مبادرة بوش للحدّ من انتشار الأسلحة في منطقة الشرق

تجيء مبادرة "بوش" للحد من انتشار الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، في وقت تتطلع  فيه الأنظار لحل مشكلة الشرق الأوسط المزمنة على أساس من الشرعية الدولية. فهل جاءت هذه المبادرة في وقتها الصحيح أم أنها كما يرى الكاتب وضع للعربة أمام الحصان؟!

في ظل عدم الاستقرار الذي يسود المنطقة بعد حرب الخليج التي اشتعلت لمواجهة الغاصب المعتدي صدام حسين وطرده من الكويت التي غزاها دونما سبب والتي أعلن ضمها إلى العراق بقرار غير مسبوق في العصر الحديث باستثناء ما تفعله إسرائيل بالأراضي الفلسطينية، أعلن الرئيس جورج بوش مبادرته للحد من انتشار الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية والنووية في منطقة الشرق الأوسط وكأنه يريد أن يضرب على الحديد وهو ساخن.

وكان تاريخ المبادرة 30 مايو/ أيار 1991. ومكان الإعلان عنها في أكاديمية سلاح الطيران في كلورادو سبرنجز.

ولست أدري هل أخطأ الرئيس بوش ترتيب أوراق اللعبة حسب أسبقياتها المنطقية فوضع العربة أمام الحصان، وخلط بين الأغراض والوسائل، أو بين الأغراض الرئيسية والأهداف الثانوية، أو بين الواقع والمؤثرات، أم أنه يرى الأوضاع الإقليمية بمنظار آخر خلاف المنظار الذي ينظر به اللاعبون الإقليميون، فجاءت أسبقية المواضيع التي يرى الاقتراب منها في وضعها الصحيح داخل الإطار الذي رسمه وحدده؟ "فأخطار انتشار الأسلحة هي أكثر إلحاحا في الشرق الأوسط" وهذا نص ما افتتح به خطابه في كلورادو سبرنجز، والذي يؤكد هذه النظرة الاحتفالات التي قامت في واشنطن وقيام الرئيس بوش باستعراض للقوات الأمريكية التي اشتركت في عملية "عاصفة الصحراء" وهي تمر أمام المنصة التي يجلس فيها، وحوله قادة الولايات المتحدة العسكريون والمدنيون رافعة علم أمريكا وأعلام الدول العربية التي شاركت في الحرب إيذانا ببداية عملية "هدوء الصحراء". ومن الخطأ الجسيم أن ننظر إلى منطقتنا الملتهبة المتفجرة نظرة إلى السطح الهادئ إذ من ينظر إلى الأعماق يجد أن الأغوار عاصفة بحق، فما يحدث تحت السطح، يتناقض تماما مع ما يحدث فوق السطح فصحارينا الواسعة الممتدة ليست هادئة أو ساكنة، لأن أزماتها مازالت موجودة دون حل، فأصحاب القرار الفاعلون في المنطقة سواء من خارجها أو داخلها مازالوا - رغم دروس الأزمة الخليجية الأخيرة - يديرون الأزمات ويلعبون بها بدلا من حلها بإزالة أسبابها ونزع الفتائل عنها.

والمشكلة في تباين وجهات النظر عند تحديد أسبقيات الأزمات الملحة هي في الفجوات الموجودة دائما عند النظر إليها على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي، وحل هذا التناقض لا يمكن أن يتم إلا إذا أخذت وجهة نظر الدول الإقليمية في الاعتبار، لأن الشرق الأوسط يعيش باستمرار في اضطراب وعدم استقرار تخترق فيه الحدود السياسية رأسيا وأفقيا، وتمتزج فيه الحدود السياسية بالحدود الأمنية، وتطبق فيه القوانين الدولية بطريقة انتقائية، والسبب في كل ذلك أولا وأخيرا هو إسرائيل التي مارست السياسة العدوانية من ضم الأراضي العربية وطرد العرب من بلادهم دون رادع إقليمي أو دولي.

ودون علاج ومواجهة السبب الرئيسي ستبقى كل الخطوات أو الإجراءات أو القرارات مجرد وهم، وكنت أتمنى لو أن الرئيس بوش كان قد افتتح خطابه في كلورادو سبرنجز بأن "أخطار النزاع العربي الإسرائيلي هي أكثر إلحاحا في الشرق الأوسط" بدلا مما قاله من أن "أخطار انتشار الأسلحة هي أكثر إلحاحا في الشرق الأوسط" لأن معالجة أسباب النزاع عن طريق توازن المصالح يقضي بصفة أكيدة على استمرار سباق التسلح للحصول على توازن القوى.

ملامح أساسية

مقدمة كان لا بد منها قبل أن نتعامل مع "مبادرة بوش لتنظيم أو ضبط التسلح في المنطقة" وأهم نقاط المبادرة ما يأتي:
* تبدد الاستقطاب والنزاع بين القوتين الأعظم، وأصبح من المحتم التركيز أكثر على الأنظمة حيث الأوضاع قابلة للانفجار وهي الأنظمة المليئة بالأسلحة الحديثة والأطماع القديمة، ولذلك فإن المبادرة تشمل كل دول المنطقة بما في ذلك إسرائيل.

* هناك خطر ماثل يتمثل في أنه بنهاية هذا القرن سوف يصبح في قدرة عشرين دولة أن تمتلك صواريخ بعيدة المدى، والكثير من هذه الدول لديه برامج أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية وأخطار انتشار الأسلحة في الشرق الأوسط أكثر إلحاحا منها في مناطق أخرى، وإننا ملتزمون بوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل.

* الغرض من المبادرة ضبط صادرات الأسلحة التقليدية ووضع قيود على الصادرات التي تساهم في إنتاج أسلحة الدمار الشامل والتجميد الفوري ثم الحظر النهائي لاحقا على الصواريخ أرض - أرض في المنطقة، وأخيرا الحظر على إنتاج موارد الأسلحة النووية مع مراعاة دعم الحاجة المشروعة لكل دولة في الدفاع عن نفسها.

* دعوة الدول الخمس الرئيسية المزودة Suppliers للأسلحة التقليدية إلى عقد اجتماع على مستوى عال في المستقبل القريب، لوضع الخطوط العريضة لفرض قيود على عمليات تزويد الأسلحة التقليدية وأنظمة أسلحة الدمار الشامل والتكنولوجيا المتصلة بها، على أن تسمح هذه القواعد لدول المنطقة بالحصول عل القدرات التقليدية التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها ولردع أي عدوان عليها (وافقت فرنسا على استضافة الاجتماع الأول لممثلي هذه الدول).

* يتم توسيع إطار هذه المحادثات لتشمل مزودين آخرين لضمان أكبر تعاون ممكن.

* يهدف الاتفاق بين الدول المزودة للأسلحة إلى مراعاة مبادئ خاصة يتفق عليها لتحاشي نقل الأسلحة المشيعة لعدم الاستقرار، وإنشاء ضوابط تصدير محلية فعالة تسري على استخدام الدول المستقبلة للسلاح.

* يقوم المزودون بإشعار بعضهم بعضا مقدما بمبيعات أسلحة معينة، والاجتماع بصفة منتظمة للتشاور حول تزويد الأسلحة أو اجتماعات طارئة إذا اعتقد أحد المزودين بخرق القواعد الموضوعة مع إعداد تقرير سنوي عن أعمال التزويد.

* تجميد بيع واختبار وإنتاج الصواريخ أرض - أرض من قبل دول المنطقة بقصد استبعادها من ترساناتها آخر الأمر، على أن ينسق المزودون تراخيص التصدير اللازمة للمعدات والتكنولوجيا والخدمات التي يمكن أن تستخدم في إنتاج صواريخ أرض - أرض، ولن تقدم التراخيص إلا للاستخدام السلمي لمن تنتهي إليه الأسلحة.

* تنضم دول المنطقة إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية N.P.T Non - Prolo firation treaty إن لم تكن قد قامت بذلك فعلا، مع وضع جميع المنشآت النووية في المنطقة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومواصلة تأييد إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في نهاية الأمر.

* تنضم دول المنطقة إلى مبادرة الرئيس بوش الأخيرة لإنجاز ميثاق عالمي خاص بالأسلحة الكيماوية وتطبق نفس المبادئ على الأسلحة البيولوجية.

أسئلة دون إجابة

من ذلك نرى أن أهم اتجاهات مبادرة الرئيس جورج بوش هي تماشيها مع المحاولات التي تتم في مجال الحد من التسليح على المستوى العالمي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، ولأنها مبادرة إقليمية تركز على منطقة الشرق الأوسط في المراحل الأولى لتتبعها باقي مناطق العالم في مراحل تالية، ولا شك أن هذا عمل إيجابي نرحب به تمام الترحيب، وإن كنا نرى أن الرئيس بوش بمبادرته تلك يحيد عن الغرض الأساسي الذي تعهد به أثناء استعار أزمة الخليج بأن يعطي الأسبقية الكاملة لحل النزاع العربي - الإسرائيلي، والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، لأن التركيز على هذا الموضوع هو الذي يحسم مشكلة سباق التسلح، لتركز الدولة الإقليمية على التنمية ورفع مستوى المعيشة بعد التخفف من نفقات الدفاع، فالوصول إلى حل للمشاكل والنزاعات القائمة هو الذي يعزز الثقة بين الدول من جانب، ويؤمنها ضد التهديدات الخارجية من جانب آخر.

وهناك اتجاه آخر لهذه المبادرة وهو المزج بين التحريم والتقييد، فبينما تتجه المبادرة إلى تجميد إنتاج الصواريخ مثلا تمهيدا لتدميرها تماما في مراحل تالية، وكذلك تحريم استخدام الأسلحة فوق التقليدية والنووية، فإنها تتجه إلى تقييد تصدير السلاح التقليدي وليس تحريمه بدعوى تلبية الحاجة المشروعة لكل دولة في الدفاع عن نفسها، ولكن من الذي يحدد هذه التهديدات التي تحتاج إلى الإمداد بالسلاح؟ ومن الذي يحدد حجمه؟ أو نوعه؟ وما هي الأعمال العدوانية التي تتطلب ذلك؟ وما هي حدود الحق الشرعي للدفاع؟ كلها أسئلة لا إجابة عنها في المبادرة، إلا أنه يمكننا أن نستنتج تبعا للتطورات الخطيرة التي حدثت في النظام العالمي الجديد واتجاهه إلى النظام أحادي القطب بأن الولايات المتحدة هي التي سيكون بيدها ضبط الإمداد بالسلاح لتحقيق التوازن الذي يكفل لها مصالحها وهي تفرض السلام الأمريكي Pax Americana في العالم أجمع، فالسلاح هو الأداة الحاسمة لتشكيل السياسات وفرضها لأن انتقاله من دول المركز إلى الدول الهامشية from Central to Pereph Erielstates يتم عن طريق قوانين محددة تفرضها الدولة المصدرة على الدول المستوردة.

ضوابط التغيير

وعلينا أن ننظر إلى ما تنتويه الولايات المتحدة من تقييد تصدير السلاح إلى المنطقة في ضوء التوجيهات الرئاسية التي تحدد السياسة الأمريكية الثابتة بخصوص نقل السلاح، والتي تتلخص في الآتي:
* لا يمكن للولايات المتحدة أن تدافع بمفردها عن مصالح العالم الحر وأصبح من المحتم عليها ألا تقوي نفسها فحسب، بل عليها أن تساعد أصدقاءها وحلفاءها لتقوية أنفسهم أيضا ومساعدتهم في تحقيق أمنهم.

* تنظر الولايات المتحدة إلى الإمداد بالأسلحة التقليدية ومعدات الدفاع الأخرى كعناصر رئيسية في دفاعها العالمي، وعنصر مهم في سياستها الخارجية، فالإمداد بالسلاح يردع النوايا العدوانية ويزيد من قدرتنا الدفاعية ويظهر عزمنا على تحقيق أمن أصدقائنا وحلفائنا ويحقق الاستقرار الداخلي والإقليمي مما يشجع على حل الخلافات سلميا ويزيد من كفاءة إنتاجنا الدفاعي.

* يتطلب تحقيق هذه الأهداف قيام الحكومة الأمريكية بالسيطرة على الإمداد بالسلاح وتوجيهه بحيث تتحقق المصالح المتبادلة للولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها، وسوف تقيِّم الولايات المتحدة الطلبات المقدمة لها على أساس تحقيق الردع في الدفاع مع إعطاء أسبقية خاصة للطلبات التي تخص حلفاءنا الذين تربطهم بنا علاقات أمنية.

* عند اتخاذ القرارات سنراعي العوامل الآتية:
- درجة توافق الإمداد بالسلاح مع الأخطار التي تواجه الدول الصديقة.

- مدى مواجهة الإمداد للأخطار الخارجية.

- مدى ملاءمة الإمداد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

- لا يشكل الإمداد حملا زائدا على إمداد القوات الأمريكية بالسلاح، ولا يشكل عبئا ماليا مغالى فيه.

- تعالج كل حالة إمداد على حدة، مع إعطاء عناية خاصة لطلبات الإنتاج المشترك أو المعدات ذات القيمة التكنولوجية الحساسة واحتمال انتقالها إلى طرف ثالث مع حماية قدرتنا التكنولوجية والحربية.

* على ممثلي الولايات المتحدة في الخارج مساعدة الشركات في تسويق منتجاتنا، فإننا نتعامل مع العالم كما هو وليس كما نتمنى أن يكون.

تعقيدات تثير الشكوك

ولكي نتفهم مدى التعقيدات التي تحيط بمبادرة جورج بوش فيما يخص الوضع الممتاز لإسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية، مما يحيط تطبيقها على كل الدول بالشك الحقيقي، علينا أن نثبت هنا مقتطفات من تقرير المحاسب العام بعنوان "المساعدات الأمريكية لإسرائيل" ويقول فيها "إن الغرض الرئيسي للمساعدة الأمريكية لإسرائيل هو إظهار مساعدتنا لحليف لنا في المنطقة ولتعزيز الدفاع عن إسرائيل، وتحصل إسرائيل على أكبر نسبة من ميزانية المساعدات الخارجية وعلى أفضل تنازلات وشروط من أي دولة أخرى ويصل حجم المساعدات إلى أكثر من بليوني دولار من ميزانية المبيعات الحربية الأجنبية (FMS) Foreign Military Sales ومن ميزانية العون الاقتصادي Economic Support Fund (ESF) وعلاوة على ذلك حصلت إسرائيل على أنواع مرنة عن التمويل مثل طريقة التدفق النقدي Cash Flow Method وفي هذه الطريقة يحدد المشتري عند التعاقد تواريخ التوريد ومواعيد الدفع التي يوزع فيها المبلغ المطلوب على أكبر عدد من السنين، وبموجب هذا الاستثناء تجنب إسرائيل القسط الأول فقط من العقد المبرم وتستخدم باقي المبلغ المخصص في تعاقدات جديدة، علاوة على التنازلات عن أقساط القروض، كما تتسلم إسرائيل القروض التي لا تدفع دون خصم قيمة الأرباح، كما تحصل إسرائيل على النصيب الأكبر من برنامج المساعدات الاقتصادية، علاوة على أن الشركات الأجنبية التي تشتري منها إسرائيل من بند المبيعات الحربية الأجنبية تلتزم بشراء جزء من السلع أو الخدمات الإسرائيلية، ويتم نقل التكنولوجيا المتطورة بموجب برنامج مبيعات الأسلحة الأمنية إلى إسرائيل بطريقة فريدة لا تتكرر مع أي دولة أخرى، وقد وافقت الحكومة الأمريكية على صرف المعونة جملة واحدة في أول العام. وأخذ المحاسب العام يسرد الاستثناءات الواحد تلو الآخر مبديا قلقه الشديد حتى يصل آخر الأمر إلى أنه "أصبح جليا أن الحل الوحيد لأمن إسرائيل هو الوصول إلى اتفاق مع جيرانها العرب".

فهل تشمل مبادرة الرئيس بوش كل هذه الخفايا أم أن التقييد سوف يكون صارما على جانب لمصلحة الجانب الأخر وهو إسرائيل؟!.

مبادرة أخرى مهمة

إن مبادرة الرئيس بوش لم تكن هي الوحيدة في هذا المجال، فقد تقدم جون ميجور رئيس وزراء بريطانيا باقتراح تتولى هيئة الأمم المتحدة بموجبه قيد مبيعات الأسلحة في سجل مخصص لذلك، كما أعلن رئيس البنك الدولي بأن البنك سيربط مستقبلا بين حجم القروض التي يقدمها للدول النامية وبين حجم ما تخصصه هذه الدول من موارد للنفاق العسكري، وهما محاولتان من المستحيل تنفيذهما، فالدول المصدرة للسلاح زادت كثيرا لتجعل من السلاح تجارة لسد العجز في ميزان المدفوعات ولحل مشاكل البطالة.

وهناك مبادرة سوف نقف عندها بالضرورة لأهميتها وهي مبادرة الرئيس فرانسوا ميتران من أجل نزع أسلحه الدمار الشامل والأسلحة التقليدية من العالم، والتي تعتمد أساسا على تعزيز دور الأمم المتحدة في إرساء دعائم النظام العالمي الجديد، إذ تنص المبادرة في أحد بنودها الرئيسية على أن يناط بمجلس الأمن الدولي مسئولية وضع سياسات نزع الأسلحة وعدم انتشار ومنع استخدام أسلحة الدمار الشامل في العالم، وأن يشجع توقيع اتفاقيات إقليمية أو عالمية بهذا الخصوص على أن تكون الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس قدوة لغيرها من حيث الالتزام بما يقرره المجلس.

ولإثبات حسن النية لفرنسا أعلن ميتران عن موافقة بلاده على التوقيع على معاهدة الحد من الأسلحة النووية بعد أن كانت فرنسا ترفض في السابق التوقيع عليها هي والصين، ويدعو ميتران إلى المحافظة على التوازن الإقليمي فيما يتصل بالإمداد بالأسلحة التقليدية احتراما لحق كل دولة في المحافظة على أمنها، ويدعو الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى اجتماع يعقد في باريس للاتفاق على أسس ضبط بيع الأسلحة لعرضها على الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد ذلك، بهدف الاتفاق على إنشاء سجل للأسلحة المتداولة تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة.

وبذلك تتميز المبادرة الفرنسية على المبادرة الأمريكية بأنها تعطي المنظمة الدولية دورا أكبر في القضية، كما تتميز باعتراف بأن القضاء على أسباب النزاعات الإقليمية لا بد أن يسير جنبا إلى جنب مع الحد من التسلح ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط كما يرى بوش بل في كل أنحاء العالم.

وهناك نواح إيجابية في المبادرة الفرنسية غير ما سبق ذكره، فهي تقترح أسسا صالحة لتحقيق الأمن الإقليمي مثل:
1 - حل الخلافات القائمة كوسيلة لإيجاد الثقة وروح التعاون بين دول المنطقة الواحدة.

2 - إيجاد نظام لتبادل المعلومات في مجالات التسليح لتعزيز الثقة بين الدول.

3 - المحافظة على توازن القوى الإقليمي عن طريق المفاوضات كخطوة أولى للحد من التسلح.

4 - إعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل تمهيدا لتطبيق ذلك في مناطق أخرى.

5 - تنفيذ الاتفاقيات العالمية بخصوص منع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية تحت إشراف الأمم المتحدة.

***

وكما نرى فإن المبادرات العالمية مبادرات تعبر عن مجرد أماني، وتلتف بعيدا أو قريبا حول الوسيلة الوحيدة التي تمنع انتشار الأسلحة بأنواعها المختلفة في منطقتنا، وهي حل النزاع العربي - الإسرائيلي على أساس من توازن المصالح وليست على أساس من توازن القوى، إذ إن الأخير عامل متغير حسب واردات الأسلحة والتكنولوجيا من منابعها المتعددة.

مطلوب مبادرة عربية

وهنا يحق لنا أن نطرح مبادرة عربية حتى نساهم مع من يقترحون، فالمنطقة منطقتنا والأمن أمننا والاستقرار استقرارنا.

إن علاج مثل هذه القضايا المصيرية يحتم التعامل مع أصل المشكلة وجذورها، فمنطقتنا لم تكن تعرف سباق التسلح، ولم تكن تعرف الأسلحة شديدة التدمير قبل زرع إسرائيل كجسم غريب فيها، إلا أن المطامع الإسرائيلية التي لا حدود لها ورفضها الإجماع الدولي على ضرورة حل المشاكل التي خلقتها في المنطقة على أساس الأرض في مقابل السلام هي السبب الأساسي في سباق التسلح، فإذا ما قررت الشرعية الدولية مواجهة القضية الأصلية كما واجهت العدوان العراقي على الكويت وطبقت قرارات مجلس الأمن، فإن كل المشاكل التي تحول دون الاستقرار الإقليمي سوف تتداعى الواحدة عقب الأخرى، إذ يظهر للجميع دون استثناء أن القرارات الدولية لا بد من احترامها وأنها سوف تطبق بطريقة لا تمييز فيها أو انتقاء. فهذه هي القضية الأساسية التي تتفرع عنها عشرات القضايا، ومن ضمنها تنظيم التسليح في المنطقة فإن اقتنع الجميع بذلك نكون قد وضعنا الحصان أمام العربة ونكون سائرين في الطريق الصحيح الذي يتمناه الجميع.

أما بخصوص الحد من التسلح بعد ذلك فلا بد أن يتم على أسس نقترح بعضها:
1 - ليست العبرة بإطلاق المبادرات ولكن العبرة بالإصرار على تنفيذها، فليس من الجدية في شيء أن تطرح المبادرات التي تدعو إلى الحد من التسليح جنبا إلى جنب مع الإعلان عن تعزيز الترسانة العسكرية الإسرائيلية كما هو معروف للجميع.

2 - هناك اتفاقيات دولية خاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية، أو بوضع القيود على تصدير الوقود النووي أو الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية فما هو السبيل لكي نجبر الدول على التوقيع على هذه الاتفاقيات وتنفيذ قواعدها، وإلا ما الفائدة من عقد مواثيق جديدة ما دامت المواثيق القائمة باقية دون احترام أو مصداقية؟.

3 - لا بد من تطبيق المبادرات على شتى أنواع الأسلحة دون استثناء، وعلى جميع الدول دون تمييز، حتى لا تكون المبادرات قيدا على البعض ليخضع للبعض الآخر ويستسلم له، فنحن نطالب بإعلان المنطقة منطقة نظيفة خالية من الأسلحة الذرية ومن الأسلحة شديدة التدمير، فكيف ننفذ هذا في ظل سياسة أمريكية تنص على "منع الانتشار لهذه الأسلحة لدول إضافية إذ إن انتشارا آخر سوف يهدد السلام العالمي والاستقرار الإقليمي كذلك"؟ ومعنى ذلك: ما هو الضمان في منطقتنا لدول غير ذرية تعيش مع دولة نووية، لأنه تبعا للسياسة الأمريكية فإن "ما فات مات" يعني إسرائيل الذرية تبقى، أما المحاولات العربية لتحقيق التعادل النووي فلا بد أن يقضى عليها. كيف تتعامل الدول العربية غير النووية مع إسرائيل النووية؟ ما هي الضمانات الأكيدة لمثل هذه المعايشة؟.

4 - لا بد من التبادل الكمي والكيفي عند النظر إلى التوازن الإقليمي فلا يصح أبدا أن يكون لدى إسرائيل وتعدادها لا يتجاوز 4 ملايين فرد ذات الاقتصاد المتآكل جيش تعداده نصف مليون مدجج بالسلاح وتحت يدها 3600 دبابة، 600 طائرة قتال ولديها أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية ومخازن أسلحة أمريكية يمكنها استخدامها إذا قدرت هي أن أمنها في خطر، ويكون لمصر وتعدادها 52 مليون نسمة جيش لا يتجاوز 000، 400 فرد ولديها 2200 دبابة، 400 طائرة قتال وليس لديها أسلحة نووية أو كيماوية. إن التحدث عن السلام قبل نزع الأسباب الحقيقية لعدم الاستقرار، والتحدث عن الحد من التسليح أو نزع السلاح دون النظر إلى تصحيح الأمر الواقع على أسس عادلة تحافظ على حقوق الشعوب، وتكرار الحديث عن شعارات الديمقراطية والتنمية دون وقف الإرهاب والعنف في المنطقة، كل هذا ضجيج سوف يذهب في الهواء.

التظاهر لا يجدي

إن التظاهر بحل الأزمات مع الإصرار على مجرد إدارتها لتحقيق مصالح معينة، والمناداة بالاستقرار مع بذل المحاولات لتغيير توازنات القوى القائمة، والتحدث عن المفاوضات السلمية مع مساعدة العدوان بالسلاح والمال ونقل التكنولوجيا، هو من أهم عوائق الاستقرار والتنمية والديمقراطية، ولن تصل بنا إلا إلى سراب.

وقد يهمس البعض في آذاننا أن المبادرات الحالية ربما تكون كإنذار لإسرائيل بتحديد تسليحها في المستقبل لدفعها إلى مائدة المفاوضات، وهنرى كيسنجر يرد على هؤلاء في خبث: آه من إسرائيل..!! كلما طلبت منها أن تلين وتتجه إلى مائدة المفاوضات ترفض متعللة بضعف قوتها العسكرية، وهنا نحشو جيوبها بالسلاح والعتاد ونطالبها بالتوجه إلى مائدة المفاوضات وهنا ترفض لأنها أصبحت قوية.

ولإثبات حسن النوايا فلنعالج أسباب القضايا ونحل أسباب النزاع، وأي محاولة خلاف ذلك ما هي إلا وضع للحصان خلف العربة.