أحاديث عربية محمد الرميحي

قراءة في المستقبل العربي
عرض: د. مدحت الجيار

ثلاثة كتب تجمع مقالات متتابعة أصدرها الدكتور محمد الرميحي أخيرا تعتبر شهادات على عقد من الزمن هو عقد الثمانينيات الساخن بكل ما فيه من أحلام وتطلعات ورؤى وخيبة أمل أيضا. بدأ العقد بتوقيع معاهدة كامب ديفيد، ولم ينته إلا بمأساة اجتياح العراق للكويت. ومن خلالها نلمح قدرة الكاتب على قراءة الأحداث بطريقة نفاذة.

لا شك أننا أمام كاتب محيط تماما بما يكتب، فقد قسم هذه الأحاديث تقسيما موضوعيا، في ثلاثة أجزاء: الأول: بعنوان "العرب في عالم متغير". والثاني: بعنوان "إزالة الحواجز". والثالث: بعنوان "هموم البيت العربي" حتى تلتئم الفكرة عن المستقبل العربي الذي نراه يطارد الكاتب في كل مقالة يكتبها. بل هو هاجسه الأكبر؟ إذ كل قراءة في كتاب، أو تذكرة لحكاية، أو مناقشة لندوة أو مؤتمر، أو مناقشة لحادثة دولية أو عربية، نجد الكاتب يعرج على المستقبل العربي، وقد أدى هذا الإلحاح إلى تحول هذه المقالات الكثيرة إلى فكرة جوهرية واحدة، هي سؤاله الدائم: ما مستقبل العرب في هذا العالم المتغير الذي لا يهدأ، وفي هذا العالم الذي أسقط الحواجز بين الشرق والغرب، وبين الشيوعي والرأسمالي، وبالتالي في هذا العالم الذي دفع إلينا مصيرنا لنحمله وحدنا نحن العرب، بعيدا عن مسئوليته عنا؟!.

منهج تعرية الذات

لهذا نحس في هذه الكتابات المتعددة الموضوعات، منهجا واحدا، أعتقد أنه منهج علمي موضوعي، يعري الذات العربية، ويشرحها من الداخل، كما يعري سوءات العالم ويشرحه من الداخل والخارج. ليقف العربي أمام مرآة نفسه، ليكتشف موقفه، وموقعه، ويقارن بين حياته وحضارته، وبين حياة العالم وحضارته الآنية.

ولا نبعد عن الحقيقة إذا قلنا إننا أمام كاتب ملتزم بقضايا وطنه العربي الكبير، بعيدا عن دعاوى الإقليمية، والتمزيق الذي يدعو إليه بعض أصحاب الأقلام، خاصة بعد الأزمة العاصفة التي مر بها العالم العربي كله، وتركزت كلها في بؤرة الكويت الشقيق.

فللمؤلف اتجاه عربي، وله رؤية حضارية تحمل مشروعا حضاريا عربيا هو مجموع الآمال والأحلام التي تمناها محمد الرميحي حين وحد بين نفسه وبين الكويت، ثم وحد بين الكويت والعالم العربي. ففي خلال عشر سنين نراه ضد واقع الهزيمة، محذرا من خطورة العيش في الماضي (الماضي) والحاضر (المثخن بالجراح) والمستقبل (الجنين في رحم الغيب)، في وقت يعمل فيه أعداء الوطن على تمزيقه، للقضاء على (العربي) نفسيا واجتماعيا ليكون لقمة سهلة البلع عند أي هجوم في أي وقت يحدده العدو.

لهذا يضع الكاتب الوحدة العربية جوهرا لهذا المستقبل، يرتب عليها البيت العربي، من الداخل، من أجل إعداده لمواجهة الخارج. وقد أعطى هذا الجوهر: (الوحدة): معظم توجهاته العربية ضد مبدأ الاستعمار "فرق تسد". وقد يفسر هذا الصراع بين (الوحدة - التفرقة) أو بين (المستقبل - الحاضر) نبرة الحزن المر الذي يذوقه الدكتور الرميحي حينما يأتي الكلام على الوحدة، والمستقبل، ومواجهة تحديات العصر.

وقد حاول الكاتب أن يشير في مقالاته إلى ضرورة حل مجموعة المشكلات الثقافية والفكرية بين مثقفي ومفكري العرب، مثل مشكلة "الأصالة والمعاصرة"، "التراث والواقع" "الاستشراق والاستغراب"، و"اللحاق بتكنولوجيا العصر" و "تجاوز التقنيات القديمة، وآليات الفكر القديم، للحاق بالحداثة والتحديث"، "وكلها تصب في النهاية في نهر النهضة العربية المعاصرة "المقترحة".

وهو يرى أن الثقافة والإعلام والفكر والتنمية والتكنولوجيا، هي وسائل ضرب العزلة للخروج إلى العالم الجديد، عالم التوازنات والمصالح والواقعية. وهو يشير في هذا السياق إلى خطورة اقتصار الثقافة والإعلام - عند العرب - على الأدب والنقد. ويجمع الكاتب كل هذه الظواهر في مرض عربي له شعب ثلاث (هي القطعية ضد النسبية) متجلية في الأحادية ضد التعددية والانتقائية ضد التآلف بين محصلة النتاج العربي كله.

القدرة على التنبؤ

لقد كان الكاتب يتنبأ بالمستقبل العربي في عالم متغير أزال الحواجز وألقى همومه علينا، ولهذا كانت جرعة التشاؤم تزيد كلما تعمقنا في قراءة هذه الأحاديث، إذ نراه يرهص وينذر، ويحذر من هذا الآتي. إذ نقرأ له (في يناير 1988)، ما نصه: "في عالم كهذا لا يوجد مع الأسف أي أمل للتفاؤل، وفي واقعنا العربي ينظر إلى العام الجديد بخيبة ووجل، فهناك حرب ضارية في الخليج تمول آلاتها الحربية (27) سبع وعشرون دولة، منها (19) دولة تمول الطرفين المتحاربين بآلات الدمار، وهناك مشكلات اقتصادية وديون خارجية يئن تحت وطأتها كثير من العرب، كل ذلك إلى جانب فشل كبير في الكثير من خطط التنمية. وفي الوقت نفسه يتأرجح كثير من الأقطار العربية بين (انفتاح) اقتصادي على أسوأ أشكال الرأسمالية تطبيقا أو (انغلاق) غير مصاحب بتنمية مصادر حقيقية للثروة. هذا الواقع يشكل حالة ذهنية خطيرة تعمل على تقويض الأمن العالمي. وإثارة الفوضى في أرجاء المعمورة.

هل كنت متشائما أكثر من اللازم في الترحيب بالسنة الجديدة؟ أرجو ألا أكون كذلك، ولكن كل ما حولنا لا يدعو إلى أي تفاؤل " ج 2، ص 176.

ترى هل وصل التنبؤ إلى هذا الحد الدقيق، لدرجة التعبير بالأرقام، والوصف الدقيق لسيناريو الخليج، الذي تكرر بعد عامين بالضبط من هذا الحديث؟ ألا يدل ذلك على دقة الكاتب في الوصف والملاحظة الموضوعية التي أشرنا إليها في بداية الحديث عن منهج الكاتب في تناول القضايا؟!

ألم تتوقف "العربي" بسبب هذه الحرب؟! التي كانت مشتعلة قبل أن تبدأ؟!. إن تنبؤ الدكتور الرميحي هذا يؤكد على أن المشاريع العربية المجهضة تصطدم دائما بهذا الواقع المر، المعروف سلفا، والذي نذهب إليه مختارين وكأننا "أوديب"، أو وكأننا في مأساة يونانية قديمة، يقدم فيها البطل المأساوي على مصيره وهو يعلمه سلفا في حلمه أو من تحذير العرافين والكهنة. هذا المصير الذي أشار إليه الكاتب، ثم وقع العربي فيه وألقى نفسه من فوق جبل شاهق، كان يمكن له أن يتفاداه بالمعرفة والموضوعية.

ويتكرر الأمر نفسه مع الكاتب حين يتعرض للمؤتمرات العربية، وحين يعرض نتائجها وتوصياتها، ثم حين يعرض لتفاقم السلبيات رغم معرفة المجتمعين في هذه المؤتمرات لأسباب تأخرنا، ورغم مقترحاتهم وتوصياتهم المدروسة وغير المدروسة. هنا، نحس أن الكاتب يريد أن يقول لنا من وراء عباراته (المرة الشجية) إن العربي لا يختلف عن "أوديب" أو "سيزيف" إنه يكرر الأخطاء، ويعرفها ولا يحلها وكأنه يستمتع بعذابه. ويتضح الأمر - بعد ذلك - حين يلح الكاتب على أن العدو الصهيوني يعرف هذا فينا فيقاتلنا بنفس السلاح عدة مرات. ويعرف أننا لن نعالج سلبياتنا فيضرب على وترها عشرات السنين. وهذا ما جعل الإسرائيليين ينفذون توصيات مؤتمراتهم، عكس ما يفعله العرب. وبذلك يشير الكاتب في مواضع كثيرة إلى ضرورة التنبه إلى آلية العدو، لنتعلم الحرب معه والتفاوض معه في الوقت نفسه.

وكان لا بد أن يتعرض الكاتب في شهرياته للشعوب المنضبطة التي تمثل نموذجا مختلفا، بعيدا عن النموذج العدو. فتعرض في مواضع كثيرة لليابان والصين وهما أمتان لم تزل علاقة العرب بهما بكرا، لا تحمل أية عداوة أو كراهية. وبالتالي يمكن أن يتحولا إلى (النموذج الصديق) دون حساسيات نفسية سياسية. والسياق نفسه أورد في الأحاديث نماذج أخرى صمدت ضد تحديات العصر كالهند والباكستان.

قراءة المستقبل

وقد أشار الكاتب باسم مجلته إلى محاولة أخرى غير التنبؤ الشخصي بالمستقبل، أعني إشارته إلى قراءة المستقبل عن طريق سؤال المتخصصين أسئلة محددة (ج 3، ص 259) أو ما نشره عن مركز دراسات الوحدة العربية أعني دراسة المركز عن "مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي" من أجل التفكير في مسارات بديلة ومحتملة عند احتمال إخفاق مسار أو مشروع منها. وهذه الإشارات المهمة تعني - كما يلح الكاتب في كل مقالاته - أن القدر المأساوي الذي يقع فيه العربي يمكن التخلص منه. وهذا ما دفع الرميحي إلى الكتابة أيضا عن "التجمعات العربية: تحديات التحول من الوجود بالشكل إلى الوجود بالفعل" وذلك في عصر الكيانات الكبيرة الضخمة القادرة على ابتلاع هذا العالم العربي عند تمام الوحدة الأوربية، مثلا. ولقد ناقش الكاتب كثيرا ظاهرة فشل محاولات الوحدة العربية السابقة، وسلبية الجماهير العربية تجاه هذا الفشل.

ولم يقف الكاتب عند الاجتياح الاقتصادي والنفسي من هذه الكيانات الكبيرة؛ بل يشير في سياقات متعددة إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وإلى اجتياح القدس، ومذابح صبرا وشاتيلا. ولكنه يلتفت إلى الاجتياح العربي للكيان الإسرائيلي بالانتفاضة والحجر والأطفال وهي الانتفاضة التي تعرض لها في أكثر من مقال، وجعلها علامة من علامات التفاؤل بالمستقبل، بل علق عليها آمالا عريضة في توحيد الصف العربي.

محنة أمنا الأرض

ولكنه يعود ليرى العالم كله في محنة، ويرى الإنسانية كلها معرضة للفناء، وهذا ما يخفف من صدماته المتكررة في وطنه العربي. إذ يشير إلى تقارير دولية من مختلف الجهات تحذر من أخطار محدقة البشرية شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. تحذر من التلوث، والخطر النووي، وثقوب الفضاء. ومشكلات الغذاء، والمياه، والانفجار السكاني، ونضوب الموارد والثروات الطبيعية... الخ.

ولا ينسى أن (أمنا الأرض) التي تستوعبنا جميعا مهددة هي الأخرى. ومن ثم يصبح حوار الشرق والغرب، السود والبيض والصفر هو محاولة من أجل "التفاوض على المستقبل" ج 3، ص 308 وسوف يكسب من يفاوض ومعه أكبر قدر من الطاقة، والثروة، والتكنولوجيا، والمعرفة. فنحن الآن في القرن العشرين، قرن المعرفة.

ويتعرض في هذا السياق إلى السلام العالمي، سلام العالم، وسلام العرب في آن. ويوضح كيف ينظر إلينا العالم، وكيف ننظر نحن إلى العالم، في خضم تشابك المصالح والعلاقات والاتصالات وانتشار الصراعات الاجتماعية والسياسية، الطائفية منها والعنصرية، القومية والعرقية.. إلخ، كلها تجعل من العالم مجموعة من بؤر الصدام والحرب، ومن ثم يكون هذا العالم محتاجا للسلام في هذه الآونة أكثر من أي وقت مضى. ولكن يجب أن يتحقق السلام دون تفريط في حق، وهنا يعود الكاتب إلى وطنه العربي، وغيره، ليفرق بين حرب التحرير، لطرد المحتل من الأراضي والمواقع لإنهاء سيطرته على كل مقدرات شعب آخر، وبين حرب من أجل الغزو والاستحواذ. ففي الأولى، هي حرب من أجل السلام العادل لكل الأطراف، والثانية تعني بالسلام الاستسلام للأمر الواقع.

ولم ينس الكاتب بلاده الكويت، إذ نراه فرحا بتباشير الديمقراطية فيها، فرحا بما تحمله من مقدرات بين طبيعتها وبين أبنائها. وهو يدخلها إلى الحديث كلما تعرض للمصير العربي، والوحدة العربية ويشير باستمرار إلى مشاركاتها في الحركة الثقافية العربية بحضور ثقافي داخل الكويت وخارجها.

خصائص الأسلوب

ولا شك أن هذه الأحاديث سياحة سياسية وثقافية في أمور كثيرة، ومناسبات عدة، وهذا ما يجعل للكاتب فرصة للتراجع عن بعض مقولاته. إذ لكل مقالة ما يبررها لحظة الكتابة وقد تنتهي هذه المبررات، وقد يشفى المرض، وبالتالي، فعلى الرغم من استبعاد بعض المقالات، فإن بعض المقالات تحمل أنسام الماضي، ورياحه، في فترة الفراق العربي بعد كامب ديفيد. ولكن الوضع تغير جدا بعد حرب الخليج الثانية وتبدلت المواقع، على الرغم من عدم تحقق ملامح لا حصر لها من مشهد الوحدة العربية، والتنمية العربية، والتقدم العربي. ولعل تلكؤ جزء من الزمان، وراء بقاء بعض العبارات التي تنتمي لفترة الخصام العربي. ولكن الأمانة العلمية والصحفية تجعل من المحتم أن نحتفظ بصورة الأحاديث الشهرية كما كانت تكتب في أول مرة لأنها صورة صادقة للواقع العربي. سجلها الكاتب بصدق وصراحة، وبروح علمي معجب، إذ كيف يتفق الروح الصحفي مع الروح العلمي الدقيق إلا في قلم صادق وعقل متابع لما ينتجه الشرق والغرب في كل المستويات الثقافية والإبداعية، وهي خطة مجلة "العربي" التي تسعدنا دائما بالمتابعة والتغطية المستمرة لآخر ما يصدره العقل البشري وتقدمه للقارئ على مدى سنين طويلة.

أما أسلوب د. محمد الرميحي في هذه الأحاديث، وكما تابعناه في كل شهر تصدر فيه المجلة، ولا يزال، لا يزال الأسلوب السهل الدقيق، فلم يرد في معجمه كلمة غريبة أو مهجورة بل نجد معجما يوميا فيه اليومي والعادي، لكن الكلمة على قدر السياق الذي يحتاج إليها فيه. والتركيب عربي فصيح لا ينبو فيه تركيب عن الفصاحة على الرغم من سهولة التركيب إلى حد كبير، حتى عندما يورد مصطلحا باللغة الأجنبية، يعود فيترجم دلالته، حرصا على متلقيه.

لا شك أن التوجه العربي العام للكاتب كرئيس للتحرير، وللمجلة كوسيلة إعلامية ناجحة، كان وراء اكتساب هذه السهولة، وهذا الوضوح، على الرغم من أنه يعالج في بعض الأحيان قضايا عويصة عميقة، نظرية أحيانا، أو يعرض أحيانا لكتاب مهم، أو لإحصائية من إحصائيات الأمم المتحدة أو الجهات المتخصصة. هو دائما ينحو ناحية السهولة والتيسير.

لهذا نلمح تعددا في طرق العرض، واختلافا في طرق الشرح والتوضيح، فبعض الموضوعات تأتي في مقالة بعنوان واحد، دون تفصيلات، والبعض الآخر يأتي بأكثر من عنوان رئيسي وفرعي، وهوامش، وإحصاءات، وعرض لوجهات نظر متعددة ومتعارضة، ليخلص في النهاية إلى رأي خاص، دون أن يترك القارئ مهموما حائرا في خضم الأرقام والتواريخ والمعلومات والأسماء، حتى يخيل للقارئ أنه أمام بحث علمي بلغة الحياة اليومية. ومن الحق أن نذكر هذه الأحاديث خلوها من التحريض على شيء لأنها - في مجملها- لا تود خطاب العاطفة، بل هي في كل مرة تخاطب العقل، والمنطق بالأسانيد والحجة: هي تريد المناقشة والإقناع والتحليل الهادئ الرزين المنظم، ولا تركن إلى تهييج شهوة الانتقام أو التشفي وبالتالي نحس بصدق المقولات، لا الصدق الأخلاقي فحسب بل الصدق العقلي، والنزاهة. ومن ثم خلت هذه الأحاديث من التجريح، والتعريض، لأنها أداة تجميع عربي، تصون الطاقة العربية ولا تبددها وتحميها ولا تهددها. ولا يتفق التهييج والانحياز العاطفي مع العقل ورغبة التوحيد، وتشوف المستقبل.

شهادات عبر عقد من الزمن

إن هذه الأحاديث إحدى وثائق عقد من الزمان العربي الذي شهد في الثمانينيات ما يشيب له الولدان. وهي وثائق دالة على أن الإنسان العربي والوطن العربي جزء من هذا العالم العضوي، متأثر بما يجري فيه، شاء أم أبى، وأنه لا بد أن يأخذ مكانه تحت شمس هذه الأرض. لهذا كانت أدبيات متميزة، وشاهدا على عصر متشابك. شهد الحرب والسلام والجدل بينهما.

ولن يكف الزمان العربي عن حلمه بالوحدة، والتنمية والحديث عن المستقبل، ونحن في نهاية القرن العشرين، قرن الانطلاق إلى الكواكب الأخرى وثورة المعلومات التي لا تكف عن تطوير نفسها، ولن يكف (العربي) عن الحلم والتمني، وهو واقف على أرض عربية محررة من العدو، وبعقل متحضر علمي قادر على غزو المستقبل والمشاركة في صنعه، وتسييره بقلب مفتوح على العالم بلا تعصب أو عمى، وببصيرة ترى في قلب ظلام الآني، نور الآتي.

هذا ما تقوله أحاديث الدكتور محمد الرميحي، أو هذا ما فهمته منها، ولا شك أنها أحاديث ثرية تعطي أكثر من ذلك بكثير، وتحتاج إلى مراجعات نقدية، وقرائية كثيرة، متعددة بتعدد مذاهب الفكر وطرق التفكير، التي حرص الكاتب على بيان إيمانه العميق بجدواها، لنخرج بدلالات جديدة، توازي الجهد الذي بذله صاحب الأحاديث على مدى عشر سنوات.