ(3)
فهوَ القديمُ سويًَّا في مهابتهِ
تأتَمُّ تجديدهُ الأفكارُ والأُطُرُ
يُحْيي مطارقَ سندانِ الخليلِ دُجىً
والليلُ يطْرُبُ والظلماءُ تنحسِرُ(4)
فهلْ يلامُ هزارُ الدَوحِ لو رَجَعَتْ
أنغامُهُ شدْوَ أسلافٍ لهُ عَبَروا
مادامَ يُدمي خُدودَ الوردِ من خَفَرٍ
وسِحرُ إغرائِهِ في العِشقِ مُبْتَكَرُ!.

------------------------------------------
* أهدى رفيق المعلوف ديوانه «حداء وادي الشجن» إلى صديق أعجب به أيما إعجاب، فعلق عليه في مقالة نشرتها صحيفة بيروتية، وأطلق على صاحبه لقب «متنبي المعالفة». كما تطرق في المقالة المذكورة إلى الأزمة التي يمرّ بها الشعر والكتاب العربي في عصرنا، وصدود الأجيال الجديدة عن القراءة. فبعث إليه الشاعر بهذه الأبيات مدافعاً عن الكتاب الأصيل ومعرّضا بأساليب الحداثة الشعرية المنحرفة.
** شاعر من لبنان.
(1) يقصد «بالخل الوفي» الكتاب عموما.
(2) أي أنّ هذا الجيل طغت على اهتمامه الصور المتلفزة وصرفته بسرابها عن الحقائق القرائية المفيدة.
(3) يقصد بـ «كتابي» ديوان «حداء وادي الشجن» الذي أهداه الشاعر إلى صديقه.
(4) إشارة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي وضع أوزان الشعر العربي باستماعه إلى مطارق الحدّادين.

 

 

 

رفيق المعلوف