كوكب حي.. أَمْ كوكب يحتضر؟
كوكب حي.. أَمْ كوكب يحتضر؟
يوفر التنوع الحيوي والأنظمة الإيكولوجية للبشرية خدمات حاسمة، بدءا من الأمن الغذائي وحتى الحفاظ على مياهنا نقية، وحتى حمايتنا من ظروف الطقس القاسية وتزويدنا بالأدوية. غير أن المجتمع الإنساني يعيش اليوم عند مستوى يتجاوز بكثير قدرة كوكبنا على تحملنا، وهو ما جعل 60 في المائة من أنظمتنا الإيكولوجية والتنوع الحيوي فيها في حالة تردٍ وتراجع متواصلين. لذا فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه البشرية اليوم هو استعادة الأنظمة الإيكولوجية المتردية، وإصلاح النظم الإيكولوجية المفقودة والمتدهورة، من الغابات والمياه العذبة وغابات المنجروف والأراضي الرطبة، ليس ترفا بلا عائد اقتصادي، بل إنه يهيئ عوائد تقدَّر بملايين الدولارات، كما أنه يهيئ فرصاً للعمل وللقضاء على الفقر، وفقا لما جاء في أحدث تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة. صدر التقرير، الذي حمل عنوان «الكوكب الميت، الكوكب الحي: التنوع البيولوجي وإصلاح النظم الإيكولوجية من أجل التنمية المستدامة»، عشية يوم البيئة العالمي. وجاءت مادة التقرير نتاجا لتقييم آلاف المشاريع الخاصة بإصلاح النظم الإيكولوجية في مختلف أنحاء العالم، ودراسات حالة تُبرز نجاح أكثر من 30 مبادرة أحدثت، ولا تزال تحدث، تحوّلات في حياة المجتمعات والبلدان في مناطق مختلفة من العالم. ويُبرز التقرير كيف أن كثيراً من الاستثمارات البيئية في الأصول المتدهورة التي تقوم على أساس الطبيعة لا تعوق النمو والتنمية، وإنما على العكس من ذلك تعود بفوائد مهمة ومضاعفة للنمو والتنمية. ومن ضمن هذه الفوائد استعادة تدفقات المياه إلى الأنهار والبحيرات، وتحسين ثبات الترًبة وخصوبتها، وهي أمور حيوية للزراعة ومكافحة تغير المناخ عن طريق اجتذاب وتخزين الكربون من الغلاف الجوي. ويشير التقرير بشكل موثّق إلى أنه يمكن من خلال برامج حسنة التخطيط وقائمة على العلم ومدعومة من المجتمع، استعادة 25-44 في المائة من الخدمات الأصلية، فضلا عن الحيوانات والنباتات وغيرهما من أشكال التنوع البيولوجي التي كانت موجودة قبل أن تمتد يد العبث إلى النظام الإيكولوجي. ويبرز ذلك، على سبيل المثال، من خلال دراسة عن إصلاح واستعادة مراعي الكلأ والأراضي الخصبة حول الأنهار في جبال دراكنسبرج في جنوب إفريقيا. ويقدِّر التقرير أن المشروع سيعيد تدفقات مياه النهر إلى المجتمعات الضعيفة، بما يصل إلى ما يقرب من 4 ملايين متر مكعب من المياه، وأن يقلل من فاقد التًرسبات ويعمل على استعادة الكربون. التكلفة - 4.5 مليون دولار أو 3.6 مليون يورو على مدى سبع سنوات، وتكاليف إدارة سنوية تبلغ 800 ألف يورو سنوياً. العائد - ما يصل إلى 7.4 مليون دولار ( 6 ملايين يورو) سنوياً، كما أنه يهيئ ما يزيد على 300 وظيفة دائمة لإدارة الموارد الطبيعية و 2.5 مليون يوم عمل أثناء مرحلة الإصلاح. الإصلاح ليس دائماً بهذه البساطة مع ذلك يذكر التقرير حالات من الفشل صادفت مشاريع إصلاح إيكولوجي حسنة النوايا، مما يؤكد على ضرورة القيام بالمشاريع من هذا النوع بعناية وتخطيط جيدين. ويقول أكيم شتاينر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: «إن البنية التحتية الإيكولوجية لكوكبنا تولّد خدمات للإنسانية تقدَّر بما يزيد، في بعض التقديرات، عن 70 تريليون دولار في السنة، وربما أكثر من ذلك بكثير . وكانت هذه الخدمات غير مرئية في السابق، أو قريباً من ذلك، في الحسابات القومية والدولية، وهذا يجب أن يتغيَّر». ويضيف: «والهدف من هذا التقرير هو إيصال رسالتين أساسيتين إلى الحكومات والمجتمعات والمواطنين في يوم البيئة العالمي وفي العام 2010- وهو السنة الدولية للتنوّع البيولوجي، الرسالتان هما: أن سوء الإدارة للأصول الطبيعية والقائمة على أساس الطبيعة يؤدي إلى تدهور التنمية على نطاق يجعل الأزمة الاقتصادية الراهنة بجانبها حدثاً بسيطاً نسبيا». ويؤكد شتاينر، الذي كان يتحدث في كيجالي، رواندا، التي كانت المضيف الرئيسي لأحداث اليوم العالمي للبيئة، أن: «الرسالة الثانية أن الاستثمارات وإعادة الاستثمار في إصلاح تلك المنافع الشاسعة، الطبيعية والتي تقوم على أساس الطبيعة، إذا أُحسن تخطيطها، تدرّ عائداً عالياً، ولكنها قبل ذلك هي العمود المركزي، إن لم يكن الأساسي، لاستدامة هذا العالم الذي تتزايد فيه التطلعات ويتزايد فيه السكان والدخول والطلبات المتوقّعة من الموارد الطبيعية للأرض». ويساند موضوع استعادة النظام الإيكولوجي مشروع المياه النظيفة الذي أطلقته سفيرة النوايا الحسنة لبرنامج البيئة، السيدة جيزيل بوندشن ووالدها في العام 2008 في مدينتها هورايزنتينا. ويهدف المشروع إلى استعادة العافية لموارد المياه علاوة على تعزيز التنوع البيولوجي ، عن طريق إصلاح الغابات وضفاف الأنهار والزراعات على طول أحواض الأنهار. وقالت السيدة بوندشن: «إن تقرير برنامج البيئة عن استعادة النظام الإيكولوجي يسلّط الضوء على الفرص الهائلة أمام المجتمعات للاستثمار في تنميتها في المستقبل». وأضافت: «والواقع أن استعادة النظم البيئية المتدهورة هو من أفضل الهبات التي يمكن أن نهديها إلى الأجيال الحالية والمقبلة - وعلينا أن نعمل على توعية الناس بالروابط المحورية بين الغابات والأراضي الرطبة وغيرهما من النظم الطبيعية وبين بقائنا ورخائنا في هذا العالم غير العادي». ويعرض التقرير عدداً من التوصيات، منها:
أبرز النقاط في التقرير المزايا الاقتصادية للنظم الإيكولوجية يمكن الآن، من خلال دراسات اقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي، التي يستضيفها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومن خلال طائفة واسعة من التقارير والمبادرات الحديثة، إلقاء نظرة على قيمة الأصول الطبيعية للأرض ودورها في التنمية.
مزايا استعادة النظام الأيكولوجي إن المحافظة الفعّالة على النظام الإيكولوجي هي الخيار الأمثل ، إذ لا تكلف أكثر من بضع عشرات إلى بضع مئات من الدولارات الأمريكية للهكتار الواحد . إلاّ أن المناطق المحمية لا تغطي أكثر من 13 في المائة من أراضي الكوكب و 6 في المائة من سواحله وأقل من 1 في المائة من محيطاته. وكثير من النظم الإيكولوجية المهمة تقع خارج هذه المناطق . وتبلغ تكاليف إعادة الإصلاح عشرة أضعاف تكاليف إدارة النظم الإيكولوجية القائمة، ولكنها قد تكون صفقة إذا ما قُورِنت باستعادة الخدمات القائمة على النظام البيئي. إنه بالمقارنة بفقدان خدمات النظام الإيكولوجي فإن خدمات إعادة الإصلاح، إذا أُحسن تخطيطها، توفِّر مزايا من ناحية التكلفة تبلغ ما بين 3 إلى 75 ضعفاً من حيث عائد الاستثمار. وتشير الدراسات الأوّلية التي قام بتجميعها برنامج دراسات اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي أن إصلاح أراضي المستنقعات وغابات الأشجار والأخشاب توفّر عائدات تعتبر من أعلى عوائد الاستثمار.
وفي سياق اتفاقات المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة، تتحرك البلدان الآن نحو تقديم الدعم المالي إلى البلدان النامية للحفاظ على الغابات بدلاً من قطعها. وتعرف هذه العملية بتقليل الانبعاثات في مقابل إزالة الغابات وتدهورها، ويمكن أن تؤدّي إلى تقليل إزالة الغابات إلى النصف بحلول العام 2030. وتشير بعض التقديرات إلى أن هذا يمكن أن يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 1.5 إلى 2.7 بليون طن (أو جيجاطن) سنوياً بتكلفة تزيد قليلاً على 17 بليون دولار إلى 33 بليون دولار سنوياً، ولكنها تحقق مزايا على المدى الطويل تقدّر بنحو 3.7 تريليون دولار بالقيمة الحالية.
|