مهرجانات السينما المغربية: ظل المشاهد

مهرجانات السينما المغربية: ظل المشاهد

بغض النظر عما يمكن أن تمثله وتعنيه المهرجانات السينمائية المغربية، أو «مهرجانات السينما في المغرب» بالتحديد، لما في ذلك من فروق واختلاف دقيق، وهي على التوالي «مهرجان السينما الوطنية» (منذ سنة 1982)، «مهرجان سينما المتوسط» (تطوان، منذ حوالي سنة 1986)، «مهرجان السينما الإفريقية» (خريبكة، منذ سنة 1984 تقريبا)، «مهرجان مراكش للسينما العالمية (مراكش، منذ سنة 2001)، فإنها- المهرجانات- تراهن كليا /أو جزئيا، جميعها، بالإضافة إلى عدة مهرجانات «جهوية ومحلية» في عدة مدن وهوامش كثيرة، على تكريس فكرة ومواقف وقناعة واضحة، تشكلت منذ السبعينيات من القرن الماضي، هي أن المغرب بلد وأرض ووطن وشعب يؤمن بالانفتاح الإيجابي على صيغ التعبير المعاصرة والحداثية بقدر إيمانه القوي بالحوار مع الآخر وبالتعدد في صياغة هويته الثقافية المحكومة منذ القدم بالتنوع المتشابك لعدة روافد حتى قبل مجيء الإسلام، إلى جانب إيمان المغاربة، النخب والمثقفين المتنورين بالأساس، بضرورة الثقافة السينمائية في نحت شخصية المغربي، شأن هذه الثقافة السينمائية، في كل هذا الذي ذكرناه منذ البداية، شأن الثقافة الجمالية إجمالا والثقافة المسرحية والثقافة التشكيلية والثقافة الفنية، في مجال الغناء والموسيقى والطرب وغير ذلك.

إذا كان «مهرجان السينما الوطنية» يؤكد كل مرة، بمطلق دوراته في هذه المدينة أو تلك، على اكتشاف ودعم التجارب المغربية وخصوصية التخيل والمتخيل المغربيين، فإن مهرجان السينما الإفريقية»، بعد أن كان مجرد مشروع ثقافي ناضلت من أجله «جامعة الأندية السينمائية في المغرب»، يسعى إلى مزيد من إدراك وفهم سيولة الإبداع السينمائي في إفريقيا، شأنه في ذلك شأن مهرجان واكادوكو في بوركينافاسو أو مهرجان قرطاج في تونس، باعتبار المغرب، في هذا السياق، دولة إفريقية ذات امتداد تاريخي وسياسي وثقافي وديني روحي جنوبا وشرقا إلى حدود نهر السينغال ونهر النيل. أما «مهرجان سينما المتوسط»، فيتسم بإذكاء روح التفاعل مع التجارب المتوسطية النموذجية والسعي إلى التعريف بالتجارب النوعية الجديدة من منظور جمالي وثقافي وحضاري، علما بأن المغرب والمغاربة اكتشفوا وتذوقوا، منذ الاستقلال، السينما المتوسطية والأوربية عموما، في لحظة كانت فيه السينما موردا فعالا في خلق وتشكيل وعي فني عميق لدى النخب المغربية الوطنية بقدر ما كانت فضاء مفتوحا للفرجة في أغلب المدن الكبرى، وكانت قاعات العرض تقارب، من حيث العدد، مائتي وخمسين قاعة استغلت أيضا للفرجة المسرحية والفرجة الفنية معا، في مجال الضحك والكوميديا الساخرة والغناء، كما هو شأن قاعات العرض السينمائي في مدينة الدار البيضاء، في منتصف الخمسينيات وعلى امتداد الستينيات من القرن الماضي. ويتميز «مهرجان مراكش للسينما العالمية» بسمة أوسع هي إلغاء الحدود بين مختلف التجارب الكونية وجعلها محطة لمزيد من إدراك الهوية المغربية ثقافيا وجعل مناسبة انعقاد المهرجان كل سنة محكا للتجارب الوطنية لمعرفة نوعيتها وصلابتها وقدرتها على اختراق المجال البصري الفرجوي، على أن الطابع العام لهذا المهرجان هو جعل صورة المغرب في الخارج أكثر وضوحا في متخيل الآخر نتيجة ما ترتب من توتر أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الملغومة.

هكذا تتخذ مهرجانات السينما في المغرب، تأسيسا على التفاريق المذكورة أعلاه، مسارات تبدو مختلفة ومتباينة في الظاهر، لكنها تتواشج وتتاضد لرسم واقع سينمائي مركب أساسه إشكال الثقافة السينمائية نفسها، إلى جانب إشكال التذوق والتلقي، مرتبطة بالفرجة واحتمالات سبر أغوار الوعي الجمالي لدى الجمهور المغربي بحسب قضاياه وسياقات نمو مداركه وثقافته وأنساق تكوينه الذاتي والموضوعي، كما تلح على ذلك نظرية التلقي تجريبيا لا ظاهراتيا فحسب. والناظر في تاريخ تلقي السينما في المغرب يلاحظ أن الجمهور الذي كان يعد، إلى حدود نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، بالعشرات والمئات، بل بالآلاف، تقلص نتيجة عدة أسباب لاتمثل العولمة فيهما سوى نسبة نسبية من منظور انتشار ثقافة «تعدد الوسائط» والأقراص المدمجة التي قلصت مسافات التلقي المباشر للفيلم، ويقود هذا «الوضع» المختل إلى التساؤل بصدد جدوى المهرجانات السينمائية في المغرب في ظل تراجع شروط وقيم المشاهدة، بقدر ما يقود إلى جدوى الثقافة السينمائية نفسها على حساب ضمور الوعي الجمالي لدى المواطن المغربي. هل عاد الوضع إلى ما كان عليه قبل الثمانينيات حين كانت السينما مظهرا من مظاهر تشكل الوعي الثقافي في المغرب، أم أن الأمر أعمق من مجرد تراجع شكلي وظرفي؟ حين نراجع مجمل استراتيجيات مهرجانات السينما في المغرب نفترض ما يلي:

حرص هذه المهرجانات الأساسية الكبرى على التعريف بالمنجز السينمائي المغربي على أن الأمر يندرج ضمن ما كان يسمى «السينما الوطنية» كإبدال من إبدالات الوعي بالذات والمجتمع والتاريخ والذاكرة الثقافية. وهو إبدال حرصت على تثبيته «جامعة الأندية السينمائية». سعي هذه المهرجانات إلى احتكاك التجارب السينمائية الجديدة بغيرها في القارات الخمس، من أجل تطوير الإبداع السينمائي في كتابة السيناريو وفي الإخراج والتصوير وغير ذلك من معطيات وإكراهات الصنعة السينمائية بالمعنى الجمالي والفكري والثقافي.

ثبات الحال

بالرغم من إلحاح الفرضيتين، في التحليل، فإن الأمر يظل على ما هو عليه بدليل أن المهرجانات التي تنعقد في المغرب، بالرغم من إصرارها على الأدوار والوظائف التي أشرنا إليها، لم تتمكن من تعويض الفراغ الهائل في الممارسة الثقافية للسينما مما يمنح الجميع، وعلى رأسهم النقاد والباحثون في مجال السينما، الحق كله، في توجيه اللوم إلى القائمين على الشأن السينمائي في المغرب بالمعنى الرسمي (الدولة، الحكومة، وزارة الاتصال، المركز السينمائي المغربي)، لأن ما ينفق من أموال في تنظيم هذه المهرجانات يظل ضربا من ضروب الهدر والتبذير غير المنظم وغير المؤسس على رؤية واستراتيجية واضحتين باستثناء عينات محدودة من المهتمين والمشاهدين الذين يستفيدون، خلال انعقاد المهرجانات في هذه المدينة أو تلك، من متابعة ما يعرض من أفلام، وهي أفلام، متى كانت عالمية وأجنبية ذات قيمة أو صيت، غالبا ما تكون قد شوهدت في المغرب بطرق شتى ولا تحتاج إلى هذا المهرجان أو ذاك لضمان رواجها. وبالتالي فإن المهرجانات السينمائية تسير في واد والثقافة السينمائية تسير في واد آخر.

أتحدث عن «الثقافة السينمائية» وليس السينما في المطلق، لأن المسألتين تختلفان في الجوهر.

الأولى إشكال من إشكالات المشهد الثقافي، الجمالي، الذوقي في المغرب، وربما في العالم العربي عموما، وحتى على مستوى ما يعرفه العالم ويعيشه في أعقاب ثقافة العولمة إذ لم تصر هذه الأخيرة تهتم بالتفاصيل بقدر ما تهتم بالوظائف، ومن يقبل على السينما الآن لم يعد يبحث عن «ثقافة» ما بل عن متعة رهينة بوعي يكاد يكون صوريا لايتجاوز المعلومات التقنية حول الفيلم وحول الممثلين. السينما إشكال آخر لأنها، كما يعلم الجميع، إبداع وتخيل وإنتاج وصناعة وترويج واقتصاد وأرباح، مثل هذا لاينطبق على جميع السينماءات في العالم، باستثناء الولايات المتحدة. وحين يطرح الأمر في المغرب، بهذه الصيغة أو تلك، فإن كل مكون من المكونات المذكورة له مداره وله قضاياه: الإبداع قليل على مستوى الكتابة السينارية، بل غير متوافر بالمعنى الاحترافي مما يجعل أغلب المخرجين يكتبون السيناريو بأنفسهم من جهة، أو يلتمسون المساعدة من هذا الكاتب أو ذاك مع مراعاة مالية الإنتاج وشروطه من جهة أخرى. أما التخيل فيحتاج إلى مداخل أخرى للمساءلة نظرا للأبعاد التي ترتبط به في علاقته بالمضامين والموضوعات والسياقات والأنساق والرؤية الجمالية والبناء الحكائي، ويظل الإنتاج محدودا إذ لا يتجاوز سقف خمسة عشر فيلما في السنة، أحيانا أقل، وهي أفلام، غالبا، ما لا توزع على امتداد التراب الوطني ويظل المحور هو الرباط/البيضاء، ويتقاطع كل هذا في ندرة شروط الصناعة السينمائية بالمعنى التقني وهكذا دواليك.

هل تعي المهرجانات السينمائية في المغرب مثل هذا «الوضع المركب»؟

لا ندري بالتحديدوإن كنا نراهن على كونها «تناضل» من أجل توفير شروط مريحة للمخرجين والممثلين قدر الإمكان. أما المشاهد المغربي، المسكون بحرقة وجود سينما مغربية، فيظل في الظل، لأنه لا يوجد، بالضرورة، في المركز. إنه يوجد في الهوامش. ليست «الأرياف» والأقاصي أو القرى والبوادي فحسب، بل أيضا في هوامش مدن منسية كان لها شأن ثقافي قبل الاستقلال وبعده في عدة واجهات. وفي هذا المجال تقوم «جامعة الأندية السينمائية» ببعض ما تبقى لها من أمجاد وإمكانات لحشد المهتمين واقتراح برامج سينمائية للمشاهدة والمساءلة والنقاش والتكوين والإطلاع، كما أن العديد من الجمعيات الثقافية، بالتنسيق مع هذه الأندية والمركز السينمائي المغربي، تنظم بعض المهرجانات الموسمية الخاصة بهذه الموضوعة أو تلك من موضوعات السينما عموما والسينما في المغرب ضمنيا.

رهانات المهرجانات المغربية

المهرجانات السينمائية في المغرب، إذن، رهان، والسينما في المغرب رهان آخر، وبينهما يتشكل، في أفق التشخيص والتنظير والتحليل والتمثل والنقد، ربما، والطرح والاقتراح، رهان ثالث هو رهان الثقافة السينمائية التي تتميز بالعديد من الخصائص أبرزها:

ارتباطها بالنخب المتنورة داخل شرائح المثقفين والمبدعين والباحثين والصحفيين ورواد الأندية السينمائية التي تراجع عددها أيضا على غرار تراجع عدد القاعات الملائمة للعروض؛ سعي الدولة والحكومة إلى تبني هذه الثقافة في المدارس والثانويات والجامعات والمعاهد العليا، واتجاه بعض الشعب والتخصصات ووحدات البحث، في الماستر والدكتوراه، إلى تدريس مادة السينما من خلال موضوعات محددة: الرواية والسيناريو، مستويات تحليل الفيلم، الاتجاهات الجمالية في السينما، كتابة السيناريو، النقد السينمائي، بلاغة الفيلم، النص والصورة؛ ظهور وتأسيس معاهد متخصصة في حقول سينمائية محددة: الإخراج، كتابة السيناريو، كاتبة المخرج، التصوير، في البيضاء والرباط مثلا؛

كل هذا من أجل توفير شروط نهضة سينمائية وطنية لازمة لبناء شخصية الفرد-المواطن، وجعلها رافدا من روافد ثقافته الجمالية والذوقية مما يمنح تنظيم المهرجانات السينمائية مشروعيته، لكنه، في الوقت نفسه، يبين مدى المسافة بين هذا الرهان وذاك؛ أسميت الموضوع، «ظل المشاهد» وكان علي أن أسميه «ظل المحارب" على غرار فيلم للمخرج سهيل بنبركة الذي كان مديرا للمركز السينمائي المغربي ولم يوفر ما يتوافر الآن من شروط في ظل إدارة المدير الجديد الناقد والباحث نور الدين الصايل الذي نتمنى أن يفكر في المشاهد المغربي. المشاهد المحارب من أجل سينما مغربية نوعية ومتميزة مسكونة بهاجس الحداثة والتعدد والتطوير.

 

 

 

بشير القمري 




نجوم هوليوود في مراكش





نجوم هوليوود في مراكش





بنيلوب كروز





مهرجان مراكش يكرم إيطاليا





الأمير مولاي رشيد





من نجوم المهرجان





مهرجان مراكش استقطب نجوم هوليوود





الفنانة المصرية يسرا





لورانس فوشبورن





يسري نصرالله في إحدى فعاليات المهرجان





المخرج المصري توفيق صالح