التهاب الأذن الوسطى الحاد في الأطفال محمد مصطفى السمري
طبيب الأسرة
التهاب الأذن الوسطى ذلك المرض الأكثر شيوعا بين الأطفال، ما هي أسبابه وأعراضه؟. وكيف نقي أطفالنا منه. وما هو العلاج إذا لم تفلح الوقاية؟هذا الالتهاب الحاد الذي يصيب الغشاء المخاطي المبطن للأذن الوسطى، هو مرض شائع يعاني من الكبار والأطفال، خاصة في فصل الشتاء نظرا لتعرض الطفل للأمراض التي تصيب جهازه التنفسي في هذا الفصل، وبالتالي امتداد الالتهاب من الأنف والحلق إلى الأذن الوسطى عن طريق قناة استاكيوس (وهي قناة تصل الأذن الوسطى بالجزء الخلفي العلوي من الحلقوم، وتقوم بتهوية الأذن الوسطى، كما تقومه بمعادلة الضغط الواقع على الجانب الداخلي من طبلة الأذن بضغط الهواء الواقع على سطحها الخارجي).
ومن المعروف أن الأذن البشرية مكونة من ثلاثة أجزاء: (أ) أذن خارجية مكونة من صيوان الأذن لتجميع الأصوات، وقناة الأذن الخارجية لتوصيل الأصوات إلى الطبلة فتتذبذب تبعا لها. (ب) وأذن وسطى عبارة عن تجويف عظمي يحتوي على ثلاث قطع عظيمة مركبة بدقة أبدعها المولى عز وجل تسمى المطرقة والسندان والركاب، نظرا لمشابهتها لهذه المسميات ووظيفتها الأساسية تكبير الأصوات ونقلها من الأذن الخارجية إلى الأذن الداخلية مع التحكم في شدة هذه الأصوات. وثمة عضلتان دقيقتان متصلتان بالعظيمات تنقبضان عندما تقرع أصوات عالية طبلة الأذن فتحدان من ذبذبة غشاء الطبلة، وبذلك تحميانه، كما تحميان الأذن الداخلية من الضرر. (ج) وأذن داخلية تحوي عدة قنوات معقدة الشكل، لإحداها - وتسمى القوقعة - وظيفة تحويل الذبذبات الصوتية إلى إشارات عصبية، تمر في عصب السمع إلى المخ، كما تحوي أيضا قنوات نصف دائرية (هلالية) تعمل على حفظ توازن الجسم.
وتكمن خطورة التهاب الأذن الوسطى في موقعها الاستراتيجي في قاع الجمجمة، وفي قربها من الأغشية السحائية للمخ، وفي اتصالها بالجيوب الهوائية في عظمة مؤخرة الأذن. وقد ينتج عن امتداد هذا الالتهاب إلى أحد هذه الأجزاء مضاعفات شديدة الخطورة قد تودي بحياة الطفل.
أسباب إصابة الأطفال
يرجع انتشار هذا المرض بين الأطفال للأسباب الآتية:
1 - قناة استاكيوس في الأطفال تكون قصيرة، وفي وضع شبه أفقي (مستعرضة)، وأكثر اتساعا عن مثيلتها في الكبار، مما يسهل من انتقال الالتهابات والميكروبات من الأنف أو الحلق إلى الأذن الوسطى.
2 - كثرة إصابة الأطفال بأمراض الجهاز التنفسي العلوي كنزلات البرد والإنفلونزا، وكذلك إصابة الأطفال بالحميات مثل الحصبة والحمى القرمزية والنكاف.. إلخ وكلها تؤدي إلى وصول الميكروبات والفيروسات للأذن الوسطى إما عن طريق الدم أو عن طريق قناة استاكيوس.
3 - تكرار التهاب اللوزتين، والتهاب الجيوب الأنفية الحاد والمزمن، وتضخم لحمية خلف الأنف.
4 - نقص المناعة عند الأطفال خاصة خلال فترة التسنين.
5 - ولعل أهم الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الأطفال بهذا تؤدي إلى إصابة الأطفال بهذا الالتهاب يرجع إلى الوضع الخاطئ في أثناء الرضاعة، حيث تقوم الأم بإرضاع طفلها وهو في وضع أفقي، وهذا معناه تسرب بعض اللبن إلى الأذن الوسطى عن طريق قناة استاكيوس (التي تفتح مع البلع في أثناء الرضاعة).
وتبلغ الخطورة مداها إذا كانت الرضاعة صناعية، ففضلا عن الوضع الأفقي للطفل بالنسبة لزجاجة اللبن - وهو وضع يساعد على رجوع بعض اللبن إلى البلعوم الأنفي ودخوله قناة استاكيوس - فإن اللبن الصناعي أكثر عرضة للتلوث على عكس لبن الأم الذي يكون معقما دائما، ناهيك عن ضعف مقاومة الأطفال الذين يرضعون صناعيا.ولعل في هذا ما يدل على أهمية الرضاعة الطبيعية.
الأعراض
تتلخص أعراض التهاب الأذن الوسطى الحاد في ارتفاع كبير في درجة حرارة الطفل، وآلام شديدة بالأذن (نتيجة لتجمع الصديد في الأذن الوسطى مما يحدث شدا عنيفا على طبلة الأذن، ويزول الألم بزوال الشد على الطبلة إما بخروج الصديد إلى الخارج عن طريق ثقب بالطبلة أو زوال الصديد بالعلاج المبكر). وهذه الآلام الشديدة، يستطيع الطفل فوق العامين أن يعبر عنها فنراه قد أمسك بأذنه المصابة وأشار إلى موضع الألم.. أما الطفل الرضيع فلكونه لا يستطيع أن يعبر عن موضع مرضه، فإنه يعبر عن هذا الألم بالبكاء الشديد المستمر خاصة بالليل، ويفقد الطفل قدرته على النوم، ويصبح متهيجا، كما يفقد شهيته للطعام.
تلاحظ الأم أن طفلها يضرب رأسه في الوسادة، أو يحك أذنه بشدة، أو يحرك رأسه يمينا ويسارا. ويمكن للأم عندئذ التنبؤ بحدوث هذا المرض عندما يأتي بهذه الأفعال أو في الأقل تشك في حدوثه. هذا بالإضافة إلى حدوث أعراض أخرى كالقيء والإسهال والنوبات العصبية والتشنجات وهي أعراض تتفق مع أعراض النزلات المعوية، مما يزيد الأمر صعوبة أمام الأم، ويجب عليها عندئذ سرعة عرض طفلها على الطبيب، حتى لا يزداد تجمع الصديد خلف الطبلة مما يهدد بانفجارها نتيجة لضغط الصديد داخل الأذن الوسطى.
الوقاية
جب علاج نزلات البرد خاصة إذا صاحبت حميات الأطفال، وكذلك علاج التهاب الأنف والجهاز التنفسي. ويجب استئصال اللوزتين واللحمية إذا كانتا من العوامل التي تؤدي إلى حدوث الالتهاب.
ينبغي إبعاد الطفل عن كل مريض بالبرد أو الإنفلونزا، وحث الأم على الإرضاع من الثدي لما فيه من مزايا عديدة. أما إذا كانت، الأم ترضع طفلها صناعيا فيجب عليها الاهتمام جيدا بنظافة اللبن وأدوات الرضاعة. وينصح بإبقاء الطفل فترة في وضع رأسي بعد الرضاعة حتى نطمئن إلى تخلص المعدة من الهواء، وبالتالي عدم تقيؤ الطفل إذا ما نام بعد الرضاعة، وبالتالي عدم رجوع اللبن ودخوله إلى قناة استاكيوس.
العلاج
1 - يعطى الطفل (نقطا للأنف) بمعدل 3 قطرات كل ساعتين، وهذا يساعد على انقباض الغشاء المخاطي المحيط بقناة استاكيوس، وبذلك تصبح القناة مفتوحة دائما. كما يعطى الطفل دواء مخففا للألم ومهبطا للحرارة مثل الأسبرين.
2 - إعطاء المضاد الحيوي المناسب والفعال ضد البكتريا المسببة للالتهاب. ويجب إعطاؤه لمدة لا تقل عن أسبوعين، أو خمسة أيام بعد زوال الأعراض. ويعد (الأمبيسلين) أفضل مضاد حيوي في هذه الحالة، ويعطى بمعدل 50 - 100 مجم/ كيلو/ اليوم.
3 - في حالة استمرار الأعراض أو عدم الاستجابة للعلاج الطبي يتم العلاج الجراحي، المتمثل في عمل فتحة أو شق في طبلة الأذن Myringotomy تحت التخدير العام، وذلك لتصريف الصديد المتكون داخل الأذن الوسطى، ويتبع ذلك عادة شفاء الالتهاب والتحام الطبلة مرة أخرى بدون أن يتأثر السمع في أكثر الحالات.
وينبغي تحذير كل أم من أن إهمال العلاج، أو عدم تكملة العلاج بحجة زوال الأعراض، أو عدم مناسبة المضاد الحيوي أو عدم كفايته، يؤدي إلى حدوث التهاب صديدي مزمن يصاحب عادة بمرض يطلق عليه "كوليستياتوما" Cholesteatoma، وهو مرض خطير يؤدي إلى تآكل عظام الأذن وانتشار الالتهاب خارج الأذن، وحدوث مضاعفات خطيرة لا تؤدي إلى فقد الطفل لسمعه فحسب بل وقد يفقد الطفل حياته كذلك.