عزيزي القارئ المحرر

عزيزي القارئ

نصف قرن جديد

عزيزي القارئ...

في هذا العدد الماثل بين يديك احتفالية كنا نود أن يكون موضوعها فرحا خالصا. لكن القول العربي المأثور، ينطبق على الوضع العربي الشائع: "ليس كل ما يتمناه المرء يدركه". وهذه ليست دعوة لإيقاف التمني، بل هي - على العكس- دعوة إلى الإصرار على استمرار التمني، والسعي إلى إدراكه. فالجامعة العربية التي يختصها هذا العدد بالاحتفال عبر ملف كامل يلقي الضوء على مسيرتها التي قطعت نصف قرن منذ قيامها، كانت أملا صعدته الأفئدة العربية الطامحة إلى التآزر والتآخي والتكامل، وكل هذه المنظومة الطيبة من تعبيرات الوجدان العربي الحميم، لكن نظرة إلى الوراء تكشف عن مدى من الأحزان والآلات كان ينبغي على هذه المؤسسة القومية أن تعبر به، خائضة في لجج من الصراعات العربية / العربية، ومجتازة وعرا لم ينقطع من الصراعات المدفوعة إليها- كرها- هذه الأمة العربية. ولم يكن الحصاد هشيما أبدا، بل كان في كثير من الأحيان باقات زهر وطاقات نور للحلم العربي. لكن هذا الحصاد بكل ما فيه، ظل حصادا سياسيا في معظمه، فقد شغلت الصراعات السياسية هذه الجامعة عن صراع آخر لم يخصه العرب ولم ينتبهوا إلى خوضه بالجدية اللازمة له، وهو صراع الذات العربية مع نفسها ومع العالم المتحرك، في أطر المدنية والثقافة والعلم والتقنية.

إذن، احتفاليتنا التي تعكس عمق التقدير، تنطوي على الأمل أيضا، في فعالية أكثر وأعمق وأيسر لفعل الجامعة العربية السياسي، وهذا بدوره قد يؤدي بالجامعة العربية إلى فتح نوافذها على جهات أخرى لم تستكشفها في انشغالها القاسي طوال نصف قرن.. جهات الثقافة والتثاقف اللازمين لشغل مكان حقيقي تحت شمس العالم المعاصر.

احتفاليتنا- في هذا العدد- بمرور خمسين سنة على قيام الجامعة العربية، بكل ما فيها من أفراح وأتراح، لم تمنعنا- عزيزي القارئ- من تقديم باقات التهنئة على طريقتنا. فزهور هذه الباقات، قبسات من الأدب والفن والعلم، منحتنا إياها أقلام كتاب "العربي" الذين يتدفقون بالنور من كل أرجاء العالم العربي. فكأننا نؤكد على الحلم العربي بجامعة عربية ثقافية شاملة، تلملم شتات الضوء ليكون نوراً عربياً كبيراً.. أكبر من عددنا هذا، ومن مجلتنا هذه، بل أكبر من كل ما هو كائن في بلاد العرب الآن. ويمتد برحابة نصف قرن آخر.. نصف قرن جديد.

ونلتقي على نور

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات