رسالة من موريتانيا

رسالة من موريتانيا

عرفت «العربي» منذ أواخر سبعينيات القرن المنصرم حيث يندر أن يخلو منها بيت فيه مثقف أو متعلم في العاصمة الموريتانية «نواكشوط» في تلك الحقبة, بل إنني أتذكر قولة لأستاذ اللغة العربية الأستاذ محمد الحسن «رحمه الله» في الصف السادس الابتدائي في العام 1980 حين لمح احد أعداد «العربي» في حقيبتي، فربت على كتفي بحنو وقال:

- «العربي» من المجلات القليلة التي تقرأ من الغلاف إلى الغلاف.

ومنذ ذلك العام غدت «العربي» الزاد الشهري الذي ينقلني كل شهر إلى عوامل من المتعة والحبور والتشويق.

الآن وأنا في سن 41 سنة لطالما تساءلت عن السر الذي جعل «العربي» تستحوذ على القارئ وتحقق هذا الانتشار الواسع على امتداد العالمين العربي والإسلامي عن سر استمرارها رغم توقف العديد من الدوريات الرصينة والمجلات الرائعة!

أظن أن سر بقاء «العربي» متقدة ومتجددة مرده عوامل أربعة أوجزها على النحو التالي:

1- بعد «العربي» عن الآني من الموضوعات، الشيء الذي جنبها مزاجية الرقيب العربي وضمن لها ولوج كل الأقطار العربية دون استثناء.

2- تبني المجلة مشروعا ثقافيا متكامل الأبعاد حيث تطال موضوعاتها معظم جوانب المعرفة المتاحة مصحوبة بالصور التوضيحية والخرائط أو الجداول والتركيز على لغة الأرقام الأكثر إقناعا.

3- مواكبة التطورات الحاصلة في عالم النشر حيث يبدو الجهد الكبير والعناية اللافتة بالشكل الإخراجي ونوع الورق والتنسيق والتبويب.

أذكر مرة أنني قرأت تقريرا في إحدى الدوريات الأمريكية عما يسمى ملء الزوايا والذي يعنى بوضع الصور المصاحبة للمقال وحجمها ودرجة النصوع (إن صحت التسمية) والذي ثبت أنه يلعب دورا في جذب أو تنفير القارئ من المقال! وحين رجعت إلى أعداد «العربي» في مكتبتي للمقارنة أذهلني تنسيق الصور!

في سياق مواكبة التطورات نرى اهتمام «العربي» بالسياق المعرفي العام والمعاصر عبر المبثوث بين ثنايا أعدادها أو إصدارها للملحق العلمي والعربي الصغير.

4- الأسلوب الشائق والسلس لمعظم كتاب المجلة حيث تتدرج الموضوعات لتساير أذواق القراء المختلفة، فـ «العربي» وازنت بين صرامة المنهجية العلمية الرصينة والجافة التي تتطلبها بعض الموضوعات والتبسيط والبعد عن التعقيد والتي يرغبها معظم القراء لمحدودية الاطلاع فجاء أسلوب «العربي» بين الاثنين.

5 - عناية كتّاب «العربي» بالمضمون والحرص على سلامة اللغة فقد ساهمت بشكل ملموس في تحسين ذائقة القراء على مر نصف قرن من الزمن.

ولعل «العربي» من المجلات العربية القليلة التي تقرأها مختلف الأجيال في البيت العربي لأن الكل يجد فيها ما يشبع نهمه للمعرفة.

فمن أعماق قلبي ونيابة عن عائلات موريتانية عديدة تعتبر «العربي» جزءا عزيزا من مكتبة العائلة أتقدم بتهنئة ملؤها العرفان بالجميل والإحساس بالفخر، وسدد الله خطاكم وحفظ الله القيمين على مجلة «العربي».

د. الحسين الشيخ العلوي
طبيب وكاتب ومترجم موريتاني
مقيم بطرابلس / ليبيا.