مهرجان دبي السينمائي الدولي.. استحضار القضايا وحضور النجوم

مهرجان دبي السينمائي الدولي.. استحضار القضايا وحضور النجوم

بين المهرجانات السينمائية الحديثة، في العالم العربي، سيبدو «مهرجان دبي السينمائي»، الأكثر تميزاً وخصوصية، ليس فقط باعتباره الرائد بينها، على المستوى الزمني، وهو حق له، إذ إنه المهرجان السينمائي الذي أرسى سابقة، وأطلق دافعاً، لنشوء العديد من المهرجانات التي اقتفت أثره، مثل «مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي»، المنعقد في «أبو ظبي»، أو مهرجان «ترايبيكا الدوحة»، المنعقد في العاصمة القطرية..

يأتي تميز «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، أولاً من حيث إنه المهرجان العربي الحديث الوحيد، الذي يرأسه، ويديره، طاقم عربي برئاسة عبد الحميد جمعة، وإدارة مسعود أمر الله آل علي، في تأكيد على أن الخبرات العربية قادرة على القيام بأدوار مهمة، وربما أفضل مما يمكن لغير العرب القيام به. كما أنه المهرجان السينمائي الحديث الحريص على الهوية العربية، فضلاً عن التفاتته إلى السينما الآسيوية والإفريقية، على اعتبار أن السينما العربية تتشارك بعناصر هاتين الهويتين، وانفتاحه على تجارب السينما العالمية. وفي هذا المجال، سنجد أن رئيس المهرجان؛ عبد الحميد جمعة، يقول: «لقد قطعنا شوطاً طويلاً منذ العام 2004، عبر الارتقاء بأهدافنا وطموحاتنا، وابتكار منصات جديدة لدعم المواهب، والتعاون مع رواد قطاع السينما، من مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي ساهم في تعزيز دور السينما في فتح باب الحوار بين الثقافات. وفي الوقت الذي حافظنا فيه على هويتنا العربية قلباً وقالباً، نجحنا أيضاً في توسيع مظلة المهرجان لتشمل جيراننا في آسيا وإفريقيا، بما يحقق المنفعة للجميع».

الميزة.. ذات الثمن الباهظ

ربما يمكن للمرء أن ينتبه إلى أن ارتباط هذا المهرجان السينمائي باسم إمارة «دبي»، سيكون بمنزلبة «الميزة ذات الثمن الباهظ»!.. فأن يُعرف عن هذه الإمارة انشغالها الكبير في مجالات الاستثمار والإعلام، والقطاعات العقارية والسياحية والخدمية. وأن تشتهر هذه الإمارة بسعيها الدءوب نحو «الأعلى، والأطول، والأكبر، والأوسع، والأسرع»، جالبة صنوف الادهاش والمفاجأة، وراغبة في توفير سبل الفخامة والأبهة والرفاهية، لمن فيها.. فمن المنطقي أن كل هذا سوف ينعكس سلباً وإيجاباً، في آن، على «مهرجان دبي السينمائي». على صورته وحضوره، وعلى سمعته، وطبيعة التقولات التي تُقال بشأنه، سواء انطلقت من معرفة، أو من افتراض..

منذ الدورة الأولى، عام 2004، واتكاء على تفاصيل أخطاء الانطلاقة الأولى، التي تولتها إدارة غير عربية، تفتقد لأدنى معرفة بعالم السينما العربية، كان من الطبيعي أن يثير المهرجان نفور قطاعات واسعة من سينمائيين عرب، لم يكن أخطرها تداخل هذا المهرجان مع مهرجانات سينمائية عربية أخرى، ومحاولته سحب النجوم العرب من تلك المهرجانات، بإغراءات المال والأبهة والفخامة.. بل كان أخطر ما في الأمر أن تلك الإدارة لم تكن تمتلك أي رؤية أو مشروعاً للمساهمة في صناعة السينما العربية. كانت تريد مجرد إقامة مهرجان!..

من حسن حظ المهرجان، وحظ السينما العربية، أن إدارة عربية سرعان ما تسلمت إدارة هذا المهرجان. إدارة عربية عارفة بملابسات عالم السينما العربية، ذات تجربة وخبرة في هذا المجال.. الأمر الذي سرعان ما انعكس على طبيعة المهرجان بشكل جذري، على النحو الذي نراه اليوم.

بدايات متلكئة.. وتطور متسارع

لم يكن انقلاباً ما قامت به الإدارة العربية؛ (عبدالحميد جمعة، مسعود أمر الله آل علي)، في «مهرجان دبي السينمائي»، بل لعله أقرب إلى ما يمكن تسميته «وضع العربة على السكة»، ووضع الأمور في نصابها، بإدراكين ذكيين متلازمين:

- تمثل أولهما بأن «مهرجان دبي السينمائي» لن يكون بمستطاعه الانفلات كثيراً من ضوابط ما أسميناها «الميزة ذات الثمن الباهظ»!.. فالدقة في التنظيم، والترتيب في المواعيد، والأناقة في التعامل، والفخامة في التفاصيل، والرفاهية في الأساليب، والإبهار في الرؤية.. هي من سمات تجربة دبي، وجوهر سمعتها العالمية.. وهذه لا بد أن تتوافر في «مهرجانها» السينمائي، كما في سائر الفعاليات والمهرجانات التي تنظمها دبي على مختلف المستويات.

- وثانيهما، تمثل في إدارك أهمية وضرورة وضع «مهرجان دبي السينمائي»، في إطار استراتيجية سينمائية واضحة، تعرف ماذا تريد، وكيف تصل إليه.. وبما أن هذا المهرجان «سينمائي»، فلا بد أن يكون إضافة حقيقية لعالم المهرجانات السينمائية العربية، أولاً، كما لا بد له من البحث عن السبل الأكثر جدوى في تأسيس «سينما إمارتية/ خليجية»، وفي دعم وتطوير صناعة السينما العربية، ثانياً.

هكذا يمكن الانتباه إلى «مهرجان دبي السينمائي» يسعى للجمع بين طرفي المعادلة/ المتحارجة، ربما!.. فمن جهة أولى، لا يمكن، في دبي، الإدّعاء بالبساطة والتواضع وممارسة التقشف.. ومن جهة ثانية، لايمكن، في المهرجان السينمائي، الاكتفاء بالجوانب الإعلامية والإعلانية والسياحية، لتبرير استمراره.

حقيقةً، أن المسار الذي قطعه «مهرجان دبي السينمائي»، حتى دورته السادسة 2009، يشكل تأكيداً على ذلك، إذ لم يعد من المبالغة في شيء القول إن «مهرجان دبي السينمائي» بات يمتلك هوية واضحة، واستراتيجية محددة، ومنجزات يراكم عليها، وثمار قطف كثير من السينمائيين العرب فوائد جمّة منها.. يمكن معها القول إن «مهرجان دبي السينمائي»، هو المهرجان العربي الوحيد، دون شك، الذي استطاع استكمال دائرة صناعة الفيلم السينمائي العربي، منذ كونه فكرة، مروراً بكتابته وإنتاجه، وصولاً إلى عرضه، انتهاء بتوزيعه وتسويقه.

المهر العربي.. التنافس سبيلاً

في دورته الأولى 2004، لم يكن «مهرجان دبي السينمائي» سوى «تجمهر» لعدد منتخب من السينمائيين المستقدمين من شتى أنحاء العالم، ولعدد من الأفلام السينمائية المنتقاة، دون ضوابط واضحة، أو محددات ذات دلالة. كان الأمر لا يعدو أن يكون «استعراضاً باذخاً»، على وقع أقدام نجوم عالميين، وعرب، تبدأ من السير على «السجادة الحمراء»، وتنتهي في السهرات العامرة، والرحلات الترفيهية.. أما السينما فلم يكن من حضور.. اللهم، سوى ذاك الحضور الذي كانت تحاوله تظاهرة «ليال عربية».

التحولات التالية، قادت المهرجان إلى تضمنه «مسابقة المهر العربي»، التي تتنافس في إطارها الأفلام العربية، سواء الروائية الطويلة منها، أو الروائية القصيرة، أو التسجيلية. ومما لا شك فيه أن خلق حالة التنافس بين المبدعين السينمائيين العرب، يشكل دافعاً ومحرضاً، ماديا ومعنوياً، خاصة مع التزام المهرجان بتوفير شروط التنافس النزيه، بحضور لجان تحكيم خبيرة.

أما الإضافة الأخرى، فقد تمثلت بإقامة «مسابقة المهر الآسيوي الإفريقي»، النابعة من حقيقة اشتباك الهوية العربية، ببعديها الآسيوي والإفريقي، وتماثل القضايا والهموم، وواقع الحال. كما أن هذا الطراز من المسابقات يتوافق مع جوانب مما تمثله «دبي»، من حالة التقاء متفاعلة بين المعطيات العربية والآسيوية والإفريقية.

وبالاعتقاد أن وجود هاتين المسابقتين معاً، وفي الوقت الذي يفسح المجال أمام تنافس سينمائي عربي، فإنه لا يفلت اهتمامه بسينما الجوار القريب، جغرافياً وثقافياً ونفسياً.. الفضاء الآسيوي، والفضاء الإفريقي، يتقاطعان في الحالة العربية فقط، وهذا أمر لا بد من الاستفادة منه، واستثماره بالشكل الأمثل.

وفضلاً عن مسابقتي «المهر»، بات «مهرجان دبي السينمائي» يتضمن مجموعة متحركة من احتفاليات وتظاهرات وبرامج عروض أفلام، خارج المسابقة، من طراز: ليالٍ عربية، أصوات خليجية، سينما العالم، سينما الأطفال، سينما آسيا وإفريقيا، جوائز تكريم إنجازات الفنانين، إيقاع وأفلام، أفلام التحريك، الجسر الثقافي، دائرة الضوء، السينما الفرنسية، السينما الهندية.. كما يختار أسماء ذات حضور سينمائي عربي، وآسيوي أو إفريقي، للتكريم والحفاوة.

ملتقى دبي السينمائي

سنظلم «مهرجان دبي السينمائي»، إذا توقفنا في حديثنا عنه على الأفلام والعروض، على الرغم من أهميتها، ودلالاتها في نجاح المهرجان من عدم، وربما تأكيد أهميته من ثانويته.. لقد قلنا قبل قليل إن «مهرجان دبي السينمائي»، هو المهرجان الوحيد في المنطقة العربية، الذي يولي أهمية كبرى للتأسيس لبنية إنتاجية للسينما العربية، تبدأ من ورشات التدريب، وصولاً إلى بلورة الأفكار والمشاريع، ومن ثم فتح آفاق تمويلها، وتسويقها وتوزيعها، في حلقة تتكامل مساهمة في دعم الإنتاج السينمائي العربي. وهذه الحلقة تبدأ من فكرة «ملتقى دبي السينمائي».

«ملتقى دبي السينمائي»، هو تلك الفكرة الخلاقة التي تقوم على استضافة عدد من السينمائيين العرب من أصحاب أفكار سينمائية، أو سيناريوهات، أو مشروعات سينمائية قيد التطوير، أو التنفيذ، أو الاستكمال، أو الإنجاز.. وفي الوقت نفسه استضافة مجموعة من المنتجين السينمائيين، أو الداعمين، أو الممولين، من شركات أو مؤسسات أو أفراد.. وخلال أيام «الملتقى» يقوم السينمائيون العرب بعرض أفكارهم ومشاريعهم أمام المنتجين، في مسعى لإقناعهم بجدوى هذه المشاريع، وعقد الاتفاقات لعملية إنتاج، أو تمويل، أو دعم..

في الدورة السادسة من المهرجان، مثلاً، انعقدت دورة «ملتقى دبي السينمائي»، التي ضمت مشاريع وأفكاراً لـ 15 مخرجاً عربياً، حضر كل منهم برفقة منتجه، لتجري أيام المهرجان لقاءات وحوارات ونقاشات مع مجموعة كبيرة من الجهات الإنتاجية، والمؤسسات الداعمة، ونقاط التمويل، من أجل فتح الآفاق أمام المخرجين العرب للحصول على دعم وتمويل من جهات عربية، وغير عربية.

وكان أن قدم «الملتقى» جوائزه النقدية للمشروعات الفائزة، فكانت جائزة «بوابة الصحراء»، ومقدارها 25 ألف دولار، لفيلم «زنديق»، للمخرج ميشيل خليفي، بينما قررت لجنة تحكيم أخرى، منح جائزة «مشاريع ملتقى دبي السينمائي»، وقيمتها 25 ألف دولار أمريكي، لثلاثة أفلام، وهي «أوف فريم»، للمخرج الفلسطيني مهند يعقوبي، و«تسليت»، للمخرج المغربي هشام فلاح، و«ياسمين»، للمخرج الأردني أمين مطالقة. وذهبت جائزة «آرتيه»، التي تبلغ قيمتها 6 آلاف دولار أمريكي لفيلم «الأحرار»، للمخرج المغربي إسماعيل فروخي، بينما ذهبت الجائزة التي تقدمها الشركة البحرينية للإنتاج وتبلغ قيمتها 10 آلاف دولار لفيلم «فيلم فلسطيني» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل.

ومن الضروري ذكر أن عدداً من الأفلام العربية المميزة، التي نشاهدها اليوم، والتي تنال حضوراً كبيراً في المشهد السينمائي العربي، وتفوز بجوائز كبرى في مهرجانات عربية، وغير عربية، ومنها على سبيل المثال أفلام: («ابن بابل» للعراقي محمد الدراجي، «أمريكا» للفلسطينية شيرين دعيبس، «كل يوم عيد» للبنانية ديما الحر، «رسايل البحر» للمصري داود عبد السيد.. وغيرها)، إنما هي أفلام بدأت فكرة ومشروعاً خلال «ملتقى دبي السينمائي»، فكانت الانطلاقة من «الملتقى»، إن لم يكن بجوائزه، فعلى الأقل بتزكيته لها، ولفت الأنظار إليها، وتشجيع المستثمرين والمنتجين والداعمين، فكان أن استطاعت هذه الأفلام الحصول على المزيد من الدعم والتمويل والاحتضان.

سوق الفيلم في مهرجان دبي

كان من أهم مبادرات «مهرجان دبي السينمائي»، إقامته لفعالية «سوق الفيلم»، الذي يتولى تحريض الموزعين على مشاهدة الأفلام، واللقاء مع منتجيها ومخرجيها، تمهيداً لعقد الصفقات.

وفي هذا المجال قال مدير السوق زياد ياغي، إن السوق حقق في الدورة السادسة من «مهرجان دبي السينمائي» تطورات تؤكد نجاح هذه الفعالية، التي بدأها المهرجان منذ دورته الماضية. وأشار إلى أن السوق استقطب أكثر من 2963 مشاهداً، وأوضح أن السوق أتاح للمشاركين فيه 205 بوابات رقمية للإطلاع على أحدث الأفلام المستقلة، عربية كانت، أو من إفريقيا وآسيا.

وأضاف أن عدداً كبيراً من المنتجين والموزعين والمسئولين عن تزويد محطات التلفزة وصالات السينما، في دول عدة، زاروا السوق، إضافة إلى عدد من العاملين في مجال تزويد الطائرات بالأفلام، حيث بلغ عدد الأفلام التي وفرها السوق هذا العام 323 فيلماً. ورتبت صالة السوق هذا العام أكثر من 73 اجتماعاً بين صناع أفلام وموزعين ومشترين، وساهم في إنجاز 60 استبياناً ودراسة استقصائية.

وأوضح ياغي أن صالة السوق، قدمت خدمات متنوعه في مجال الاستقصاء، والخدمات التخططية التي كان لها أثرها الواضح في التقريب بين صناع الأفلام والمشترين، الذين تنوعت جنسياتهم ومناصبهم، ومن أبرز الذين شاركوا في السوق هذا العام، رئيسة المشتريات في التلفزيون الفرنسي ناتالي بوبينيو، وعدد من مسئولي شراء الأفلام من إيران، وبي بي سي، وتلفزيون بلجيكا، ومايكل اندرين من ديزني.

التعليم والتدريب والتطوير

من المنطقي أن العملية السينمائية تبدأ، أصلاً وأولاً، بتأهيل وتوفير الكادر البشري، وتنمية وتطوير المواهب والإمكانات الإبداعية.. هذه التي تعني الانخراط بعملية التعليم والتدريب والتطوير، وإيلائها الاهتمام المناسب، وهو ما سنجد جوانب عملية منه في «مهرحان دبي السينمائي»، فيمكننا بالاتكاء على ما جرى في الدورة السادسة، على الأقل، أن ننتبه إلى إقامة قرابة 70 ندوة وورشة ومنتدى.. فعلى صعيد التدريب، أقيمت «ورشة التدريب الاحترافي لكتاب السيناريو العرب»، و«ورشة التدريب الاحترافي للمنتجين السينمائيين العرب»، وهما الورشتان اللتان تقومان بتطوير الإمكانات الحرفية للمنتسبين لهما، إذ يتم التدريب على أيدي خبراء عالميين في كتابة السيناريو، وفي أصول وقواعد الإنتاج، وبالتعاون مع مؤسسات وشركات رائدة في مجال التدريب والتطوير. كما خصص «مهرجان دبي السينمائي» التفاتات مميزة لكل من الأطفال، والشباب، والطلبة. فشهدت الدورة السادسة فعالية «ورشة التمثيل أمام الكاميرا» لتنمية المواهب التمثيلية، لدى الصغار، وتطوير التعامل مع الكاميرا.. كما أقيمت «ورشة خاصة بالصحافيين الشباب»، انتهت إلى منح «جائزة الصحافيين الشباب»، للطالبة «سدرا طارق».

وكان لطلبة كليات الإعلام والاتصال البصري، جلسة تدريبة خاصة، حيث أعقب عرض فيلم التحريك «الأميرة والضفدع»، جلسة مع رسامي شخصيات الفيلم، قاموا خلالها بعرض عملي يبين كيفية خلق هذه الشخصيات، ورسمها، وتحريكها.

الجسر الثقافي.. ملتقى الثقافات والإبداعات

يرفع «مهرجان دبي السينمائي» شعار «ملتقى الثقافات والإبداعات»، وهو بهذا يتماثل مع الواقع الذي تعيشه إمارة «دبي»، الحافلة بجنسيات وثقافات ولغات متعددة، تكاد تغطي ما هو موجود على وجه الأرض، اليوم، حتى ليستعصي على الباحث أن يجد جنسية، أو لغة، أو ثقافة، في العالم لا يوجد نفر من أبنائها على أرض دبي. «دبي الملتقى»، هذه واقعة حقيقية، لا يمكن الجدال بشأنها. و«مهرجانها السينمائي» لن يتخلف عن تمثل ذلك، وسيسعى لأن يقوم بهذه المهمة، فعلاً لا قولاً، ومن بوابة السينما، أولاً والثقافة تالياً.. فمع توافر هذا التعدد والغنى والتنوع البشري الهائل على أرض «دبي»، من المنطقي أن جمهور المهرجان سيكون على التنوع والغنى والتعدد ذاته. وستكون من مهمة المهرجان تلبية ذلك بتنوع وغنى أفلامه وعروضه الجماهيرية.

ولكن الأمر الأكثر جوهرية، في هذا الشأن، هو محاولة تلبية مسعى اللقاء بين الثقافات والإبداعات، تلك التي جاءت فكرة «الجسر الثقافي»، لتكون مرتكزها، حيث يترافق العرض السينمائي، لأحد الأفلام، مع اللقاء والحوار مع شخصيات وأعلام من اتجاهات ثقافية مختلفة، تلتقي على منبر المهرجان.

سينما ضد الإيدز

ولأن «مهرجان دبي السينمائي» هو في النهاية جزء من الفعاليات الثقافية والإعلامية التي تتوافر على أرض «دبي»، والتي تتعدد أهدافها ومراميها، فإنه من الطبيعي أن يكون شريكاً عملياً لنظرائه من فعاليات، ومن أبرزها التعاون مع مؤسسة «أمفار»، العاملة في مجال مكافحة «مرض الإيدز»، فكانت حملة «سينما ضد الإيدز - دبي»، التي يساهم من خلالها «مهرجان دبي السينمائي»، بشكل أساس وجوهري في دعم هذه المسيرة الخيرية، سواء من خلال التبرعات، أو المزادات العلنية، التي توظف عوائدها دعماً لمؤسسة «أمفار»، وحملتها «ضد الإيدز».

هكذا بات «مهرجان دبي السينمائي» يقوم بالاستفادة من وجود النجوم العالميين، والعرب، بما يقدم خدمة جليلة للبشرية، من خلال توظيف حضورهم بدعم المزادات العلنية، وجمع التبرعات لمكافحة واحدة من أخطر الأمراض التي تواجه البشر، في شتى أنحاء العالم. ويمكننا الإشارة إلى أنه في الدورة السادسة من المهرجان، فقط، أمكن جمع قرابة 1.5 مليون دولار لمصلحة الحملة «ضد الإيدز».

استحضار القضايا.. حضور النجوم

ما بين «الجسر الثقافي»، و«حملة ضد الإيدز»، هل يمكننا القول، الآن، إن «مهرجان دبي السينمائي» وصل إلى تلك اللحظة التي يمكنه فيها المساهمة في أهم القضايا الحاضرة، دون إفلات حضور النجوم، بل بالاستفادة من حضورهم في خدمة القضايا التي يهتم بها؟! حاجبان، على الأقل، سوف يرتفعان تعجباً واستغراباً، أو دهشة، وربما استنكاراً.. ففي عالمنا العربي، ومنذ نيف وستين سنة، تتصدر القضايا السياسية، ومسائل التحرر الوطني، والشأن القومي، صدارة ما يمكن الحديث عنه، حتى باتت هي الشغل الشاغل، وأصبح لكل القضايا الأخرى أن تتضاءل، حتى تتوارى أمامها.

على ضوء هذا الفهم، يمكن لنا أن نستكمل السؤال الآنف، بسؤال آخر: هل ابتعد «مهرجان دبي السينمائي» عن القضايا الوطنية والقومية، واكتفى بكونه مهرجان الاستعراض والأبهة والفخامة، أو السياحة والاستعراض؟.

دورة واحدة، على الأقل، يمكن أن تشكل نموذجاً للإجابة. لنأخذ الدورة السادسة المنعقدة نهاية عام 2009. في هذه الدورة سنجد ما يمكن لمهرجان دبي السينمائي أن يفخر به على المهرجانات العربية جميعها، من ناحية الاحتفاء بالقضايا الوطنية والقومية. هنا في «مهرجان دبي السينمائي»، وفي دورته السادسة، أمكن لأهم وأبرز مبدعي السينما الفلسطينية أن يلتقوا ويعرضوا أحدث أفلامهم، في حادثة لم يسبق لها أن تقع. سوف يأتي المخرج الفلسطيني الكبير ميشيل خليفي مع فيلمه الروائي الطويل «زنديق»، في عرض عالمي أول، ليفوز بالجائزة الكبرى في المهرجان. وسوف يحضر المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي بفيلم يزاوج بين ما يجري في العراق وفي فلسطين. ويسلط الفنان الفلسطيني الكبير محمد البكري الضوء على ذاكرته، وذاكرة النكبة في فيلمه «زهرة»، بينما يعرض المخرج نصري حجاج فيلمه «كما قال الشاعر»، عن الشاعر الراحل محمود درويش.

قرابة 20 فيلماً فلسطينياً سيعرضها مهرجان دبي السينمائي، في عرض عالمي أول. وليس أقل من ذلك هي الأفلام الأجنبية، التي تتناول القضية الفلسطينية، وخاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قبل عام، حتى يمكننا القول، بجرأة، إن أكبر مهرجان سينمائي عربي يتناول القضية الفلسطينية، والعدوان الإسرائيلي، إنما انعقد في الدورة السادسة من «مهرجان دبي السينمائي». بالموازاة مع ذلك، فقد حظيت السينما العراقية باهتمام ملحوظ، إذ قدم السينمائيون العراقيون مساهماتهم السينمائية في شئون مختلفة، بدءاً من الجنوب إلى الشمال، ومن عرب وكرد.. سيحضر المخرج هاجي ماهود، وفيلمه الكبير «انهيار»، كما يأتي المخرج شوكت أمين كوركي وفيلمه «ضربة البداية»، وفيما بينهما قوس واسع يطوف على أهم وأبرز القضايا.. هذا ما سيقودنا للقول: إذا كانت السينما العربية الجادة حاملة قضاياها الوطنية والقومية، وهذا قدرها.. فإن المهرجان الذي يجعل من السينما العربية قضيته، سيكون محتقناً بتلك القضايا.. وهذا هو حال «مهرجان دبي السينمائي»، على الأقل كما بدا في دورته الأخيرة.

خاتمة من نوع آخر

في التوقف أمام «مهرجان دبي السينمائي»، الآن، سنجد أنفسنا أمام شبكة غنية ومتنوعة من الفعاليات والتظاهرات، ذات العلاقة بالسينما مباشرة، ومنها:

- ما يتعلق بعرض الأفلام السينمائية، وخلق حالة تنافس فيما بين مبدعيها، ودفعهم لخوض سباقات الفوز بجوائز المهرجان (المسماة بالمهر).

- ما يتعلق بتوفير أسس دعم وتطوير وتمويل صناعة الأفلام السينمائية العربية، إنتاجاً وتسويقاً وتوزيعاً.

- ما يتعلق بالتعليم والتدريب والتطوير، عبر ورشات عمل لكتابة السيناريو، والإنتاج، والإخراج، والكتابة النقدية، والصحافة، والإعلام.

كما أننا سنجد أنفسنا أمام شبكة غنية من الفعاليات والتظاهرات، التي تتكئ على السينما، وتأخذها ذريعة، لتحقيق غايات أخرى، ومنها:

- ما يتعلق بالتبادل والحوار بين الثقافات.

- ما يتعلق بحملات خيرية، ذات أهداف إنسانية.

كل ذلك، مما يؤكد أننا مع «مهرجان دبي السينمائي»، أمام ما هو أكبر من مجرد مهرجان سينمائي عربي تقليدي.. ودائماً باتجاه الوصول إلى درجة أعلى من المهنية والاحتراف في التعامل مع السينما، ليس باعتبارها ترفاً أو تسلية أو لهواً.. بل باعتبارها قضية.

مهرجان «دولي».. اسماً، أم صفة؟..

يدرك القائمون على «مهرجان دبي السينمائي»، أنه على الرغم من تسميته بالمهرجان السينمائي «الدولي»، إلا أن هذا لا يعني أنه ينتمي إلى طائفة «المهرجانات الدولية»، حقيقة. لقد بات من الشائع في العالم العربي تسمية كل مهرجان، أو وصفه، بسمة «المهرجان الدولي»، وهو في الحقيقة لا يحقق الشروط اللازمة لهذا الوصف. إنهم يكتفون بالتسمية.. وقفزاً عن الشروط المطلوبة، يعتمد البعض في العالم العربي على القول إن المهرجان «دولي»، فقط لأنه يتضمن «مسابقة دولية»!..

في «مهرجان دبي السينمائي»، ثمة من يقول: «لانطمح لأن يكون مهرجاننا دولياً، لأنه لن يستطيع راهناً تحقيق الشروط اللازمة، ومنها وجود فيلمين روائيين طويلين محليين في المسابقة الرسمية للمهرجان». يدرك «مسعود أمر الله آل علي»، المدير الفني في «مهرجان دبي السينمائي» ذلك، ويقوله.

تجليات الأزمة المالية العالمية!..

يبدو أن أطرف تجليات الأزمة العالمية، خلال العام 2009، ظهرت في «مهرجان دبي السينمائي»، بأشكال مفاجئة.. فقد اشتكى بعض الضيوف، من سينمائيين عرب، أن تنوع الأطباق في الموائد المفتوحة، في الإفطار أو الغداء أو العشاء، انخفض بشكل لافت.. يعني أقل من عشرة أصناف! أحد الضيوف، قال معبراً عن الأزمة المالية العالمية، وانعكاسها على «مهرجان دبي السينمائي»، بأنه في الدورة السابقة، كان ثمة سيارة «ليموزين» تقوم بإيصال كل ضيف، وحده، إلى قاعة العرض السينمائي.. ولكن هذه السنة بات الأمر يتم عبر سيارة تحمل بضعة ركاب!..

بصدد لجان التحكيم!..

سيكتشف المشاركون في لجان تحكيم «مهرجان دبي السينمائي»، أنهم لن يتلقوا أي مكافأة مادية.. فقط سيتم تكريمهم واحترامهم وتقديرهم ومنحهم خصوصية في الاستقبال، وفي الإقامة، وفي التنقل، وفي الاحتفاء. سيتم منحهم أمكنة مميزة في الإقامة، وخدمات خاصة في التحرك، وتقدير مميز للحضور.. وفقط.. ولكن ليس ثمة من أموال في جيوبهم، أو في حساباتهم.

تطلبات.. ورغبات!.. فقط في دبي

يأتي بعض السينمائيين العرب إلى «مهرجان دبي السينمائي»، وفي أذهانهم الصورة الإعلامية النمطية المتكونة عن «دبي»!.. فيطمحون إلى أعلى درجات من الرفاهية، وأقصى ما يمكن من خدمات، وأثمن ما يمكن من مكتسبات. منهم من يشتكي لأنه تم إنزاله في فندق «جميرا بيتش»، وليس في فندق «القصر». وآخر يشتكي لأنه تم إنزاله في «حبتور جراند»، وليس في فندق «جميرا بيتش». المشكلة ليست في الرفاهية التي تؤمنها فنادق الدرجة الأولى هذه، بل لأن بعضها يبتعد مئات الأمتار، أكثر، عن مقر المهرجان!

يبدو أن «مهرجان دبي السينمائي»، يفسد بعض السينمائيين العرب الذين عليهم أن يكافحوا خلال حضورهم مهرجانات سينمائية عريقة، لاجتياز عشرات الكيلومترات.

ينطقون عن جهالة!

يعتقد البعض أن «مهرجان دبي السينمائي» يدفع أموالاً طائلة للنجوم الذين يحضرون فعالياته.. ويتصور البعض أن هذا المهرجان يبذل الغالي في سبيل حضور ضيوفه. والحقيقة أن «مهرجان دبي السينمائي»، لايدفع أي مبلغ، لأي من النجوم الذين يحضرون أياً من فعالياته.

 

 

 

بشار إبراهيم





 





الشيخ محمد بن راشد





أنطونيا كارفان





من أجواء مهرجان دبي السينمائي الدولي





عمر الشريف في حوار مع الشيخ محمد بن راشد في حضور يسرا ومصطفى فهمي





عمر الشريف وأحمد الراشدي وبينهما المخرج ميشيل خليفة





النجمان زينة دكاش ونصري حجيج





مسعود أمر الله مدير المهرجان مكرماً ميشيل خليفة





النجمة المكسيكية سلمى حايك





هالة سرحان وآثار الحكيم في إحدى دورات مهرجان دبي





راشد مشهراوي





لقطة من فيلم لويكا





مهرجان دبي يحتقن بالقضايا العربية عبر الأفلام المشاركة في المهرجان





من الأفلام المشاركة في المهرجان





النجمان المصريان منى زكي وأحمد حلمي