بارتولومي إستيبان موريو المتسوِّل الصغير

بارتولومي إستيبان موريو المتسوِّل الصغير

يعتبر بارتولومي إستيبان موريو واحداً من أكبر أساتذة المدرسة الباروكية في القرن السابع عشر، لا في إسبانيا فقط، بل على مستوى أوربا بأسرها. وهو خير نموذج للفنان الذي يتجاوز ما هو مطلوب منه وفي عصره، ليفرض نظرته إلى العالم والجمال، فيغير في الأذواق والمفاهيم السائدة.

ولد موريو في إشبيلية عام 1617م، ودرس فن الرسم في محترف خوان ديل كاستيو، واطَّلع على أعمال الأساتذة الهولنديين والإيطاليين، ساعده على ذلك ازدهار التجارة في إشبيلية ونشاط مواصلاتها مع العواصم الاقتصادية الكبرى في أوربا. وبعدما أمضى سنتين في مدريد حيث درس أعمال فيلاسكيز وغيره في المجموعات الملكية، عاد إلى إشبيلية في العام 1645م، حيث لمع اسمه في مجال اللوحات الدينية، فتخصص في موضوعات محددة منها، كانت وراء شهرته الكبيرة.

ولكن في تلك الفترة بالذات، اشلتفت موريو إلى الحياة اليومية في المدينة، فراح يرسم أناساً عاديين جداً (وأحيانا أقل من ذلك). ومعظم هذه اللوحات لم تكن بناءً على طلب من أحد، بل كانت لإرضاء المزاج الذاتي، ومن ضمنها، هناك «المتسوِّل الصغير» التي رسمها في حدود العام 1650م تقريباً.

نرى في هذه اللوحة فتى صغيراً في العاشرة أو الثانية عشرة من عمره تقريباً، يجلس أرضاً في غرفة مهجورة، يعصر صدره بإبهاميه لانتزاع حشرة القمل، ولهذا سميت هذه اللوحة أيضاً «القمل» أو «الباحث عن القمل».. ومثل هذا الموضوع قد يبدو لوهلة مثيراً للانقباض أو النفور، خاصة في عصر كان مكان اللوحة القصر أو دار العبادة، وكان يفترض فيها أن تُكرِّم وتُمجِّد الموضوع المرسوم. ولكن، بحساسيته الكبيرة، تمكّن موريو من إضفاء بُعد إنساني وعاطفي «جذاب»، على موضوع لا يبدو عليه أنه كذلك.

فبؤس الفتى واضح في ملابسه الرثة وقدميه الحافيتين، وشعره المقصوص عشوائياً حتى بان جلد رأسه في بعض المواضع، وأيضاً في قلة الموارد من حوله مثل: جرة ماء، وحبتين من الفاكهة وقشور القليل الذي سبق أن أكله. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على اللغة اللونية المستخدمة في اللوحة، والمقتصرة على الألوان الترابية الخالية من أي زهو أو أية لمسة تزيينية.

ولكن، إلى جانب الرأس المطأطئ انكساراً، لا بد وأن نلاحظ كبر حجم اليدين، المعتادتين على العمل الشاق، وأيضاً الساقين العاريتين اللتين تؤكدان أن هذا الفتى هو في جانب منه إنسان مثل كل الآخرين، وليس مجرد أثمال بالية. وإلى ذلك هناك النافذة التي يتسلل منها الضوء إلى الغرفة المظلمة.. إنها ليست رمزاً للأمل، بقدر ماهي رمز للحلم.. الحلم الذي لابد وأن يداعب مخيلة هذا الفتى بشيء قد يأتي يوماً ويزيل عنه شقاءه.. وعندما نقرأ كل ذلك بروية، لا بد وأن يغمرنا شعور بالعطف والحب، قلّما كان هناك في ذلك العصر يثير ما يشبهه.

وإضافة إلى إشعاعها الإنساني والعاطفي، شكَّلت هذه اللوحة بواقعيتها مع بقية اللوحات المماثلة التي رسمها موريو في الفترة نفسها، مجموعة وثائق تاريخية صادقة عما كانت عليه الحياة اليومية في إشبيلية آنذاك. ولهذا، لا نستغرب أن تنتهي هذه اللوحة بعد قرن من تنقلها بين هواة مختلفين، إلى مجموعة ملك فرنسا لويس السادس عشر، لتستقر نهائياً في المجموعة الوطنية الفرنسية.

 

 

عبود عطية 




بارتولومي إستيبان موريو: «المتسوّل الصغير» (110 × 134سم)، حوالي العام 1650م، متحف اللوفر، باريس