واحة العربي

الصدر..

الصدر هو مقدمة الجسد، وبئر النفس، تتلوى داخله سراديب تعج بالرغبات والمثل والوساوس والجراثيم والورد، والبؤس والأضواء والدخان والعتمة، قد يوجد عقل فارغ لكن الصدر لا يفرغ أبدا، والصدر الأعظم نوعان: واحد كان رئيسا لوزراء الباب العالي بالدولة العثمانية، وواحد عند جين راسل فاتنة السينما الأمريكية في الخمسينيات، أما أطعم الصدور الحديثة وألذها في الديك الرومي والغزال والحمام والسمان والمها والنادر من القصائد العمودية، والأكثر ثقافة يضيف بعض المقدمات الموسيقية لأغاني أم كلثوم، وصدر الدين خان هو الممثل التنفيذي لسكرتير عام الأمم المتحدة، وصدر البيت القاعة الأمامية - بافتراض أن بالبيت قاعة خلفية، وصدر الصحيفة موضوعها الأصلي المفروش على الصفحة الأولى، وذات الصدر اسم لمرض أصيبت به عدة غادات سينمائيات في أدوار منسوخة من غادة الكاميليا، أما ذات الصدور فهي خفايا النفس التي لا يعلمها إلا الله، ويتغطى الصدر بالصديري، تلك القطعة من الملبس الأنيقة في الرجال، والتي تتألق بالألوان على صدور الإناث، وتتألق بالحديد المضاد للرصاص على صدور ذوي الشأن، وصدر القرآن الكريم سورة الفاتحة، وصدر الأمة الجيش، أما صدر الحكومة فهو الشرطة، وصدر القوم بطلهم، وهو غير رأس القوم الذي هو كبيرهم، وصدر السفينة: أقوى ما فيها، وصدر الطائرة أضعف ما فيها، وصدر الأم حصن الحنان، أما صدر الأب فهو قلعة الأمان، والصادر والوارد لغة في النظام الإداري الشرقي لقطاع عمل ينقل إليه ذوو الطموح الخامل والذكاء الرتيب، أما في الغرب فالصادر والوارد هو الجهاز العصبي للأداء الإداري الحديث، وهو أول قطاع استفاد من الكمبيوتر، وتأتي المصادرة تعبيرا عن معان ثورية معاصرة تستولي فيها العقول الفقيرة على القصور الثمينة لتشخبط بالشعارات على جدرانها، وهي غير المصادرة الجنائية التي كثيرا ما تضيع فيها شحنات المخدرات، وغير المصادرة الكلامية والتي أسبقك فيها للتعبير عما تقصده لأفسد عليك نواياك، وأيضا غير المصادرة النفسية التي أقطع فيها عليك الطريق لأصيبك بالإحباط والقهر، أما أقسى أنواع المصادرة فهي التي يحل فيها الجسد محل القصور والرياش - وفي التاريخ، غير المكتوب نماذج تحترق بسببها الصدور والعقول والسيقان، ولنا الصدارة في ذلك، وفي المأثور: أطعمهم حتى أصدرهم، أي أشبعهم لدرجة الخمول، ولذا سمي اليوم الرابع في عيد الأضحى: يوم الصدر (بفتح الدال) حيث يبلغ الشبع أوجه، وقيل إنه سمي بذلك لأن الناس يصدرون فيه عن مكة - أي ينصرفون إلى بلادهم، أما المصدر فهو أنواع: في اللغة صيغة اسمية مشتقة من الفعل وأشهرها المصدر الميمي والصناعي، وفي الحياة العامة: المصدر هو الشخص الغامض الذي يشار إليه في التصريحات التي تبدو مهمة بقولهم: صرح مصدر مطلع، وعلق مصدر موثوق به، وأشار مصدر سياسي، وفي حالات كثيرة لا يكون المصدر شخصا غامضا بل شخصا معروفا لا يحب أن يتحمل المسئولية، وغالبية ما ينسب لهذه المصادر من تصريحات تكون ساذجة لا يعول عليها كثيرا، ولعل المصدر الرسمي يكون مصدورا أو بصدره اختناق، أو بصدره لغط، أو بصدره بعض الأدران، والله عليم بذات الصدور.