د. فيصل دراج ود. شيرين أبو النجا.. الرواية تكتب صبيها الواعد

 د. فيصل دراج ود. شيرين أبو النجا.. الرواية تكتب صبيها الواعد

  • رومانسية المزاج المصري تلائمها حياة مسالمة، وخير أصيل
  • الإيمان بوجود البطل الفردي المخلص يلغي دور الحراك المجتمعي والسياسي

فيصل دراج من نقاد الأدب - وخاصة الرواية - الذين تبنوا رؤية شاملة لتفسير صعود جنس الرواية في العالم العربي بشكل دقيق لا يفلت تفاصيل السياق السياسي والاجتماعي، وظل مشروعه الدائم مرتكزاً على النظر إلى الرواية بوصفها مجازاً (ومستودعاً) للأفكار فبدأت - من وجهة نظره - برواية التقدم وانتهت بالفرد المغترب. بدأ الحوار بيننا منذ فترة، اتفقنا واختلفنا حول نشأة الرواية العربية، بعيداً عن فكرة تحديد الرواية الأولى وغير ذلك من المساجلات المعروفة.تركز الاختلاف والاتفاق على تفسير أعمال الروّاد والدلالات المعرفية التي يحملها كل عمل في سياقه وبصدور عمله الأخير «رواية التقدم واغتراب المستقبل»، ارتأينا أن ننقل الحوار إلى القارئ علّه يكون طرفاً ثالثاً في هذا الاشتباك الفكري.

  • شيرين أبو النجا: هل يمكن أن نفسّر رواية التنوير العربية بخاصة -كما رواية التحرر بعامة - بمقولة «الصبي الواعد»، الذي ينتمي إلى مستقبله، وهل هي مقولة أيديولوجية وجمالية في آن؟ وهل هي خاصة بالرواية العربية؟ أم أن لها حضوراً في روايات غير عربية؟

- فيصل دراج: على الرغم من أن السؤال يتمحور حول مقولة محددة هي: «الصبي الواعد»، فإن فيه ما يحيل على جملة من الأسئلة، تبدأ برواية عربية بطلها فتى لم يدخل طور الشباب بعد وتحيل - ربما- على تاريخ الرواية في شكلها الكوني، في فترة زمنية محددة من تشكّلها.

تبدأ الإجابة، في شكلها الأسهل، من مجال تطبيقي، إن صح القول، متوسلة نماذج مختلفة من رواية التنوير العربية، ونماذج أخرى تحدثت بيقين، ذات مرة، عن مستقبل عربي متحرر، صاغته «أرواح» تمشي إلى التحرر، أو ينتظرها التحرر في منتصف الطريق، والمثال الأكثر شهرة، ماثل في رواية هيكل «زينب»، حيث «الصبي الواعد» يواجه ذاته وهو يواجه مجتمعاً موروثاً لا يأتلف مع الذات الحرة. فعلى الصبي أن يراقب وأن يتعلم وأن يحتج، وأن يبتعد عن مجتمعه، كي يصبح ذلك «الشاب النموذجي» الذي يعود إلى مجتمع مقيّد ويحرّره من أسره، وللشاب الجديد أن صحراء كنفاني في «ما تبقى لكم»، تلك الأرض النظيفة الدافئة، التي أعطاها غسان صورتها المكتملة في رواية «العاشق». تتكشّف في التصور الرومانسي للعالم تبادلية العلاقة بين «الصبي الصاعد» والأرض والمستقبل والأصل البعيد، إذ جمال الصبي من جمال أرضه، وإذ أصله العائد يعيد تشكيل عالمه النفسي والقيمي والجمالي، وإذ الزمن المشتهى قائم فيه، ذلك أن الفتي الرومانسي يحمل معه زمانه أينما ذهب. ووجه الزمن المشتهى، المنقطع عن الزمن القائم، من وجه حامله، زمن مبارك نقي مغسول أعطاه جبران خليل جبران، في صوفيته المفرطة، الشكل الأكمل.

«الصبي الوعد» فلسفياً

تنطوي فكرة «الصبي الواعد»، على المستوى الفلسفي، على مقولتين احتلتا مكاناً واسعاً لدى الرومانطيقيين الألمان وفي الفلسفة الألمانية المثالية، في القرنين الثامن والتاسع عشر، بدءاً بشلنج وفخته وصولاً إلى فيورباخ وماركس الشاب. وهما: مقولة التوليد الذاتي، التي رأت في الطبيعة مادة دينامية متحوّلة، تنتقل من وضع إلى آخر أكثر كمالاً واكتمالاً. كما لو كانت المادة تتفتح شيئاً فشيئاً ذاهبة إلى المستقبل ومتحررة من قيود العطالة والسكون. إنه الذهاب، بقوة الروح، من حالة معطاة إلى أخرى تتفوق عليها كيفياً. شيء قريب من الانبثاق الذاتي، الذي لا يحتاج إلى سببية تاريخية واجتماعية، لأن هناك في المادة - أو في الكيان الإنساني - قوة داخلة متمرّدة، تعيد خلق المادة باستمرار. ولهذا لا يحتاج توفيق الحكيم، في منظوره الصوفي، إلى ربط «الصبي المنير» بأسباب مادية جعلته على ما هو عليه، فهو ينبثق من روحه، مثلما تنبثق ثورة 1919 من ذاتها، حتى لو بدا أن لها أسباباً خارجية، فالصبي هذا من روح مصر، وروح الأخيرة من «أصلها»، الذي يحمل في داخله أسباب يقظته واكتماله. نعثر على هذا التصوّر الرومانسي لدى الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا في رواياته كلها، حيث البطل الفلسطيني يُعطى دفعة واحدة، ويجيء في انبثاقه كاملاً مكتملاً مجسداً صورة المطلق، أو صورة النبي، الذي يفترق عن الآخرين، إنه - مجازاً - «البطل المخلّص»، الذي يخلق عالماً نظيفاً جديداً إذا حلّت الساعة.

لا غرابة، والحال هذه، أن يعتنق جبرا فكرة الشاعر الإنجليزي: «إن الطفل أبُ الرجل الذي سيكونه». ولهذا يطلق جبرا بطله كاملاً، من دون مقدمات، ويعود لاحقاً إلى التذكير بالصبي الذي كانه بطله المكتمل، فرواية «السفينة» تبدأ ببطل فلسطيني له من السمات والخصائص والأوصاف ما يميزه من غيره تماماً، فالكل مغترب ويحمل نقصه فيه باستثناء «الرجل الفلسطيني» الذي هو تجسيد لاحق، لصبي نجيب عاش مرة في القدس. يعود جبرا، بعد أن وصف «الرجل»، إلى صورته البريئة اللامعة الأولى، حين كان طفلاً يعشق الرسم مع صديق له وجه المسيح، ويتكشّف فردية مستقلة، قوامها التمرّد وحب المعرفة وعشق الجمال»، وكل ما يعيّنه «بطلاً مخلصاً»، يعبّر عن براءة الطبيعة ويحلم بأن يعيد إلى «الجمعية الظالمة»، براءتها المفقودة في زمن قادم أكيد.

اتخذ هيكل من الصبي مرجعاً للرواية العربية «الأولى»، التي بدأ بكتابتها عام 1910، وعاد توفيق الحكيم بدوره إلى «البطل الموعود» في «عودة الروح» - 1927 - حيث الصبي النبيه الجميل يحمل في «روحه» نداء المستقبل، واعداً بمستقبل مضيء على صورة ماض بعيد. إنه «المصري الأصل» الذي أيقظه ماض مضيء يتأهب للعودة كاملاً كما كان، حاله من حال «زينب»، في رواية هيكل، التي هي «الطبيعة الأصل» التي ترحل ولا تموت، لأن الأصل، في طهره ونقائه، لا يموت. وحين حاول عبدالرحمن الشرقاوي، في منتصف الخمسينيات الماضية تقريباً، أن يبشر بمستقبل جوهره الكرامة والمساواة، رجع إلى الصبي الذهبي وجعله شاهداً على حاضر عاثر يتأهب للرحيل.

أخذ «الصبي الواعد» صيغاً مختلفة في روايات جبران خليل جبران ومحمد ديب، وصولاً إلى غسان كنفاني في روايته «ما تبقى لكم»، حيث الصحراء ظهير للصبي النقي وشعاع الشمس الأول صديقه الوفي. للصبي في كل هذا زمن خاص به، لا يقبل بصيغة الأجداد والأحفاد، فهو زمن ينبثق وينبجس ويصدر عن ذاته، ولا علاقة له بالزمن الموروث إلا بمعنى «الزمن الأصل»، أي الزمن الذهبي الذي كان ذات مرة واحتجب.

روبنسون كروزو

ليست مقولة «الصبي الواعد» خاصة بالرواية العربية، فهي موجودة في أعمال روّاد الرواية الإنجليزية، في القرنين الثامن والتاسع عشر، وفي الرواية الألمانية والفرنسية، الخاصة بعصر التنوير. ولعل النموذج الأشهر، مع تعديلات طفيفة، ماثل في رواية وليم ديفو «روبنسون كروزو»، التي سردت أقدار شاب قطع مع الزمن العائلي الموروث، وذهب إلى مستقبل قوامه «الخلق» بمعنى مزدوج: خلق الشاب ذاته من جديد وأصبح سيداً على جزيرة، وأعاد الشاب خلق «الجزيرة المهجورة»، وغدت ملكية خاصة له. والواضح في مساره أمران: الخلق الذاتي القائم على جدل الذات والموضوع، الذي يعين الموضوع، في النهاية، امتداداً للذات ومرآة لها. والأمر الثاني هو: رفض المألوف والاحتفاء باللامتوقع، أي تقديس الاكتشاف والإعلاء من شأن المغامرة، كما لو كان الهدف اللامرئي الذي تهجس به الروح هو ضمان وصولها سالمة إلى ما تحلم به. ولهذا فإن الطريق الذي يسلكه «الصبي الواعد»، مخلص أليف مبارك، حتى لو بدا غير ذلك، على خلاف طريق «الإنسان المغترب»، الذي يعد بالمسرة ويفضي إلى الإخفاق.

ولعل طبيعة الطريق التي يسلكها «الصبي الواعد»، الذي هو صورة عن أصل نقي قديم، هو الذي يجعل من نقطة الوصول استعادة لزمن فردوسي مضى، كما لو كان المستقبل المنتظر استئنافاً لزمن ذهبي غفا واستيقظ من جديد. ذلك أن الزمن - الأصل وهو مقدس تعريفاً، يحتجب ويعود كما كان في لحظة موعودة، ولهذا يشير صبي «زينب» إلى ريف مصري أصلي أفقده الظلم ملامحه وعهد إلى لحظة ذهبية قادمة بإرجاع الأرض إلى ما كانت عليه. أما صبي الحكيم فقد انتظر زمناً فرعونياً، عائداً لا محالة، يضع الواحد في الكل والكل في واحد. ولن يختلف الأمر عن غسان كنفاني، الذي تطلع صبيه إلى زمن موحد منسجم، يطرد الزمن المتنافر المشتت. وفي الحالات جميعاً هناك ثنائية الدنس والخلاص، التي تشير إلى سقوط من وضع نقي إلى آخر مغاير له، في انتظار مستقبل مضمون يمحو الشقاء ويستعيد الانسجام القديم. يلعب «الصبي الواعد» دور المخلص، بالمعنى الديني، الذي يهزم الشواذ والضلال والخطأ، ويبني «ملكة السواء» بلا نقصان.

  • شيرين: لا يمكن من وجهة نظري تفسير، أو بالأحرى قراءة هذا «الصبي الواعد» بمعزل عن نشأة الآداب الأخرى، فهذه الروايات - خاصة المصرية منها - ظهرت في عصر النهضة الذي هو العصر الحالم بالآخر، متمثلاً صورة مستقبله في حاضر الغرب بشكل ما.

- فيصل: يحيل الـــــسؤال المــــــطروح، لزوماً على مصطلح ألماني الأصول هو: رواية التعلّم، رواية البناء، رواية التشكّل (Bildungsroma) التي تتخذ، بشكل عام، من شخصية الشاب، أو الصبي المتنامي، محوراً أساسياً لها. شخصية تعيش صيرورتها، ذاهبة إلى هدف معين، يعبّر عن مثال إنساني منشود. أو شخصية دينامية يصوغ الزمن، بشكل متصاعد، عالمها الروحي والفكري، ويؤمّن لها تجاوز حاضرها والذهاب إلى زمن يحقق مثالها. والواضح في هذا إيمان بالتقدم وبطاقة إنسانية ترى وراء الزمن المعيش زمناً آخر، أو الإيمان بما ينمو ويصعد ويواجه، رافضاً السكون والثبات والقيم المسيطرة. ولهذا يربط الدارسون رواية التعلّم بالقرن الثامن عشر، الذي بدا قرناً واعداً، أعلن عن التاريخ ورفض أساطير الأصول، مقرراً أن أصل الإنسان يقوم في الإنسان ذاته أو يربطها، بشكل أكثر وضوحاً، بعنصر التنوير الذي جاء بفكرة «الإنسان الشامل». ولعل فكرة الفرد الذاهب إلى مستقبله بيقين لا نقصان فيه، هي التي توحّد في «الصبي الواعد» بين العقل والإحساس، إذ ما يحس به يؤكده العقل، وإذا ما يقول به العقل يوطّده الإحساس.

كل هذا يقود إلى التصوّر الرومانسي للعالم. ولهذا تحضر «الأرض المزهرة»، بشكل متناوب، في أعمال هيكل والحكيم ورواية اللبناني توفيق يوسف عواد: «الرغيف» - 1939. بل الأمر أكثر وضوحاً في «البحث عن وليد مسعود» لجبرا ابراهيم جبرا، حيث الفلسطيني المشرق اللامع البهي، وحيث أيضاً صورة الطفل الذي كان يلهو في روابي القدس ويستحم بمائها. وإذا كان في مفهوم «الصبي الواعد» ما يشرح شيئاً من بدايات الرواية العربية، فإن مفهوم «التوليد الذاتي»، أو الانبثاق، وهو وجه من وجوه التصوّر الرومانسي للعالم، يمكن أن يضيء روايات أخرى لاحقة، مثل رواية جبرا الأولى: «صراخ في ليل طويل»، و«ستة أيام» لحليم بركات وصولاً، ربما، إلى أعمال إدوار الخراط.

تكمل المقولة الثانية الأول وتستكمل بها وعنوانها: جدل الذات والموضوع. فإذا كان في التوليد الذاتي ما يستولد من الإنسان - المادة عموماً - كياناً آخر يقف أمام الأول ويتفوّق عليه، فإن في الجدل الجديد ما يتيح للإنسان أن يعيد خلق الموضوع الذي أمامه - الطبيعة أو المجتمع - وجعله امتداداً له. كأن يحلم صبي رواية زينب أن يكون امتداداً للطبيعة المصرية الجميلة - بعد إصلاح المجتمع - وأن تغدو هذه الطبيعة امتداداً له.

تحمل مقولة «الصبي الواعد» وجهين: أحدهما جمالي يؤمّن للعمل الروائي مادة يتمحور عليها ويزوّده بتصوّر فني، إن صح القول، ينظم المادة ويعطيها شكلاً، وثانيهما فكري، أو أيديولوجي، بلغة تبدو الآن قديمة. وما الوجه الثاني إلا فلسفة التقدم، المشبعة بالأمل، التي اعتبرت المستقبل السعيد منتصراً بالضرورة، وأن التاريخ يذهب في خط مستقيم إلى غايته العقلانية، كما لو كان صبياً واعداً مختلفاً، يخترق السبل كلها ولا يضل.

من الطريف أن الرواية العربية انتقلت، بعد الإخفاق المروّع للمشروع التنويري، من الصبي الذهبي إلى الكائن المشوّه، مع فرق أملته التجربة الروائية المتطوّرة، التي استبدلت بالبنية البسطية، التي تنصر الخير على عداه، ببنية فنية مركبة تحوّل، التاريخ إلى زمن معقّد متعدد المستويات. يصبح الولد الرومانسي، بهذا المعنى، مجازاً للرواية العربية الوليدة وللرواية التحريضية بشكل عام، بقدر ما يكون مجازاً لفلسفة التنوير، في أبعادها المختلفة.

  • شيرين: تبدو فكرة «الصبي الواعد» وكأنها وجهان مثل الإله يانوس Janus-like, وجه ينظر شرقاً وآخر ينظر غرباً، فالإله يانوس «الذي اشتق من اسم شهر يناير» يحمل وجهين، واحداً ينظر إلى الخلف «العام المنصرم» والآخر ينظر إلى الأمام «العام الجديد». ما المقصود إذن بالشرق والغرب اللذين يمثلهما «الصبي الواعد»؟ وهل ارتحل التأثير - كما قال إدوارد سعيد بارتحال النظرية - من فرنسا وإنجلترا وتلك البلد الوليدة - آنذاك - أمريكا إلى العالم العربي في صورة «الصبي الواعد»؟

لنبدأ بما كان يحدث في مصر على صعيد المشهد الثقافي. كان المثال محمود مختار قد أقام معرضه في باريس عام 1913، وقد كان ذلك بمنزلة حدث لا يمكن إغفاله، إذ إنه بالإضافة لما كانت تمثله باريس في ذلك الوقت من حيث كونها «قبلة الفن والعلم» لا يمكن أن نتجاهل الرؤية التي ارتكز عليها منظور مختار. فهو - من وجهة نظري - الصوت الذي أطلق صيحة الجمع بين التراث والمعاصرة، حتى ولو لم يكن ذلك بقصدية. وفي هذا السياق يمكن ذكر تمثال «نهضة مصر» الماثل حتى الآن بالقرب من جامعة القاهرة «ومع الأسف أمام السفارة الإسرائيلية بكل دلالة المكان»، وأيضاً تمثال «حاملة الجرة» الذي ألهم الشاعر محمود حسن إسماعيل قصيدة غزل في جمال الريف المصري. تنطلق رؤية مختار من الفكرة القائلة بالحفاظ على التراث المتمثل في صور الريف المصري مع الأخذ بالحداثة الوليدة، فقد كان الشاعر ت.س. اليوت قد بدأ كتابة محاولاته الأولية التي كانت منطلقة من المدرسة التصويرية التي أرسى قواعدها معلمه الروحي عزرا باوند. كانت «الصورة» إذن قد بدأت تحصد مكاسب في العالم العربي وخاصة مصر، قد تكون صورة الفلاحة في تمثال نهضة مصر أو الصورة الشعرية في مدرسة أبولو التي خلفت مدرسة الديوان.

في الوقت ذاته كان هناك مدرسة شعراء المهجر وعلى رأسهم جبران خليل جبران، الذي تأثر كثيراً بالشاعر الإنجليزي ويليام بليك (أرى العالم في حبة رمل). لم يكن تعبير بليك مقتصراً على كتابة الشعر، بل كان يرسم أيضاً حتى أنه رسم قصائده في لوحات تدرس حتى اليوم، وكان جبران كذلك أيضاً. والحقيقة أن جبران كان الوحيد من شعراء المهجر الذي له تأثير على شعراء مدرسة أبولو، وإن كانت أصواتهم اختلفت قليلاً في رومانسيتها عن رومانسية جبران. فجبران درس شعر بليك بشكل جيد وتأثر بالفلسفة الترانسندنتالية التي نشأت في أمريكا، وكان من كتّابها ثورو وناثانيل هوثورن - صاحب الرواية الشهيرة «الحرف القرمزي»، بل حتى إن والت ويتمان لم يخف تأثير الفكر الترانسنتدالي عليه في قصيدته الشهيرة «أوراق العشب» بالرغم من أنه يصنف كشاعر حديث. تأثر شعراء مدرسة أبولو بكل تلك المتغيرات، لكن شعرهم جاء ليرسخ معنى الرومانسية ذات البعد الواحد من قبيل تمجيد نهر النيل، الحقول الممتدة، غروب الشمس، شدو العصافير، الخلود، الموت، الغناء.. إلخ. كانت الرومانسية المفتقرة إلى البعد الفلسفي، ارتحلت الرومانسية في صورتها قط دون البناء النظري والأساس الفلسفي.

عندما اجتاح الصبي الواعد جنس الرواية (الجنس الناشئ حديثاً) كان هو ذاته - ومعه كل الصبية الواعدين - قد عاد من فرنسا، سواء كان قد أكمل تعليمه مثل قاسم أمين وهيكل، أو لم يكمله مثل توفيق الحكيم. عاد «الصبي الواعد» من فرنسا السوربون التي كانت لاتزال ترفل في نعيم صيحات الحرية والإخاء والمساواة التي انطلقت في 1789 - بإيعاز جزئي من روسو في عقده الاجتماعي و«إيميل»، فرنسا التي قضت على بطش الثراء بالمقصلة، فرنسا التي كانت مدينتين - طبقاً لتعبير تشارلز ديكنز - لكن «الصبي الواعد» لم ير منها إلا مدينة واحدة. عاد «الصبي الواعد» من فرنسا محملاً بأحلام الحرية والتحرر والتقدم، كانت أحلامه طازجة - كانت مصر لاتزال ترزح تحت نير الانتداب البريطاني - بالرغم من مرور أكثر من قرن كامل عليها في موطن نشأتها.

هذا من ناحية مضامين الأفكار ومرجعية الرؤى التي عاد بها «الصبي الواعد»، فلا عجب - وسنعود لذلك لاحقاً - أن يكتب هيكل روايته «زينب» وهو متأثر بأفكار جان جاك روسو، كما أوضحت أنت ذلك في كتابك «الذاكرة القومية في الرواية العربية». لا يمكن أن نتجاهل إذن وجود تأثير غربي - ولا غضاضة في ذلك - على أفكار «الصبي الواعد» الذي تمكن من إنجاز نقلة فكرية على مستوى فردي كليا وعلى مستوى جمعي بشكل محدود النطاق أيا كانت الشهرة التي حصلت عليها رواية زينب أو عودة الروح. ارتحلت النظرية الرومانسية «التي تحمل في داخلها التنوير الفلسفي الممكن والمجتمعي المستحيل» من إنجلترا وفرنسا على يد «الصبي الواعد»، فتحورت تلقائياً لتلائم بيئة مصرية تقتل زينب وتصيب طه حسين بفقدان البصر. وجد «الصبي الواعد» في رومانسية النظرية الرومانسية ما يلائم المزاج المصري من حياة مسالمة متصالحة مع الطبيعة وخير أصيل متوطن في النفس لا ينتظر إلا إماطة اللثام عنه، كما نادى روسو بفكرة «النبيل الهمجي» noble savage.

- فيصل: أظن أنه من الضروري، منذ البداية، «ضبط» فكرة «الصبي الواعد»، كي تصبح ذات فائدة في قراءة «أيديولوجيا التقدم» في شكلها العربي، من ناحية، وفي قراءة بنية الرواية العربية الوليدة، من ناحية ثانية، التي تعاملت مع هذا «الصبي» بأشكال مختلفة.

فمن المفترض أن الصبي، في هذه المقولة الجمالية - الأيديولوجية، ينظر إلى الأمام، وإلى الأمام فقط، لأنه يتجاوز زمناً ويؤسس لولادة زمن جديد؟ ولهذا فإن النظر إلى الخلف والأمام معاً يجهض دلالته، ويعبّر عن تصوّر مشوّه له، ويشير إلى ارتباك الفكر الذي يتعامل معه. أخذت هذه الفكرة، في سياقها الغربي، دلالة واحدة: تأكيد إبداع الإنسان ووضع ضمانه الداخلي فيه، دون الحاجة إلى مرجع خارجي، فهو ينهض على أطلال المعايير الأسرية والتعاليم الدينية وجملة القيود المتوارثة.

وإذا كان الصبي في سياقه الغربي، ارتبط بمستقبل إبداعي، يترجم إمكانات إنسانية مبدعة، فقد ارتبط، في سياقه العربي ببعدين: الذهاب إلى الاستقلال الوطني والدعوة إلى التقدم الاجتماعي في آن: واجه صبي الحكيم الاستعمار الإنجليزي، وصبي توفيق يوسف عواد السيطرة العثمانية، وصبي محمد ديب الاستعمار الفرنسي، وصبي غسان كنفاني الاحتلال الإسرائيلي،.. وأفصح، في أشكاله المتعددة، عن وعد اجتماعي سيحققه إنسان من نوع جديد.

تقاسم «الصبي العربي» مع الصبي - الآخر بعض الصفات: التفاؤل، المستقبل، الانتقال من الاغتراب إلى التحقق،.. لكنه اضطرب أحياناً، وبأشكال لا متكافئة، أمام علاقة الحاضر بالماضي، موحداً أحياناً بينهما وناشراً وعياً زائفاً يحتمل الإيمانية المطلقة وقوة الروح وارتداء لباس النبوّة. فقد عبّر صبي الحكيم، المثقل بأبعاد صوفية أو لاهوتية، عن «الانبثاق الذاتي»، الذي يضمن أن تكون مصر ما بعد الاستقلال استئنافاً مستقيماً لمصر الفرعونية. وألمح صبي توفيق يوسف عواد في «الرغيف» إلى مستقبل قومي يستأنف ماضيه المجيد، وسار صبي غسان كنفاني قدر ما استطاع وعاد إلي زمنه الذهبي الأول، حيث «العائلة» موحّدة نظيفة منتصرة. ليست العودة المنتصرة إلى ماض ذهبي، على المستوى الروائي، إلا الترجمة البريئة للخطاب العربي التلفيقي الذي سيعلو بعد الاستقلال، وقبله أيضاً، محدثاً عن: الحداثة والأصالة.

تمس الأفكار السابقة - على مستوى الكتابة الروائية - موضوعين مشروعين: أدب المضطهدين الذي عليه أن يستولد التفاؤل من زمن قريب أو بعيد، والركون إلى «ضمان» - ما - يضمن «عودة الحق إلى أهله». غير أن هذين الموضوعين لا تمكن الإجابة عنهما، روائياً، إلا ببنية فنية معقدة، لم يكن بإمكان الرواية العربية الوليدة العثور عليها، فاكتفت بــ«أفكار عامة» ترجمتها بنية بسيطة عنوانها الأكبر: النهر المبارك الذي يجري بين منبع مقدس ومصب ذهبي. ولهذا بدت رواية التقدم العربية حكاية، تتضمن عناصر روائية و«أيديولوجية تقدمية»، أو بدت فناً كتابياً انتقالياً، يقطع مع الموروث الثقافي المسيطر ولا يقطع معه في آن. فقد ابتعدت عن هذا الموروث وهي تستولد «فرداً» من «الجماعة» وتنفتح على وقائع الحياة ولا تنغلق على المواعظ البلاغية، ولم تبتعد عنه وهي تتمسك بفكرة «اليقين المجرّد»، التي لا تأتلف مع التصوّر الروائي للعالم.

أما فكرة «النبوّة»، كما التصوّر الرومانسي المحمّل بأخلاط دينية، فقد أخذ أشكالاً مختلفة: صبي الحكيم، الذي يرى ما لا يراه غيره، وينجز ما يريد دون أن يحتاج إلى التاريخ والبشر، إلا كمظهر خارجي، ذلك أن هناك روحاً ترصده وتحميه خلال العصور كلها. وصبي غسان، في «ما تبقى لكم»، الذي هو أصل ذاته، يلوذ بالأصل، ويلوذ الأصل به، فهما واحد، وينجز ما أراد حال صبي الحكيم. على مسافة قريبة ومختلفة، وجد قبلهما «صبي» جبران خليل جبران في «الأجنحة المتكسّرة»، الذي رفع الصبي إلى مقام النبي الكامل، وأراد أن يؤسس مملكة فاضلة في السماء. وواقع الأمر أن هذه النماذج المختلفة تتفتح، وليس بلا طرافة، على موضوع الحداثة والنبوة، حيث الفرد النوعي الحديث يريد أن يكون نبياً في زمن انتهى فيه الأنبياء، وحيث النبي الحديث يحتفي بالفرد النوعي ويلغيه، متطلعاً إلى فضاء جديد يسوسه الأنبياء.

  • شيرين: أول نتائج ارتحال التأثير هي ظهور جنس الرواية، فكانت زينب (1926) «إذا تغاضينا عمّا كان قبلها، كما تغاضينا عن مقامات المويلحي». في حين أن الرواية بوصفها جنس أدبي قد تألقت في أوربا منذ القرن الثامن عشر. كانت الأحداث التي يمر بها العالم «الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 ورجل أوربا المريض»، وعلامات إقبال مصر على مرحلة جديدة «هكذا كان يحلم الصبي الواعد» لا تحتمل قصيدة، بل كانت تحتاج إلى سردية تشبه خلود الجداريات الفرعونية «لم يغفل توفيق الحكيم ولا نجيب محفوظ التراث الفرعوني». لابد أن يستوقفنا موقف هيكل عندما لم يذكر اسمه على الرواية، موقف يشبه ما كان يفعله كاتبات القرن التاسع عشر من اتخاذ اسم مغاير. إلى هذه الدرجة كان جنس الرواية لا يحمل أي تقدير في مصر؟ قام هيكل إذن بكتابة زينب وهو يعرف أنه يقدمها لمجتمع لم يعترف بعد بذلك الجنس الأدبي بالرغم من أنه كان يعترف بالشعر ويقدّره.

دعني أنتقل إلى الجزء المتعلق بتقنيات رواية «الصبي الواعد»، ولا أقصد أنني أود أن أناقش أدبية الأدب بقدر ما أرى أنه من الأهمية تأمل تأثير التقنيات والأساليب على الفكر المجتمعي بشكل عام آنذاك، وفي الوقت ذاته تأثرها به. لنبدأ بشكل الرواية، الذي أعتقد وصفك له بكلمة «الأصولية» موفق للغاية. فالشكل أصولي بمعنى أن هناك بداية ووسط ونهاية «كما ذهب أرسطو» وصوت البطل هو المهيمن، بل والمحرّك للأحداث والدافع لها. حوله تتشكل الحبكة ومنه «تنبثق» الأفكار. وفكرة الانبثاق الذاتي - المستقاة من الفلسفة المثالية - تؤمن بتحوّل المادة من تلقاء ذاتها من حالة إلى أخرى دون أن يشترط ذلك وجود أي أسباب خارجية مادية. إن الأخذ بهذه الفكرة سواء في قراءة العمل نقدياً أو حتى في اعتبارها حجر الأساس الذي شكّل رؤى الكتاب آنذاك لهو في حد ذاته إشكالية كبيرة. فالنتيجة الأولى هي الإيمان بوجود «البطل الفردي» (المنقذ المخلص) وهو ما يلغي تماماً دور الحراك السياسي والمجتمعي، بل والأدهى يلغي أيضاً دور الاستعمار بوصفه - مثلاً - الدافع الرئيسي لثورة 1919، وعلى صعيد آخر، تؤدي فكرة الانبثاق الذاتي للصبي الواعد الدور الذي كانت تؤديه تقنية نزول المعجزة «من فوق» في المسرح الإغريقي والمعروفة باسم ex de machina، فعندما كانت تتعقد كل السبل ويبدو الجميع على وشك الهلاك وخاصة البطل، تحدث تلك المعجزة ويأتي الحل على يد الآلهة عبر إنزال آلة ضخمة من علية المسرح ترمز للمعجزة الفوقية فيهلل الكورال فرحا. وبذلك تنتفي الأسباب المادية الخارجية. أما النتيجة الثانية - لفكرة الانبثاق الذاتي - فهي التقليل من حجم وقوة العقل، خاصة في زينب وعودة الروح - بمعنى أن الحبكة القائمة على أساس فكرة المنقذ تذهب إلى عدم تساوي فكرة الإرادة الحرة الواعية لدى جميع البشر، وهو الأمر الذي لا يظهر - مثلاً - في الأيام لطه حسين، بالرغم من تأكيد الحكيم - على لسان المنقذ الواعد محسن - على فكرة الواحد في الكل والكل في واحد، يبقى السؤال الإشكالي: هل كانت تلك الفترة، أي النصف الأول من القرن العشرين، تحتمل فكرة التركيز على الفردانية بالمعنى الرومانسي الألماني ثم الإنجليزي؟

وبالرغم من المساحة المتاحة لإقامة جدلية في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، فإنني أرى أن الربط بين جبرا ومقولة رائد الرومانسية الإنجليزية ويليام وردثورث في قصيدته الشهيرة «أغنية الخلود» (1812): «الطفل أب الرجل» ليس إلا قلبا لكل المفاهيم ومحاولة الوصول إلى معادلة نقدية تنزع البيت الشعري ليس فقط من سياق القصيدة، بل أيضاً من السياق الفلسفي الرومانسي. فالشاعر الرومانسي الإنجليزي كان يتحدث عن حزنه الشديد لعدم قدرته على إبداء الدهشة تجاه الطبيعة كما كان طفلاً وهو يوصله في النهاية إلى فكرة الحلول الشهيرة مع الإعلاء من فكرة الفرد الوحيد الذي يرى في الطبيعة الجمال والرهبة beauty and sublimity. ربما كان شيلي فيما بعد هو الذي يحرض على الثورة في «بروميثيوس طليقا» Prometheus Unbound و«إلى القنبرة» To A Skylark، وأيضاً كيتس في «أغنية للرياح الغربية» An Ode to the West Wind، لكن بالتأكيد ليس وردثورث الذي كان مبهوراً بإنجازات الثورة الفرنسية من ناحية، وبالفلسفة الألمانية من ناحية أخرى، وإن كانت إنجلترا هي المكان الأول الذي تجلت فيه الرومانسية في المجال الشعري.

في الحديث عن «الصبي الواعد» المنقذ المخلص الذي يمر بمرحلة الانبثاق الذاتي دون الاحتياج لأسباب مادية يمكننا أن نفهم الكيفية، التي تم بها ترسيخ مركزية الفكر، ومن ثم سلطويته لدى كل أشكال السلطة. فمقولة الحكيم/محسن «الكل في واحد والواحد في الكل»، تعني إلغاء التعددية أو حتى احتمالها، إيماناً بوجود مركز واحد لا يحتمل المشاركة. ومن هنا لا تحمل الرواية أي صوت سوى صوت المنقذ المخلص (علي غرار شكل الحكم البيروقراطي)، لا عجب إذن أن تأتي البوليفونية «التعددية الصوتية في السرد»، فيما بعد لتكون إحدى التقنيات المميزة للسرد النسوي الذي حرص على تعددية المركز أيضاً في الحبكة الروائية لمواجهة الفالوس Phallus السلطوي الذي يؤكد على سلطة العقل لدى الرجل كما ذهب فيلسوف التنوير كانط في الكتاب الذي أفرده لإلغاء دور العقل عند النساء في محاولة منه لتوضيح أسباب رفضه القاطع لأي كتابة نسائية.

دعنى أنهي كلامي بما فعلته رواية «الصبي الواعد» على أصعدة فكرية أخرى، يا لبؤس كل النساء اللواتي ظهرن مع الصبي الواعد، فهن النساء الجميلات الفاتنات وقائمة الوصف طويلة، وهن مثاليات متلقيات لما يقدمه لهن المجتمع سواء كان الموت كما في زينب أو الخلاص «القائم على كم هائل من المصادفات الروائية»، كما في دعاء الكروان. لكن المشكلة هي أن كل هؤلاء النساء لا يتم التعامل معهن - روائياً - بوصفهن يؤشرن على أنفسهن. بل إن المرأة في رواية «الصبي الواعد» ليست إلا مصر، على طريقة «مصر يا أمه يا بهية» للثنائي إمام/نجم، وفي ذلك الزمن - خاصة مع الوجود الإنجليزي الاستعماري - النساء كن يعتبرن رمز الشرف والعرض، وشرف المرأة هو شرف الوطن - هكذا في خبطة واحدة. وهو ما أدى إلى نسيان معظم الكتاب أن المرأة إنسان من لحم ودم، تخطئ وتصيب، تحزن وتفرح. فتحوّلت مصر إلى امرأة جميلة شرفها مصون، أو امرأة تبكي أبناءها، أو امرأة تقف شامخة في تمثال يختار له صاحبه اسم «نهضة مصر»، ويصبح بالفعل لمصر أصل حقيقي تعود إليه الروح مما يسهل فكرة الميلاد والبعث، ويحول الهوية إلى مركب جامد ثابت غير قابل للتغير. فيبدو الصبي الواعد الذي تنبثق ملكاته من تلقاء ذاتها وكأنه يحمل راية مذهب الجوهرية essentialism، فمصر لها صفات أصيلة، والمصري يعود إلى سماته الأصلية «تربة خصبة للشوفينية السائدة» كعصفور الشرق للحكيم الذي كان اسمه محسن أيضاً. وتبقى الرواية العربية لمدة طويلة مرابطة على الشكل الأصولي الذي لا يسمح بالتغيير - عكس رغبة وتصوّر الصبي الواعد - بشكل مفارق.

إذا كانت فكرة «الصبي الواعد» قد أخذت في روايات التقدم والتحرر والاستقلال شكل القانون - معظم الروايات اطمأنت إلى هذه الفكرة - فإن استقبالها، أو التعامل معها، اختلف من طرف إلى آخر، وفقاً لثقافته ومنظوره واتساقه الفكري. فالإشارة إلى الماضي، في رواية «الرغيف»، تبدو سريعة متخففة من اليقين، ولا موقع للماضي، أو البداية، أو البداية، ولا لما يشير إليهما في رواية محمد ديب «الدار الكبيرة».

- فيصل: يمكن القول، في النهاية، إن فكرة «الصبي الواعد» تصبح خصيبة في شرطين: قراءة تحولات الصبي المختلفة في الرواية العربية بدءاً من رواية زينب وصولاً إلى رواية غسان، وقراءة العلاقة بين دلالة الصبي والبنية الروائية العامة.

-------------------------------

في الغربِ حيثُ كلا الجنسيْن يشتغلُ
لا يَفْضلُ المرأة المقدامة الرجلُ
كلا القرينَيْن معتزٌ بصاحبه
عليه إن نالَ منه العجزُ يتكلُ
وكلّ جنسٍ له نقصٌ بمفرده
أما الحياة فبالجنسَيْن تكْتملُ
أما العراق ففيه الأمر مختلفٌ
فقد ألمّ بنصف الأمةِ الشللُ

جميل صدقي الزهاوي