الدواء العربي في مهب العولمة

الدواء العربي في مهب العولمة

برغم أن صناعة الدواء العربية قد بدأت في مصر منذ نهاية الثلاثينيات "على يدي الاقتصادي المصري الشهير طلعت حرب من خلال مشروعه الوطني بنك مصر"! فإن هذه الصناعة لم تصبح ذات بعد عربي إلا بعد ذلك بأربعة أو خمسة عقود. عندما شهدت السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات مولد ونمو صناعة الدواء في بلدان عربية أخرى "سوريا والأردن والإمارات وتونس والسعودية وفلسطين والمغرب والعراق ولبنان واليمن والسودان" وعندما نشطت ـ نسبيا ـ الأنشطة التصديرية الدوائية من الأردن ومصر والإمارات إلى بلدان عربية أخرى. وما أن بدأت صناعة الدواء العربية تتحول إلى صناعة مهمة! من حيث الإحلال محل الواردات أو المساهمة في الدخل القومي أو تطور التجارة الدوائية البيئىة بين البلاد العربية! حتى بدأ شبح اتفاقية الجات يهدد الصناعة العربية البازغة حتى أن القائمين عليها والمهتمين بها صاروا يرون في اتفاقية الجات "عفريتا" هو قانون حماية الملكية الفكرية Trips.

فهل يا ترى قانون حماية الملكية الفكرية الناتج عن اتفاقية الجات هو "العفريت" الوحيد الذي يهدد صناعة الدواء العربية? وهل هو حقيقة "عفريت"?.. وهل تفرض العولمة آليات تحد أخرى غير هذا القانون?

وقبل أن نسترسل في متابعة مظاهر العولمة "أو تحدياتها" في مجال الدواء نجذب الانتباه إلى أن أول المظاهر المباشرة للعولمة التنقية لم تكن توقيع اتفاقية الجات أو إقرار قانون حماية الملكية الفكرية عام 1994! وإنما كانت فشل حوار نقل التكنولوجيا بين الشمال والجنوب في مؤتمر فينا مابين عامي 79! 1989. بعد ذلك أتت اتفاقية الجات عام 1994 لتنسق وتقنن قدرة القادرين على التصدير والتجارة في السوق العالمية ولتضمن قيام المجتمع الدولي بحماية حقوقهم الفكرية "براءات الاختراع.. إلخ". وقد كانت القفزة الكبرى في قانون حماية الملكية الفكرية "الذي أقرته الجات وتشرف على تنفيذه الآن منظمة التجارة العالمية WTO " متمثلة في حماية المنتج! وليس فقط حماية العملية الابتكارية كما كان الوضع الشائع من قبل. يعني ذلك أنه إذا انتجت شركة ما دواء ما بطريقة تسمى "س" فإنه لايحق لأي شركة أخرى خلال فترة لاتقل عن عشرين عاما أن تنتج نفس الدواء لا بالطريقة "س" ولا بأي طريقة أخرى حتى لو تم ابتداع مائة طريقة مختلفة عن الطريقة "س" وحتى لو كانت بعض هذه الطرق تزيد في الكفاءة أو تقل في التكلفة عن الطريقة "س".. وفي تقديرنا تؤثر اتفاقية الجات على صناعة الدواء من خلال ثلاث آليات رئىسية هي:-
1 ـ إتاحة النفاذية للأسواق.
2 ـ الالتزام بالمواصفات المقبولة عالميا.
3 ـ حماية حقوق الملكية الفكرية.

وطبقا لهذه الآليات سيكون دخول الدواء إلى الأسواق متاحا "دون أية عوائق جمركية أو غيرها" فقط لمن تكون منتجاته مطابقة للمواصفات العالمية (والتي يضعها ـ بالطبع ـ الكبار علميا وتكنولوجيا) طبقا لمنافسة مفتوحة وليس لعلاقات ثنائية أو تكتلات تفضيلية بين الدول وذلك في إطار يمتنع فيه قانونا تقليد مستحضر أو عملية إنتاجية بعيدا عن حقوق الملكية الفكرية والتي صارت بالنسبة للدواء (مادة خام مستحضر أو طريقة تصنيع) أكثر تكلفة وتعقيدا وأطول زمنا عما كانت عليه من قبل.

التحدي

بدأ التحدي الكوكبي العام بفشل حوار الشمال والجنوب ثم تتابع وتصاعد باتفاقية الجات وقانون حماية الملكية الفكرية. وأما عن التحدي الكوكبي (أو العولمي) الخاص بصناعة الدواء فهو يتضمن إلى جانب الجات والملكية تحديات إضافية يمكن إيجازها فيما يلي:-
أولا - تحديات تقنية علمية:
أ - التوصل إلى سواغات (مواد مضافة) دوائية
Excipients جديدة بصفات جودة! خاصة جدا من شأنها رفع نوعي لمستوى خواص وجودة المستحضرات.

ب - تطوير الشكل الصيدلي واستحداث أنظمة جديدة لتوصيل الدواء إلى المكان المقصود في الجسم ولضبط انطلاق الدواء (أمثلة: حوصلة الدواء في بوليمرات صناعية تخرج منها المادة الفعالة في مكان معين في الجسم - تغليف القرص بغشاء لا يتأثر بسوائل القناة الهضمية إلا من خلال ثقب دقيق فيه يصنع بأشعة الليزر! بحيث تخرج منه المادة الفعالة بسرعة ثابتة - صنع المستحضر كخزان دوائي في صورة خيط رفيع يوضع داخل الجفن الأسفل للعين بحيث يخرج منه الدواء بسرعة شبه ثابتة وعلى مدى زمني طويل).

جـ - بلوغ مواصفات التشغيل في المصانع دقة متناهية تؤثر على خصائص المواد الخام والمستحضرات المصنعة منها.

د - التوصل إلى تخليق المادة الدوائىة في أنقى تراكيبها الكيميائية! حيث إن العديد من الأدوية لايزال خليطا من صورتين مختلفتين لمركب كيميائى واحد بينما إحدى الصورتين فقط أكثر فاعلية أو أكثر أمانا وهي ظاهرة تسمى Chirality أو الأيدية.

هـ - ظاهرة الأتمتة في تصميم وتشييد وابتكار الأدوية.

و - التوصل إلى أدوية جديدة من مصادرغير تقليدية مثل التكنولوجيا الحيوية والتي تزيد الاستثمارات الدوائية فيها بمعدل سنوي قدره 25% على الأقل.

ثانيا: تحديات اقتصادية استراتيجية:

وتتمثل في التطوير والتغيير في أهداف شركات الدواء وفي أحجامها وأشكالها واستراتيجياتها التنافسية. ومن ذلك مايعرف بالاستراتيجيات الموجهة أو المركزة والتحالفات الابتكارية والاستثمارات التشاركية المؤقتة. والجدير بالإشارة هنا هو حكمة اندماج الشركات الدوائىة العالمية الكبرى والتي كان أشهرها اندماج شركتي جلاكسو و يلكوم عام 1995 بحيث صارت الشركة الجديدة جلاكسو و يلكوم لها نصيب 5.3% من السوق العالمية وقد تبع ذلك اندماج العملاقتين السويسريتين ساندوز وسيبا في مارس الماضي في شكل عملاق دوائى جديد باسم نوفارتس يستحوذ على نصيب 4.4% من السوق العالمية والذي يساوي حوالي 12 بليون دولار.

ثالثا ـ تحديات إدارية وتسويقية راقية:

وأقصد بذلك التطورات الفذة في الإدارة الاستراتيجية لشركات الدواء بالإضافة إلى تطور تكتيكات وأساليب التسويق والتي وصلت إلى مرحلة التسويق الدقيق اعتمادا على المعلومات واستخدام الكومبيوتر.. ومن الجدير بالذكر هنا قول عميد كلية هارفارد لإدارة الأعمال: "ستشهد السنوات القادمة نوعين من الشركات الدوائية: شركات تستخدم الكومبيوتر في التسويق وأخرى تواجه التفليسات". ذلك كله بالإضافة ـ بالطبع ـ إلى تطور العلاقات الدولية لتشهد ما اصطلح بتسميته التشاركيات الدولية "والتي هي جديرة بمعالجة منفصلة".

متطلبات التعامل مع العولمة

وإذا كانت مظاهر وآليات العولمة تمثل تحديات جاءت ـ كما يبدو ـ مفاجئة للصناعة الدوائىة العريقة في مصر! أو تلك الشابة الطموح في بعض البلدان العربية الأخرى "مثل الأردن والمغرب والإمارات وسوريا..إلخ" فإن هذه التحديات ليست المانع الذي يستحيل التعامل معه واجتيازه. إلا أن حسن التفاعل مع هذا الحاجز! والقدرة على عبوره يحتاجان إلى متطلبات جيدة ينبغي على صناعة الدواء ومن ورائها الحكومات العربية أن تنتبه إليها.. ويمكن تلخيص هذه المتطلبات فيما يلي:-

1 - إدراك واستيعاب خصوصية صناعة الدواء باعتبارها صناعة تقوم على العلم وتعتمد منتجاتها وعملياتها الصناعية ـ ومن ثم القيمة المضافة الكبيرة لها ـ على البحوث والتطوير.. وتجدر الإشارة هنا إلى أن صناعة الدواء في مصر ومن بعدها البلدان العربية الأخرى قد وقعت في خطأ استراتيجي تاريخي وهو التخطيط لصناعة الدواء بهدف "الوفاء بحاجة الاستهلاك المحلي"! هو هدف سطحي يتناول صناعة الدواء كما لو كانت صناعة خبز أو لو كان الدواء محصولا يزرع. ونتيجة لذلك الخطأ الاستراتيجي اكتفت صناعة الدواء بالامتداد الأفقي في مجال التشكيل الدوائى التقليد "جلب المواد الخام المطلوبة ودمجها ـ صناعيا ـ في شكل قرص أو كبسولة.. إلخ". ولم يحدث الانتباه المناسب للتطور الرأسي "التفوق النوعي" الذي يجلب قيمة مضافة عالية ويصنع قدرات تنافسية في السوق العالمية ـ من خلال تكنولوجيات المواد الخام والتشكيل الصيدلي المتطور والتقنيات الحيوية وابتكار مواد دوائىة جديدة ـ. وعليه ازداد عدد مصانع الدواء القائمة على التشكيل الدوائى التقليدي! وصارت المصانع المصرية ـ إلى وقت قريب ـ لا تخرج عامة عن حدود منافسة بعضها البعض الآخر على أرض مصر! وكذلك تفعل بقية المصانع العربية بحيث ظلت سوق المنافسة الدوائية ـ في الأغلب ـ سوقا محلية داخل حدود الملايين من السكان في مصر والأردن والإمارات والمغرب.. إلخ! دون طموح في الامتداد إلى سوق البلايين من البشر في الساحة العالمية. ومن الضروري هنا لفت الانتباه إلى أن الاكتفاء بالتقدم الأفقي. للصناعة الدوائىة العربية جعل كل زيادة في الامتداد الأفقي ـ بزيادة عدد المصانع المتشابهة تكنولوجيا ـ تقابلها زيادة في الاعتماد على الخارج في استجلاب المواد الخام وحقوق التصنيع "ملحوظة: تستورد صناعة الدواء العربية من الخارج 90 ـ 95% من احتياجاتها من المواد الخام كما تبلغ قيمة الأدوية المصنعة بامتياز أجنبي 40% من قيمة الأدوية المصنعة عربيا والتي تغطي بدورها نسبة 43% من إجمالي سوق الدواء العربي ـ.. وعليه فليس مثيرا للدهشة أن تبلغ خسائر صناعة الدواء العربية نتيجة "الجات" حسب توقعات الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية حجما قدره 1240 مليون دولار سنويا عام 2000 بينما يتوقع أن يبلغ حجم السوق العربية للدواء عندئذ ما مقداره 4200 مليون دولار.

2 - إدراك حجم الإمكانات الذاتية للصناعة الدوائية العربية:
تتركز الإمكانات العربية أساسا فيما يلي:
أ - سوق دوائية عربية مجتمعة يتوقع أن يبلغ حجمها حوالي 4.2 مليار دولار عام 2000.

ب - إمكان النمو والتكامل مع صناعات مغذية أخرى "مثل صناعة البتروكيماويات".

جـ - وجود مصدر خصب للاكتشافات الدوائية لم يستغل الاستغلال الملائم بعد ويتمثل في المنتجات الطبيعية "النباتات والحيوانات في البر والبحر".

د - إمكانات بشرية من باحثين وتقنيين في العشرات من كليات الصيدلية والعلوم والطب والزراعة وكذلك مراكز البحوث في العديد من البلدان العربية! ويتوافق ذلك مع إمكانات تمويلية كامنة لم تستخدم بعد.

وبخصوص تمويل البحوث نشير إلى أن شركات الدواء العالمية تخصص نسبة 10 ـ 25% من المبيعات لتمويل أنشطة البحث والتطوير. وإذا صرف الحد الأدنى من هذه النسبة في المنطقة العربية والتي بلغت مبيعات الأدوية المحلية فيها 1315 مليون دولار طبقا لإحصاءات 1993 فسيخص البحوث عندئذ تمويل مالي قدره 131.5 مليون دولار ومن الممكن بالطبع أن يزداد هذا التمويل عدة أضعاف إذا ماتم توجيه استثمارات مباشرة إلى مجال البحوث الدوائية. والجدير بالذكر هنا أن مخصصات الصناعة الدوائىة الإسرائيلية في مجال البحوث عام 1995 بلغت 135 مليون دولار. هذا! ومن المعروف أن شركة تيفا الإسرائيلية قد وجهت استثمارات كبيرة لإنتاج مواد دوائية جديدة وقد تمكنت بالفعل من التوصل إلى ثلاثة أدوية جديدة من المتوقع لأحدها أن يدر مبيعات سنوية بحجم 100 ـ 200 مليون دولار. وأما عن مخصصات البحوث في الصناعة الدوائية في الهند (باعتبارها إحدى الدول المتقدمة دوائيا ـ على مستوى العالم الثالث ـ فقد بلغت 32 مليون دولار عام 93/1994. وأما عن تمويل البحوث في الشركات العالمية الكبرى مثل فايزروجلاكسو ويلكوم ونوفارتيس وشارب فيتعدى البليون دولار سنويا في كل منها.

3 - التعامل المنظومي
ولأن تقدم المعرفة يصاحبه دائما انحسار تدريجي للعشوائية في مقابل ازدياد تدريجي لآليات التنبؤ والتخطيط والإدارة والتقييم والمتابعة! أي تقدم درجة المنظومية! فإن صناعة الدواء باعتبارها صناعة تقوم على التطور السريع في العلم والتكنولوجيا هي أحوج ماتكون للتناول المنظومي.. وعليه فإن على صناعة الدواء في كل قطر عربي وفي الأقطار العربية مجتمعة أن تواصل وجودها وأن تنمي نفسها من خلال بناء منظومي ومهام منظومية. وفي هذا الإطار نورد في إيجاز شديد تحديين رئيسيين يهددان البنية التنظيمية والنمو والتعاون المنظومين الممكنين لصناعات الدواء العربية. التحدي الأول هو اتفاقات الشراكة. أو التشاركات ـ الدولية بين كل دولة عربية على حدة ودولة أجنبية أخرى! أو اتحاد دول أجنبية "في أوربا وآسيا وأمريكا". والتحدي الثاني هو التوجه الإقليمي للسلام ومايحتويه من مسيرة شرق أوسطية وخلافه.

في توجه الشراكة "أو التشاركية" نتوقع أن الصناعة الدوائية في أي بلد عربي على حدة هي الطرف الأضعف تنافسيا وذلك بالأخذ في الاعتبار قاعدة "بلد المنشأ" والتي تشترط ألايقل المكون الوطني للمنتج عن نسبة مئوية معينة حتى سمح لهذا المنتج بالتداول الحر بين بلد عربي ما من جهة والاتحاد الأوربي من جهة أخرى "مثلا". وفي توجه السلام نشير إلى أن صناعة الدواء الإسرائيلية هي الأقوى تكنولوجيا من أي صناعة دوائىة عربية أخرى على حدة! ذلك بالرغم من أن الصناعة الإسرائيلية قد بدأت متأخرة نسبيا. وهكذا! يستلزم التعامل مع التحديين المشار إليهما ـ ومع التحديات الأخرى أيضا ـ إدراك الحاجة إلى التنسيق المنظومي بين الصناعات الدوائية العربية! بحيث تنشأ بينها تشاركات وتحالفات استراتيجية توسع من التأثير الإيجابي في قاعدة بلد المنشأ! وتساعد على انسياب أكبر قدر من الفوائد للصناعة الدوائية العربية عند التعامل مع اتفاقات المشاركة أو عند الدخول إلى سوق إقليمية مثل الشرق أوسطية.

4 - دور إيجابي للحكومات:
تمتلىء الساحة الدولية بنماذج عديدة عن دور الحكومات في تنمية الصناعة الدوائية! ومن هذه النماذج مايلي:
أ - تنبيه الصناعة الدوائية إلى أهمية التكنولوجيات الجديدة "خاصة التكنولوجيا الحيوية" وتشجيعها على التعامل البحثي والصناعي مع هذه التكنولوجيات! ومن أمثلة ذلك:- تخصيص حكومة المملكة المتحدة 10 ملايين جنيه استرليني عام 1995 لزيادة انتباه الصناعات الوطنية ـ ومنها الصناعة الدوائية ـ إلى أهمية التكنولوجيا الحيوية! وكذلك مساعدة هذه الصناعات على اكتشاف طريقها.

قيام حكومة سنغافورة على مدى خمسة أعوام "90 ـ 1994" بإقامة بنية أساسية خاصة بالتكنولوجيا الحيوية كصناعة! ثم البدء عام 1995 في برنامج ترويج استثماري لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في مجال التكنولوجيا الحيوية! وذلك من خلال شركة أنشأتها الحكومة خصيصا لهذا الغرض وهي Singapore Bio _ innovations.

ب - تحفيز الصناعة الدوائىة على تمويل وتوسيع أنشطة البحوث والتطوير فيها! ومن أمثلة ذلك:
الإعفاء من التسعير في حالة رفع المخصصات المالية للبحوث إلى نسبة معينة من المبيعات "الهند".

جـ - تحفيز شركات الصناعة الدوائىة المحلية وكذلك مراكز البحوث المحلية على الدخول في تحالفات بحثية وإنتاجية مع بعضها البعض ومع الشركات العالمية! ومن أمثلة ذلك قيام حكومة البرتغال عام 1989. بإنشاء معهد بحثي حكومي لهذا الغرض ـ المعهد البرتغالي للبيولوجيا والتكنولوجيا ـ والذي أقام تحالفات ومشروعات مهمة مع معاهد وشركات أخرى في إنجلترا وبلجيكا وعلى مستوى الاتحاد الأوربي وقد أمكن فعلا لهذا المعهد التوصل من خلال هذه الأنشطة إلى اكتشافات دوائية ذات أهمية صناعية.

د - تشجيع التواصل بين البحوث الأساسية والتطبيقية في مجال الدواء. وفي هذا الخصوص منح الاتحاد الأوربي عام 1995 مامجموعه 96 مليون دولار لعدد 60 مشروع بحث وتطوير! يشترك فيها 528 شركة ومعملاً بحثياً وتهدف جميعها إلى الاستفادة التطبيقية من البحوث الأساسية.

هـ - مقاومة مايمكن أن يطلق عليه مافيا الدواء ومالها من تأثير على فرص نمو الصناعة الوطنية. ومن أهم الأمثلة في هذا الخصوص الدور الذي لعبته الحكومة الإيطالية من خلال البوليس الإيطالي "مارس 1995" في متابعة قضايا فساد في مجال الدواء! حيث داهم البوليس المكاتب الرئيسية لثلاث شركات دوائىة عابرة الجنسيات للحصول على 4000 وثيقة في إطار اتهام أستاذ طب بمعاملة تفضيلية لهذه الشركات في عطاءات تختص بإمدادات من الأدوية نظير رشى تقاضاها تحت مسمى استشارات.

و - التزام الحكومة بالسعي الحثيث لدفع الصناعة الدوائية الوطنية لتطوير مواصفات منتجاتها! ومن أهم الأمثلة في هذا الخصوص مبادرة حكومة كوريا الجنوبية بتشكيل لجنة تقصي حقائق "عام 1995" تجوب الدول المتقدمة بغرض التوصل إلى تحرير تقرير حكومي يهدف إلى تحسين مواصفات المواد الدوائية الخام المنتجة في المصانع الكورية.

وفي تقديرنا أن الحكومات العربية يقع عليها تجاه صناعة الدواء أدوار أربعة رئيسية

ـ تقديم الرؤية الاستراتيجية والعون والمساعدة والتشجيع والتحفيز في الأمور التي تطلب عائداتها نشاطا طويل المدى.

ـ بذل أقصى الجهود من أجل توجيه آليات العلاقات الدولية ومتغيراتها لتحقيق أحسن عون مباشر وطويل المدى للصناعة الوطنية للدواء "وسيظهر ذلك بالطبع في اتفاقات الشراكة والتحركات الإقليمية القادمة".

ـ الاهتمام الجدي بتفهم واستيعاب وحل المشكلات التي تواجه الصناعة الوطنية للدواء.

ـ مساعدة المنظمات العربية المعنية ـ مثل الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية ـ على رسم استراتيجية عربية طويلة المدى! وعلى إدارة تنسيق صناعي وبحثي عربي في شتى البلدان العربية.

التعامل مع المستقبل

أ - المحاذير: أشار المنظور الإسرائيلي المستقبلي للشرق أوسطية ـ كما جاء في مؤتمر عمان 1995 ـ إلى اعتبار الأردن مركزا لصناعة الدواء في المنطقة.. وفي القاهرة عقد اتحاد الصناعات عدة لقاءات وندوات - في النصف الأول من عام 1996 ـ لبحث دعوة أمريكية بضرورة تنازل مصر عن الفترة الانتقالية التي تقضي بعدم سريان قانون حماية الملكية الفكرية لفترة 5 ـ 10 سنوات ـ والمتاحة لمصر وسائر الدول النامية ـ على أساس أن هذا التنازل سيشجع شركات الدواء العالمية على الاستثمار في مصر لتكون مصر مركزا لصناعة الدواء في المنطقة.

وفي تقديرنا فإن التعامل مع كل من المنظور الإسرائيلي والدعوة الأمريكية ينبغي أن يأخذ في الاعتبار أن الصناعة الدوائىة الإسرائيلية تتفوق إلى حد كبير ـ لكن ليس بفارق يمتنع اجتيازه ـ في الصناعة الدوائية في مصر وفي الأردن.. وإن التعامل والتعاون بين الصناعة الدوائىة الإسرائيلية والصناعة الدوائية العالمية يدار ويسير بأسهل وأسرع وأكفأ منه بالنسبة للجانب المصري أو الأردني.. وعليه قد ينتج عن الالتزام السريع دون دراسة وتمحيص بالنوايا الحسنة في المنظور الإسرائيلي أو الدعوة الأمريكية أن تفاجأ الصناعة الدوائية العربية ـ في مصر والأردن أوغيرهما ـ بأنها ليست أبدا مركزا لصناعة الدواء في المنطقة.. أو بأنها مركز درجة ثانية كأن تكون مثلا مركزا لصناعة التشكيل الدوائي التقليدي بينما تكون الاستثمارات المتقدمة تكنولوجيا هناك في الصناعة الدوائىة الإسرائيلية باعتبارها حاليا هي الأكثر تطورا والأقرب إلى المناخ الصناعي العالمي "ملحوظة: يجرى حاليا إنشاء استثمار إسرائيلي دوائي على أرض الولايات المتحدة في صورة معهد بحثي إسرائيلي في مجال الدواء تتحالف في إنشائه شركتان إسرائيليتان هما تيفا وآجث بمساهمة تبلغ 80 مليون دولار من كل منهما". والحقيقة أن درجة النمو الذاتي الوطني في صناعة الدواء! وفي مناخها هو الأكثر تأثيرا وجذبا على الاستثمارات الأجنبية! وبالتالي نرى أن التحالف الداخلي في صناعة الدواء العربية هو الوسيلة الأقوى لتحقيق أمرين أولهما جذب الاستثمارات الأجنبية القائمة على التكنولوجيا الراقية.. وثانيهما تحقيق أحسن استفادة في أية مفاوضات أو مخططات لمشروعات إقليمية أو دولية.

ب - الآليات
1 - التحالفات الاستراتيجية العربية ـ العربية! والعربية ـ الأجنبية! في إطار مشروعات بحثية وتسويقية على أن يكون هدف التحالفات اكتساب قدرات تطويرية في مجالات التكنولوجيا العالية والجديدة "مثل تصنيع المواد الخام ـ التكنولوجيا الحيوية ـ التشكيل الصيدلي المتطور".

2 - إنشاء مركز بحوث قطاع خاص من تحالف بين شركات الدواء والبنوك العربية وبتسهيلات من الحكومات القائمة! على أن يدير هذا المركز بحوثا تطويرية وأساسية موجهة طويلة المدى! ويكون هدفه عمل اختراق بحثي يعين الصناعات الدوائية على التعامل مع التطورات الجذرية في التكنولوجيات الدوائية. ومن الضروري أن تجري أعمال المركز من خلال المشروعات والتعاقدات "ملحوظة: قدمنا اقتراحا مشابها على المستوى القطري في مصر ـ الأهرام الاقتصادي 27/12/ 1993 ـ الأهرام 30/3/ 1994".

3 - تنسيق التنافسية العربية بحيث يؤخذ في الاعتبار تكامل الاتجاهات التكنولوجية "مثل التشكيل الصيدلي ـ التكنولوجيا الحيوية ـ التشييد الكيميائي..إلخ" مع إتاحة التنافس داخل كل اتجاه.

4 - التكيف الإيجابي مع اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية "الجات / منظمة التجارة العالمية" حيث إن هذه الاتفاقية ستطبق علينا إن عاجلا أم آجلا.. وحتى إذا حصلت البلدان العربية على أطول فترة انتقالية متاحة "10 سنوات"! فإن المطلوب قبل نهاية هذه الفترة أن تكون صناعة الدواء العربية قادرة على الاستفادة من الحماية الفكرية "أي مصدرة وليست فقط مستوردة لبراءات الاختراع وحقوق الملكية". وفي تقديرنا يتطلب ذلك أن تكون لنا استراتيجية طويلة المدى والاستراتيجية التي نقترحها في هذا الخصوص هي التكيف الإيجابي مع اتفاقية حقوق الملكية الفكرية والذي يمكن أن يكون بالالتفاف حولها. ويتحقق الالتفاف بأن تدار البنية البحثية العربية "راجع بند 1و2 في الآليات" بطريقة تكفل لها بعد حوالي 8 سنوات من الآن القدرة على إضافة تطويرات بسيطة متصاعدة لأي تغييرات جذرية يكون قد حققها "أو يحققها" من سبقونا في صناعة الدواء.. وبهذه الطريقة تكتسب صناعات الدواء العربية براءات خاصة بها وتنمو قدرتها التنافسية المؤثرة بالتدريج "ملحوظة: اتبعت اليابان استراتيجية مشابهة من أجل التفوق على صناعة أشباه الموصلات الأمريكية واكتساب 80% من السوق العالمية التي كانت مخصصة للأمريكان".

5 - الاستفادة القصوى من الفترة الانتقالية قبل تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية ويكون ذلك بتنمية القدرة التطويرية الوطنية.

 

محمد رءوف حامد