منقوشة... وشِعر وفَنْ

منقوشة... وشِعر وفَنْ

بدأ يأكل منقوشة، يحبّها محمّصة، زعترها جديد، سمسم كثير وزيت كوراني من الكورة، من شمال لبنان.

كل كدشة (قضمة) من المنقوشة تطلع نغماً خاصاً، هي محمّصة، وعندما تكون المنقوشة محمّصة، تصبح أنغامها في الفم مختلفة، أي أن لكل كدشة نغماً كما قلت، وأردّد الآن، بين كدشة وكدشة، كرعة شاي ساخن، سكّره زائد جداً، طعمه طيب جداً، لأن ملوحة المنقوشة تطفئها حلاوة الشاي، لا أقصد أن المنقوشة مالحة، لا، لكن ملوحة المنقوشة لها طعمها، والشاي الحلو له طعمه الخاص، فاللسان الذي يلمس منقوشة سخنة مالحة، يتفرفح عندما يتبلّل بشاي حلو، هذا هو الانسجام الذي يشبه «الأرموني» في الموسيقى، والألوان عندما تنسجم مع بعضها في فن الرسم.

ملح المنقوشة وحلاوة الشاي.

***

أنا أعلم أن آكل المنقوشة يعشق الموسيقى الكلاسيكية ويعشق أيضاً فن الرسم. كل هذا جعل صباحه حلواً سعيداً، ولسانه فيه أثر من الطعم اللذيذ، ما جعله مهيئاً لأن يكتب شعراً، هكذا أحسّ، وإحساسه صادق، أنا صدّقته، لأني أعرفه، وإن لم يكن شاعراً، ولم يحاول مرّة أن يكتب شعراً، لكنه الآن، شعر بأنه شاعر. وكم منقوشة جعلت آكلها من إنسان عادي إلى شاعر غير عادي.

بقي في مكانه يلحس شفتيه ويمدّ لسانه ماسحاً آثار الزعتر من الشفة العليا إلى الشفّة السفلى، فترى لسانه يتراقص متنقلاً من فوق إلى تحت لاحساً ملتذّاً، كأنه أكل منقوشة ليلحس آثارها، وكأن اللحس هو الغاية.

بقي في مكانه مبتسماً، كان لوحده، ليس من عادته أن يبتسم، فهو مخلوق عبوس، لكن هي المنقوشة أو سر المنقوشة، سرّ زعترها وسمسمها وزيتها، سرّها عندما تكون محمّصة وشاي حلوه زائد.

نهض من مكانه، مازال مبتسماً، زاد ابتسامه عندما رأى أن لا سبب لابتسامه، لعلّه، أو أني واثق أنه يبتسم لأنه لوحده، ولا أحد يراه، لهذا، يكفيه أن يبتسم لشخص واحد، الشخص هو.. هو يبتسم لنفسه، ويزداد ابتسامه عندما يجد سبب ابتسامه، فجأة تختفي الابتسامة، أتته فكرة، يالها من فكرة، قرّر أن يكتب شعراً، جلس، أخذ ورقة وقلماً، راح يكتب، لم يكتب شيئاً، لكن القلم لمس الورقة، ولم يتحرّك القلم من مكانه، وبقيت الورقة بيضاء، انتظر دقائق، وبقيت الورقة بيضاء، انتظر، ابتسم، ثم عبس، حاول تحريك القلم، لكنه لم يتحرّك، أتته فكرة، آه.. أتته فكرة، طلب منقوشة ثانية، وأوصى أن تكون محمّصة وزيتها من الكورة، وطلب شاياً حلواً.. وانتظر.

 

 

 

أمين الباشا