يعقوب السبيعي و د. محمد حسن عبدالله

  • عند إبداع قصيدة أكون سوبر يعقوب
  • يجب أن أغسل التفاحة حتى وإن كنت سألطخها بالطين
  • القصيدة "حسناء" من واجبي الإمساك بها..
  • كل ما يعيشه الشاعر تجارب.. حتى النوم
  • رأي الناقد في القصيدة.. لن يعطل عملها

رغم تعدد أساليب التعبير، فإن الشعر - بالنسبة للأمة العربية - لا يزال الأحق بأن يوصف بأنه "ديوان العرب". ومكانة الشعر لدى المتلقي في الكويت، ومكان الشعر الكويتي في ديوان الشعر العربي العام، ينسجمان مع هذا الوصف أيضا. والشاعر يعقوب السبيعي أحد أركان الجيل الثالث، المجدد، في حركة الشعر الكويتي، بعد الرواد: فهد العسكر وعبد الله الفرج، وخالد الفرج، ثم الجيل الثاني في مقدمته أحمد العدواني بتجربته الشعرية الغنية وخططه الثقافية المشهودة. ثم هذا الجيل الثالث الذي ينتمي إليه يعقوب السبيعي. ثلاثة دواوين أبدعها السبيعي في عشرة أعوام: السقوط إلى الأعلى (1979) مسافات الروح (1985) الصمت مزرعة الظنون (1989) المسافات الزمنية ثابتة- تقريبا- بين الدواوين، ثبات نمط حياة صاحبها الذي ينام مبكرا جدا، ويستيقظ مع الطيور!! هل أدى هذا إلى شيء من العزلة، تجسد - فنيا - في تجنب مغامرة التجريب، كما كان مؤثرا في ندرة الدراسات النقدية عنه، يدير الحوار مع الشاعر السبيعي الدكتور محمد حسن عبدالله الناقد والمبدع الذي له دور ملحوظ في متابعة النشاط الثقافي في الكويت وفي دول الخليج.

ثنائيات كثيرة كنت أفكر فيها، كمحاور للحديث: هل الشعر- شعره- شعر قراءة، أم شعر محافل وإلقاء؟ كيف يضفر عنصر الزمان (التراث) بالمكان (معطيات البيئة الكويتية)؟ إذا كان ضروريا أن يأخذ أحدنا موقع "الشاعر" والآخر موقع "الناقد": كيف يتصور العلاقة بين الطرفين؟ وهل كانت "إيجابية" بالنسبة إلى ممارسته الفنية؟

  • طرقت الباب بتساؤل: كيف نبدأ؟

فتحه على مصراعيه في جملة واحدة قصيرة: كما تبدأ القصيدة!!

  • لم يتفق شاعران في طريقة بدء قصيدة..

- أنا مسئول عن طريقتي..

النقاء طريق القصيدة

  • ...................

- يبدأ عملي في القصيدة بحالة من التجاوب، أو الاستجابة لنداء، حالة يمكن أن توصف بأنها ارتقاء إلى رتبة ترتفع عن اعتيادية الشاعر الإنسان إلى درجة التجلي والإمعان والتمعن. إن الإنسان العادي يترنم بما يتناسب وحالته النفسية، وينفعل بالأحداث التي يعيشها.. وهكذا أنا.. إلى أن أنادى (بفتح الدال) من بعيد، عال، سرعان ما ألبي الداعي بمحاولة الاقتراب منه والسمو إليه. لتلبية الدعاء "طقوس" ومناخات نفسية لا تستوفي شروطها إلا بالتخلي عن معوقات الإنسانية الصرف؛ فالتفاحة يجب أن تغسل من الطين الآدمي الذي يلازم الإنسان كي تمتلئ اليد بثمرة نقية صافية، أستطيع أن ألطخها بالطين "الفني" إن تطلب الأمر ذلك. قد تكمن في هذه مفردة السيطرة وإن كنت لا أعيها، لكني - على أي حال - أكون في أثناء كتابة قصيدة أجمل من ذاتي كثيرا، وأكثر صفاء وغنى، وتكون الروح في أنقى حالاتها.. هنا تنبثق القصيدة.

  • أرى أنك جمعت في جواب واحد بين مرحلتين من مراحل "صناعة قصيدة" إن جاز القول: الانبثاق الأولي، انقداح الشرارة، وإذكاؤها لتكتمل وتتأطر.

فعلت هذا عن عمد، لأنهما عندي حالة واحدة، هي حالة النقاء التي أشرت إليها، حين تتراءى القصيدة لا أفكر في شيء عابر أو يومي، أشعر بأنني أكون "سوبر يعقوب" عند الكتابة، أكمل، وأجمل، وأبهى إنسانية.. جو الشعر، إذا جرح، لا يلتئم أبدا، وإذا حدث ما يقطع "ثبات الحالة" وهبط بي عن حال الارتقاء، فإنني لا أستطيع العودة إلى المناخ نفسه..

  • هل خطر لك أن تفكر في حالة الوجد الصوفي، ومراحل التجربة الصوفية؟ إنك - على أية حال - لست وحدك في هذا العلاقة موضع اهتمام منذ أفلاطون، وإلى كولن ويلسون، وتجربة صلاح عبدالصبور.. وأنت أيضا استخدمت مفردات صوفية، هي مصطلحات: التجلي، والتخلي، والارتقاء، والنداء.. إلخ.

- أنا لست متصوفا، ولم أفكر في تجربتي مع القصيدة على أنها طريق يبدأ من الذات، وينتهي إلى الذات الإلهية، أو لا ينتهي إلى شيء محدد.. كما هو الأمر - غالبا - لدى الصوفية. أنا إنسان، يرتقي مع القصيدة، ليعود "بها" إلى إنسانيته مرة أخرى.

الشرارة الأولى وهيمنة المعنى

  • سأعود إلى التساؤل الأول، لمزيد من الوضوح في علاقتك بالقصيدة. كنت أضع احتمالات أن تكون البداية إحساسا بالنغم "الإيقاع" أو فورة الشعور والانفعال، أو انبثاق "صورة" نادرة، تستدعي صورا..

- لك، أو للنقد أن يطرح من الاحتمالات ما يشاء، غير أني أبدأ من المعنى، من الفكرة، ولهذا أبدأ القصيدة من "البيت الأول"، لا يعني هذا أنه البيت الأول في النص النهائي الذي أنشره على الناس، الإطار الفكري للقصيدة، بشكل عام، وبدرجة مناسبة من الوضوح، موجود قبل البدء، ثم تكون محاولة الإمساك بهذه الحسناء الجميلة (القصيدة) من أي موقع ممكن، لا يهم من أين أمسكت بها، لأن التقارب قد بدأ، وهو خطوة نحو الاندماج الذي تكتمل به. هذا يعني أن البيت الأول في لحظة الميلاد، قد يكون الأخير في نهاية التشكيل.. لكنه - مع هذا - سيظل البداية.

  • لا أستغرب، الفنان التشكيلي يفعل هذا أيضا، إنه لا يبدأ رسم اللوحة من أعلى، إنه يبدأ من نقطة "جاذبة" تخصه، وعنها تنداح الألوان، وتتشعب الخطوط، وتلتقي الأضواء والظلال، لتصنع في النهاية "لوحة".

- اعتبرني كذلك، مع إضافة واحدة.. إنني أبدأ بالمعنى، هو الذي يشكل الفكرة المستكنة في أعماقي، تحت الوعي. مفردات المعاني تتشكل في صور، تتجسد في علاقات، فينقشع الغموض، وتتجلى الفكرة. تداعي المعاني هو الذي يقود شكل القصيدة، ويحدد موسيقاها، وأفكارها، وصورها. ثم تكون المراجعة والتصفية، وهي التي تحسم الموقف في النهاية، وقد أجد عبارة متأبية على الموسيقى، فأكتفي بالمعنى..

الليل الأزرق

  • إلى أي مدى يتوافق هذا التصور لميلاد قصيدة مع ما تشير إليه قصيدتان إحداهما في الديوان الأول، هي "الليل الأزرق" والأخرى في الديوان الثاني، وهي "بنت السماء"؟.
    إنني أتصور أنهما تعبران عن معاناتك في اصطياد تجربة، ومحاولة تشكيلها. أم ترى أنني ذهبت بعيدا عما أردت فعلا؟

- أعتقد هذا، والذهاب إلى البعيد جاء من اصطلاح "اصطياد تجربة" فلست ممن يسعون لاصطياد التجارب، قد أعانيها، وقد أتصدى لها محاولا الاستفادة من كسرها لنمط الحياة الذي أمارسه، لكني لا أنصب شباكا للصيد، ولا فخا لتجربة فقد (تكاثرت الظباء على خراش) إن مجرد النوم ليلا كان أو نهارا هو تجربة إلهية - إنسانية، والاستيقاظ من النوم تجربة. إنكم في مصر تقولون "يا نهارك أسود"!! فكيف جاء هذا التعبير؟ أليس عن سابق تجربة؟! إني أشفق على الليل من سواده، وظلمته، لكن، من قال إن الشفقة هنا حق وإنصاف؟ فالبيت الخامس وما بعده من قصيدة "الليل الأزرق" يوضح مدى خطأ الإشفاق على الليل من السواد؛ إنه يستر، وينيم، ويفتح للأحلام بابا، ويرينا في الآفاق جمالا ونجوما لا نراها نهارا.

أما قصيدة "بنت السماء" فهي - إن جاز التعبير - هذيان ملائكة، لا أعرف كيف طوعت لي نفسي نشرها، ودليلي على أسفي هذا هو قصيدة "الزجاجة" في مفتتح ديواني الثاني "مسافات الروح" لأنها حولت الهذيان إلى قصيدة تخلو من دواعي التأسف على النشر، وهنا ألتقي معك في اصطلاح "محاولة تشكيلها".

المتنبي لا الجاحظ

  • إنني لا أزال معنيا بقضية "كيف تبدع قصيدة"، من قبل أن تبدأ، وحتى تختار لها عنوانا، أو تختار لها موقعا في ديوان له عنوان.. وفي إجابتك السابقة ربط بين "الاصطياد" والافتعال، أو سعي المحتاج..

- قد تعني تعمد السعي...

  • تعني - أكثر - تحويل الأفكار والانفعالات "الهائمة" أو اللاشكلية، إلى لغة منضبطة، وصور يمكن فهمها.. القصيدة لا تولد جاهزة، وأنت أيضا ذكرت هذا..

- هذا حق، لكنها لا تولد بعملية قيصرية..

  • وهذا حق أيضا.. لكن: متى يحين ميلادها؟

- حين يسطع معنى جديد..

  • أو حين يتجسد المعنى في صورة، فالمعاني، كما قرر الجاحظ منذ ألف عام، مطروحة في الطريق..

- الجاحظ ليس شاعرا، وأذكر هنا بتعليق المتنبي على "نقد" سيف الدولة لبعض أبياته، إذ قال إن من يعرف "جملة" الشعر، غير من يعرف جملته وتفاريقه!!

عناقيد الصور

  • مع هذا الحرص على المعنى، واعتباره مصدر تداعيات البناء الشعري في قصائدك، أرى أنك أبدعت صورا نادرة، والصورة عندي - وهذه مسئوليتي الخاصة - جوهر الشعر، ولكنها، كي تؤتي ثمارها في تعميق الانفعال وتجسيد الفكرة، ينبغي أن تكون صورة في "منظومة" متكاملة، هنا يكون الحديث عن "شبكة الصور" أو "عناقيد الصور".
    كيف تكتشف صورك الخاصة؟ وهل سعيت إلى تأكيد هذا الشكل العنقودي لها؟

- إنني حريص كل الحرص على ابتكار صور شعرية جديدة، والصورة لدي كما هي عندك جوهر الشعر، وأذكر أنني في قصيدة "أنا والليل" في ديواني الأول: "السقوط إلى الأعلى" بدأت في كتابة القصيدة حتى بلغت صدر البيت:

"رق ليلي وحلا، حتى إذا".

ثم توقفت، ثم واصلت: "صار في عيني..." ثم توقفت وأنا إلى الإخفاق أقرب، إذ كيف أدمج رقة الليل وحلاوته في مفردة واحدة تفي بالغرضين. وكم كانت سعادتي طاغية حين وفقت، وأتممت الصورة، فأصبح البيت:

رق ليلي وحلا حتى إذا

صار في عيني لونا عسليا

إن اللون العسلي غامق، فهو يناسب الليل في حالة معينة، لكنه ليس أسود، وليس معتكرا، فهنا كانت مفردة "العسل" فيها لذة وحلاوة، ودلالة نفسية- إذا شئت- وهكذا تأتي الصور الجديدة في قصائدي. أما الحديث عن شبكة الصور، أو عناقيد الصور فأظنه فضفاضا على الكثير من الشعراء، وأنا أحدهم، فلو استطعت بلوغ شيء من هذا لكنت أطول الناس قامة شعرية.

  • بل لديك الكثير من هذا أيها الشاعر، وهو يتجاوز ما تطلق عليه البلاغة "الترشيح" كأن تقول في ديوانك الأول:
    "كي يستريح بصدري طائر تعب" فالطائر هنا القلب، على سبيل الاستعارة، التي يقويها أن تستمر في التعامل مع هذا الطائر" وكأنه حقيقة. عندك صور متميزة على هذا النمط، مثل:
    "الشوق يجرى غديرا في تعابيري".
    وأيضا:
    "فإن الذي بيني وبينك حارس".
    هناك مستوى أدق، وأرقى فنية من الاستعارة الترشيحية، هو تساند الصور بانتمائها إلى مستوى إدراكي واحد أو متقارب، كما قد يؤدي التضاد الوظيفة ذاتها، ثم نصل إلى شبكة الصور أو عناقيدها، وسأختار أول قصيدة، من أول ديوان:

نثرت بليلك الشهبا

وسقت لعشبك السحبا

وعينك كلما ظمئت

عصرت لأجلها العصبا

وكم مر الشتاء بنا

وكنت النار والحطبا

....

وإن مرت يداك على

غيومي أمطرت ذهبا

هنا يتجلى المعجم البيئي بتلقائية رفيعة، فهذه الصور - على إنسانيتها - شديدة الخصوصية، ومن النادر أن نجد لها نظائر بعيدا عن طبيعة الجزيرة والخليج، ثم إن الصلة بين (الشهاب، والسحاب) و (العشب والسحاب) و (الشهاب والعين) و (الظمأ والسحاب) و (الظمأ والعصب) إلخ - وهي صلات توحد، تؤكد "تعنقد" هذه الصور، وتكاثفها حول مركز شعوري واحد. وهذا مجرد مثال.

  • - بماذا ترمي إلى "جميع الأحوال"؟

- لقد تحدثت من قبل عن الاهتمام بالمعنى، واستجابتي لتداعياته، ولعله المسئول عن هذه "العناقيد" التي أشرت إليها، ولم أكن أفطن إلى وجودها في قصائدي. وهذا الكشف عن صلة مفرداتي بالمكان يبدو لي منطقيا تماما، فأنا ابن زماني ومكاني ولم أتمرد على هذا الارتباط الطبيعي، إنها مقومات تكويني مقتضيات كينونتي. وما يكتشفه "النقد" فهذا عمله.

الشاعر والنقد

  • وتوافق عليه في جميع الأحوال؟
  • القضية هنا هي: كيف تستقبل النقد؟ بعبارة أخرى قد تكون حادة، لكنها فارقة: إذا قال ناقد عن إحدى قصائدك إنها غير موفقة، وكنت أنت معجبا بها. هل تختلف نظرتك إليها؟ وإذا قال عن أخرى إنها متميزة: هل تحاول النسج على منوالها رغبة في تكرار النجاح؟

- هنا لا بد من تدقيق وتفصيل. الأصل أن النفس الإنسانية جبلت على حب الخير لها في كل صوره، كلاما كان أو فعلا أو مالا أو جاها أو غير ذلك. ولكن رأي الناقد - وهذا أصل آخر - لن يعطل عمل القصيدة. من هنا قد لا أعبأ كثير بقول الناقد عن قصيدة تعجبني إنها غير موفقة، فما هو التوفيق الذي تعنيه؟ قد تهدف القصيدة إلى مرمى يخفي عليه، لاختلاف زاوية النظر.. آنذاك تختلف نظرتي إلى الناقد وليس إلى القصيدة. أما إذا وصف قصيدة لي بأنها متميزة وجيدة فسأسعد بهذا قطعا، لكن سعادتي لن تكون كافية لتساعدني على معاودة الكتابة على المنوال نفسه الذي أوصل إلى مسامعي ما سرها؛ لأن النفس دائمة التنقل بين مشاعرها، والنجاح يأتي من الابتكار، لا من التكرار.

  • هذا كلام يحتاج بدوره إلى تدقيق وتفصيل. ليست نفس الشاعر دون غيره دائمة التنقل بين مشاعرها، هذه طبيعة النفس، لكن طريقتها في التعبير عن هذه المشاعر المختلفة تتسم بمنطق خاص، أو طريقة مميزة، هي التي نسميها "الشخصية"، وبالنسبة للشاعر "الشخصية الفنية". وهذه الشخصية ليست قادمة من "المجهول" مثل ماء البئر، إنها تستمد من روافد متنوعة يمكن التعرف عليها، وقياسها،.. وترويضها أو تعديل آثارها.. من ثم يمكن للحكم النقدي أن يكون إيجابيا..

- سأخالفك في تعبير "الحكم النقدي"، فالنقد ليس حكما وإن بدا كذلك، النقد رأي في شيء موجود، وليس حكما على وجوده.

  • أوافقك تماما، وبصرف النظر عن الدلالة الحرفية "للحكم" فإن السلوك النقدي، المنهج، بمثابة حكم، إن الناقد يختار - في مجال التطبيق - ما يستجيب لمنهجه، وهذا في ذاته حكم.

- هذا رأي ضمني مثل قراءة قصيدة، وإهمال أخرى.

  • عظيم.. أنت ستفعل هذا إذا تركت لك حرية الاختيار من دواوينك، إن ما تختاره بمثابة حكم على المسكوت عنه.. ولو إلى حين.

- ولو إلى حين!!

(ثم استدرك)

غير أن الإعجاب لم يغرني بالتكرار. في بدايتي الساذجة كتبت قصيدة "مأساتنا" أغراني نجاحها، إنها قصيدة منبرية، كاريكاتورية ساخرة، كتبت لتقرأ على الجمهور. أغراني هذا بالكتابة على منوالها، لم يتحقق النجاح، بل كنت أول من حكم على المحاولة الجديدة بالفشل، هي منشورة في الديوان الثاني، غير أني تعلمت أن النجاح لا يغري بالتكرار.. فالأثر عند المتلقين هو ثمرة أن المحاولة جديدة، وليس لأنها مألوفة.

[قصيدة "مأساتنا" ألقاها الشاعر أخيرا في أمسية شعرية بدار أوبرا القاهرة، ولقيت حماسة واستجابة واسعة]

جاذبية الأسماء

  • لا تزال في الفكر أمور كثيرة يجب طرحها، كما أتصور، لكن مساحة المسموح توشك أن تبلغ الغاية. سأناقش مسألة أخيرة: عناوين دواوينك: الأول "السقوط إلى الأعلى" أخذ من إحدى قصائد الديوان، والثاني "مسافات الروح" ليس له ذكر في الديوان. والثالث "الصمت مزرعة الظنون" هذه مجرد صورة في إحدى القصائد!! كيف تختار عنوانا لديوانك؟

- ما أهمية تسمية الديوان؟ لم أشعر أبدا بأن هذا شيء أساسي، لولا التداخل لأعطيت دواويني أرقاما.. اسمي يعقوب، واسمك محمد، ما الذي يتغير لو حملت اسمي أو حملت اسمك؟ ماذا يحدث لو سميتم شارعكم شارع فهد السالم، وشارعنا شارع صلاح سالم؟ الشارع موجود كحقيقة. قد يضيع سائل، ولكن الشارع كما هو، وأنت كما أنت.

  • إنني لا أوافقك على هذا التصور. عنوان الديوان يمثل نقطة جذب، التسمية تعني توجيه استعداد القارئ للتلقي، حين يقال إننا في الطريق إلى حديقة فإننا نتوقع الورد أو الفاكهة، حين نعرف أننا في الطريق إلى المطار، نفكر في حقائبنا وأوراقنا.. فرق كبير بين من يسمي ديوانه "أوراس"، ومن يسميه "طفولة نهد"، فرق في المزاج ودرجة التنبه التي يزرعها عند المتلقي كمثير أولي.. إن الشاعر - في رأيي - يقدم نفسه للقارئ من خلال بطاقة محددة، هي عنوان الديوان..

الحقيقة أنني لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة، وعناوين دواويني تكفلت بها عوامل قد لا يمكنني ذكرها الآن. وقد تكون التسمية على النحو الذي ذكرته ثمرة لموهبة الاحتراف، وأنا.. شاعر، لا أزال في موقع الهواية..