أرقام محمود المراغي

أرقام

السيد
بقلم:

ما زال الرجل هو السيد.

هكذا تقول آخر أرقام أذاعها البنـك الدولي في مقارنة بين الجنسين في العالم.

قبلها، كانت الدراسات والمؤتمرات العالمية والوطنية تشير لأوجـه تمييز واضحة بين الـرجل والمرأة.. وكـأن التمييز شاملا للعالمين: المتقدم والمتخلف..

في أحراش أفـريقيا كانـوا يقـولـون إن المرأة تعمل أكثر، لكنها تتلقى رعاية صحية أقل، وتحصل على غذاء أقل! وفي الولايـات المتحدة الأمريكية يقولون إن امرأة تمثل الدولة العظمى في الأمم المتحدة، لكن المرأة بشكل عام مضطهـدة في الـوظائف الإدارية العليا وفي فرص العمل.

وفي أوربـا، تم رفع كـل القيـود عـن تعليم المرأة واشتغالها.. لكنها ما زالت الكائن البشري رقم (2).

أما في عالمنا الإسلامـي فالمرأة بين مد وجـزر.. تتبوأ أعلى المناصب، كرئيسة للوزراء، وفي نفس الوقت تفتقد المكانة الاجتماعية المتسـاوية مع الرجل.. بل إنها تخطو للخلف في سـوق العمل بالكثير من البلـدان، حتى باتت ظـاهرة الانسحاب من العمل ظاهرة شـائعة.. وبينما كـانت قيم الإسـلام تعلي من شأن المرأة على مـر التـاريخ، فإن البعض قد أصبح يجنـد فهمه لهذه القيـم في اتجاه عكسي يحبس المرأة عن العمـل وعـن التعليم. والتمييز لفظ مهـذب، فعكسـه هـو الاضطهـاد.. وهو اضطهاد - كـما تقول الـدراسات- سيـاسي واقتصـادي واجتماعي .. وفي البنـد الأخير يمتد العدوان على المرأة من عدوان على فكرة المساواة بين الجنسين.. إلى عدوان مباشر يشمل استخـدام العنف ضد المرأة، والتحرش بها، والاعتداء عليها جسديا.

إنهن أطول عمرا

المساواة غير متحققة، ومع ذلك فالمرأة- والتي تلقى رعاية صحية وغذائية أقل كما قلت هي الأطول عمرا. !

طبقا لتقرير التنميـة في العالم سنة (1994)، والذي يصـدره البنك الـدولي، كـان متـوسط العمر المتـوقع للإناث عام 1992: (68) سنة.. بينما لم يزد المتوسط المتوقع للرجال في العالم عن (64) عاما.

هذا الفارق تاريخي.. ففي عام 1960 كان متوسط العمر المتوقع للإناث ستين عـامـا.. وكان المتوسط للرجال سبعة وخمسين عاما.

وتسجل الأرقام أنه كلما زاد الدخل، زادت الصحة، وزاد متوسط العمـر المتـوقع.. ففي مجموعة الدول مرتفعـة الدخل في العالم ارتفع المتوسط إلى ثمانين عـاما للإنـاث و (74) عامـا للذكور.. لكـن ذلك المتوسط يهبط في إفـريقيا جنـوب الصحراء إلى (53) عـامـا للإناث.. وخمسين عاما للذكور.

الفروق عند منخفضي الـدخل تضيق فكـلا الجنسين مكتـوب عليه المرض والعـوز والعمر القصير. وقـد هبط متوسط العمر المتوقع في العام المذكـور - 1992 - إلى (44) عاما للإناث و (43) عامـا للذكـور في أوغنـدا.. كما هبط إلى (45) عامـا للإنـاث في كل من مـوزمبيق وسيراليـون.. وأقل من ذلك للرجال..

في نفس الوقت فقد ارتفعت السن المتوقعة في اليابان وسويسرا إلى 82 عاما للمرأة.. وبين (75) و (76) عاما للرجل.

الفارق شاسع، لكنه الاقتصاد يعكس نفسه على كل شيء.. وإن كانت المرأة، وفي كل الأحوال أكثر صمودا حتى أن متوسط عمـرها في الـدول متوسطة الـدخل قد بلغ (71) عاما.

طالبات أكثر

في مجال التعليم، وهو المؤشر الثاني للمقارنة المرأة والرجل.. تسجل الفتيات غزوا مستمرا للمـدرسة. بصرف النظر عن المستوى الاقتصادي.

في التعليم الابتـدائي، وعلى مستـوى العالم، وطبقـا لأرقـام 1991 كـانت نسبـة الطالبـات للطـلاب: (84%).. وفي التعليم الثانوي كانـت النسبة (78%) من الذكور.

ترتفع النسبة قليلا عند الدول الغنية فتسجل (95%) للإنـاث من عدد الذكور بالمدرسة الابتدائيـة.. وترتفع النسبة، وللغرابة إلى (98%) في التعليـم الثانوي.. وهو مـا يضع سؤالا حـول تقدم قـد حـدث يعكسـه مجال التعليم الثانوي.. وتخلف استتبعـه، وهو مـا يعكسه رقم التعليم الابتدائي الذي جاء دون الأول.

في كل الأحوال. فإن الجنس الآخر يسجل تقدما في مجال التعليم.. وتسبق الإناث الذكور في بعـض المراحل والمناطق فتبلغ نسبة الفتيات للفتيان في التعليم الثانوي بالـدول متوسطة الدخل (106%).. وتـرتفع النسبة في شريحة منها هي أمريكا اللاتينيـة والكـاريبي فتصبح النسبة (114%).. بينما تهبط في جنوب آسيا، وللتعليم الثانوي أيضا، إلى (54%).

كما قيل قـديما: التعليم كالماء والهواء.. و.. هـا هي المرأة تسجل تقدما ملحوظا في هذا المجال.

والسؤال: هل ينعكس ذلك على سوق العمل؛

وعاملات أقل!

الغريب- وبلغـة العسكريين- فـإن خريطـة سوق العمل تشير في أن المرأة "محلك سر".

في عـام 1970، كـانت نسبة مسـاهمة المرأة في قـوة العمل (35%) من المجموع الكلي.

في عـام 1992.. كـانت النسبـة كمـا هي، لم تتغير، ولم تزد!.

بطبيعـة الحال فإن الرابطـة قائمة بين الـدخل.. واشتغال المرأة، ففي الاقتصاديات مرتفعة الدخل تبلغ مسـاهمة المرأة (38%) من قـوة العمل.. و.. تهبط النسبة إلى (32%) ثم (31%) في الاقتصاديات متوسطة ومنخفضة الدخل على التوالي.. أي أنه كلما زاد الدخل زاد اشتغال المرأة.. و.. يمكن أيضا أن نقول العكس "إنـه كلما زاد اشتغـال المرأة زاد الـدخل. فـالمرأة قوة اقتصادية قـادرة على توليـد دخول إضافيـة". ويبقى السؤال معلقا، كيف تشجع المجتمعات تعليم الفتيات حتى فـاق تعليم الفتيـان في بعض البلدان، وفي نفس الوقت تجري محاصرة المرأة في سوق العمل؟

هنا نلاحظ تفاوتـا في موقف المجتمعات من اشتغال المرأة. في البلدان الإسـلامية (السعودية - سلطنة عمان- الجزائر - مصر - باكستان) تراوحت نسبة اشتغال المرأة بين (8%). و (13%) .. بينما ارتفعت هذه النسبة إلى (24%)، في أسبانيا و (45%) في كل من السـويـد والدانمارك.. و(47%) في فنلندا و (40%) في كندا.

الشمال أكثر تحررا، والجنوب أقل ترحيبا باشتغال المرأة .. والسؤال: هل يرجع ذلك لأسباب دينية تسمح بتعليم الفتاة، وقد لا تسمح باستمرارها في العمل؟ أم أن الأمر يتعلق؟ أيضـا بالظروف الاقتصـاديـة وقلة فرص العمل.. بما يطرد المرأة من الـوظـائف.. ويعطي الأولوية للرجل!

تحتاج الأرقام إلى دراسة. أكثر، فهي لا تشـير فقط إلى التمييز ضد المرأة.. لكنها تشير أيضا- وبالنظر لمتوسط عمر أطول للنساء - إلى أن عـدد السنوات التي تظل فيها المرأة بلا عمل.. عدد أكبر قياسا للرجل.

و.. هكذا تشير الأرقام والتقارير والدراسات إلى أن المرأة ما زالت محل اضطهاد، والرجـل ما زال هو السيد الـذي يحتل الموقع المتقدم، وتقدم المرأة- في كثير من الأحيان- لا يتم بغير من الرجل.

تحتاج الأرقام إلى دراسة أكثـر، فهي لا تشـير فقط إلى التمييز ضد المرأة.. لكنها تشير أيضا- وبالنظر لمتوسط عمر أطول للنساء - إلى أن عدد السنوات التي تظل فيها المرأة بلا عمل.. عدد أكبر قياسا للرجل.

و.. هكذا تشـير الأرقام والتقارير والدراسات إلى أن المرأة ما زالـت محل اضطهاد، والرجـل ما زال هـو السيد الذي يحتل الموقع المتقدم، وتقدم المرأة- في كثير من الأحيان- لا يتم بغـير قرار من الرجل.

إنهن الأقل في فرص العمل، والصحـة، والغذاء.. لكنهن الأطول عمرا.

هل من تفسير؟

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات