مساحة ود

هلت ليالي القمر

ما زلت أتذكر اليوم الذي جاءت فيه أسرة زوجي لخطبتي. أتذكر تفاصيل اليوم وكأنها حدثت بالأمس، نعم بالأمس.يومها كانت أمي - أم العروسة - منشغلة إلى قمة رأسها. أرادت أن تكون وليمة الغداء التي تعدها لاستقبال أسرة زوج ابنتها وليمة ترقى إلى مقام الحدث الأعظم!

نظفت البيت كما لم تنظفه، أعدت غرفة الاستقبال إعدادا لم يحدث قبلا، أخرجت كل أواني وأدوات المائدة التي لا تخرج إلا للعزيز الغالي، اشترت أطيب اللحوم والخضراوات والفاكهة والحلوى.

استمرت تستعد لذلك اليوم أسبوعا كاملا.

بجانب ذلك، أتذكر أنه في اللحظة التي دق فيها جرس الباب وبدأنا نستقبل الضيوف، أدار أخي المذياع، وإذا بأم كلثوم تشدو "هلت ليالي القمر".

لا أدري لماذا استمرت هذه الأغنية تثير وجداني كلما سمعتها بعد ذلك. كلما شدت ثومة بهذه الأغنية بضربات قلبي، استمرت كالإضاءة العاطفية تحرك مشاعري، وتعود بإحساسي إلى تلك اللحظة التاريخية.

تقدم شاب لخطبة ابنتي وتم الاتفاق على أن أستقبل أسرته على الغداء، حددنا الموعد. إذ بي أتصرف كما تصرفت أمي، بدأت أكرر ما فعلته من أجلي من إعداد واستعداد، لم أتصرف لمجرد التكرار والتقليد، بل أحسست أنني أتصرف بتلقائية، نظفت المنزل وأخرجت أدوات المائدة التي لا تخرج إلا للعزيز الغالي. اشتريت أطيب اللحوم والخضراوات والفاكهة والحلوى.

تذكرت الماضي وبدأت أتابع تصرفاتي، وجدتها توأمة لتصرفات أمي. أليس ذلك بالشيء الغريب! في اليوم المحدد، استيقظت مبكرة وأدخلت اللمسات الأخيرة. حاولت أن أجعل كل شيء على أكمل وجه ثم تذكرت "هلت ليالي القمر".

عدت إلى مكتبة الأشرطة وبحثت عن الأغنية. وجدتها ووضعتها في جهاز التسجيل وأدرتها طوال ساعات الصباح.

قبل موعد الغداء بساعة، دق جرس الباب وبدأنا نستقبل أسرة عريس ابنتي. كانت ثومه لا تزال تشدو "ما أحلى السهر على شط النيل.." "ياللي القمر من بهاك نور في قلبي" أحسست بأن قلبي يكاد يقفز من صدري.

أحبائي.. ابنتي وزوجها.