أرقام

فقراء أمريكا

طوال السنوات الأخيرة، بدت الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها في صعود سياسي مستمر، ومع ذلك كان الاقتصاد، وكانت حالة المجتمع في ركود مما يثير قلق الباحثين والسياسيين هناك، لذا فإنهم لم يتوقفوا عن متابعة نتائج الركود الاقتصادي، ونتائج المنافسة الأجنبية، ونتائج حرب الخليج، وغير ذلك من قضايا تركت بصمات على المجتمع.

ضمن ما اهتمت به الدراسات في صيف 1991: حالة الفقر في أمريكا.

وبالطبع فإن الفقر عملية نسبية تختلف من مكان إلى مكان، فقراء أمريكا غير فقراء سيراليون، وفقراء سيراليون غير فقراء الهند، ولكن وبشكل عام عندما يتعذر حصول الفرد على حاجاته الأساسية مثل: المأكل والمشرب والملبس والمسكن، عندما يحدث ذلك نقول- إنه الفقر.. و.. تجري الترجمة الرقمية وفقا لمستوى الأسعار والمعيشة في كل بلد.

في الولايات المتحدة، وفي عام 1990، كان متوسط دخل الأسرة السنوي حوالي ثلاثين ألف دولار، وبالتحديد (29943) دولارا، وكان الفقير هو من ينتمي لأسرة من أربعة أفراد يقل دخلها عن (13359) دولارا، أي أن دخلا أسريا يبلغ ألفا ومائة دولار تقريبا كل شهر يدخل أفراد الأسرة في صفوف الفقراء.

على هذا الأساس نظر البعض لما يجري بانزعاج، فقد أذاع مكتب الإحصاء الأمريكي في أواخر سبتمبر (1991) أن الفقر يزداد في الولايات المتحدة وأن عدد الفقراء قد بلغ (33.6) مليون نسمة، أي (13.5%) من السكان، مقابل (12.8%) من السكان عام 1989.

كان تزايد النسبة قد توقف منذ عام 1983، لكنه عاد للظهور عام 1990، وبما يعني أنه بين كل ثمانية أفراد أمريكيين هناك - على وجه التقريب - شخص فقير.

خريطة الفقر

انخفض متوسط دخل الأسرة في الولايات المتحدة بمقدار (525) دولارا في عام 1990، لكن الجميع ليسوا سواسية، فالفقر يظهر ويختفي حسب المكان، والجنس، والأصول العرقية.

الريف أفضل حالا، ومتوسط دخل الأسرة فيه لم يهبط، بينما هبط المتوسط في الحضر بمقدار (3%) وربما ارتبط ذلك بحالة البطالة ومستوى التضخم وارتفاع الأسعار.

أيضا فإن المرأة غير الرجل، وهي- في العادة- أقل من متوسط الدخل العام بنحو ألف دولار، كذلك فإن الأطفال والشيوخ غير الشباب، فهم وحدهم يمثلون نصف قائمة الفقراء ثم تأتي الأصول العرقية لتكون الأكثر حسما في توزيع الثروة والدخل، الفقر والغنى، الرفاه والعوز..

فبالرغم من كل الحملات التي تمت لإزالة العنصرية في أمريكا، ورغم اعتلاء الزنوج الكثير من المناصب الرفيعة ورغم أنهم شركاء في الوطن منذ نشأته وليسوا من المهاجرين الجدد، رغم ذلك فإن أوضاعهم تختلف عن البيض من حيث الأجر والوظيفة وفرص الرزق.

ووفقا لما أذاعه مكتب الإحصاء الأمريكي فإنه بين كل ثلاثة من الزنوج هناك رجل فقير، بينما تنخفض النسبة عند البيض لتكون رجلا من كل تسعة، وبالتحديد فإن (32%) من السود يحملون صفة فقير، بينما تهبط النسبة إلى (11%) عند البيض.

وبالطبع فإن القارة الأمريكية خليط من شتى بقاع الأرض، لذا فهي ليست بيضا وسودا، لكنها تضم آخرين من الإسبان وجزر المحيط الهادي وغيرها. وكما تشير الأرقام فالإسبان ينافسون الزنوج حول المقعد الأول في الفقر، والنسبة تقول إن (28%) منهم في خانة الفقراء.

ثم يأتي القادمون من جزر المحيط الهادي والذين يحملون الآن صفة المواطنة وتقترب أوضاعهم من أوضاع البيض ويقتصر الفقر عندهم على (12%) منهم.

أثرياء وغير أثرياء

وخريطة الفقر الأمريكية ترتبط بالضرورة بخريطة توزيع الدخل أو الناتج المحلي.

والسؤال دائما: كيف يتم توزيع الناتج أو الدخل داخل المجتمع؟ - من يأخذ أكثر ومن يأخذ أقل؟ - وإلى أي حد يمكن أن نقول إنه توزيع عادل؟. أو إنه توزيع يساعد على الإنتاج ويمثل حافزا اقتصاديا للأفراد؟

وقد حاولت هيئات عديدة منها: الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية والبنك الدولي تصميم برنامج خاص يتابع عملية توزيع الدخل، فجاءت النتيجة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية كدلالة أخرى على حالة الفقر والثراء، وطبقا لتقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم (1991) فإن هناك عشرين في المائة من الأسر الأمريكية لا تحصل على أكثر من (4.7%) من الناتج، بينما هناك عشرون في المائة من الأسر تحصل على (41.9%) من الناتج، وفي أعلى السلم فإن ربع الناتج الإجمالي تحوزه عشرة في المائة من الأسر. البون شاسع، لكن الخريطة متكررة إذا قارنا مع دول رأسمالية وصناعية أخرى- مثل: فرنسا وبريطانيا - والتي تتقارب في هذا الناتج.

ولكن ماذا إذا كانت المقارنة مع دول نامية لا تدخل في بند الأغنياء؟

الفروق أكثر اتساعا، ويكفي أن نقول إن النصيب السنوي للفرد من الناتج القومي الإجمالي- عام 1989- كان (20910) دولارات في الولايات المتحدة و (29880) دولارا في سويسرا و (17820) دولارا في فرنسا، وذلك مقابل (340) دولارا في الهند و (350) دولارا في الصين و (640) دولارا في مصر و (6020) دولارا في السعودية.

الفقر والثراء داخل أمريكا قضية اجتماعية اقتصادية هامة في المجتمع الأمريكي، لكن الأهم هو الفقر والثراء على مستوى العالم.

التوزيع غير عادل.

والبون يتسع.

والنظام الدولي الجديد- حتى الآن- لا يقدم روشتة للخروج من الفقر.