صباح الأحمد: الجامعة العربية تظل ملاذ العرب جميعاً

صباح الأحمد: الجامعة العربية تظل ملاذ العرب جميعاً

"العربي" تحاور عميد الدبلوماسية العربية
أكد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي أننا لا نستطيع أن نلقي كل اللوم على الجامعة العربية بسبب ما حدث بين الدول العربية من خلافات وصراع خلال العقود الخمسة الماضية، وأنها أظهرت من الاستمرار والثبات ما يجعل منها بيتا لكل العرب. وأضاف أن الكويت ترى أن الجامعة قد قامت بما هو مطلوب منها في إطار ما تملك من إمكانات. وفيما يلي نص الحوار:

  • الجامعة العربية كمشروع للتآزر القومي والتنسيق والتكامل وحل المنازعات في إطار الأسرة العربية.. كيف يرى الشيخ صباح الأحمد أقدم وزير خارجية عربي وصاحب الخبرة الدبلوماسية العربية العميقة زمنا وتجربة بداية مشروعها؟ وهل حقق أهدافه؟

- كما هو معروف فإن بداية مشروع الجامعة العربية قد تم عندما التقت قيادات سبع دول عربية في القاهرة في شهر مارس عام 1945 وأعلنا عن قيام جامعة الدول العربية واعتمدوا ميثاقها الذي نص على شروط عضوية هذه الجامعة لجميع الدول العربية المستقلة، كما أن هذا الميثاق لم يمنع من قيام تجمعات إقليمية تجمع الدول العربية المتجانسة والمتقاربة كمجلس التعاون لدول الخليج العربيـة أو الاتحاد المغاربي، كما وضع آليات معينة لحل الخلافات العربية. وهو في كل ذلك كأنما كـان يستقرئ مستقبل المنطقة العربية منذ فترة مبكرة جدا. ونحن لا نستطيع أن نلقي كل اللوم على الجامعة العربية بسبب ما حدث بين الدول العربية من خلافات وصراع خلال العقود الخمسة الماضية. فجزء كبير من اللوم يقع على بعض أعضائها ممن أعطوا لأنفسهم أدوارا حاولوا فيها تخطي جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية تجمع كل العرب.

ولكن تظل الجامعة العـربية برغم العـديد من الانتكـاسات وحالات التراجع سواء بالوضع العربي العام أو بالمصاعب التي واجهت العمل العربي المشترك تظل ملاذا للعرب جميعا، ولعل أبرز ما يسجل لها في هذا السياق ما أظهرته من قدرة فائقة على الاستمرارية والثبـات لتبرهن على أنها بيت للعـرب جميعـا وأداة ضرورية لآمال وطموحات الأمة.

الكويت وتعزيز دور الجامعة

الكويت ذات الانفتاح العربي المبكر كيف كان تفاعلها مع الجامعة العربية في القضايا العربية البارزة (سواء في الانفراج أو الأزمات).. ماذا تقول ذاكرة الشيخ صباح الأحمد؟

- منذ دخول الكويت إلى عضوية الجامعة العربية في العشرين من يوليو عام 1961 سعت بكل الوسائل إلى تعزيز دور الجامعة، وشـاركت في عضوية معظم المؤسسات واللجان التي انبثقت عن الجامعة وأسهمت في دعم وتعـزيز أداء تلك المؤسسات سعيـا لتفعيل العمل العربي المشترك بما يحقق تطلعات وآمال الشعوب العربية. كما كان للكويت دائما حضور واضح في تنقية الأجواء العربية دعما للتضامن العربي المنشود من خلال المبادرة والمشاركة في العديد من لجان الوساطة التي شكلتها الجامعة العربية لحل الكثير من الخلافات العربية - العربية.

ولعل الدور الكبير الذي قامت به الكويت بمساندة شقيقاتها العربيات في البحث عن مخرج للحرب الأهلية اللبنانية من خلال المبادرة بالدعوة لتشكيل لجنة مساع حميدة لهذا الغرض ورئاسة أعمالها والتي تعتبر البذرة الأولى نحو الحل السلمي الذي قادته الشقيقة المملكة العربية السعودية فيما عرف لاحقا باتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الدائرة آنذاك وأنهى صراعا دام أكثر من خمسة عشر عاما، لعل هذا المسعى يشكل أبرز دليل على تفاعل الكويت الإيجابي مع قضايا أمتها.

كـما كان للكويت الدور الأبـرز في حل العديـد من الخلافات الأخرى التي نشبت بين الأشقاء.

  • ارتباط الكويت بالجامعة العربية جاء مواكبا لاستقلالها ومشتبكا مع أزمة صنعها تهديد عراقي للكويت عام 1961 لماذا اختارت الكويت دخول الجامعة العربية.. وكيف تفاعلت الجامعة العربية مع الأزمة آنذاك.. وما تقييمكم لهذا التفاعل؟

- إن دخـول الكويت لجامعة الدول العربية لم يكن اختيارا ولكنه واقع يفرضه عليها انتماؤها الطبيعي للأمة العربيـة فقد حصلت الكويت على استقلالها السياسي عن بريطانيا في 19/ 6/ 1961 وانضمت إلى جـامعة الدول العربية كـدولة عـربية مستقلة ذات سيادة في 20/ 7/ 1961 وهي ذات السنة التي تزامنت مع أزمة صنعها النظـام العراقي آنذاك بتهـديده لدولة الكويت المستقلة حديثا. وقد كان تفـاعل جامعة الدول العربية مع الأزمة مؤثرا وإيجابيا وذلك وفـق ما يمليه ميثاقها من ضرورة احترام السيادة للدول الأعضاء وحل النزاعات بالطرق السلمية وعـدم التدخـل في الشئون الـداخلية للدول الأخرى. وفي الواقع كان تفاعل الجامعة العربية مع الأزمـة منسجما مع ما جاء في بنود اتفاقية الدفـاع العربي المشترك، حيث تم وضعها موضع التنفيذ وكان لذلك أثره في تحويل مجرى الأحداث آنذاك.

الجامعة وأزمة الغزو

  • الجامعة العربية والكويت مرة أخرى.. وفي أزمـة أخرى مع العراق وصلت إلى حد الغزو والاحتلال.. ماذا فعلت الجامعة العربية قبيل الغزو وبعده، وفي جهود تحرير الكويت؟ وكيف تقيمون هذا الفعل؟

- نحن في الكويت نرى أن الجامعة العربية قد قامت بـما هو مطلوب منها في إطار ما تملكه من صلاحيات وإمكانات. وعندما نعود بالذاكرة إلى الفترة التي سبقت الغزو العراقي للكـويت فقد قام العراق بإرسال مذكرة لجامعة الـدول العربية ضمنها مجموعة من الادعاءات والتي ردت عليها الكويت بمذكرة تفصيلية فندت فيها تلك الادعاءات ودعت الجامعة العربية لمعالجة الموقف وذلك من خلال لجنة في إطار الجامعة يتم الاتفاق على تشكيلها.

كـما أن الأمين العام للجامعة زار الكويت والعـراق محاولا التوسط بين البلدين إلا أن النظـام العراقي الذي كان عازما على العدوان لم يسمح للجـامعة ولا لبعض الزعماء العرب الذين حاولـوا ثنيه عن العدوان بـالقيام بأي دور. كـما أن مجلس الجامعة قد انعقد في الثالث من أغسطس عام 1990 وأصـدر بيانا أدان فيـه العدوان. وكانت قمـة القاهرة في العـاشر من أغسطس أكبر إدانة لهذا العدوان حيث صـوتت 14 دولة عربية إلى جـانب الحـق الكـويتي- وهو ما يمثل ثلثي الـدول الأعضاء- وأعطت للكويت الحق للاستعانة بمن تشاء لتحـرير أرضها.

الأسرى.. القضية الأولى

  • تحررت الكويت، لكن ذيـول الغزو العراقي ما زالت باقية في الصورة.. قضية الأسرى على سبيل المثال البارز.. ماذا فعلت الجامعة العربية؟ وما الذي ينبغي أن تفعله؟

- مما لا شك فيه أن قضية الأسرى والمرتهنين وغيرهم من رعـايا الـدول الأخرى في سجون العراق تظل على رأس أولويـات اهتمامات الكـويت على كل الأصعـدة رسميا وشعبيا. والكويت التي لم ولن تدخـر جهدا في سعيها لإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي طال أمدها قد أيـدت كل المبادرات التي قـامت بها الـدول الشقيقـة والصديقـة والمنظمات الإقليمية والدولية للمسـاهمة في إطلاق سراح الأسرى. وضمن ذلك الإطار تأتي الجهود المشكورة التي بذلتها وتبـذلها الجامعة العـربية لتحقيق ذلك من خلال قيام الأمين العام بـإيفاد العديـد من مبعوثيه لبغداد، إلا أن هذه الجهـود قد اصطدمت بالموقف العراقي المتعنت الرافض للاعتراف بوجـود أسرى ومرتهنين لـديه. ولا بـد من التأكيـد هنا على أن الحل يكمن في ضرورة تنفيـذ العـراق لجميع قـرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعـدوانه على دولـة الكـويت لاسيما ما يتصل منها بقضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين وغيرهم من رعايا الدول الأخرى.

الكويت والبناء الجماعي

  • الجامعة العربية كمشروع جماعي عربي لها وجوه عديدة سياسية واقتصادية، وغير ذلك.. ماذا قدمت، وتقدم الكويت.. وماذا يمكن أن تقدم لتفعيل دور الجامعة في المستقبل؟

- ليس بخـاف على أي متتبع أن من الثـوابت الأساسية لسياسة الكويت الخارجيـة منذ استقلالها العمل على دعم كل الجهـود الجـماعيـة الخيرة سواء إقليمية أم دوليـة. إن الكويت وعلى امتداد تاريخها كان لها دوما السبق في تعضيـد البنـاء الجماعي للجامعة العربية في العديد من المجالات، فحضور الكويت الدائم لكل اجتماعات المجالس الـوزارية ومشاركتهـا الفاعلة في جميع القمم العربية ودعمها لكل القـرارات والمشـاريع التي تبنتهـا الجامعـة العربية، إضافة إلى ما قـدمته من إسهامات مالية للمؤسسات الاقتصادية العربيـة التابعة للجـامعة والذي يعتبر حقـا وواجبـا على الكويت تجاه تلك المؤسسات الهادفة إلى نـماء ورفـاهية شعوب الدول الأعضاء. وستظـل الكويت داعمة ومناصرة لكل جهد يصب في تفعيل دور الجامعة حـاليا ومستقبـلا وستسعى بكل الإمكانات المتاحـة لإبراز دورها ليواكب ما تتطلع إليه شعوب المنطقة من آمال وطموحات.

  • الجامعة العربية والنظام العربي.. كيف ترونهما في أفق المستقبل؟

- نحن نعتقد بأن الجامعة العربية تستطيع أن تلعب دورا مهما في قيـام نظـام عربي جـديد مبني على احترام سيادة واستقـلال كل دولة فيه صغيرة كانت أم كبيرة، نظام يرتكز على تحقيق مصـالـح دولـه أولا. وتفعيل العمل العربي المشترك من خـلال تجمعات عربيـة إقليمية تجمعها مصالح مشتركـة تحت مظلـة الجامعـة العـربيـة، كما أنـه من الضروري في هذه المرحلة أن نبادر إلى تقييم شامل لأداء وعمـل الجامعـة العربيـة بما يحقق لها القدرة من أجل الارتقاء بالعمل العـربي المشترك وبما يحقق آمالنا وتطلعاتنا في مستقبل أفضل لأبنـاء أمتنـا العربية.

يسعدني أن أتقدم بخالص التهنئة لمعالي الأمين العام لجامعة الـدول العربية ولجميع العاملين فيها بمناسبـة الذكرى الخمسين لتأسيس الجامعـة، وآمل أن تكـون هـذه المناسبة حافزا لنا جميعا من أجل السعي إلى تعزيز وتطوير جامعة الدول العربية لتمكينها من القيام بدورها لتحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية.

والله الموفق

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





الشيخ صباح الأحمد يصافح د. عصمت عبدالمجيد أثناء زيارته لدولة الكويت