مساحة ود أمينة شفيق

مساحة ود

رسالة من غائب

نزلت في الصباح الباكر إلى صندوق البريد. جمعت كل ما وصلني من خطابات، وصعدت بها إلى مسكني. أعـددت فنجان قهـوة الصباح وذهبت به إلى مقعـدي بجـانب الهاتف. مررت على الخطابات الواحد بعد الآخر لأرتبها وأقرأها بالترتيب الذي تحدده أولوياتي العائلية. تأتي خطابات الأبناء في المقدمة، ثم تليها أية خطابات أخرى. فلدي شبكـة واسعة من الأبناء والأصدقاء الذين يعيشون خارج الوطن.

فجأة التقطت يدي رسالة من بلد بعيد لم تصلني منه رسالة من سنوات مضت. كم عدد السنوات؟ لا أتذكر. ربما عشر سنوات أو أكثر!

ما الذي دفعه للكتابة الآن؟ لماذا تذكرني بعد طول غياب؟

كـانت أخر زياراتـه لنا منـذ أكثـر من عشر سنـوات، عندما رحلت أمه. رحمها الله، كـانت كبرى شقيقاتي. عندما تـوفيت، أبرقت إليه. جاء من مهجره البعيد ولكن بعد انتهاء مراسم الوفاة. جاء، وزار قبرها. مكث لأيام قليلة ثم عـاد إلى حيث عمله وأسرته. استمر بعد ذلك يراسلني لفترات متبـاعدة ثم انقطعت خطاباته إلي، كمـا توقفت أنا شخصيا عن الكتابة إليه.

وضعت جانبا كل. الخطابات الأخرى، وفتحت رسالته. بدأت ألتهمها بعيني. خالتي الحبيبة:

مضت سنـوات لم أكتب إليك. أرجو أن تكوني في صحة جيـدة. كما أرجو أن يكـون أبناؤك وبنـاتك أصحاء وسعداء. أتصور أنهم تخرجوا وتزوجوا وأصبحوا آباء وأمهات. كم أفتقدكـم جميعا بعـد طول هذه السنـوات. كـم أفتقد أن أكـون معكم. لقد كبر أولادي وتقـدمت بي السن. منـذ فترة وأنا أفكـر في أن آتي لزيارتكم ولكن الظروف لم تساعـدني بسبب كثرة المسئوليات في العمل وفي الأسرة. لكني أخير قررت أنا أسافر إليكم. وحددت أن يكون ذلك في الشهر القادم. هل يمكن أن تستضيفينـي في منزلك. أريد أن أبقى قريبا من أحضانك الـدافئة. وهل يمكن أن نـذهب معـا لزيارة قبر أمي؟ إذا كـان ذلك مناسبـا لك، أرجو أن تكتبي إلي في عنواني الجديد المكتوب أعلى هذه الرسالة. أرجو ألا تتأخري في الرد.

خالتي الحبيبة:

أضمكـم إلى صدري بشدة. أضمكم كلكم.
ابنك

أسرعت إلى الورقة والقلم وبدأت أرد على رسالته.

ابني الحبيب:

في انتظارك في كل وقت، وفي أي وقت. تحياتي وقبلاتي لك ولكل أسرتك. لا تتأخر. أضمك بشدة إلى صدري.
خالتك.

طويت الورقة وضعتها في الظرف. كتبت العنوان ولصقت طابع البريد. هرولت إلى الطريق وألقيت بالخطاب في الصندوق. وعدت إلى المنزل واتجهت إلى مقعدي.

سبحان الله، لقد بردت قهوة الصباح. أعددت فنجان قهوة آخر. جلست أشربه ساخنا قبل أن أفتح الخطابات الأخرى.

 

أمينة شفيق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات